شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اللغة إعراب.. وَالأرض تعريب
واللغة ألفاظ نعرب بها عما نريد، أو هي عطاء المعرفة، نقرأُها نمثلها إذا ما هضمناها، ثم نعرب عنها، في حديث نرسله أو نكتبها على قرطاس، غير أن هذه اللغة الشاعرة والتي هي عنوان العروبة قد لا تحفظ نفسها إذا غابت عن أرضها إن شرّقت أو غربت، ولكن الأرض العربية هي التي تحفظ العروبة لغة وسماتٍ واتجاهاً، كأنما الأرض العربية لها حدُّ معروف، فهي التي تصنع التعريب لإنسانها، والتي هي الصوانة لعروبة إنسانها من عمق عروبتها.
ولقد قلت من قبل لقد شرّق الفتح فلم يعرّبه وإن اهتدى إنسان الأرض لدين الإسلام، وغرب الفتح فعرّب، فإذا غرب السويس هو العربي تفصحت العروبة اللغة بجندي الفتح وتأصلت فصاحة اللغة بموجة بني هلال وسليم، فالذين عابوا بني هلال فقالوا إنهم خرّبوا، رد عليهم بن باديس العربي عروبة حِمير يقول: (لأن قيل إنهم خرّبوا، فلنقل إنهم عرّبوا) فالفاتح الأول والهلالي بعد، عرّبوا اللسان وإنما الأعراق فلم تكن إلا العربي من عروبة الأرض.
فالأرض شرقُها من شرق الفرات والخليج الأزرق وغربها على الشمال الأفريقي على المحيط الأطلسي حول الوطأة الأخيرة لذي القرنين المصعب الحارس اليمني القحطاني بل الحِميري، ومن حول وطأة عقبة ابن نافع الفهري ويعني القرشي.
ويحتاج الأمر إلى تفصيل نؤكد به التأصيل، فالرومان لم يستطيعوا وقد بسطوا سلطانهم في شمال الجزيرة العربية يعني الشام كلها، كما بسطوا هذا السلطان على جنوب البحر الأبيض من غرب السويس إلى ساحل المحيط، بسطوا هذا السلطان استعماراً واستغلالاً كإمبراطورية عظمى في ذلك الوقت، نداً لإمبراطورية عظمى كذلك ألا وهي إمبراطورية الفرس، غير أن هذا السلطان لم يفرض سلطان الأعجمية على الأرض العربي شامها ومصرها، وكل مغربها، ولم يكن الصوان للعروبة على أرضه هو الإنسان العربي وحده، وإنما هي الأرض العربية لا تقبل إلا عروبتها.
والعراق استغول عليه سلطان الفرس ولكنه بقي عربياً لأن الأرض صوانة لعروبتها، حتى إن العراق الذي كان كلدانياً بابلياً أبت أرضه إلا أن تستحوذ على العابرين هؤلاء من ولد عابر بن شالخ بن أرخفشد بن سام إلا أن تأخذه أخذاً لتجعل من ورائته للسامية تسير به إلى العروبة، فإذا هم الأنباط أصحاب الرس، وإذا هم يرحلون من عراقهم عبر الصحراء فأنجدوا ليكونوا عرباً بعد حين وصلوا إلى وادي القُرى.. يرثون ثمود.. يكملون حضارة ثمود، فإذا هم في البلقاء ينحتون الجبل، فإذا هم في سلع البتراء كأنما حضارتهم في البتراء صورة طبق الأصل من حضارة ثمود وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ.
ولقد أذابت الأرض العربية لهجهتهم الكلدانية إن بقيت منها ألفاظ: (كأنطى بمعنى أعطى، أو ناطرك بمعنى أنتظرك أو هي الناطور بمعنى الحارس).
ونأتي إلى المغرب أعني غرب السويس فإذا الأرض صانت عروبتها، وما كان الإنسان هو المُعرِّب وإنما هي الأرض، والبرهان على ذلك أن موريتانيا وكل المغرب بقي عربياً أما مالي والسنغال (سنهاجة) وبقيت من أرض أفريقيا انتشر فيه الإنسان العربي ولكنه لم يعرب ناسه، مثل آخر لو أن سيبويه وابن المقفع ومن إليهم لو تعلموا اللغة في فارس أيصبحون أئمة وأحدهم إمام اللغة العربية سيبويه، والآخر إمام العربية ابن المقفع، وقل ذلك على ابن نواس، فالبصرة والكوفة وما إليهما كأرض تأصل بهم اللسان العربي، فليس هو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي وإن علم سيبويه بالذي أعطى سيبويه إمامة اللغة.
قد ينطلق لسانه بالتعليم ولكن موهبة التذوق لقانون اللغة واحتراف التدقيق لمفردات اللغة لا أنكر أن التعليم له أثر، ولكن الأرض هي المؤثر الأول..
وهكذا فأرضنا العربية إن توحدت جغرافياً فإنها تبكي الآن حينما تفرقت إقليمياً، ولكن عروبة الأرض ما زالت إمبراطورية، وعروبة اللسان مازال إمبراطورياً، وأرجو ألا أعود إلى هذه الكلمة مرة أخرى ألا وهي: ((القومية شعوبية العرب، والشعوبية قومية الفرس)).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :582  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.