شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مغامرة فوق الجليد
قصتنا هذه الليلة: (مسز مايك) أو (مغامرة فوق الجليد) للروائيين الأمريكيين بنديكت ونانسي فريدمان. ولد بنديكت فريدمان في نيويورك في 19 ديسمبر من عام 1919م وولدت نانسي فريدمان في 4 يوليو من عام 1920م. وقد اشترك بنديكت ونانسي فريدمان في وضع عدة روايات أهمها (( مسز مايك )) أو مغامرة فوق الجليد وقد وضعاها في عام 1947.
الراوي: وقف القطار المقل ((لكاترين ماري)) على محطة (كالجاري) وأقبل رجل طويل أسمر وكان خالها (جون) ينتظرها فلما أبصرها هرع إليها قائلاً:
جون: أنت كاترين ماري؟
كاترين: نعم.. أرجو أن تكون أنت خالي جون.
جون: نعم أنا خالك جون.. ما أشبهك بأمك.. إني لم أرك منذ طفولتك.
الراوي: واستقلا عربة خيل وألقى ((جون)) على ركبتي كاترين غطاءً سميكاً من الصوف وبعد يومين وصلا إلى مزرعة خالها بعد أن تعرضا لعواصف ثلجية وأمطار غزيرة.
واستمرأت ((كاترين)) حياة المنطقة الشمالية بالرغم من قساوتها وضراوتها. وبينما كانت في المطبخ ذات يوم تعد ((كعكة)) قرع الباب ودخل شاب طويل يرتدي بدلة حمراء ويحمل رجلاً على ظهره فصرخت كاترين:
كاترين: رباه. أهو ميت؟
الراوي: وضحك الشاب وألقى بحمله على المقعد وقال:
الشاب: ستدلك أنفك على حاله.. أنه مخمور.. أنه طباخ خالك.. والقهوة الساخنة تنفعه.. هيا أعديها له بسرعة.
كاترين: أشكرك على مجيئك به إلينا.. ولكني أرجوك أن تتصرف لأني لا أحب أن أتلقى أمراً من شرطي بريطاني..
الشاب: هل أنا شرطي بريطاني وما الذي جعلك تظنين هذا الظن؟ أنا الجاويش (مايك فلانجان) من قوة شمال كندا..
الراوي: وجاء ((جون)) وشكر الجاويش ((مايك)) على صنعه ودعاه إلى تناول العشاء وكان طبق الحلو هو الكعكة التي أعدتها ((كاترين)) فقضم منها ((جون)) قضمة وبدت في عينيه نظرة غريبة ووضع الشوكة ورفع مقعده إلى الوراء وكذلك فعل الجاويش ((مايك)) وهو يقول:
مايك: جون.. أنك حينما تبدأ في تدريب (كاترين) على إطلاق الرصاص لن تجدها في حاجة إلى ذخيرة.
كاترين: ولماذا؟
مايك: يكفيك فتات هذه الكعكة فإنها أصلب من الرصاص.
الراوي: وانفجر ((مايك)) ضاحكاً.. وتميزت ((كاترين غيظاً وقضمت من الكعكة قطعة كبيرة فأحست كأنما تمضغ حجراً صلداً، وتصنعت إنها تبلع ما قضمت وقام ((مايك محيياً لينصرف ولم تستطع ((كاترين)) الرد على تحيته لأنها لم تستطع النطق فتناول ((مايك)) يدها وقال:
مايك: ابصقي ما في فمك. وأجيدي خبز الكعك في المرة القادمة..
الراوي: وكثر تردد ((مايك)) على دار ((جون)) وكانت النتيجة تزوجه ((بكاترين)) وحملها إلى مكان عمله في ((هدسن هوب)) بشمال كندا والتي لا يمكن الوصول إليها إلا بالزحافات التي تجرها الكلاب وفي رحلة تستغرق ما بين شهرين إلى ثلاثة شهور.. وبدأت الرحلة واشتد البرد وهبطت الحرارة إلى الخمسين درجة تحت الصفر ووصلت القافلة أول محطة لها وبينما كانوا يتناولون العشاء راع ((كاترين)) عواء كأنه نحيب يرتفع شيئاً فشيئاً ثم يتحول إلى صرخة مدوية واشتد العواء وكان عواء قطيع من الذئاب، وارتعش بدن ((كاترين)) وانهارت أعصابها واندفعت تصرخ:
كاترين: آي.. آي.. آي.. آي..
مايك: كفى يا كاترين. كفى..
الراوي: واعتادت ((كاترين)) سماع هذه الأصوات.. وأخيراً وصلت قافلة الزحافات إلى ((هدسن هوب)) وحطت رحالها ((كاترين)) في دار ((مايك)) الذي كان عبارة عن كوخ.. وتطلعت ((كاترين)) من النافذة إلى الكوخ الذي أعد ليكون مكتباً ((لمايك)) ومحكمة للقرية ومستشفى وقالت:
كاترين: عزيزي ((مايك)) أيقصدك الناس هنا إذا ما مرضوا؟
مايك: إننا على بعد (700) ميل من أطراف العالم المتمدين ومن أقرب طبيب..
كاترين: ألك خبرة بالطب؟
مايك: علمي به قليل.. وقد اشتريت بعض كتب طبية من كالجاري. لا تخشى سأكون ((القابلة)) حين ولادتك..
الراوي: وكان ((مايك)) هو الحاكم المتنفذ في تلك القرية التي يسكنها حوالي (135) نفساً من الهنود الحمر الذين توافدوا لتحية كاترين ((وزوجها)) واختلطت ((كاترين)) بهم وأحبوها وأحبتهم وفي أحد الأيام كانت ((كاترين في حديقتها فرأت ضباباً حجب أشعة الشمس وصبغها بلون برتقالي فأدركت أن هنالك حريقاً في جهة ما فأسرعت تخبر مايك به فقال لها.
مايك: إذهبي إلى النهر يا كاترين.. وسأذهب أنا للمكافحة.
كاترين: ليحفظك الله: ليحفظك الله..
الراوي: وازدحمت ضفة النهر بنساء ليس فيهن إلا من تجر طفلاً أو تجذب طفلاً أو تحمل طفلاً وتعالى صراخ الأطفال واشتدت لفحة النيران فارتمى النساء والأطفال في النهر الذي أصبح الحاجز الوحيد بينهم وبين النار وتجمد بعضهم وغرق البعض الآخر.. وأصيبت ((كاترين)) فيمن أصيبوا ببعض الحروق البسيطة في وجهها ورقبتها ولم تخمد النار إلا بعد أن خلفت أرضاً سوداء بعد أن اختفت معالم القرية. ونقل ((مايك)) بعد هذا الحريق إلى بلد آخر وكان رجاؤه أن يصل إلى مقامه الجديد قبل أن تحين ولادة ((كاترين)) وجاء ((كاترين)) المخاض قبل أن تصل إلى المقر الجديد لزوجها.. وبمساعدة إحدى القابلات ولدت ((كاترين)) طفلة سموها ((ماري)) ووصلوا أخيراً إلى بلدة ((جروار)) مكان عمل ((مايك)) واستقبلوهم أهل البلدة بحرارة وكان سكانها خليطاً من الهنود الحمر والكنديين المنحدرين من أصل فرنسي وأكثرهم صيادون.. وشد عمدة المستقبلين على يد ((مايك)) قائلاً:
العمدة: أهلاً بك في بلدتنا.. إننا نتمنى لك ولزوجك وطفلتك طيب المقام بيننا..
مايك: شكراً لك أيها العمدة.. وشكراً للحفاوة والترحيب الحار من الجميع..
الراوي: واتخذت ((كاترين)) أو مسز ((مايك)) خادمة لها من الهنود سمتها ((فرحانة)) لأنها كانت دائمة البشاشة والابتسام. وجاء ((مايك)) ذات مساء ومعه فتى أمه هندية وأبوه من البيض اسمه ((فوكيه)) وما أن رأته مسز ((مايك)) حتى أخذت بيد زوجها إلى غرفة مجاورة وقالت له بغضب:
كاترين: لما أتيت بهذا الفتى؟ ألم تر نظرته إلى الفتاة (فرحانة) إنه تصرف خاطىء وأن المؤسسة التي أخذنا منها الفتاة إذا ما علمت بمجيئه عندنا سيطلبون بدون شك إعادة الفتاة إليهم خوفاً على الفتاة منه..
مايك: إسمعي أيتها الحمقاء لقد أتيت (بفوكيه) لتطعميه فهو يكاد يهلك جوعاً.. لقد رأيته حين وجدته ينزع قشر شجرة ليلتمس تحته ما يبل به ظمأه كما وجدته مثخناً بالجراح ويظهر أنه تقاتل مع ((كردينال)) حول مصائد الفراء.
كاترين: ألم يقل لك عن أسباب جراحه..
مايك: لا.. لقد رفض أن يتكلم أنه شديد الكبرياء شأن قومه الهنود. أطعميه من فضلك وسأتولى تضميد جراحه..
الراوي: وأكل ((فوكيه)) بهدوء وبعد أن فرغ من طعامه قال له مايك:
مايك: لقد أصبحنا أصدقاء يا ((فوكيه)).
فوكيه: نعم.. لقد أكلت في دار صديقي..
الراوي: وكان ((فرحانه)) الخادم في غاية السرور بينما كان ((فوكيه)) يأكل وهو الآخر يراقبها بسرور زائد.. وبعد أن انتهى ((مايك)) من تضميد جراح ((فوكيه)) سمعا طرقاً على الباب فهرع ((مايك)) وفتحه فإذا بالداخل ((كردينال)) الذي ما أن رأى ((فوكيه)) حتى قال:
كردينال: لقد أحسنت صنعاً بالقبض على ((فوكيه)).
مايك: إنه طليق لم يقبض عليه، وقد أخبرتك أن الابتعاد عن ((فوكيه)) خير لك وليس في حضورك هنا إلا الضرر.. إني أعلم أن ((فوكيه)) رماك ببعض سهامه وقد جئت به إلى هنا لا لأقبض عليه بل لأسمع أقواله وأريده أن يعدني بألا يعود إلى فعلته الأولى وإلا قبضت عليه..
فوكيه: إذن فالمهم القادم سيكون هو المهم الأخير..
مايك: إذن سأوقفك ((يا فوكيه)) إزاء تهديدك هذا..
الراوي: ورحل ((كردينال)) بعد هذا التهديد إلى بلد في شمال المنطقة التي يحكمها ((مايك)) ثم تواترت الأنباء بعد مدة أن ((كردينال)) قد عاد إلى خلته القديمة في سرقة الفراء ولكن بطريقة جديدة وهي وضع فراء رخيصة محل الفراء الثمينة التي يسرقها. فعزم مايك على أن يقبض عليه وأخذ يعد عدته لذلك مع زميل له وعلمت زوجته ((كاترين)) بالأمر فقالت له:
كاترين: متى تعود يا مايك؟
مايك: بعد شهرين يا عزيزتي.
كاترين: إذن سألد طفلي الثاني في غيابك.. ساعدني وارحمني يا إلهي.
مايك: لا تبكي يا عزيزتي سأعمل ما استطعت على ألا أتأخر.. والله معك..
كاترين: مع السلامة.. مع السلامة..
الراوي: وعاد ((مايك)) قبل أن تلد زوجه - وبعد أن قبض على اللص ((كردينال)) وأودعه السجن وفي تلك الليلة وبينما كان ((مايك)) يتناول العشاء مع أهله فتح الباب وإذا بأحد زملائه يقول بلهفة:
الزميل: وجد ((كردينال)) مقتولاً.. فقد طعن في حلقه ولا تزال المدية مغروزة فيه.
مايك: هل رأيت تلك المدية؟ أو هل تعرف صاحبها؟
الزميل: إنها مدية ((فوكيه)) فعلى مقضمهما نقش لمناظر صيد وهذا النقش لا يجيده إلا ((فوكيه))..
مايك: لا أحب التسرع في الاستنتاج فتعال معي نحقق في الأمر..
الراوي: وتبين من التحقيق أن ((كردينال)) هذا قتل بمدية سيدة كان اعتدي عليها وأن المدية كانت مشتراه من ((فوكيه)) وأطلق سراح ((فوكيه)) وتزوج من فرحانة ((الخادم)) وهاجر إلى إحدى قرى الهنود الحمر النائية.. وانتشر مرض الدفتريا بشكل وبائي قضى على أكثر الأطفال بما فيهم أولاد مايك وتجلد ((مايك)) وزوجه وهان عليهما مصابهما مقابل أرواح عشرات الأطفال من أبناء الآخرين وصارت ((كاترين)) تساعد زوجها في إسعاف أطفال تلك البلدة وجاءها ((مايك)) ذات مساء قائلاً:
مايك: كاترين.. أرجو أن تذهبي إلى مسز ((كونستانس)) فإن ابنتها ((بريتا)) مريضة منذ أيام.
كاترين: ولكن..
مايك: ماذا..
كاترين: إنها تسكن في جهة بعيدة عن العمران وأخشى من الوحوش والكلاب.
مايك: خذي معك هذه العصا وهذا المسدس.. إنك تحسنين استعماله إذا اقتضى الأمر.
الراوي: وتعرضت ((كاترين)) لهجوم الكلاب الضارية واستعملت مسدسها مرة واحدة لإرهاب بعض الوحوش وأخيراً وصلت إلى ((كونستانس)) فوجدت ابنتها ((بريتا)) قد فارقت الحياة.. وعادت كاترين إلى دارها تجتر أحزانها وتسرح في تيه من الألم المرير وبينما هي في هذه المتاهة إذا بأصوات في الخارج وإذا بزوجها يقول:
مايك: أدركيني يا كاترين إن معي رجلاً هجم عليه دب فكسر أحد ضلوعه وجرح كتفه.. ساعديني على حمله..
كاترين: إني قادمة.. إني قادمة..
مايك: لا تأتي.. لقد جاء من يساعدني.. افتحي لنا الباب.. وأدفيء المكان فالعاصفة الثلجية بدأت تزأر والثلج شرع يتساقط.
الراوي: ودخل ((مايك)) ومعه المصاب وأجرى الإسعافات اللازمة له وراح في سبات عميق.. وانتظم ((مايك)) وزوجه ومساعده حول مائدة العشاء يتحدثون في مشاكل البلدة والمفارقات العجيبة التي يتعرضون لها وبينما هم يتسامرون إذا بالباب يقرع فهرع ((مايك)) ففتحه ثم عاد وبيده برقية ما أن فتحها وقرأها حتى خبط على جبينه وقال.
مايك: أعلنت الحرب.. ألمانيا الهتلرية تهاجم بولندا وفرنسا.. كندا أصبحت في حالة حرب معها بعد إعلان إنكلترا الحرب على ألمانيا.
يا للهول. يا للفظاعة.. تباً للحروب.
ولم ينج القسم الذي يحكمه الجاويش ((مايك)) من ويلات هذه الحرب فقد فجعت بعض عائلات المجندين بفقد أبنائها، فكان ((مايك)) وزوجه يقومان بالتعزية والمواسات كما أن هذا البلد لم يسلم من الحرب الباردة وانتشار الشائعات عن وجود غواصات ألمانية في المياه الإقليمية الكندية.
وإذا كان هذا البلد قد تجنب ويلات الغارات الجوية فإنه مني بموجة وبائية من الأنفلونزا فتكت بكثير من الرجال والنساء وفي المقدمة مادلين صديقة ((مايك)) وزوجه إذ توفيت تاركة طفلين وليس هنالك من يعولهما مما اضطر مايك وزوجه إلى تبني الطفلين.. بعد أن أوصته جدتهما ((كونستانس)) التي وافتها المنية بعد ابنتها مادلين بأيام، بقولها..
كونستانس: إني في سباق مع الموت.. ولست مبالية بذلك.. وإنما أبالي بالتوأمين ولدي مادلين.. فإذا مت فخذا التوأمين وإني سأموت قريرة العين إذا ما وعدنا بذلك..
مايك: سنفعل إذا ما قدر الله.. أنت بخير يا كونستانس.
كونستانس: إذن.. سأنام نومتي الأبدية وأنا مرتاحة البال..
الراوي: ثم فاضت روح ((كونستانس)) إلى بارئها وأخذ مايك وزوجه التوأمين إلى دارهما.. وفي اليوم الذي احتفل فيه الحلفاء في (بوتسدام) بانتصارهم على ألمانيا كان ((فوكيه)) يدخل على ((كاترين)) قائلاً..
فوكيه: كاترين لقد ماتت ((فرحانة)) وخلفت هذا الطفل وأنه ليسرني أن تتبنيه أنت ومايك..
كاترين: لقد عوضنا الله عن طفلينا بثلاثة يا مايك فالحمد لله.
مايك: الحمد لله الحمد لله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :715  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.