شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العمامة والتوليت
حول مقال أديبنا المهجر
- اللَّهم أرنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
والله يسرني أن أرى كل يوم كاتباً جديداً يطلع علينا من أبناء هذه الأمة الإسلامية العربية ويطرق مواضيع حياتنا الاجتماعية أو السياسية أو الأدبية لبحثها، والله يسرني ذلك لأنه دليل على الشعور بالحياة والتطلع إليها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية نحن في حاجة إلى الإكثار من أولئك الكتّاب ليبحثوا أحوال حياتنا من جميع نواحيها، فيقوِّموا المعوج، ويعدِّلوا المائل، كما أنه يسرني أن أرى كتّابنا يتناولون كل ما يكتب عنا بالنقد البريء فيمحصونه ويلفظون منه الغث حباً في بقاء ما يفيد الأمة ويعود عليها بالنفع.
كتب أحد أدبائنا في العدد 19 من جريدة "صوت الحجاز" الغراء مقالاً تحت عنوان (العمامة والتوليت) يرد فيها على الكاتب تحت عنوان (العمامة) بالعدد 15 من جريدة (صوت الحجاز) الغرَّاء وبتوقيع "م.ح الفلاحي"، وعلى مقال الغربال تحت عنوان "التوليت" المنشور بالعدد 388 من "أم القرى". وخرج بالنتيجة من جهة "العمامة" أن لبسها مباح، وأن صاحبها يدعو إلى إحياء السنة، وخرج بالنتيجة من جهة "التوليت" أنه سنة وأن الغربال يطلب موتها، هذه نتيجة مقال أديبنا المجهر سامحه الله وعفا عنه.
فعليه أثبت بهذا لا حبّاً في الجدال فإني أبرأ إلى الله من ذلك، بل لأبين وأوضح الحقيقة، ثم لأديبنا المجهر الحرية إن شاء أن يسلم بها، أو شاء أن يبقى متمسكاً برأيه، كما أنه للقارئ حق التمييز والاعتراض أيضاً.
العمامة:
مقال أديبنا م.ح الفلاحي (الذي يعترض عليه أديبنا المجهر) يدعونا فيه إلى لبس العمامة لأنها وردت في السنة من جهة، ولأنها عادة العرب من جهة ثانية، وهذا شيء لا يحتاج إلى جدال، ولا إلى مكابرة، ونفس أخينا المجهر يقر بذلك في كون لبس العمامة من السنة، ثم يرجع فيقول: "إن المسألة مباحة وذوقية، وما دامت كذلك فالأولى أن نفكر في توحيد زينا وبالأخص لباس الرأس فيكون مناسباً لمناخنا وبيئتنا ووطنا وماليتنا ووسطنا" جميل جداً.
نحن مسلمون وعرب قبل كل شيء، وأديبنا المجهر مسلِّم بأن لبس العمامة من السنة، فهذه الجهة قد اتفقنا عليها فلا حاجة لبحثها، بقي أن ننظر إلى لبس العمامة من جهة عادة العرب.
نحن مجبورون على اتباع عادة العرب في زيهم حفظاً على كياننا العربي من أن يدخل إليه ما يخل به فيندثر ويضيع، وعادة العرب فيما يلبس على الرأس هي "العمامة" وهم يفتخرون بها، وقد ورد ذكرها في أشعارهم بكثرة، قال شملة بن أخضر الضبي:
إذا لبسوا عمائمهم طووها
على كرم وإن سفروا أناروا
وقال الكناني:
تنخبتها للنسل وهي غريبة
فجاءت به كالبدر خرقاً معمما (1)
وأشعار العرب ملأى بذكر العمائم والافتخار بها، كما أن للعرب في لبسها أشكال مختلفة (2) ، وما دام العرب الذين هم آباؤنا ونحن أبناؤهم وننتسب إليهم، ونفخر بهم؛ عاداتهم فيما يلبس على الرأس "العمامة" فلماذا نترك عادة آبائنا وأجدادنا، ونذهب نفتش على زيٍّ لنا خلاف الزي العربي لنتفق عليه من جديد، ونجعله زيًّا لنا، لسنا في حاجة إلى ذلك، ونحن أغنياء بزينا العربي عن اختراع زي جديد لنا لا يعلم إلاَّ الله ما يجر علينا من تقاليد ومصائب، ثم إن حاجتنا إلى المحافظة على شعارنا العربي أكثر وأعظم من غيره، أما كون الإمام الشيخ محمد عبده قال:
ولكن ديناً قد أردت صلاحه
أحاذر أن يقضي عليه العمائم
فقوله هذا لا يدل على أن لبس العمائم يقضي على الدين، بل يدل على أن الأشخاص الذين يفسدون في زمنه من المتعممين هم الذين يخشى منهم أن يقضوا على الدين بخرافاتهم وبدعهم وضلالهم.
أما العمامة المسكينة فما ذنبها؟ ثم لو كان سر التقدم بلفظ العمامة لما كان الشيخ محمد عبده نفسه يلبسها، ولوجدناه أول من رمى بها وصرح بعدم صلاحها، كما أن محافظته على العمامة لم يكن لكون التقدم معقود بناصيتها لا أبداً، بل لكون لبس العمامة من عادات العرب الذين ينتسب إليهم، والذي هو منهم، لذلك كان رحمه الله شديد المحافظة عليها حتى في سفره إلى البلاد الأوروبية، ونحن بدلاً من أن نكره العمامة نكره الأشخاص الذين يفسدون باسم العمامة أو غيرها إذا تحققنا فسادهم وتأكدناه، وهذا هو الذي يقصده الشيخ محمد عبده. ثم لنفرض الآن أننا تركنا لبس العمامة، واخترنا إحرام الرقبة أو غيره، فماذا تكون النتيجة؟ هل ذلك يغير من أخلاقنا؟ ليس الموضوع يا عزيزي المجهر العمامة ولبسها، وإنما الموضوع إصلاح نفوسنا، وتهذيب أخلاقنا، والسعي فيما يفيدنا، وما العمامة وغيرها مما يوضع على الرأس إلا خرق لا تضر ولا تنفع، ولا تقدم ولا تؤخر. ونحن إذا تمسكنا بالعمامة أفضل من أن نتركها لأنها تاج العرب، ومن تراث الأجداد فيجب أن نجلها ونعظمها، ونحافظ عليها ما دمنا ندعي العربية.
ثم أسألك يا عزيزي المجهر أن تخبرني عن إحرام الرقبة الذي أحله بعضنا محل العمامة والذي أصبح علامة فارقة بين النشء الجديد "أو الشبيبة" وبين الرجعيين "أو الشيوخ"، من أين جئنا به؟ وأية أمة قلدناها فيه، وما هو الداعي لوجوده وانتشاره بيننا؟ ليس لديك جواباً إلا أن كره الشبيبة في العمامة ولبسها، والنظر إليها بأنها هي كل التأخر حبب إلينا إحرام الرقبة ليكون علامة فارقة بين العصري الحديث، والرجعي القديم، أو بمعنى غير "خالف تعرف"، ولكن مع الأسف يا عزيزي المجهر، فقد تغلب على الكثير مناحي التقليد فأصبحنا نرى الأحاريم في الرقاب منتشرة في أكثر المدن الحجازية حتى اختلط الحابل بالنابل، وضاع علينا الشاب العصري الحقيقي من الشاب العصري المزيف، وصار من المتعذر جدّاً التفريق بين الاثنين إلاَّ بعد الاختبار والبحث الدقيق، وإني أرجو أن يسمح لي أديبنا المجهر لأقول:
إن حب أدبائنا للتقليد كرههم في لبس العمامة، وإن هذه الكراهية تسربت للأمم الشرقية من تركيا، فهي أو الأمة الشرقية حاربت العمامة، ولها في التاريخ حديث طويل، ومنها انتقلت إلى غيرها. ثم جاءت إلى الشرق فكرة الشيوخ والشباب (وهي مأخوذة من أوروبا) فقوّت من كراهية العمامة، ونحن لما أردنا التقليد لم نقصد في الحقيقة العمامة، بل قصدنا تقليد غيرنا في فكرة الشيوخ والشباب، ولما فعلناها قلّدنا غيرنا في كره العمامة، ومن هنا يظهر أن كرهنا للعمامة لم ينجم يا عزيزي المجهر عن إحداث تجديد أردنا إدخاله على ناحية من نواحي حياتنا، بل حبنا في تقليد غيرنا كرهنا في العمامة لا أكثر ولا أقل. فنحن مقلدون غيرنا في كره العمامة، وبهذا التقليد أردنا أن نقضي على تاج العرب الذي من المؤلم ونحن أبناءهم أن نجني عليهم بهذه الجناية. أمَّا قولك أن لبس العمامة من الأشياء المباحة فهذا الأمر لا ينازعك فيه منازع، وأديبنا (م.ح الفلاحي) لم يقل أن لبس العمامة فرض واجب، بل قال إنها سنة، وأنها من عادة العرب، وهي تاجهم وطلب أن نحافظ عليها وهو محق فيما قال. وهل الأجدر يا عزيزي المجهر أن نتبع السنة وعادة العرب فيما نلبس على رؤوسنا؟ أم نقلد غيرنا في كره العمامة، ونضع الإحرام على شكل قياد في رقابنا؟ أو نذهب لننظر من جديد على زي جديد؟
بالله أيهما أجدر يا أديبنا المجهر؟
قل لنعلم! وتأسف معي يا أخي على العرب وأيامهم الزاهرة، وعاداتهم الجميلة، وادع إلى ربك أن يوحد كلمة أبنائهم ويجمع شملهم ليعيدوا مجدهم وعزهم كما كان.
أما اعتراضك على التعصب الموجود "للمقصص واللال" وكونهم في ذلك ينسبونها للسنة مع أنها مأخوذة من الهنود، فأنت محق في ذلك، وإني أضم صوتي إلى صوتك في اعتراضك.
التوليت:
اتق الله في نفسك يا عزيزي المجهر. أنا لم أنكر أن تربية الشعر من عادة العرب بل قلت بذلك وصرحت به وإليك ما قلته في هذا الصدد بالحرف الواحد: "والحقيقة أن تربية الشعر من عادات العرب، وتلك العادة وأمثالها ليست من الأشياء التي نعاب عليها إذا فعلناها، وإنما هذا إذا اتبعنا في تلك العادة العرب، وعادة العرب في تربية شعورهم معروفة لا تحتاج إلى شرح". هذا ما قلته، فهل في قولي هذا ما ينكر تربية الشعر على العرب يا عزيزي المجهر، أو يثبته؟
أرجو أن تقرأ هذه الجملة جيداً ثم فكر قبلاً يا عزيزي المجهر، وثق أن جملتي لا تحتاج إلى تأويل فهي ظاهرة كالشمس في رابعة النهار.
أما كوني أنكرت الوضع الحاضر في تربية الشعر أو ما يسمون "بالتوليت" وقلت أنه تقليد لأوروبا، وأنه بعيد كل البعد عن عادة العرب فهذا شيء حقيقي وأمر واقع. لأن العادة المتبعة الآن في "التوليت" ليست من عادات العرب، وليست من السنة في شيء. وأن السنة منه براء، فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع" متفق عليه. والقزع هو حلق بعض شعر الرأس وترك بعضه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبياً قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك، وقال: أحلقوه كله أو اتركوه كله" رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم (3) .
فأنت ترى مما تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حلق بعض الرأس وترك بعضه فقال: احلقوه كل أو اتركوه كله، ثم ترى الآن أن أرباب التوليت يقصون منه قسماً، ويتركون قسماً، أي أنهم يرتكبون ما نهى عنه أفضل الخلق ولم يعملوا بالسنة، وأن السنة بعيدة كل البعد عن شكل التوليت الموجود بين ظهرانينا. والمأخوذ من أوروبا. أرجوك يا عزيزي المجهر تراجع ما ورد في كتب الحديث والتاريخ عن شعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقارنه بالتوليت الموجود في الوقت الحاضر، وكن على ثقة أنك ستجد الأمر على طرفي نقيض، وأن الوضع الحاضر من المنهي عنه شرعاً، ولا أعلم كيف يجوز لك يا أديبنا المجهر أن تقول عن التوليت الموجود الآن أنه من السنة، وهل لك أن تخبرني من أين لك هذا؟ وفي أي كتاب وجدته؟ ومن أين خرجت بهذه النتيجة؟ اتق الله يا أخي في نفسك وثق أني كنت لا أحب أن أرد على مقالك لولا هذا وقولك: (أما التوليت وما كتبه الغربال في "أم القرى" الغراء فهذا يعكس نظرتك فأنت تطلب إحياء سنة، ويطلب موتها). وما كان لي - ولا لغيري ممن يدعي الإسلام وبالأخص في هذا البلد المقدس - أن يطلب موت سنة أتى بها أفضل البشر صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه.
وإني أبرأ إلى الله من كل قول أو عمل يخرج عما جاء في الكتاب والسنة، فاتق الله يا أخي في نفسك!! وأعرف كيف تكتب!! وحاسب نفسك قبل أن تحاسب!!
أما قولك "لا لذنب سوى اشمئزاز آبائنا من ذلك" فيجب أن تعرف يا عزيزي المجهر أن الغربال لا يكتب لأجل أن يرضي زيداً أو عمراً، فمن رضي فالحمد لله، ومن غضب فليأت بحجته فإذا كانت على حق –لأن الحق أحق أن يتبع– فسأرجع إليه، وأعتذر على ما جاء مني، أماً إذا أراد أن يغضب فقط إرضاء لهواه فليغضب إلى ما شاء الله. ثم إذا كانت تربية التوليت مما يغضب آباءنا فنحن مأمورون شرعاً بألا نقول لهما أفٍّ. فضلاً عن كوننا نغضبهم، في أشياء هم محقون فيها، والشرع يساعدهم عليها فكيف يجوز لنا ذلك؟
ثم بالله يا عزيزي المجهر، هل من العدل أن تعيرني على حلق رأسي إذا ما رأيتني رجعت إلى طريق الحق، فإن شعر رأسي لم يكن مطابقاً لما ورد في السنة، ولم يكن على عادة العرب بل كان مزيجاً أو بالأصح "تركي" ولما رأيت أنه لا يتفق وعادتنا العربية حلقته، فهل أعير على ذلك؟ وهل من الإنصاف أننا نعير إنساناً نراه يعرف طريق الحق ويرجع إليه؟ يجب أن تعرف يا عزيزي المجهر أن الحق فوق كل شيء، وأن الرجوع إليه فضيلة، فهلا لاحظت ذلك وحاسبت نفسك؟
أخيراً أستسمح خاطرك يا عزيزي المجهر، فقد أضعت عليك وقتك الثمين، أما أنت أيها القارئ فإنك مظلوم بيننا، ولكن ثق بأن الحكم لك وحدك فاحكم بيننا بما شئت والله الهادي إلى طريق الرشاد، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مكة المكرمة: (الغربال)
جريدة أم القرى العدد 401
في يوم الجمعة 16 ربيع الثاني 1351هـ
الموافق 19 أغسطس 1932م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :463  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 97 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج