شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مواقف لعبد الملك بن مَروان
وكاتب التاريخ ينبغي له أن تتجاوز عواطفه مع عقله لئلا تزحف به العاطفة إلى هضم التاريخ أو ينحرف به العقل إلى قتل العاطفة. فبعض ما نقرأ من استقراء التاريخ نجد عقلاً لا يتعاطف أو عاطفة لا تخضع لعقل، فهذا عبد الملك بن مروان ثاني الملوك في الإسلام كما هو وصف المنصور أبي جعفر له، فالمنصور يرى أن الملوك ثلاثة: معاوية بن أبي سفيان، وعبد الملك بن مروان، وهو.
ولم ينحرف المنصور وهو لم يكن لمعاوية، ولم يكن لعبد الملك. ذلك عمل عقله أو تعامل عاطفته لنفسه، غير أنه تناسى الملك الرابع الذي هو أعني المنصور لقبه بصقر قريش. عبد الرحمن الداخل.
سقت هذه المقدمة لأن عبد الملك بن مروان له ثلاثة مواقف تدل على حصافته ليس منها أنه لم يتأخر عن انتشار الفتح العظيم وإنما هي موقفه مع الحَجَّاج من أجل أنس بن مالك رضي الله عن أنس.
وموقفه مع عبد الرحمن بن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه من أجل الحجَّاج، وموقفه من أجل صديقه الإمام عامر بن شراحيل الشعبي، فالحجَّاج وفي الكوفة صب الإهانة على سيده رغم أنفه وإن لم يكن هو الملك ألا وهو سيدي خويدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك، فسمع عبد الملك وغضب، وردع الحجاج ردعاً سجل في التاريخ.
فعبد الملك وإن أصبح الملك فما زال فيه الحنين إلى المسجد وأهل المسجد، فالتطبع لا يقتل الطبع، وإن أخذ منه.
وكان الحجاج أول الأمر أو بعد قتله وصلبه لابن الزبير وعدم احترامه لأسماء ذات النطاقين أبقاه عبد الملك أميراً على الحجاز، وإذا الحَجَّاج وهو يكتب التقارير لعبد الملك يثني على واحد من أعيان مكة بل من أعيان قريش اسمه عبد الرحمن بن طلحة، عجب عبد الملك من موقف ابن طلحة كيف أطاع بل كيف استطاع ألا يكون على رأس فتنة، فأرسل إلى الحَجَّاج يقول له: تعال ومعك ابن طلحة، ووصل إلى دمشق، وجلس عند عبد الملك، فإذا هو يصرف الحجَّاج عن المجلس لئلا يكون إلا وهو مع ابن طلحة وحدهما.
وأخذ عبد الملك يخبر عبد الرحمن بن طلحة عن ثناء الحجَّاج عليه، وصداقته له، فإذا ابن طلحة يقول له: كاف هذا موقفي لئلا أنال، لأني لا أريد أن أنال شيئاً ولكني أقول لك إن الحجاج صعب على أهل مكة أن يحكمها، صعب على الحجاز أن يكون الحَجَّاج أميره، سمع عبد الملك وأطرق يعجب بل ويستحسن، وأخذ ينادي الحجَّاج يقول له: لقد صدق حسن ظنك في ابن طلحة، ها هو يستقل عليك حكم الحجاز، ويريد مني أن أوليك ثغوراً هي في حاجة إليك، لقد وليتك حكم العراق.
كان ابن طلحة أخذته خشية أن يثير الحجَّاج عليه، ولكن حصافة عبد الملك سمع بها النصيحة، وما خرب العلاقة بين الاثنين، إنها ثقته في ابن عمه، أو ليس عبد الملك كان قومياً.
أما موقفه مع صاحبه يوم كان عبد الملك حمامة المسجد، فقد أرسل قيصر الروم يطلب من عبد الملك أن يبعث إليه رجلاً يثق به ليعرف عنه الكثير مما يريد عن الإسلام والعرب وملك الشام، فبعث عبد الملك صديقه الشعبي ذلك الرجل الذي هداه عقله ألا يخوض فتنة، واجتمع عامر بن شراحيل الشعبي مع القيصر، تحدث إليه، أعجب القيصر بما سمع وأعطى الشعبي خطاباً مختوماً إلى عبد الملك، وقرأ عبد الملك الخطاب أمام الشعبي، إذا فيه كلمة من القيصر: (عجبت لأمة فيها مثل هذا الرجل كيف تركوه، وبايعوك أنت ملكاً عليه). وقرأ عبد الملك الكلمة على الشعبي فأخذت الشعبي بعض المخافة أن يبطش به عبد الملك فإذا ابن مروان عبد الملك يقول للشعبي: لقد حسدني عليك، فأغراني أن أنتقم منك، ولست ذلك الغر، فأنت عندي في مكانك الرفيع.
أكتب هذا ولست الكاتب عن نفسي، ولا عن تنفسي وإنما عن نفاسة تاريخ الرجال يوم كان هناك رجال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :749  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 136 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.