شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الغُمَيْصَاءُ بنْتُ مِلْحَان.. أمُّ سُلَيْم
الغُمَيْصاء بنت مِلحان العدوية النجارية الأنصارية. واسمها سهلة، أو رُميلَة، أو أنيقة، أو رميثة. وأحسب أن اسمها سهلة، وهذه ألقاب لها كالغميصاء أو الرميصاء أم أنس بن مالك الإمام الحجة والصحابي العظيم خادم رسول الله.. وأخت أم حرام بنت ملحان زوج عبادة بن الصامت.
ويحسن بي أن أقف هنا وقفة قصيرة أشير إلى خطأ وقعت فيه، جاء في سيرة البطل الكريم ((أبو طلحة)) الأنصاري، زوج الغميصاء أم سليم، فقد ذكرت أنها هي التي غزت البحر في ((ذات الصواري)) وهما مني في اسمها المشابه لاسم أختها أم حرام زوج عبادة بن الصامت التي غزت البحر. واستشهدت هناك. وقع هذا الخطأ، ولم أجد من نبه عليه لا نقداً ولا توجيهاً. كأن الناس لا يفهمون ما يقرأون.. شيء محزن لم يمح حزنه في نفسي إلا المسرة بالهداية إلى الصواب من خلال المطالعة.. سامح الله القراء! إن الذي يكتب من سيرة هؤلاء الصحابة، والصحابيات، فيه كثير من صحيح السنة والحديث. وحرام أن يمر الخطأ فيه دون نقد أو توجيه.. فرحة، وحزن.. ثم قبل ذلك الحمد لله على هدايته وتوفيقه.
فأم سليم، صاحبة السيرة اليوم لم تغز في البحر وإنما التي غزت أختها شقيقتها أم حرام. ولعلّنا نترجم لها بعد.
تزوجت أم سليم مالك بن النضر أحد بني النجار، فولدت منه ((أنساً)) ثم تزوجها أبو طلحة زيد النجاري أيضاً. فولدت له عميراً وعبد الله.. وكيف تزوجت أبا طلحة، وكيف عاشت معه، وما هي حياتها المسلمة؟ هذا ما سيذكر بعد.
أسلمت أم سليم وبايعت ولم يسلم زوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك. وكان غائباً حين أسلمت. فجاء وقال لها: أصبوت؟؟ فقالت: ما صبوت ولكن آمنت بهذا الرجل ((تعني رسول الله)) وأخذت تعلن إسلامها تلقن أنس وتشير إليه، قل: لا إله إلا الله. قل أشهد أن محمداً رسول الله، فنطق أنس بكلمة الإسلام لقنته بها أمه. فغضب أبوه. ونهرها يقول: لا تفسدي على ابني.. وتجيب: إني لا أفسده. وخرج مالك زوجها فلقيه عدو له فقتله. فلما بلغها قالت: لا جرم، لا افطم أنس حتى يدع الثدي حباً، ولا أتزوج حتى يأمرني أنس. فيقول: قد قضيت الذي عليك، فترك الثدي أنس.. وهو يقول: جزى الله أمي عني خيراً لقد أحسنت ولايتي. وخطبها أبو طلحة. ولما يسلم بعد، فماذا قالت؟ قالت له يوماً: أرأيت حجراً تعبده لا يضرك ولا ينفعك، أو خشبة تأتي بها النجار فينجرها لك، هل يضرك؟ هل ينفعك؟
فأتاها أبو طلحة يقول: لقد وقع في قلبي نصحك. فقالت: إن آمنت بمحمد وتبعت دينه تزوجتك فلن يحل لي الزواج بمشرك. فآمن أبو طلحة. وتزوجها وكان إسلامه صداقها، وهل أغلى من ذلك مهراً. وتحدثت إلى أبي طلحة بكلمة اهتز لها وجدانه، قالت: أتعلم أن إلهك الذي تعبد إنما هو شجرة تنبت من الأرض وإنما نجرها حبشي بني فلان؟ فقال أبو طلحة: نعم.. فقالت: أما تستحيي تسجد لخشبة؟ فهل لك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأزوجك نفسي لا أريد منك صداقاً غيره.. فقال لها دعيني أنظر.. ثم ذهب فنظر، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. فقالت: يا أنس قم فزوج أبا طلحة. وسعدت بطلحة زوجاً مؤمناً خيراً كريماً. وسعد أبو طلحة بها زوجة مؤمنة كريمة حافظة للعهد.. وسعد أنس بهذا الذي أصبح زوج أم يرعاه ويحميه وسعد أنس أكثر وأكثر حينما التحق بخدمة الرسول.. مكث بضع سنوات يخدم النبي ما قال له لشيء تركه أو لشيء فعله شيئاً، بل كان قوله: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وكان رسول الله يكرمها.. لأنها هي المؤمنة وزوجها المؤمن وابنها المؤمن الخادم الأمين، واحد من أهل البيت..
كان رسول الله يزور أم سليم أحياناً فتدركه الصلاة فيصلي على بساط لها من حصير ينضحه بالماء. وكان يزورها فتتحفه بالشيء تصنعه له فإذا دخل البيت لاعب عميراً ابنها ((يا أبا عمير ما فعل النغير)) ودخل مرة فقال: يا أم سليم ما شأني أرى أبا عمير خائر النفس، فقالت: يا نبي الله ماتت صعوة (عصفورة) له كان يلعب بها.. فجعل النبي يمسح برأسه ويقول: يا أبا عمير ما فعل النغير؟.. ولم يكن رسول الله يدخل بيتاً غير بيت أم سليم إلا على أزواجه.. فقيل له.. فقال: إني أرحمها، قتل أخوها معي.. وقالت هي: كان رسول الله يقيل في بيتي فكنت أبسط له نطعاً فيقيل فيعرق فكنت آخذ سكاً فأعجنه بعرقه.. وسمعها محمد بن سيرين فقال: فاستوهبتها بعضها من ذلك السك فوهبت لي منه.. فلما مات محمد بن سيرين حنط بذلك السك (1) فقد كان يعجبه أن يحنط الميت بالمسك. وقال (2) رسول الله في بيت أم سليم على نطع فعرق، فاستيقظ الرسول وأم سليم تمسح العرق فقال: يا أم سليم ما تصنعين؟ قالت: آخذ هذا للبركة التي تخرج منك. ودخل رسول الله على أم سليم بيتها. وفي البيت قربة معلقة فيها ماء، فتناولها فشرب من فيها ((فمها)) وهو قائم، فأخذتها أم سليم فقطعت فمها فأمسكته عندها! ودخل عليها مرة. فأتته بتمر وسمن.. فقال الرسول: أعيدوا سمنكم في سقائكم وتمركم في وعائكم فإني صائم. ثم قام في ناحية البيت فصلى صلاة مكتوبة. فدعا لأم سليم ولأهل بيتها. فقالت أم سليم: يا رسول الله: إن لي خويصة.. فقال: ما هي؟ قالت: خادمك أنس، فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا له به ثم قال: اللَّهم ارزقه مالاً وولداً وبارك له.. فإنه لمن أكثر الأنصار ولداً ومالاً. فقد دفن له حتى عهد الحجاج الذي عذبه في البصرة تسعة وعشرين ومائة ولد من صلبه. وبعثت أم سليم ولدها أنس بمكتل (زنبيل) فيه رطب، فلم يجد النبي في بيته وإنما كان عند مولى له خياط يعالج صنعة له، وقد صنع له ثريدة بلحم وقرع، فدعا أنس يأكل معه، ويقول أنس فلما رأيته يعجبه القرع جعلت أدنيه منه، فلما رجعت إلى منزله وضعت المكتل بين يديه فجعل يأكل منه ويقسم حتى أتى على آخره.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فإذا أنا بالغميصاء بنت ملحان، نعم هل جزاء الإحسان إلا الإحسان!! أحسنت بإيمانها، وأحسنت برعايتها لولدها، لزوجها. لرسول الله. وسألها رسول الله: ما لأم سليم لم تحج معنا هذا العام؟ قالت: يا نبي الله كان لزوجي ناضحان، فأما أحدهما فحج عليه، وأما الآخر فتركه يسقي عليه نخله.. فقال النبي: فإذا كان رمضان و شهر الصوم فاعتمري فيه فإن عمرة فيه مثل حجة، أو تقضي مكان حجة.. أو قال: عمرة في رمضان تجزيك عن حجة معي. وكانت أم سليم مع نساء النبي وهن يسوق بهن سواق، فأتى عليهن النبي فقال: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير. وكانت في ((أُحد)) تحمل خنجراً في طيات ثوبها. تسقي الماء وتداوي الجرحى وتدافع عن رسول الله. وفي ((الخندق)) رآها النبي تحمل الخنجر فسألها ماذا تفعلين به؟ فقالت: أقاتل به الطلقاء. فقال الرسول: لقد كفاك الله ذلك.
ومرض ولدها عمير، وأبو طلحة والده غائب في بعض حيطانه.. فهلك الصبي قبل أن يحضر أبوه. فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوباً. وقالت لمن معها: لا يكون أحد يخبر أبا طلحة حتى أكون أنا الذي أخبره.. فجاء أبو طلحة فتطيبت له، وتصنعت له، وجاءت بعشاء.. فقال ما فعل أبو عمير؟ فقالت: تعش فقد فرغ. فتعشى، وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله.. ثم قالت: يا أبا طلحة أرأيت أهل بيت أعاروا أهل بيت عارية فطلبها أصحابها أيردونها أم يحبسونها؟ فقال: بل يردونها عليهم. قالت فاحتسب أبا عمير، فانطلق كما هو إلى النبي فأخبره بقول أم سليم، فقال الرسول: بارك الله لكما في غابر ليلتكما!
وحملت أم سليم ثم ولدت عبد الله، فلما حل اليوم السابع، دعت أنس وقالت: اذهب بهذا الصبي وهذا المكتل وفيه تمر إلى رسول الله حتى يكون هو الذي يحنكه ويسميه.. فأتى به أنس، فمد الرسول رجليه وأضجعه في حجره وأخذ تمرة فلاكها ثم مجها في فم الصبي، فجعل الصبي يتلمظها، فقال النبي: أبت الأنصار إلا حب التمر!
وبارك الله في عبد الله، فولد سبعة بنين كلهم قد حفظ القرآن. ولا أحسبني قد أوفيت أم سليم المباركة وزوجها وبنيها وأخص منهم سيدنا أنس حقهم من التكريم والإجلال.. رضي الله عنهم أجمعين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :628  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 162 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.