وكون الفاسي اعتبر الجبل المشرف على قبر السيدة خديجة من الحجون فيه نظر، لأن هذا الجبل سماه الأزرقي بجبل أبي دجانة، وسماه أيضاً جبل البرم، وهذا قوله: "أبو دجانة هو الجبل الذي خلف المقبرة شارعاً على الوادي، ويقال له جبل البرم، وأبو دجانة، والأحداب التي خلفه تسمى ذات الأعاصير(1).." ص 491 طبعة أوروبا. ولقد احتاط الأزرقي مما وقع فيه الناس عندما حدد الحجون فقال: (الحجون الجبل المشرف حذاء مسجد البيعة، ولفظة (حذاء) هنا ضرورية ليخرج جبل أبو دجانة)، وسنعالج لفظة حذاء بأكثر من هذا عند ذكر الرواية الرابعة.
الرواية الثانية:
أما الذين قالوا بأن الحجون يبعد عن مكة فهما السكري والسهيلي، وهذا قول السكري: "الحجون مكان من البيت على ميل ونصف"، وذا قول السهيلي: "الحجون على فرسخ وثلث من مكة عليه سقيفة آل زياد بن عبد الله الحارثي". وانتقد ابن ظهيرة رواية السهيلي فقال: "وأغرب السهيلي في محل الحجون" ص 359. ولسنا في حاجة إلى مناقشة هذه الرواية لأن نفس المختلفين على مكان الحجون أنفسهم يضعفونها.
الرواية الثالثة:
أما الرواية التي تقول بأن الحجون هو المكان المسمى بالحجون اليوم فهي تخالف الحقيقة، لأن المعروف عند أهل السير وأكثر المؤرخين أن هذا المكان يسمى ثنية كداء، وعرفها الأزرقي بثنية المقبرة، وثنية المدنيين. وقد وهم بعض أهل السير فقالوا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح من كداء، وهو يخالف قول جمهور العلماء، إذ الثابت أن دخوله صلى الله عليه وسلم كان من شعب الأخنس (2) ومنه إلى ثنية أذاخر(3)، فمكة. وقد ذهب الأستاذ حسين باسلامة في كتابه (حياة سيد العرب) إلى أن شعب أبي طالب الذي حصرت قريش فيه بني هاشم وبني عبد المطلب عند مدخل الحجون من المعلاة، وهو تحريف نلفت نظر فضيلة الأستاذ إليه.
ونأسف جداً إلى أن بعض المؤرخين الثقاة وافقوا العامة فيما ذهبوا إليه فذكروا بأن كداء (4) هي الحجون، ومنهم المحب الطبري، وابن فهد، وصاحب فتح الباري، والسنجاري، ولا دليل لهم على ذلك.
وفي سنة 837هـ جعل سردون المحمدي رئيس العمائر بالمسجد الطريقين طريقاً واحداً. وروى السنجاري أنه في شوال 1085هـ شرع محمد بن سليمان المغربي في تنظيف الحجون وإصلاحه، وجعل عليه ضفيرتين رضما بلاطين، ولا شك في أنها وقعت إصلاحات غير هذه لم أعثر عليها، وقد أصلح هذه الثنية المرحوم الملك حسين، وكان يشغل فيه كل من أراد إهانته لسبب او لغير سبب. وأقوى الأيدي التي عملت فيها حاروية، وأكثر العمل كان ليلاً، وطالما سالت دماء بسبب ذلك، لأن الخطة المتبعة هي أن تذهب للعمل حارتان، ليس بينهما حلف، والحلف في القانون الحاروي يمكن تفسيره بأن الكل من المتحالفين ما للآخر وعليه ما عليه، وكانت العصبية الحاروية يومذاك بالغة أشدها، ولأدنى الأسباب كان ينقلب الموقف من عمل إلى غارات، ثم عدل عن تلك الخطة التي غيرها على أثر طلب تقدم به المشائخ. ففي ذمة التاريخ. وقد احتفل المرحوم الحسين بفتح هذا الطريق يوم الأحد 28/11/1340هـ، ونشرت جريدة القبلة خبر ذلك بالعدد 605. (يتبع).
ذات الأعاصير هو المكان المعروف اليوم بالمجزرة، وتمتد إلى ما بعد مستودع الغاز والبنزين - في الوقت-بقليل-، والمجزرة كانت في السابق في أول المدعاء على يسارك إذا أتيت من أعلا مكة، ولا يزال ذلك المكان مشهوراً بزقاق المجزرة حتى يومنا هذا. وانتقلت المجزرة من هناك إلى شعبة الجن، ولم أعثر على تاريخ انتقالها، ولا على مكان شعبة الجن، والحضراوي ذكر أن انتقالها من شعبة الجن إلى المكان الحالي حدث في سنة 1283هـ.
شعب الأخنس: هو المكان المعروف اليوم بخريق العشر، وأطلق عليه الأزرقي غير الأخفش، شعب العيشوم، وعلل ذلك بأن العيشوم يكثر فيه. ومن هنا ندرك معنى تسميته اليوم بخريق العشر، لأن نبات العشر، هو نفسه نبات العيشوم.
والأخنس: نسبة إلى الأخنس بن شريف الثقفي حليف بني زهرة، واسم الأخنس أبي، وإنما سمي بالأخنس لكونه خنس بنى زهرة فلم يشهدوا بدراً مع رسو ل الله صلى الله عليه وسلم.
كل عقبة في جبل أو طريق تسمى ثنية، والعامة تسمى الثنية ريعاً، وكداء هذه بفتح الكاف وقد كانت صعبة المرتقى، وأول من سهلها -على رواية الأزرقي- معاوية، ثم عبد الملك بن مروان، ثم المهدي، ثم سهل أهل الخير بعضها سنة 811هـ. وفي النصف الثاني من سنة 817هـ نحت بعض المجاورين الجهة اليسرى للهابط من الثنية إلى المقبرة، حتى صارت تسع أربع قطائر من الجمال المحملة، وسهل أرضها حتى سواها وجعل فيها قاسماً من الحجارة.