يَا حَاديَ العيسِ إني بِالهَوَى ثَمِلُ |
قَدْ شَفَّني الوَجْدُ لا بَلْ شَفَّني الوَجَلُ |
أَشْكو إِلى العِيسِ ما تَشْكُوهُ مِنْ أَرَقٍ |
إِذ الأَحِبَّةُ عَنْ دارِ الهَنَا.. رَحَلُوا |
هَلْ غيَّرَتْهم صُرُوفُ الدَّهْرِ فَانْصَرَفَتْ |
بِيضُ الشَّمَائلِ عَنْهُمْ أَمْ هُمُو مَحَلوا؟ |
أَمْ أَنَّهُ الدَّهْرُ لا يُبقي لَنا فَرَحَاً |
حَتَّى يَرَى السَّأَم في أَحْشَائِنا يَصِلُ |
ما بَالُ عِيسكِ لا نَبْضٌ يحرِّكُهَا |
ضَاقَتْ بِهَا الأَرْضُ أَمْ ضَاقَتْ بِهَا السُّبُلُ؟ |
أَمْ أَنَّهُ الدَّحْرُ قَدْ أَوْهَى عَزَائِمَها |
والجَوْرُ والخَوْفُ والإِسْقَاطُ والذَّلَلُ |
خَوْفي عَليْهَا مِنَ الأَيَّامِ تَحْصِدُها |
وَتَسْتَبِدُّ رِيَاحٌ لفحُها.. شَعَلٌ؟ |
فَتَنْفِرَ العِيسُ عَنْ أَرْضٍ لها حَفِلَتْ |
بِهَا البُطُولاتُ والأَمْجَادُ.. والمُثُلُ |
إِذَا مَرَرْتُمْ بِدَارٍ كُنْتُ أَنْشُدُهَا |
فِيهَا الرَّياحِينُ والأَزْهَارُ والرَّفَلُ |
فَإِنْ وَجَدْتُمْ بِهَا رَسْماً لِغَابِرَةٍ |
من الليَالي لِصَالي الشَّوْقِ يَعْتَمِلُ |
فَأَقْرِئُوهَا سَلامَ الصَّبِّ تَذْكِرَةً |
عَلَّ الذي جَدَّ في الأَحْشَاءِ يَنْدَمِلُ |
فَمَا ـ سُمَيَّا ـ ولا ليْلَى ـ سِوَى وَهَجٍ |
مِنَ الأَحَاسيسِ في الوُجْدَانِ يَشْتَعِلُ |
أَفْدي الرِّمَالَ الَّتِي كانَتْ لنا سَكَناً |
يَفُوحُ بالعِطْرِ جَيَّاشَاً لِمَنْ نَزَلُوا |
كَأنَّما الرَّمْلُ من صَحْرَائِهَا ذَهَبٌ |
والشَّوْكُ.. والطًّلْحُ ـ والصُّبَّارُ والأَثَلُ |
يَفُوحُ مِسْكُ الدُّجَى مِنْ رَوْضِهَا سَحَرَاً |
فَيَمْلأُ الكَوْنَ إِحْسَاسَاً فَيَنْثَمِلُ |
سَحَّ الغَمَامُ بِوُدْيَانٍ لهَا خَصِبَتْ |
فَاخْضَرَّتِ الأَرْضُ والرُّكْبَانُ والجَبَلُ |
عَلى الوِهَادِ رَكَضْنَا نَجْتَلي قَمَرَاً |
وَنَرْسُمُ الرَّمْلَ أَكْوَاخَاً.. فَتَنْهَدِلُ |
نُعيدُها مَرَّةً والنَّفْسُ رَاضِيَةٌ |
لِمَا نُعانِيهِ لا يَأْسٌ ولا مَلَلُ |
والطًّيْرُ تَشْدو على أَفْنَانِهَا طَرَباً |
والعَنْدليبُ.. كَمَا نَايٌّ لهُ زَجَلُ |
والبَدْرُ يَبْدو كَمَا خِلٌّ يُؤَانِسُنَا |
وَسْطَ الغَمَامِ يُنَاجِينَا.. فَنَحْتَفِلُ |
يَا حادَي العيسِ لا تَقْسُ على حُمُرٍ |
هُنَّ المَتَاعُ وُهُنَّ الكَسْبُ والعَمَلُ |
فالعيسُ نَبْضٌ وإِحْسَاسٌ وأُمْنِيَةٌ |
تَأْبَى الهَوانَ وَتَأْبَى ذُلَّ مَنْ سَفُلوا |
تَسْتَنْكِرُ الجَفْوَ في لُطْفٍ وفي أَدَبٍ |
شأْنُ الوَفَاءِ لدَيْهَا وَاهِجٌ جَلَلُ |
فلا تَجُوَرنَّ بِالأَحْمَالِ تُرْهِقُهَا |
إِنَّ النَّجِيَّاتِ دَوْمَاً سَمْتُها الخَجَلُ |