الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > الحلقة الثالثة والعشرون

الحلقة ـ 23 ـ

مزنة: لقد كان حديثك يا أماه أمس في منتهى الروعة..

سلمى: إن الحديث عنه صلَّى الله عليه وسلم يبعث في النفس الشعور بالفخر والاعتزاز والبهجة والانشراح..

مزنة: هات.. حديثنا عن الرسول صلَّى الله عليه وسلم..

سلمى: ولما علمت قريش أن أبا طالب غير خاذل ابن أخيه ولما عجزوا عن محادة النبي صلَّى الله عليه وسلم ولم يجدوا لديهم من الحجج ما يردوا به دعوته إلى الإسلام بعد أن أفحمهم بحجج القرآن القاطعة. وبراهينه الساطعة، أجمعوا على إيذائه كفراً وحسداً وعناداً فاجتمع نفر منهم في حي من أحياء مكة للمداولة في أمر محمد صلَّى الله عليه وسلم..

(نقلة صوتية بدون موسيقى)..

الوليد: يا معشر قريش ستقدم العرب في هذا الموسم وقد سمعوا بأمر محمد فأجمعوا فيه رأياً واحداً فلا يكذب بعضكم بعضاً..

أبو لهب: نقول إنه كاهن يا أبا خالد..

الوليد: لا واللات ما هو بالكاهن يا أبا لهب.. لقد رأينا الكهان وسمعنا أقوالهم..

وقد أجمع الناس على أن ما يقوله محمد ليس بزمزمة الكاهن وسجعه..

أبو لهب: نقول إنه للمجنون..

الوليد: ما هو بمجنون فما قال أحد أنه تخالجه وسوسة..

أبو لهب: نقول إنه شاعر..

الوليد: وما هو بشاعر أيضاً.. (فقد عرفنا الشعر كله رجزه وقريضه. وما يقوله ليس بشيء من ذلك)..

أبو لهب: لقد أعجزتنا يا أبا عبد الشمس..

الوليد: إن أقرب القول فيه أن تقولوا هو ساحر، يفرق بين المرء وأبيه والمرء وزوجته والمرء وعشيرته..

أبو سفيان: أو ينزل الوحي على محمد وأترك أنا كبير قريش وسيدها ويترك عمر سيد ثقيف؟..

أبو جهل: أو تصدق يا أبا حرب أن أو وحياً ينزل على أحد؟ وما محمد من العرب حتى يختصه الله بوحيه أرجع إلى عقلك يا أبا سفيان..

أبو سفيان: مهلاً يا أبا جهل.. فما أعرف نفسي والله أكثر هدوءاً مما أنا عليه ولو أن عمه أبا طالب قد أسلمه إلينا لأراحنا وأراح نفسه من مسؤولية حمايته لمحمد..

أبو جهل: لقد بلغني أن عقبة قد جالسه وسمع منه فماذا تقول فيه يا عقبة؟..

عقبة: ما سمعته يقول إلا عذباً تستسيغه النفوس وتهوى إليه الأفئدة..

أبو جهل: أنتركه يعيب في آلهتنا كما يريد؟

أبو سفيان: ها هو عمه حمزة آت نحونا فكلموه يكف عنا أذى ابن أخيه..

(يصل حمزه)..

حمزه: قيل لي إنك تتآمر على ابن أخي فبماذا تحقد عليه يا أبا الحكم؟..

أبو جهل: وماذا يعنيك من أمره يا حمزة؟.

حمزة: إنه ابن أخي وأنا على دينه أقول ما يقول فرد ذلك علي إن استطعت..

عقبة: عليكم به فإنه يتحدانا جميعاً..

حمزة: هو ما تقول يا عقبة.. فمن كان منكم يشعر بالقوة والجرأة فليتقدم..

أبو جهل: دعوا أبا عمارة فلا نريد أن يقوم بيننا وبينه قتال وليذهب منا من يفاوض محمداً..

عقبة: ليس لها إلا الوليد بن المغيرة فهو سيد بني مخزوم وهو مهاب في قريش..

أبو لهب: أنت لها يا أبا عبد شمس..

سلمى: وفي دار الندوة اجتمع وجوه قريش ينظرون عودة الوليد بن المغيرة وأبو سفيان يقول:

أبو سفيان: يا معشر قريش.. عندي رأي في أمر هذا الرجل الذي يسفه آلهتنا..

أبو جهل: وما هو أبا سفيان..

أبو سفيان: نبعث إلى أحبار اليهود فنسألهم فإنهم أهل كتاب وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء..

أصوات: أتاكم الوليد فانتظروه حتى نسمع منه ما كان من أمره مع محمد..

أبو جهل: ما وراءك يا ابن المغيرة؟..

الوليد: ورائي إني سمعت قولاً ما سمعت مثله قط، يا معشر قريش أطيعوني وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه..

أبو جهل: سحرك واللات.. بلسانه.. ماذا تقول يا عتبة.

عتبة: أقول لقد نزل بكم أمر لا تجدون فيه حيلة.. لقد عرفنا محمداً أصدق الناس حديثاً وأكرمهم خلقاً وأعظمهم أمانة حتى إذا جاءكم به قلتم كاذب وساحر ومجنون..

النضر: وبماذا جاءنا محمد.. إنه ليس بأحسن حديثاً مني وما حديثه إلا أساطير الأولين..

أبو جهل: صدق النضر.. وإنه لفي الصدر من قريش مقاماً وأرفعهم حسباً..

أبو سفيان: آن لنا أن نستقر على رأي..

أبو جهل: الرأي يا أبا سفيان أن أجلس إليه غداً بحجر أطلقه على رأسه وهو ساجد ولكم أن تسلموني بعدها أو تمنعوني من آل عبد مناف..

أبو سفيان: والله لا نسلمك إليهم فامض لما تريد..

عتبة: ولماذا لا نكلف عمر بن الخطاب بقتل محمد فهو خير من يقوم بهذه المهمة يا أبا جهل..

أبو جهل: ولا سيما إذا ما عرف أن أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد قد صبآ..

سلمى: وقد كفاهم نعيم بن عبد الله القرشي العدوي مؤونة أخبار عمر بإسلام أخته وزوجها فذهب عمر إلى دار أخته وكانوا جلوساً يعلمها خباب بن الإرث القرآن من صحيفة في يده.. فلما قرع عمر الباب وعرف أنه ابن الخطاب اختفى خباب وقامت فاطمة ففتحت الباب..

(نقلة صوتية)..

عمر: يا عدوة نفسها قد بلغني أنك قد صبأت أنت وزوجك سعيد..

(ثم يضرب به ويجلس على صدره فتصرخ فاطمة قائلة):

فاطمة: أتضرب به يا عمر ويحك..

عمر: وآخر بك أنت.. خذي..

(ويسمع صوت ضربها ووقعها على الأرض وصوتها تقول وهي تبكي)..

فاطمة: أتضربني يا عدو الله لأني أوحد الله.. لقد أسلمت على رغم أنفك يا بن الخطاب فما كنت فاعلاً فافعل..

سعيد: امسحي الدم الذي يسيل من وجهك بغزارة يا فاطمة..

فاطمة: في سبيل الله دمي وروحي يا سعيد..

عمر: (وقد هدأ حين رأى دم أخته يسيل بغزارة يقول):

ما هذا الكتاب الذي كنتما تقرأن فيه.. أعطنيه.. أنظره..

فاطمة: إنه كتاب الله لا يمسه إلا المطهرون..

عمر: حسناً..

فاطمة: الآن خد وأقرأ..

عمر: يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، طه . مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى . إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى . تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى . الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى . لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى . وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى . اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى (طه: 2 - 8)..

كلام جميل يا فاطمة.. سامحيني.. وما أقول كي أصير مثلكما..

فاطمة: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..

عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله..

(يخرج خباب بن الإرث من مخبأه فيقول له عمر):

أين كنت يا خباب..

خباب: اختبأت خوفاً منك..

عمر: لقد أصبحت مسلماً مثلك وأدافع عنك كما أدافع عن نفسي.. دلني أين رسول الله؟..

خباب: أبشر يا عمر فإن دعوة رسول الله قد استجابت..

عمر: وماذا قال رسول الله؟..

خباب: قال: اللَّهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمر بن هاشم.. إن رسول الله يقيم في دار الأرقم..

(يسمع قرع على الباب وصوت عمر يقول):

عمر: افتحوا أنا عمر بن الخطاب.