لغة العرب، أو اللغة العربية، ما أحسن وصف القرآن لها بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ، فلئن تأقلم العرب كل وأرضه، ولئن اختلفت اللهجات على صورة من العامية؛ فإن اللغة العربية هي الجامع لا تتأقلم، فالقبائل في الجاهلية اختلفت بعض لهجاتها واختلفوا كل قبيل حرباً على قبيل، ولكن الفصحى بقيت لأن القرآن هو الذي أبقى عليها، والكلمة لطه حسين ((رحمه الله)) قال ما معناه:
ـ لا أخاف على الفصحى فإنها باقية بقاء القرآن.
والقرآن خالد، باقٍ إلى يوم يبعثون، ومعنى ذلك أن اللغة الفصحى باقية إلى يوم يبعثون.
لا يتفاهم العربي مع العربي إلا بها، لا يكتب العربي ولا يقرأ إلا بها، كم هي عظيمة حينما جعلت الفارسي (سيبويه) إماماً بها، وابن المقفع والجاحظ وأبا نواس وابن الرومي طلائع أهل البيان ناثرين وشعراء. فاللغة قبل الأرض تُعَرِّب وتُفصح، والأرض بعد اللغة يستعرق بها التعرب.
ـ لماذا أكتب ذلك؟
أكتب لأني لا أريد للأدب العربي أن يكون لابساً عمامة الجاهلية، ولا عقال العرب في الصحراء، ولا (جاكت) العرب في الأمصار الأخرى.
فالأدب العربي لباسه واحد، لغته شاعرة، حارسها القرآن.
فما قالوا عن شعراء المعلقات إنه أدب نجدي، وإن قالوا إنه أدب جاهلي، وما قالوا عن الشعراء في الحجاز وفي العراق وفي مصر والأندلس والشام واليمن إنه أدب ينسب إلى الإقليم، ما قالوا أدب أندلسي، ولا أدب مصري، ولا عراقي، ولا غير ذلك، وإنما قالوا ونقول: شاعر حجازي، عراقي، أندلسي، مصري.
الشاعر ينسب إلى وطنه، أما الشعر، فلا ينسب إلا إلى لغته، كل أدب الأقاليم أدب اللغة العربية.
كان أول التقسيم للأدب حين قالوا: أدب الجاهليين، أدب المخضرمين، أدب المحدثين، فلم يقولوا عن شعر امرئ القيس إنه شعر أسدي، أو شعر كندي، ولم يقولوا عن شعر عمرو بن كلثوم إنه شعر تغلبي، وهكذا في كل هؤلاء.
ولم يقولوا عن شعر حسان والعذريين إنه شعر حجازي، كما لم يقولوا عن شعر بشار ومن إليه إنه شعر عراقي. كذلك لم يقولوا عن ((السموأل)) إن شعره يهودي، ولا عن ((الأخطل)) إن شعره نصراني.
ألم يكف العرب التمذهب اجتماعياً وعقائدياً، حتى بدأوا يتمذهبون بإقليمية الأدب.
إنه الأدب العربي ولا شيء.
رأي أطرحه، ولن أبرحه، وسيأتي زمن الصحوة من هذه الجفوة بين العرب فيعرفون بالصفوة صحة ما أدعو إليه.