شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وداع واستقبال
وعاد ((حامد)) إلى داره بعد غيبة امتدت أكثر من شهرين في رحلة تجارية كانت ضرورية لاستمرارية عمله في متجره. واستقبلته زوجته ((سامية)) وولده ((سالم)) بترحيب حار ممزوج بدموع هي دموع الفرح كما يقولون. وطمأنهم ((حامد)) بنجاحه الكبير في سفره هذا فازداد سرورهم وفرحهم كما أخبرهم أنه كان يود أن يطيل سفره لولا أن حلول شهر رمضان كان على الأبواب.
وتبتسم زوجته وهي تقول:
ـ خيراً فعلت يا أبا سالم فالأيام تمر سراعاً... بالأمس ودعنا رمضان واليوم نستقبله كأن ما مر من هذه السنة لم يكن شيئاً في عمر الزمن.
ـ صدقت يا أم سالم فالحمد لله الذي أحيانا ونبتهل إليه أن يعيننا على صيامه وقيامه.
ـ ويجزل لنا الأجر والثواب فيه.
ـ أجل أجل فإنه شهر الخير والبركات فقد سمعت الشيخ حسن يروي هذا الحديث القدسي:
ـ وما هو يا أبا سالم؟
ـ كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وفي لفظ وأنا الذي أجزي به والصيام جُنَّة... وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم.. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.. للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه (البخاري ج 3 كتاب الصوم ص 42).
ـ ما أجمل وأروع ما تقول.
ويدق جرس التليفون ويرد ((سالم)) وإذا بالمتكلم ابن عمه ((فايز)) يذكره بأنه ورفاقه بانتظاره على العشاء فيعتذر عن الحضور بسبب عودة والده المفاجئة فيطلب ((فايز)) منه أن يتكلم مع والده يهنئه بالعودة. وينتهزها ((فايز)) فيرجو منه أن يسمح لابنه ((سالم)) بالعشاء معهم فيسمح له.
وينتظم الأصحاب أو الشلة على ((شعبنة)) يودعون بها شهر شعبان وبعدها تدار عليهم فناجين الشاي ثم تصدح ((كاسيتات)) الغناء والموسيقى الراقصة. وبينما هم منغمسون في سمرهم ولهوهم إذا بالباب يطرق فيفتحه ((فايز)) ليفاجأ بابن خاله ((منصور)) وكان على رفعة من الخلق وبسطة في العلم والمعرفة فرحب به الجميع فدخل وأخذ مكانه بينهم وتوقف الغناء وسكنت الموسيقى وأحس ((منصور)) أن دخوله أثقل عليهم فبدأ يعتذر عن حضوره من دون سابق موعد وأنه سمع بالضجيج والموسيقى وهو في الشارع عائداً إلى منزله فظنه حفلاً يقيمه ابن خاله ((فايز)) فأحب أن يشاركهم ابتهاجهم به ثم تساءل:
ـ أليس هو حفل وطني في محله؟
ـ ورد عليه ((فايز)) قائلاً:
ـ وحفلكم هذا إذا صدق حدسي يعني أنك يا ((فايز)) عازم على الصيام لأول مرة هذا العام.
ـ من قال لك هذا يا بن العم؟
ـ ويثير جوابه ((منصور)) فيقول:
ـ وتقولها يا ((فايز)) بملء شدقيك. أما تخشى من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟
ثم يلتفت إلى ((سالم)) قائلاً:
ـ ولعلَّك يا ((سالم)) على شاكلته.
ـ أجل يا ابن الخال فصحتي لا تساعدني على الصوم وليس على المريض حرج.
ويعلو صوت ((منصور)) وهو يقول:
ـ حتى أنت يا ((سالم)) أنت مريض ومظهرك يدل على أنك في أكمل صحة وعافية فاحمد الله على هذه النعمة التي أسبغها عليك.
ـ عدنا إلى وعظك وإرشادك يا ((منصور)) على كل حال سأقطع الصيام بالأسفار.
ـ قطع الله لسانك.
ـ لقد أصبحت سليط اللسان وأخشى أنك أصبت بلوثة ورع وتقى..
وينهض ((منصور)) وقد اشتد انفعاله وهو يقول:
ـ تقول إن بعقلي لوثة لأني دعوتكما إلى أداء ركن من أركان الإسلام! إني ذاهب ولن تريا وجهي بعد اليوم.
ويودعانه ضاحكين هازئين قائلين:
ـ مع السلامة نفعنا الله ببركاتك.
ويخرج ((منصور)) وهو يقول:
ـ ستعلمان لمن عقبى الدار أيها الفاسقان.
* * *
ويصحو ((سالم)) في اليوم التالي على صوت والده يوقظه قائلاً:
ـ قم يا ((سالم)) فعمك ((مصطفى)) هاتفني بأنك وابنه ((فايز)) ستذهبان خارج البلد في مهمة رسمية تستغرق أسبوعاً واحداً فاذهب على عجل إليه ليخبرك بالبرنامج.
ويسرع ((سالم)) إلى عمه ليجد ((فايز)) هناك فيطلعهما على المهمة وبرنامجها وأن عليهما أن يعودا قبل حلول شهر الصوم المبارك.
ويشكر ((سالم)) عمه على هذه البشرى ويتساءل لم حددت المهمة بأسبوع واحد فمن يدري ربما تتطلب أكثر من ذلك.
ويجيبه عمه بأن الذين حددوا ذلك لم يوقتوه إلا وهم على علم بمتطلبات المهمة.
ويودعان عمهما وينصرفان.
ويعود ((فايز)) إلى داره فتسأله أخته ((نادية)):
ـ أصحيح ما سمعت يا أخي من أنك و ((سالم)) ستذهبان في مهمة تستغرق أسبوعاً واحداً.
ـ من أخبرك بهذا؟
ـ والدة ((سالم)).
ـ ولماذا تسألين بهذه اللهفة؟
ـ وهل في كلامي شيء من اللهفة؟
ـ إنني أمزح يا أختي، ولكن حتى لو كانت في نبرات صوتك بعض اللهفة فإن الحق معك.
ـ عدنا لمزاحك يا ((فايز)) ما أفرغ فؤادك يا أخي..
ـ وما أشغل فؤادك يا أختي.. نعم ((سالم)) وأنا ذاهبان في مهمة أتريدين أن تهاتفيه.
ـ وهل لديك مانع من ذلك؟
لا... وبكل سرور خطيبة تسأل عن ابن عمها وخطيبها.
أتريدين أن أنسحب..
ـ لا. لا. إبق فلا أسرار بيننا.
* * *
ويعود ((سالم)) و ((فايز)) من سفرهما ويصلان إلى المطار وكانت المدافع تطلق إيذاناً بثبوت شهر الصوم، ويستقلان سيارة تاكسي، وفي الطريق إلى منزلهما كان السائق يسوق بسرعة وفي أحد المنعطفات انفجرت العجلة الأمامية فانقلبت السيارة وارتطمت بالرصيف وبأحد الأعمدة فمات السائق على الفور ووقع ((سالم)) و ((فايز)) على الأرض يتخبطان في دمائهما. وجاءت سيارة النجدة والإسعاف فنقلتهما إلى أقرب مستشفى مغمى عليهما وبوشر في إسعافهما فتبين أنهما أصيبا بجراح وكدمات غير خطيرة في عدة أماكن من جسديهما ووجهيهما وأفاقا ليجدا عمهما و((منصور)) أمامهما وقد حضرا للاطمئنان عليهما فيهنئاهما بالسلامة ويسأل ((سالم)) عن والديه فيخبره عمه أنهما بخير ولم يستطع إخبارهما إلا بعد أن اطمأننا إلى سلامتكما. ثم يلتفت إلى ((منصور)) ويقول له:
ـ هاتف والدي ((سالم)) وترفق في إخبارهما.
ويفعل ((منصور)) وبعود ليخبرهما أنهما قادمان ويخرج عمهما تاركاً ((منصور)) لديهما الذي يبتدرهما قائلاً:
ـ الحمد لله كانت إصابتكما سليمة. لقد جاءكما الفرج كنتما ترغبان في قطع رمضان بالأسفار والآن أنتما مريضان معذورين إذا ما افطرتما ثم قضيتما فيما بعد.
ويقاطعه ((سالم)) قائلاً:
ـ سنصوم بمجرد أن يأذن لنا الطبيب.
ـ ويعقب ((فايز)) على كلام ((سالم)) قائلاً:
ـ والله يا ((منصور)) لو صمنا الدهر ما قمنا بحق شكر نعمة السلامة التي أنعم الله بها علينا.
ـ إن فرحي بما أسمع لأعظم من فرحي بسلامتكما... الحمد لله.. الحمد لله..
وتتهلل أساريرهم جميعاً وهم يسمعون أحد القراء يتلو من إذاعة المملكة العربية السعودية:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم:
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ صدق الله العظيم ( البقرة: 185).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :865  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج