شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد العزيز تاريخ.. لاَ سيرَة
وكان هذا عواناً لسلسلة من المقالات كتبتها عن الإمام السلطان الملك ((عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود))، نشرت في جريدة ((البلاد)) جمعتها في كتاب صغير الحجم تحت اسم ((عبد العزيز والكيان الكبير))، ذلك أن البطل في تاريخ الأمة إذا ما اقتصرنا على استقراء السيرة - دون أن نفقه المسيرة - نستنبط منه تاريخاً صنعه البطل من تاريخ صنعته الأمة، فالبطل السيرة لا نعطيه حقه إذا ما اقتصرنا على ذلك.
إن البطل - أي بطل - تستجد به أحداث في التاريخ هو صانعها، ولم يصنعها من فراغ، بل إنه استمدها من تاريخ أمته، فالبطل مطلب الأمة، والأمة هي مطلبه.
ويعني ذلك أنها تصنع بقيمها كل القيمة له وهو يصنع بما اعتنق من قيمها وما ليس من قيمة التقييم لشخصه ولأمته، فالتقييم للبطل لا ينحصر في السيرة، وإنما تتسع القيم والقيمة والتقييم ليكتب تاريخاً لهذا البطل كجزء يكمل به تاريخ أمته.
ومضت سنون فإذا هناك أعمال خفيت عليه يزدان بها تاريخ هذا البطل. فشغلي الشاغل هو أن أعرف كل أساليب البطولة من تاريخ هذا البطل، وما كانت هذه البطولة أنه انتصر على طول الخط، بل إن ما أصاب البطل من هزيمة خرج منها ينتزع النصر من مخالبها هو العمل العظيم، لأن النصر من مخالبها هو العمل العظيم، ولأن النصر حين ينتزع من مخالب الهزيمة يعطينا البرهان على عبقرية البطل، لا يهتز ولا تستبد به الهزيمة، فالمواقف الصعبة لو ضاع فيها رشده لانتهى البطل، ولكن في أصعب المواقف لم يضع منه الرشد، فاسترشد وأرشد وعاد يحول الهزيمة إلى نصر جديد.
ولديّ قائمة وضعتها أضيفها بعد، حين أعيد طبع هذا الكتاب ((عبد العزيز والكيان الكبير)) انسلخ منه إضافات - لم أتنبّه إليها - عن أشخاص آخرين حين تركته في يدي من جمع لي المقالات، فإذا المطبعة تشرك آخرين مع البطل، سأعيد طبع هذا الكتاب مضافاً إليه الكثير مما عرفت بعد، سواء من كتب ألفت عنه، أو حفظت من أفواه الرجال.
فمن العظيم في تاريخ هذا البطل أن أفواه الرجال من عارفيه تجد فيه الصورة الكاملة والواضحة لهذا البطل من قصة وقعت، أو كلمة قالها، أو موقف انتصر فيه ولم يسجل، أو موقف صعب خرج منه إلى نصر جديد.
غير أني أريد أن أسرع بالزمن خشية أن تعجزني السنون، أو لا تسعفني الحافظة، حافظة شيخ قد قارب الثمانين، لهذا أذكر الشيء الجديد، ما قرأت من كتب وما سمعت من حديث عنه لا بد أن يكتب ويسجل كبرهان على ما أنعم الله به على عبد العزيز بن عبد الرحمن.
إني أقتحم الحواجز فأسجل هذا التقييم من تاريخ البطل نعمة أنعم الله بها عليه.. الكلمة قصيرة هي. إذ أقولها:
((إن عبد العزيز بن عبد الرحمن قد أنعم عليه حيث لم يكن الثقفي الذي أهدر قيمة الحرم. يضرب الكعبة بالمنجنيق، كما أن عبد العزيز لم يكن المريَّ الغطفاني الذي أهدر دار الهجرة ((المدينة المنورة)).
لقد منّ الله على عبد العزيز أنه لم يكن ذاك الثقفي، ولكي لا نبخس الناس أشياءهم فإن الحسين بن علي ((رحمه الله))، لم يكن القرشي الذي أعطى الفرصة للثقفي أن يهدر كرامة الحرم، فحين أقبل عبد العزيز خاشعاً استقبلته مكة مرحبة، فإذا هو يطوف ويسعى آمناً في مكة، آمنة به مكة.
أما عن المدينة المنورة، فقد صنع لها السلامة من كل سوء أمر بمطاولة الحصار، حتى مل بعض من حاصرها ((فيصل الدويش مثلاً))، وحتى أمدها جيش إبراهيم النشمي كأمر عبد العزيز بالغذاء مطاولته للحصار، كان ذلك من حرمة عبد العزيز للحرمين، فإذا المدينة تستقبل ابنه سمو الأمير ((محمد بن عبد العزيز)) استقبالاً حسناً. فإذا هو الآمن فيها. الآمنة به.
أعيد هذه الكلمة، لقد منّ الله على عبد العزيز ألا يكون الثقفي أهدر قيمة الحرم، ولم يكن المريَّ أهدر قيمة مأزرِ الإيمان دار الهجرة ((المدينة المنورة)).
إن هذا جزء من تاريخ الأمة لا أتحرج من ذكره ولا أتملق به، فالشيخ العجوز لا حاجة له إلى الملق لا إلى المداجاة، وإنما حاجته أن يكون صادقاً في عرض التاريخ وفكر التاريخ.
ويرحم الله عبد العزيز بن عبد الرحمن، وأمد الله أبناءه الملوك وإخوة الملوك والأسرة جميعاً بما وعد من حفظ للأبناء جزاءً لتقوى الآباء.
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً صدق الله العظيم (النساء: 9).
إن عبد العزيز تاج تاريخه أنه رد الاعتبار لجزيرة العرب في وحدة الكيان الكبير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :591  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 119 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.