شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هِنْدٌ.. أمُّ سَلَمَة
أم المؤمنين هند. أم سلمة بنت أمية. سهيل زاد الراكب ابن المغيرة القرشي المخزومي. عمها الوليد بن المغيرة. الوحيد والعدل، وابن عمها أبو سليمان خالد بن لوليد والحارث بن هشام وعمرو بن هشام من قوم انتهى إليهم العز والسؤدد والشرف في الجاهلية.. هم بنو مخزوم، وهي في الذروة منهم، فأبوها زاد الراكب قاري الضيف ومطعم الجائع، وأهلها كل واحد منهم علم لم يتخلف، شأن واحد منهم في الإسلام عنه في الجاهلية، فهم كما كانوا رؤساء في الجاهلية. كان الواحد رأساً سيداً في الإسلام (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) وزوجها أبو سلمة ابن عمها ومخزومي مثلها. تزوجها أبو سلمة واسمه عبد الله.. وكأنما الترجمة لها لا تتم ولا تظهر معالمها إلا بالتعرض لجزء غير يسير من سيرة زوجها العظيم الشهيد رضي الله عنه.
أسلما هي وزوجها، وبنو مخزوم بقضها وقضيضها تركب رأسها تعاند الإسلام. عمها الوليد يؤلب ويكيد. وابن عمها ومن معه يصبون الأذى صبًّا على إخوانها في الإسلام وعلى أخيها من الرضاعة المؤمن السابق مولى مخزوم ابن جاريتهم. عمار بن ياسر.
أسلما لا يخافان العزة أن تزول لأنهما يعرفان أنه بإسلامهما تدوم العزة ويسود السؤدد. أسلما وكأنما يسجلان الفشل الذريع على الكائدين من المشركين من المخزومين والعبشميين والعبدريين والعامريين ويشيران إلى أصحاب محمد: ها نحن أولاء المخزوميون قد أسلمنا كما أسلم قبلنا ابن عمنا الأرقم فلم ينلنا أذى من قومنا. فأسلموا ليزول الأذى بالقوة لا ليتوقف بالمنة من القرابة القريبة إنها لإشارة قاتلة، شطرت المخزوميين إلى شطرين ووزعت عقولهم ونزعت من غلهم الشيء الكثير تحجبهم القرابة والحمية لا يرضون أن ينال قريب لهم بأذى.
وهاجر السابقون إلى الحبشة، فهاجرت هي وزوجها أبو سلمة يفران بدين لأنهما سيرجعان منتصرين لهذا الدين.. الإسلام. ومكثا في الحبشة ما شاء الله أن يمكثا، فولدت له هناك سلمة وعمر ودرة وزينب. ورجعا إلى المدينة بعد أن استتب الأمر بهجرة محمد إليها ونصرة أنصارها له. وخرج الإسلام كله وتخلف النفاق كله وبرز الكفر كله في غزوة أُحد. وخرج في جيش الإسلام المسلم المهاجر البدري أبو سلمة زوجها قد ضل المعركة، فرماه أبو سلمة الجشمي (اسم وافق اسماً) بسهم. فمكث شهراً يداوي جرحه حتى برئ فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقود سرية فلما عاد انتقض الجرح فمات شهيداً شأنه كشأن صاحبه في أُحد ((مالك بن سيناء)) والد أبي سعيد الخدري. جرح في أُحد ومكث أياماً بعدها فمات بجرحه فعد شهيداً. ومثلهما كمثل سعد ابن معاذ جرح بسهم في الخندق ومكث أياماً فمات بجرحه فعد شهيداً رضي الله عنه.
فاعتدت أم سلمة حتى خطبها رسول الله لنفسه وتزوجها فكانت أم المؤمنين. وقبل أن يسأل كيف تزوجها؟ ينبغي أن نسأل كيف هاجرت إلى المدينة وماذا لقيت؟ حبسها قومها عن زوجها وسلطوا عليها الحرمان والفاقة فلم تجزع وصبرت على بعد الزوج وغربة النفس وجور الأقربين وعذاب الأهلين، ولعلّهم حينما رأوا صبرها استحيوا من أنفتها ولعلّها أغلظت عليهم فمنعتهم مروءتهم - وكل عربي ذو مروءة - أن تفضحهم بما صنعوا بها من الحرمان فأذنوا لها بالهجرة.. وحدها!! على بعيرها تسوقه في هذه الفلاة ليس معها أحد غير الله، فساق الله لها عربياً قرشياً عبدرياً ذا مروءة. لقيها عثمان بن أبي طلحة العبدري سيد بني شيبة في التنعيم وكان مشركاً لم يسلم بعد. وعجب عثمان لهذه الظعينة تمشي وحدها في حجرها أطفالها فسأل.. من أنت؟ ما شأنك؟ فقالت وقد عرفته عند بنت سهيل بن المغيرة فبماذا أجاب؟ أشعر لو أغمضت عيني لأتخيل جوابه لوجدت أنه قد وضع يديه على رأسه كالمصاب من قبح الفعلة تأتي على يد مخزوم.. ابنة زاد الراكب تسير وحدها؟ ما هذا بالنصف؟ لقد عجز قومك.. ولو كان حاسداً بغيضاً قد خلا من المروءة والنجدة لا يعرف معنى قريش لقريش ومعنى العبدري للمخزومي في حال كرب ويوم كربة، لتركها ليرفع عقيرته في مكة بفضح مخزوم بما صنعت، فلا يدع لها مجد المغيرة ولا عزة مخزوم ولا فخرها بالوليد، ولو كان فظاً شرساً لأرغمها على العودة ولكنه لم يفعل لأنه السيد الكبير الكريم بل اعتزم أمراً أراد به الحفاظ على مجد مخزوم، فلوى زمام ناقته واتجه في اتجاهها وقال سيري لقد عزمت أن أسير معك أجنبك الوحشة وأحميك في الطريق. وسار معها. هو على ناقته قدامها وهي على بعيرها فإذا أناخت أناخ بعيداً عنها يقضي لها حاجتها يصنع ذلك طول الرحلة حتى وصلت قباء فأسلمها إلى الأمن والسكينة، وركب ذلوله عائداً إلى مكة.
وتقول أم سلمة في عرضها لهذه القصة: إنه ما التفت إليها، ما نظر، ما تكلم بعبث، بل كان الأمين والصائن: شرف السيد وشرف السيدة، كرامة العظيم وكرامة العظيمة.. أفتقولون بعده: إن العرب أجلاف غلاظ غير متحضرين. إنهم وربي لأحق الناس بحمل رسالة الإسلام دين الخلق النظيف نزلت فيهم وعليهم وانتصروا بها وانتصرت بهم فنشروا راية التوحيد كما نشر فيهم دوافع الوحدة.. إنهم لأهل لنشر رسالة محمد فحملوها ونشروها في الخافقين ولأنهم قبلها وبها وبعدها حملوا مكارم الأخلاق. ومصداق ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فقد كانوا على خلق نظيف زاده الإسلام تماماً وكمالاً.
واطمأنت نفسها بالقرب من الزوج والجوار للنبي والحياة في معترك الأحداث بين الإسلام وقريش في وقعة فاصلة هي (بدر) وقد كان زوجها من أبطالها وفي وقعة محزنة هي (أُحد) كان زوجها من شهدائها.
وكانت وهي الصحابية المسلمة تسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصحه ووعظه فسمعت منه قوله إذا أصابتك مصيبة فقولي اللَّهم أعطني أجر مصيبتي واخلفني خيراً منها. وفي حديث آخر حدثها به زوجها أبو سلمة (ما من عبد يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمره الله به من قول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللَّهم أجرني في مصيبتي وعوضني خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته وكان قمناً أن يعوضه الله خيراً).
فلما مات أبو سلمة تذكرت حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللَّهم آجرني في مصيبتي وعوضني خيراً منها. وسألت نفسها هل أعوض خيراً من أبي سلمة؟ ثم وجدت نفسها قد أعاضها خيراً من أبي سلمة. وإنها لترجو أن يكون الله قد آجرها في مصيبتها. وتحدثت أم سلمة مع زوجها فقالت: بلغني أنه ليست امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة وهي من أهل الجنة ثم لم تتزوج بعده إلا جمع الله بينهما في الجنة، وكذلك إذا ماتت المرأة وبقي الرجل بعدها، فتعال أعاهدك ألا تتزوج بعدي ولا أتزوج بعدك فقال أبو سلمة: أتطيعنني؟ فقالت أم سلمة ما استأمرتك إلا وأنا أريد أن أطيعك. فقال: فإذا مت فتزوجي. ثم قال اللَّهم أرزق أم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني لا يحزنها ولا يؤذيها.
فلما مات أبو سلمة قالت: من هذا الفتى الذي هو خير لي من أبي سلمة؟ فلبثت ما لبثت ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام على الباب فذكر الخطبة إلى ابن أخيها أو إلى وليها أياً كان فقالت أم سلمة أرد على رسول الله وأتقدم عليه بعيالي. ثم جاء الغد فذكر الخطبة فقلت مثل ذلك ثم قالت لوليها إن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوج. فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها ودخل رسول الله صلَّى الله ليه وسلم على أم سلمة قبل أن يخطبها يعزيها بأبي سلمة فقال: اللَّهم عز حزنها وأجبر مصيبتها وأبدلها بها خيراً منها.. فعزى الله حزنها وجبر مصيبتها وأبدلها خيراً منها وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحين انقضت عدتها وقبل أن يذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها أبو بكر فردته ثم خطبها عمر فردته فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم برسول وبعد تفكير وروية قالت مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبرسوله.. أخبر رسول الله أني امرأة غيري وأني مصبية وأنه ليس أحد من أوليائي شاهداً فبعث إليها رسول الله: أما قولك إني مصبية فإن الله سيكفيك صبيانك، وأما قولك إني غيرى فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهداً ولا غائباً إلا سيرضاني. فقالت أم سلمة لابنها: يا عمر قم فزوج رسول الله. فقال رسول الله: أما إني لا أنقصك مما أعطيت أختك فلانة - رحيين وجرتين ووسادة من أدم حشوها ليف.
وكان رسول الله يأتيها فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيياً كريماً يستحيي فيرجع، فعل ذلك مراراً.. ففطن عمار بن ياسر لما تصنع فاقبل ذات يوم وجاء عمار، وكان أخاً لأم سلمة من الرضاعة.. أرضعتها سيدتنا سمية الجارية مولاة مخزوم وأم عمار. فدخل عمار فانتشط زينب من حجرها وقال: دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي آذيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخل الرسول بعد ذلك فجعل يقلب بصره في البيت يقول أين زناب؟ ما فعلت زناب. قالت أم سلمة جاء عمار فذهب بها.. أعطاها لمرضع في قباء فبنى رسول الله بأهله ثم قال إن شئت أن أسبع لك سبعت للنساء. ودخلت أيم العرب على سيد المسلمين أول العشاء عروساً وقامت من آخر الليل تطحن.. وأقام الرسول عندها ثلاثاً وقال ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك وسبعت لسائر نسائي وإلا فإنما هي ثلاث ثم أدور.. فلما خرج بعد ثلاث أخذت بثوبه كأنما تمنعه أن يخرج فقال ما شئت، إن شئت أن أزيدك زدتك ثم قاصصتك به بعد اليوم.. ثلاث للثيب وسبع للبكر.
وحينما تم العقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إني آتيكم الليلة قالت أم سلمة وضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرتي وأخرجت شحماً فعصدته له.. عشاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتحدثت هند بنت الحارث الفراسية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لعائشة مني شعبة ما نزلها مني أحد فلما تزوج أم سلمة سئل رسول الله ما فعلت الشعبة؟ فسكت الرسول فعرف أن أم سلمة قد نزلت عنده.. وتحدثت عائشة فقالت لما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت حزناً شديداً لما ذكروا لنا من جمالها. فتلطفت لها حتى رأيتها فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال ثم ذكرت ذلك لحفصة - وكانتا يداً واحدة - فقالت حفصة لا والله إن هذه إلا الغيرة ما هي كما يقولون فتلطفت لها حفصة حتى رأتها فقالت قد رأيتها ولا والله ما هي كما تقولين ولا قليل وإنها لجميلة فقالت عائشة ورأيتها بعد فكانت لعمري كما قالت حفصة ولكني كنت غيرى.
وتحدث النبي إلى أم سلمة فقال: إني قد أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك وحلة وإني لا أراه إلا قد مات ولا أرى الهدية التي أهديت إليه إلا سترد إلي، فإذا ردت إلي فهي لك. ومات النجاشي وردت الهدية إلى النبي فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية أوقية من مسك، وأعطى سائره أم سلمة كما أعطاها الحلة. وكانت معه في حجة الوداع فأمرها أن تسرع إلى مكة لتصلي الصبح يوم النحر، وكان يومها فأحب أن توافقه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ومعه في ذلك السفر صفية بنت حيي وأم سلمة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هودج صفية وهو يظن أنه هودج أم سلمة لأن ذلك اليوم يومها. فجعل رسول الله يتحدث مع صفية فغارت أم سلمة فترك صفية وجاء إلى أم سلمة فقالت: تتحدث مع ابنة اليهودي في يومي وأنت رسول الله. ثم رجعت إلى نفسها وندمت على تلك المكالمة فكانت تستغفر منها وقالت: يا رسول الله أستغفر لي فإنه ما حملني على هذا إلا الغيرة. وماتت أم سلمة في سنة تسع وخمسين وصلَّى عليها أبو هريرة ودفنت بالبقيع وعمرها أربع وثمانون سنة.
وليس التعليق على شيء من سيرتها باليسير السهل، ولكنه العجيب الكريم لأنه من أخبارها وما يفهم منها وعنها هي أخت عمار من الرضاعة، ورسول الله أخو زوجها أبي سلمة من الرضاعة دافع قوي. يحمل الرسول على أن يرعى كرامة الأخ في صيانة بنيه، ودافع قوي أن يحمي المؤمنة المهاجرة من كل ما يؤلم، ومن كل الفاقة. فاقة الأنثى وفاقة العيال. والرضاعة نسب قوي، نزل به قرآن، وقرابة قريبة قد يكون دافع الحب فيها أقوى - لقوة معنى الأمومة - من النسب.. فدع عنك السفيه المتظرف وهو يقول: ونحن ترضعنا البقر والمعز نشرب لبنها - فلماذا لا يحرم نسب تكون البقرة فيه أماً.. فساد في العقيدة وخراب في النفس، فلو أنه قال: لمن شك في ذلك استحي فإنها أختك لكان الخبر، ولكنه تشكك وأطال، فما نال إلا سخرية من قومه المسلمين. الأخلاق ليست على هوى نفس واحدة وإنما هي قانون النفوس جميعها فالشك في حرمة الرضاعة يحمل على التشكيك في حرمة الأم والأخت، فكثير من الجاحدين والفاسقين والمارقين لا يحرمون في سلوكهم أماً ولا أختاً ولا عمة ولا خالة.. سواء من النسب أم من الرضاعة. وهم في دنيا الناس كثيرون..
الرسول يذكر زينب. فيفهم أحدهم أنها بنت أم سلمة، ولم يعلم أنها بنت جحش، فقال الرسول: لا. لو لم تكن ربيبتي لما حلت لي. لأنها بنت أخي من الرضاعة. أفبعد هذا يقول فارغ، ما هي الأخوة من الرضاعة؟ وذكرت عائشة جمال أم سلمة، فلنذكر عقلها ورجاحة حكمها. لعمر الحق أنه لم يسد الفراغ الذي حدث بعد وفاة خديجة إحدى نساء النبي ما سدته أم سلمة. إنها خديجة الثانية. رجاحة عقل ورفعة قدر، وقوة إيمان، وتضحية وبذل.
لها موقف كريم يوم الحديبية.. قالت: قم وانحر يا رسول الله فإن رأوك نحرت نحروا، وفرج كرب ونحر رسول الله، ونحر الناس، ورجعوا بالفتح المبين.. اليوم يوم الحديبية، والمكان تحت شجرة الرضوان إنها الكريمة المؤمنة العظيمة رضي الله عنها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :640  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 161 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.