شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سَلمَانُ الفَارسي
سلمان الفارسي.. أبو عبد الله مولى رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وسلم. ويعرف بسلمان الخير.. أصله من فارس من رامهرمز من قرية يقال لها ((جئْ)) ويقال بل كان أصله من ((أصبهان)). وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام من بني آدم. وروى سلمان الفارسي قال: كنت من أبناء أساورة فارس. كان يطلب دين الله تعالى ويتبع من يرجو ذلك عنده فدان بالنصرانية وغيرها، وقرأ الكتب في ذلك على مشاق نالته وذلك كله مذكور في خبر إسلامه، تداوله في ذلك بضعة عشر رباً (سيداً) من رب إلى رب حتى أفضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الله عليه بالإسلام.
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه على العتق.. أتى سلمان بصدقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه صدقة عليك وعلى أصحابك. فقال: يا سلمان.. إنا أهل البيت لا تحل لنا الصدقة.. فرفعها. ثم جاءه من الغد بمثلها فقال هذه هدية. فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا. واشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوم من اليهود بكذا.. وكذا درهماً، وعلى أن يغرس لهم، كذا، وكذا من النخيل. يعمل فيها سلمان حتى تدرك، فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخيل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فأطعم النخيل كله إلا تلك النخلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غرسها؟ قالوا عمر: فقلعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرسها بيده فأطعمت ومن عامها.. والحائط الذي غرس له يسمى الآن (الفقير) في العالية (العوالي).
دخل قوم على سلمان وهو أمير على المدائن فرأوه يعمل الخوص فقيل له: تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق. فقال: إني أحب أن آكل من عمل يدي.. لقد خرج من دنيا فارس. لا يريدها وهو فرد من العامة فلما عاد إليها لم تبطره الإمارة في بلد كل ما فيها يبطر ويبهر. تعلم عمل الخوص بالمدينة من الأنصار عند بعض مواليه، ولا يزال فريق من أهلها يعملون من الخوص أشياء كثيرة.
أول مشاهده الخندق. وهو الذي أشار بحفره. فقال أبو سفيان وأصحابه إذ رأوه: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.. وقد قيل: إنه شهد بدراً واحداً، إلا أنه كان عبداً يومئذ، والأكثر أن أول مشاهده الخندق. ولم يفته بعد ذلك مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان خيراً فاضلاً، حبراً عالماً زاهداً متقشفاً.
كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به ويأكل من عمل يده. وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها. لا يستظل بسقف وإنما كان يستظل بالجدار والشجر. وقال له رجل: ألا ابني لك بيتاً تسكن فيه؟ فقال: ما لي به حاجة. فما زال به الرجل حتى قال له: إني أعرف البيت الذي يوافقك. قال: فصفه لي: قال ابني لك بيتاً إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه وإن أنت مددت فيه رجليك أصابهما الجدار. قال: نعم. فبنى له بيتاً كذلك، زهد سار عليه هو، أما الإسلام وإن حض عليه فإنه لا يلزم الجميع به. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان.
وفي رواية أخرى ((لناله رجال من فارس)) وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان رضي الله تعالى عنهم قال أبو هريرة: كان سلمان صاحب الكتابين. يعني الإنجيل والفرقان. تحدث عنه علي كرم الله وجهه فقال: علم العلم الأول والآخر، بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت. وقال علي أيضاً: (سلمان الفارسي، مثل لقمان الحكيم). وتحدث عنه كعب الأحبار قال: (سلمان حشي علماً وحكمة).
أتى أبو سفيان على سلمان، وصهيب، وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. فقال: يا أبا بكر لعلّك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك جل وعلا. فأتاهم أبو بكر فقال: يا أخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يا أبا بكر يغفر الله لك. ولو قالها غير أبي بكر لغضبوا لأنهم يعرفون أن أبا بكر لم يقلها حمية، وإنما دعا إلى التآلف والمحبة والعفو. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين أبي الدرداء، فكان إذا نزل الشام نزل على أبي الدرداء.
وروى أبو جحيفة أن سلمان جاء يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة. فقال: ما شأنك؟ قالت إن أخاك ليس له حاجة في شيء من الدنيا. قال فلما جاء أبو الدرداء رحب بسلمان وقرب له طعاماً، قال فقال سلمان: أطعم. قال: إني صائم. قال: أقسمت عليك ألا ما طعمت إني لست بآكل حتى تطعم قال: وبات سلمان عند أبي الدرداء فلما كان الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان وقال: يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً، وأن لجسمك عليك حقاً. فأعط كل ذي حق حقه، فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن. قال فقاما فصليا. ثم خرجا إلى الصلاة فلما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو الدرداء وأخبره بما قال سلمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال سلمان. واختلف في وفاته. قيل توفي في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين للهجرة وقيل بل سنة ست وثلاثين في أولها. وقيل توفي في آخر خلافة عمر رضي الله عنه والأول ارجح. ذكر الشعبي أنه توفي في علية لأبي قرة الكندي بالمدائن. ويعد في الكوفيين.
وهذا بطل ليس عربياً وإنما هو فارسي، ينتمي إلى شعب عريق في الحضارة وإلى دولة قوية كانت إمبراطورية كبرى في العالم، لها تاريخ ولها فلسفة، خاضت حروباً في التاريخ تطور معها تاريخ الإنسان ووصلت إلى درجة من الرقي يفخر بها أبناؤها. لقد كان إسلام سلمان انتصاراً على معركة النفس في معارك الفلسفة والدولة، فالمذهب الفلسفي الزرادشتي والعقيدة المانوية ظلت محصورة في فارس، لا هي انحدرت إلى الجنوب لأنهم لم يعوا لها وما أراد أصحابها نشرها، ولا جيرانهم أحبوا اعتقادها.
انحصرت في فارس كأنما أرادوا الامتياز بها على الآخرين، لأنها تراث الإمبراطورية أو سياجها. فأخرها ذلك وفشلت كعقيدة في داخل الإمبراطورية. فالعقيدة الحقة ليست عقيدة الأسرة أو البيت أو الإقطاعية و حتى الإمبراطورية.. إن العقيدة التي تسير في كل مكان ويتقبلها كل إنسان هي عقيدة الناس جميعاً، يتقبلونها في بساطتها وفي قوة الحق يسطع في تعاليمها ومن قرآنها.. إنها عقيدة الإسلام. لأنها لم تكن عقيدة فرد معين أو أسرة معينة أو قوم دون قوم. يتعالون بها ويمتازون، والإسلام حينما هاجر سلمان من فارس يفتش عن الحق لم يظهر بعد، فسلمان قد عمر طويلاً. لم يعش في الإسلام إلا قليلاً أما المائتان أو أكثر أو اقل، فقد عاشها يجوب الأرض. يسأل عن الحق. لأنه لم يجده في النار. ولا في الظلمة ولا في المانوية كلها.. وجد بصيصاً منه في المسيحية ولكنه مسحها لأنها لم تعد دين الحق. وإنما أصبحت حرفة القساوسة. ووجد شيئاً مما يريد في اليهودية فطرحها. لأنها لم تسر على تعاليم التوراة، وإنما كانت في تعاليم الحاخام وعنصرية اليهود. وحينما سمع بالإسلام ظل عبداً يحرث ليهود سادته في العالية.. فذهب إلى رسول الله محمد فأسلم.. وكيف أسلم هو وأصحابه يقصون القصة ويخبرون الخبر.
لقد كانت التقوى يتقمصها أو تستحوذ عليه. كان خيراً كله مرضياً عنه، رضي الله عنه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :597  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 160 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الرابع - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج