شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 43 ـ
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي داس يقول):
أبو داس: تحركات غريبة تجري على قدم وساق في معسكرات الجيش الروماني يا سيلاوس..
سيلاوس: هل عرفت عنها شيئاً يا أبا داس؟..
أبو داس: شائعات كثيرة تقول إن الجيش الروماني سيزحف على العاصمة الحميرية..
سيلاوس: كيف يزحف ويترك هذا الحشد الضخم من المرضى الذين يوشك بعضهم أن يلاقي حتفه.
أبو داس: وبعض الشائعات تقول إن الجيش الروماني سيخلي (مارياما) بعد أن أصبحت موبوءة منتهزاً توقف القوات الحميرية عن مهاجمته..
سيلاوس: إلى أين يا أبا داس؟..
أوب داس: إلى مكان غير موبوء حتى تخف وطأة هذا المرض الخبيث..
سيلاوس: لا أرى مكاناً صحيحاً يصلح للقوات الرومانية أن تستشفي فيه إلاّ المرتفعات التي يحتشد فيها الجيش الحميري..
أبو داس: قد تكون هذه المرتفعات هي أهداف القوات الرومانية..
سيلاوس: ولكن الحال التي هو فيها لا تمكنه فيما أرى من القيام بأي هجوم..
أبو داس: إن توقف القوات الحميرية عن مشاغلة الجيش الروماني يقوي فيه الأمل على الهجوم فقد يكون الحميريون مشغولين بحروب داخلية حتى خفت وطأة هجومهم على القوات الرومانية..
سيلاوس: في الحقيقة هذه نقطة تسترعي التفكير والانتباه يا أبا داس فبعد المشاغلة العنيفة التي كنت أنتظر أن تكون مقدمة هجوم كاسح لاسترداد (مارياما) إذا بذلك الهجوم يموت فجأة وكأنه لم يكن..
أبو داس: وهذا الذي يجعلني أتوقع من تحركات الجيش الروماني السريعة الغريبة أمرين لا ثالث لهما يا سيلاوس..
سيلاوس: ما هما هذان الأمران؟..
أبو داس: هجوم يائس من الجيش الروماني على القوات الحميرية لشق طريقه إلى العاصمة الحميرية أو..
سيلاوس: أو ماذا يا أبا داس؟..
أبو داس: أو فرار إلى الأسطول الروماني خشية الوقوع أسرى في أيدي القوات الحميرية.
سيلاوس: يا لأفكارك النيرة يا أبا داس..
أبو داس: وإني أميل إلى أن تحركات الجيش الروماني المريبة هي فرار لا هجوم..
سيلاوس: ألا سبيل إلى إحاطة القوات الحميرية بذلك.. إلهي كيف السبيل؟ إنها فرصة العمر للقضاء على (إيليوس) المغرور وحملته الظالمة..
أبو داس: صه يا سيلاوس.. إني أرى أحد إخواننا النبطيين قادم إلينا لعلّه مزوّد بأخبار هامة.
(نراه يهمس في أذن أبي داس شيئاً ثم ينصرف وأبو داس يقول له شكراً شكراً)
سيلاوس: ها… ما وراءه يا أبا داس؟
أبو داس: يقول إن القبائل الشرقية بدأت هجوماً عنيفاً على القوات الحميرية وهذا سبب توقفها عن مهاجمة الجيش الروماني..
سيلاوس: يا لها من أخبار سيئة يا أبا داس.. وبعد..
أبو داس: وإن الجيش الروماني سيخلي (مارياما) ويفر إلى (نجرانا) ومنها إلى الأسطول لأنه لا يستطيع القيام بأي هجوم بعدما تفشى فيه المرض..
سيلاوس: وهذه أخبار أيضاً غير سارة..
أبو داس: كيف لا تكون سارة يا سيلاوس وقد قضى على (إيليوس) وحملته إلى الأبد..
سيلاوس: هذا صحيح ولكنه لو قتل وأبيدت حملته كان للأمر معنى أكبر من هذا يا أبا داس..
أبو داس: لست من رأيك يا سيلاوس فهزيمة (إيليوس) قضاء أدبي ومعنوي فظيع عليه وسقوط ذريع ما بعده سقوط..
سيلاوس: ولكنه سينحي باللائمة علينا وسيكتب صديقه المؤرخ (سترابو) عنا أننا جواسيس وخونة..
أبو داس: خونة.. جواسيس.. قرود.. عفاريت.. المهم أن الغزو الروماني على بلاد العرب قد فشل وأنه سيكون عبرة لمن سيأتي بعده من الغزاة والفاتحين..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (إيليوس) يقول):
إيليوس: هل أعددت كل شيء..
مزيني: بلى سيدي القائد بلى ولكن..
إيليوس: ولكن ماذا؟
مزيني: ولكن المرضى من جنودنا لا يستطيعون الانسحاب معنا..
إيليوس: دعهم فإنهم ميتون على كل الأحوال.. ولننسحب بمن يستطيع السفر من قواتنا..
مزيني: أمرك سيدي القائد..
إيليوس: ثم إن وجود هؤلاء المرضى من جنودنا سيغطي انسحابنا لأنه يجعل الحميريين يظنون أننا ما زلنا في (مارياما)..
مزيني: سيدي القائد لي رأي..
إيليوس: قل وعجل فالوقت لا يتسع للكلام..
مزيني: سأجعل الجنود المرضى يشعرون أننا خارجون من (مارياما) للهجوم على القوات الحميرية..
إيليوس: يا له من رأي سديد.. إنه يمنح انسحابنا فرصة أطول لكي تشعر به القوات الحميرية والآن عجل في الخروج..
مزيني: أمرك سيدي القائد.. أمرك..
إيليوس: ولنتخذ من الليل ستاراً لانسحابنا فالليل ستار العيوب..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزاحم يقول):
مزاحم: أرأيت كيف أن الجو في (جلق) قد أثر على صحة عبيدة فتحسنت عن ذي قبل وعاد إليه نشاطه ورواؤه..
شمس: ونحن أيضاً يا مزاحم تحسنت صحتنا لولا ما يعترينا من التفكير في الغائبين اللذين نحاول أن نكبت شوقنا وشعورنا نحوهما حتى يرجع عبيدة إلى سالف لهفه عليهما..
مزاحم: لقد تعامت الأخبار عن والدنا وزوجك ولا ندري ماذا صنع الله بهما في (مارياما)؟..
شمس: والمرض أنسيت كارثته إذا صحت أخباره..
مزاحم: أما أخبار المرض فقد تواترت بحيث أصبح من الصعب الطعن فيها..
شمس: ويلاه.. يا ويلاه! أخشى أن يكون والدنا وزوجي في عداد المصابين..
مزاحم: لا تصرخي يا شمس فقد يسمعك (عبيدة) فتفتحين عليك باباً لا يغلق وتكون المصيبة مصيبتين..
شمس: إن انقطاع الأخبار يدل على حراجة موقف أحد الجانبين (أما الحميريون وأما الرومان)..
مزاحم: تعليلك يا أختاه، في غير محله..
شمس: كيف يا مزاحم.. كيف؟..
مزاحم: ذلك لأن أخبار السوء لا تخفى كما أن أخبار النصر لا تخفى أيضاً فلو وقع أحدها لتحدثت عنه البوادي والركبان..
شمس: إذن بم تعلل هذا الانقطاع المريب..
مزاحم: استعداد الطرفين لمعركة فاصلة هو في رأيي سبب انقطاع الأخبار.. لأن الاستعدادات تشغل كل فريق بنفسه..
شمس: ولكنها استعدادات طال أمدها حتى يكاد الناس ينسون أن هناك غزواً يستهدف احتلال بلاد العرب ووضعها تحت النير الروماني..
مزاحم: هذا صحيح.. ولكن لا تصدقي أن غزوا كهذا يتناساه الناس ذلك لأنه محاولة خطيرة لإخضاع بلاد لم تطأها أقدام فاتح من قبل وهذا سبب أهمية هذا الغزو ومتابعة الناس لأخباره وتحركاته ثم..
شمس: ثم ماذا يا مزاحم؟..
مزاحم: ثم إن هذا الغزو عطل الحركة التجارية والقوافل التي كانت تأتي محملة بأنواع البضائع والتوابل والعطور عن طريق اليمن إلى مكة فبلاد الشام..
شمس: بلى.. بلى.. لئن عطلت هذه الحملة التجارة التي كان الحميريون يقودون زمامها فقد نشطت حركة التجارة عن طريق خليج العرب فالعراق إلى تدمر وسوريا..
مزاحم: ألا تعرفين المثل القائل يا شمس: مصائب قوم عند قوم فوائد..
شمس: أجل.. أجل.. مصائب قوم عند قوم فوائد. لقد تلمسنا هذا الازدهار في الحركة التجارية الواسعة في سوريا ورأينا أصناف الحرير والتوابل الهندية وندرة الصموغ والمر واللبان..
مزاحم: ذلك لأن الصموغ والمر واللبان هي من منتجات بلاد اليمن التي هي في شغل شاغل بهذا البلاء الذي نزل بها ولا تدري متى تنقشع غمامته عنها..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي داس يقول):
أبو داس: أرى الاستعدادات الرومانية قائمة على قدم وساق..
سيلاوس: ولكنها لا تشمل جميع قطاعات الجيش الروماني..
أبو داس: كيف يا سيلاوس كيف..
سيلاوس: لو كانت الاستعدادات للفرار لتم نقل جميع أفراد الجيش ولكني أرى المرضى منهم باقين وهذا يدل..
أبو داس: يدل على ماذا؟..
سيلاوس: يدل على أن (إيليوس) ينوي القيام بهجوم يائس على القوات الحميرية بعد أن علم بانشغالها في حرب طاحنة مع القبائل الشرقية..
أبو داس: أتظن ذلك؟..
سيلاوس: ولم لا. هل عندك شك في ذلك؟..
أبو داس: نعم.. كل الشك يا سيلاوس..
سيلاوس: كيف يا أبا داس كيف؟..
أبو داس: هؤلاء المرضى معرّضون للموت سواء رحلوا مع (إيليوس) أم ظلوا في (مارياما) لأن الموت هو مصيرهم المحتوم..
سيلاوس: أبلغت القسوة (بإيليوس) إلى هذا الحد؟..
أبو داس: ومتى كانت الرحمة شعار (إيليوس) يا سيلاوس؟..
سيلاوس: على الأقل في مثل هذه المواطن..
أبو داس: إن إيليوس يريد النجاة بروحه حتى ولو لم يبق أحد من أفراد جيشه..
سيلاوس: ولكن هؤلاء المساكين من سيرعاهم بعد هربه؟..
أبو داس: إن (إيليوس) يهدف من وراء ترك الجنود المرضى إلى عدة أمور: أولاً: التخلص من الوباء. ثانياً: تعريض القوات الحميرية للعدوى لأنها لا شك ستكتشف هرب (إيليوس) وستدخل (مارياما) فتأخذ العدوى لقمة سائغة.
سيلاوس: يا للفظاعة.. يا للفظاعة.. ثالثاً..
أبو داس: ثالثاً: بقاء هذا العدد الضخم من الجنود المرضى يغطي فرار (إيليوس) لأن القوات الحميرية لن تكتشف ذلك إلا بعد أيام يكون فيها (إيليوس) قد أوغل في طريقه صوب (نجرانا).
سيلاوس: يا لها من أفكار جهنمية يعجز الشيطان عن اختراعها.. ما أفظعك يا إبليس ما أفظعك..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :624  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 43 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج