شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 1 ـ
(أصوات الزوابع وسفي الرمال وأجراس الدواب وصوت عمرة تقول):
عمرة: يا لها من رياح سافية يا شداخ..
شداخ: لقد قطعت هذه الطريق عشرات المرات يا عمرة. فما رأيت مثل زوابع اليوم..
عمرة: هذه الرياح العاتية تصاحبنا بدون انقطاع بعد أن غادرنا أرض الكنعانيين.
شداخ: إننا نستقبل الصحراء وهذا ترحيبها بنا..
عمرة: لعلها من فرحها بنا تود أن تدفننا بين كثبانها..
شداخ: ستتعودين على ثورة الصحراء وستستمرئين حياتها بعد سفرك هذا. إن هذه الثورة التي تقوم بها الصحراء بين الوقت والآخر تبدد سأم هذا الطريق الطويل الموحش..
عمرة: ما اهتممت بحالي يا شداخ قدر اهتمامي بهذا الطفل وأمه وأبيه الشيخ..
شداخ: أتعنين إسماعيل وأمه هاجر وأباه إبراهيم..
عمرة: بلى يا شداخ بلى..
شداخ: إن الطفل وأمه ضحايا قسوة سارة زوج إبراهيم كما تعرفين..
عمرة: العجيب أن سارة هي التي سمحت لإبراهيم بالزواج من هاجر التي أهداها جبار العمالقة إلى سارة نفسها..
شداخ: إنها الغيرة يا عمرة. غيرتكن يا بنات حواء. ألا تغارين يا عمرة لو رأيتني الآن ويدي في يد أنثى غيرك..
عمرة: يدك في يد أنثى غيري لكنت وحق الآلهة من الهالكين (يضحكان)..
شداخ: إذن فمن حق سارة أن تغار. ولا سيما وقد جاءت الضرة الجديدة بغلام انظري ما أحلاه إنه آية في الجمال..
عمرة: وأمه ألا ترى كيف هي ما رأت عيني ولا بصرت في حسنها وجمالها وخلقها..
شداخ: لا تلام سارة يا عمرة إن هي بعد ذلك أجبرت إبراهيم على إبعاد هاجر وطفلها..
عمرة: ولكن أين يا ترى سيذهب إبراهيم وابنه إسماعيل وزوجته هاجر..
شداخ: أراهم يتهيأون إلى النزول بهذا الوادي..
عمرة: ولكنه واد غير ذي زرع..
شداخ: بل غير آهل بالسكان ولا بالماء..
عمرة: ها هم ينزلون..
شداخ: وليس معهم إلا قربة ماء وجراب تمر.. سنرى من أمرهم عندما يصبح الصباح ونأخذ طريقنا إلى اليمن..
(أصوات أجراس الدواب نسمع بعدها صوت خراش يقول):
خراش: يا قوم.. إننا مقدمون على جبال جرد وأراضي قاحلة ووديان لا عشب بها ولا ماء فتزودوا بالماء والزاد..
جذعان: صدق زعيمكم خراش يا قوم.. نحن مقبلون على بلاد موحشة مقفرة وأرض يباب.. كدت أهلك أثناء مروري بها في عودتي من الشمال إلى الجنوب.
خراش: كيف يا جذعان كيف؟
جذعان: كنا ننقل توابل الهند وعطورها وحريرها إلى الشمال وفي العودة إلى اليمن مررنا بهذه البلاد القاحلة فمرحنا بأحد أوديتها وأصبحنا فإذا أكثر قرب الماء التي معنا قد تسرب منها الماء.
خراش: كيف يا جذعان. ألم تحكموا إغلاقها؟..
جذعان: بلى يا خراش بلى ولكن عقارب الوادي وجرذانه عدت عليها من ظمئها فعملت فيها ثقوباً سال منها الماء وقمنا نفتش على الماء بعد أن رتقنا قربنا فأعيانا التفتيش ولفحنا سموم الوادي وضربتنا شمسه.
خراش: يا لهول ما تقول يا جذعان.
جذعان: ولولا أن أدركنا المساء وتحاملنا على أنفسنا وأسرعنا في الخروج من هذا الوادي لكنا في عداد الهالكين..
خراش: ألا يمكن الابتعاد عن هذه الأماكن الموحشة القاحلة..
جذعان: إنها أماكن لا بد للذاهب من الجنوب إلى الشمال أن يسلكها..
خراش: هذه أول مرة أخرج فيها مع قافلة لأبي تنقل تجارته إلى الشمال كما تعلم يا جذعان ولولا اعتماد والدي عليك ما أرسلني في هذه القافلة..
جذعان: إن والدك يا سيدي يريد أن يستخلفك على شؤونه التجارية وإدارة أعماله ولذلك أرسلك في هذه الرحلة لتتعرف بطرق القوافل وتجار الشمال وأهلها.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الشداخ يقول):
الشداخ: أصبح الصباح يا عمرة وعند الصباح يحمد القوم السري هيا بنا نسرع في سيرنا قبل أن يقتلنا لهيب القيظ ووهج الشمس بهذا الوادي..
عمرة: هيا يا شداخ هيا.. ولكن أنظر..
الشداخ: انظر ماذا يا عمرة..؟
عمرة: إن إبراهيم ومن معه ينوون البقاء بهذه الأرض المحرقة..
الشداخ: إن إبراهيم رجل صالح تقي ورع يا عمرة. إنه نبي أرسله الله إلى قوم بين النهرين فكذبوه وكادوا يحرقونه.
عمرة: يا لهم من قوم جبارين متوحشين. ولماذا كانوا عازمين على إحراقه؟.
الشداخ: لأنه سفه آلهتهم وقال لهم إنها لا تضر ولا تنفع ودعاهم إلى عبادة إله واحد هو الذي خلقهم وخلق آباؤهم الأولين.
عمرة: يا لروعة ما دعاهم إليه.. وأرادوا أن يحرقوه؟
الشداخ: أجل يا عمرة. فعلاً أوقدوا له ناراً وقذفوا به فيها.
عمرة: يا إلهي يا لهم من مجرمين وكيف نجا إبراهيم من الحريق. ومن هذه النار الملتهبة ؟
الشداخ: نجاه ربه يا عمرة فأمر النار بأن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم..
عمرة: ألم يؤمن به قومه بعد أن رأوا هذه المعجزة..
الشداخ: آمن من آمن منهم وكفر الباقون وهاجر إبراهيم مع زوجته سارة إلى أرض الكنعانيين - والعمالقة حيث توطن هناك وتزوج بهاجر.
عمرة: ولكن ما يحيرني يا شداخ هو مجييء النبي إبراهيم إلى هذه البلاد القاحلة الموحشة. لِم لَم يهاجر إلى أرض الفراعنة أو العمالقة أو المؤابيين مثلاً. بل لم هاجر بالذات إلى هذه البلاد..؟
الشداخ: لا بد وأن رب إبراهيم قد أوصى له بالهجرة إلى هذه البلاد لسر لا يعلمه إلا صاحب السر. إلا الله.
عمرة: صه يا شداخ إن النبي يودع هاجر وابنها ويقفل راجعاً من حيث أتى وهاجر تمسك براحلته وتقول له إلى أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس..؟!
الشداخ: انظري يا عمرة.. إن إبراهيم يسوق راحلته ولا يلتفت إليها بينما هي تكرر عبارتها الأولى..
عمرة: اسمع يا شداخ.. إنها تقول له: آلله أمرك بهذا فيجيبها نعم. فتقول إذن - لا يضيعنا الله. قد رضيت بالله.
الشداخ: أما قلت لك يا عمرة إن إبراهيم لم يترك زوجته وطفله في هذا الوادي القاحل الموحش إلا بناء على أمر من ربه.
عمرة: آمنت برب إبراهيم. آمنت برب إبراهيم. وبنبيه إبراهيم.
الشداخ: وأنا لقد آمنت قبلك يا عمرة برب إبراهيم وبنبيه إبراهيم..
عمرة: أقسم يا شداخ أن هذه البلاد ستشهد أحداثاً هائلة سيتحدث بها الناس في كل مكان.
الشداخ: هيا بنا فقد كادت الشمس ترتفع إلى كبد السماء..
عمرة: وهاجر وطفلها إسماعيل لمن نتركهما..
الشداخ: إلى رحمة رب إبراهيم الذي وسعت رحمته كل شيء..
(أجراس الدواب نسمع بعدها صوت جذعان يقول):
جذعان: هانحن يا قوم نقترب من الوادي الأجرد الموحش. إحذروا طريقكم وسيروا ليرقب كل منكم رفيقه ومن هو أمامه أو خلفه حتى لا تضلوا.
خراش: إنها أودية شديدة الحرارة يا جذعان..
جذعان: بلى يا سيدي بلى. إن الشمس تميل للغروب ومع ذلك لهيب الحرارة يكاد يحرق وجوهنا ويعمي أبصار دوابنا.
خراش: كيف لو مررنا بهذه الأودية في رابعة النهار..
جذعان: لا أظن أننا نخرج منها سالمين ولا سيما ونحن آتون من أماكن أبرد من هذه الجهات..
خراش: حتى الشجر في هذه البلاد قليل يا جذعان..
جذعان: بلى يا خراش بلى.. أنى للشجر أن يعيش ولا ماء ولا مطر..
خراش: انظر يا جذعان انظر..
جذعان: انظر ماذا..؟
خراش: إني أرى طائراً يحوم على جبل هناك.. هناك.. ألا ترى..؟
جذعان: إن هذا الطير يدور ولا شك على ماء وعهدنا بهذا الوادي وما فيه عشب ولا ماء..
خراش: لعلّ هذا الطير يحوم على الجيف التي تركتها إحدى القوافل المارة بهذا الوادي قبلنا..
جذعان: ربما يا خراش.. ربما.. فلنقطع الشك باليقين ونبعث برسول يأتينا بالخبر اليقين..
(بكاء طفل وصوت إنسان يركض وهو يلهث نسمع بعده صوت انفجار هائل تعقبه صوت خراش يقول):
خراش: عاد الرسول يا جذعان ليبشرنا بأنه رأى الماء ورأى امرأة ومعها طفلها بجانبها..
جذعان: أمر عجيب أن يظهر الماء بهذا الوادي يا خراش وامرأة وطفل بجانبها.
خراش: أتستبعد ذلك على قدرة رب هود الذي أهلك جبابرة عاد في سبعة أيام وثمانية أيام حسوماً..
جذعان: ليس ذلك ببعيد فالحادث الذي جرى لقوم عاد برهن على أن هناك إلهاً قادر على كل شيء..
خراش: هيا بنا ننزل على هذا الماء فقد أزال عنا رب هود أخطار هذا الوادي حين فجر به الماء..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت جذعان يقول):
جذعان: انظر يا خراش صدق رسولك.. هاهي المرأة تجلس وطفلها بجانبها وهي تغرف له من الماء..
خراش: حييت يا أم هذا الطفل. أتأذنين أن ننزل عندك..
جذعان: إنها تتطلع إلينا وكأنها لا تفهم ما نقول لها. كرر ذلك يا خراش بصوت عالٍ (يكرر ذلك بصوت عالٍ فتجيب باللغة الكلدانية فيقول جذعان):
إنها تتكلم الكلدانية يا خراش. إنها لا تعرف لغتنا..
خراش: أتعرف الكلدانية يا جذعان..
جذعان: أجل: لقد حفظتها من سفراتي المتعددة إلى الشمال واتصالاتنا ببعض التجار الكلدانيين فيها وفيما بين النهرين..
خراش: إذن أنقل لها طلبنا..
جذعان: حسناً سأفعل. إنها تقول لا مانع ولكن..
خراش: ولكن ماذا يا جذعان..؟
جذعان: تقول ولكن لا حق لكم في الماء..
خراش: قل لها قبلنا بما اشترطت..
جذعان: إنها تقول لكم. انزلوا على الرحب والسعة..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها مروح الجمال وهمهمات وغمغمات نسمع بعدها صوت خراش يقول):
خراش: سلها يا جذعان من جاء بها إلى هنا ومن حفر هذه البئر..
جذعان: إنها تقول: أحضرها زوجها النبي إبراهيم وتركها وديعة عند الله وذهب ثم عطشت وعطش ابنها حتى صار يتلوى..
خراش: وبعد يا جذعان وبعد..
جذعان: فاستقبلت الوادي فلم تر أحداً ثم قالت+ لو مشيت بين هذين الجبلين كراهة أن ترى ابنها يموت فصارت تسعى بين الجبلين حتى قطعتهما سبع مرات..
خراش: يا لها من قصة مؤثرة. وماذا بعد..
جذعان: وبعد أن سعت بين الجبلين سبع مرات سمعت صوت انفجار ماء فتطلعت فإذا الماء ينبثق من هذا المكان الذي نراه وهو يفور فصارت تحوطه بيدها وتغرف الماء في قريتها.
خراش: لا شك أن رب زوجها النبي إبراهيم هو الذي فجر لهم هذا الماء بهذا الوادي - الذي لا عشب به ولا ماء.
صوت صادر من مكان بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم. رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ صدق الله العظيم (إبراهيم: 37).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1060  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء السابع - الكشاف الصحفي لحفلات التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج