شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الناس والأزياء
• (الزَّي) أو اللباس الوطني للإنسان، مظهر حي، يعتز به المنتمي لوطنه، به يعرف بلده وجنسيته. وكل شعوب الدنيا تفخر بأزيائها، وسائر تقاليدها، وإن اندثر منها، فإنها تحافظ على بقاياها، وتحتفظ بسماتها.. تحتفي بها في كل مناسبة وطنية.
إن أول ما يلفت انتباهك، وأنت تتجول في ساحة مهرجان عظيم مثل (الجنادرية) تلك المعروضات الزاهية التي تعكس (حياة أمة) في ماضيها ومستقبل أيامها، ومنها (الملابس الوطنية) ذات الألوان البديعة المتآلفة والمنسجمة في الشكل والتصميم، وكلها توحي بأنها ملابس وطنية إنتاجاً وتصميماً.
وبما أننا نتحدث عن عصر "الغربال" تلك الفترة الممتدة من العهد التركي إلى بداية العهد السعودي الزاهر، فإنه لا بد من وقفة قصيرة تظهر لنا بعض الملامح عن أزياء السكان في الحجاز، في ذلك الوقت.
يقول المؤرخ الأستاذ أحمد السباعي (1) : (ولعل مظاهر المجتمع في هذا العهد الذي ندرسه – (العهد العثماني الثاني) – كانت أقرب إلى التوحيد في الزي والعادة منه فيما أتى بعده من عهد إلى الآن، لأن الأهالي من طبقة العلماء والطلبة كانوا يتفقون في ارتداء الجبة والعمامة، مع فارق بسيط يميز العلماء، فقد كانوا يلفون عمامتهم على ما يشبه الطربوش الخوص، يزينه غطاء مزخرف بألوان عدة من القماش يسمونه (الفية) ويضيفون إلى الجبة كساء آخر تحتها يسمونه (شاية) يتمنطقون فوقه بحزام من قماش رقيق، وينتعل كبارهم (الخف)، بينما يكتفي الطلبة بالجبة ويلفون عمامتهم على غطاء رقيق للرأس يسمونه (كوفية) أو (طاقية)، ويشارك العلماء في زيهم أكثر الأعيان وأصحاب المناصب، كما يشارك الطلبة كثير من الطبقات تتشابه في زيها مع فوارق لا تكاد تذكر إذا استثنينا طبقة العمال، وكانوا يطلقون على طبقة العمال ومن شاكلهم من صغار الباعة والمحترفين: (أولاد الحارة)، خروجاً بهم عن طبقات المتعلمين من صفوف العلماء والطلبة، وأعيان البلاد وموظفيها وتجارها، وكما اجتمعت تلك الطبقات في زي متقارب اجتمع أولاد الحارة في زي أكثر تقارباً وأوضح بساطة، فهم يكتفون بالثوب يرتدونه ولا يضيفون إليه إلا حزاماً يشدون به وسطهم ليزيد في صلابتهم أثناء العمل كما يعتقدون، وهو زي عام يجمع سائر الطبقة الثانية لا في مكة وحدها بل في سائر البلاد التابعة لها، ويضيفون إلى الحزام أحيانـاً سـداري أو (سدرية) أو معطفاً قصيراً يسمونه (ميتان). ويقول البتنوني - في كتابه الرحلة الحجازية -: إن الحجازيين استعاروا الحزام من الشام والذي أتبينه أن الحزام فكرة شرقية قديمة الشيوع، وإنه كان في أكثر أدوار التاريخ شعاراً للقوة والجمال في آن واحد) انتهى كلام الأستاذ أحمد السباعي.
وأعتقد بأن التقارب في الزي الذي ذكره الأستاذ السباعي – يرحمه الله – لا يمثل في واقعة الذي فصله لنا.. تكاملاً يفضي إلى أن ذلك الزي وطني الصبغة، أو يمثل البيئة تماماً، فالعلماء لهم زيهم الخاص، والطلبة يلبسون غيره، ويتدرج الحال مع البقية إلى أن يصل إلى لباس (أولاد الحارة).
وقد ذكر الرحالة (سنوك) في كتابه "مكة في نهاية القرن الثالث عشر الهجري" (بأن عملية انصهار الفئات العربية المختلفة في البوتقة المحلية، عملية مستمرة في مكة، وتتجدد باستمرار – ومع كل لا نزال نجد هناك بعض العادات والزي واللغة والصفات التي تمثل البيئات التي قدم منها هؤلاء موجودة بين ثنايا أفراد المجتمع المحلي) ثم يضيف: (أما من حيث اللباس، فعلى الرغم من أن أهل مكة قد استعاروا كثيراً من الملابس الهندية، إلا أن الزي المكي زي مميز قد استفاد من اللبس العربي التقليدي).
لقد وجد "الغربال" أن مسألة اختلاف الزي في بيئته الاجتماعية ظاهرة غير مستحبة فتناول هذه الظاهرة في مقالين نشرهما في جريدة (صوت الحجاز) في شهر ربيع الأول عام 1356هـ، ففي مقاله بعنوان (أما آن لمشكلة الأزياء أن تحل؟) – صدره برجاء إلى مديرية المعارف قال الغربال: (إن توحيد الزي من مظاهر حياة الشعوب، وإن شعبنا من الشعوب التي يجب أن يكون له من مظاهر الحياة ما لغيره – كما أن المجتمعات في تكوينها واتجاهها تخضع لعوامل الرقي والاضمحلال والتبدلات التي تحدثها تطورات الحياة، وتلك الأزياء تخضع لهذه العوامل وتتفرع منها.
وكما أن للمناخ أثره في حياة المجتمع، وقوته الفعالة في تكوينه وتكييف اتجاهاته كذلك للمناخ أثره القوي في وضع الأزياء وشكلها.
وأزياء الأمم تخضع إلى حد بعيد لمناخ مدنها، وهي وليدتها ونتيجة إملاء إرادتها، وهي وإن جارت الحياة في تطوراتها وتقلباتها، من حيث التبدل والتغيير فهي مع كل ذلك لا تجاريها إلا بقدر محدود حيث تخضع في تطورها الجديد لعوامل المناخ.
والأزياء اليوم أصبحت فناً قائماً بذاته، لها من ذوقيات الفن وجماله وجلاله وخطورته ما نشاهده في الموضات الجديدة، وما نتلمس آثاره في كل مدينة عمرتها موجات هذه الموضة ثم يتحدث عن أثر الأزياء في حياة الشعوب وتمسكهم بها. (والأزياء في حد ذاتها كانت ولا تزال شعاراً مقدساً لها قدسيتها، ولها مقامها الرفيع في القلوب، وقد شملت مسارحها في التاريخ الحديث والقديم أدوار غيرت صفحة التاريخ في كثير من المدن والمواقف وحسب العادات، والتمسك بها كان له الأثر القوي في تلك المواقف، وإنك لتدرك هذا الأثر ظاهراً فيمن هم حولك من المجاورين، بالرغم من السنين العديدة التي قضوها في هذا البلد، وبالرغم من الامتزاج والاختلاط، فإنك تجد أكثرهم حافظاً على زي بلاده، فلو أردت أن تؤلف من الحجاز – بالأخص مكة والمدينة – معرضاً للأزياء لتمكنت، والأمر في جوهر حقيقته لم يتعد إشباع نهمة العادة التي إذا سيطرت على النفوس تصبح لها الكلمة الأولى).
ثم يعرض المشكلة: (إن توحيد الزي في هذا العصر أصبح من ضروريات الحياة للشعوب، وهو مظهر من مظاهر قوتها، وشعار مقدس لقوميتها، والأمة العربية السعودية أمة من الأمم، وشعب من الشعوب، فهي مع قوتها ومناعتها فاقدة توحيد الزي، فلكل مدينة من مدنها زي خاص، بل لكل مدينة من مدنها أزياء مختلفة، وقف في أي شارع يصادفك ثم استعرض المارة، فلا تلبث أن ترى أزياء مختلفة متنوعة، وكلهم عرب سعوديون، الحقيقة المرة أن مشكلة الزي في بلادنا من أعقد المشاكل، وإن توحيدها من أهم الأشياء التي يجب أن نعتني بها، لأنها مظهر من مظاهر قوتنا ووحدتنا وقوميتنا، وإن بقاء هذه المشكلة معلق يزيدها تعقيداً ويزيدنا تنوعاً. إن بقاءنا مطلقي العنان كل ينتخب الذي يرغبه فيرتديه، سيجعل اتجاهنا في هذه الحياة اتجاهاً مشوهاً مضطرباً ومتنوعاً مختلفاً).
إذاً ما الحل الذي يراه "الغربال"؟.
( إن الجهة التي تسيطر على مراحل مشكلة الأزياء هي – مديرية المعارف العامة الموقرة – إذ حل هذه المشكلة لا يكون إلا عن طريق المدارس، بتوحيد زي أبنائها من جهة، وببث فكرة حب توحيد الزي وضرورته للأمم والشعوب بين التلامذة، واستعدادهم لقبول ذلك أكثر من غيرهم من جهة أخرى. وإدارة المعارف الموقرة هي الهيئة التي تسيطر على المدارس، وهي الهيئة التي بيدها وحدها حل هذه المشكلة، ولنا في حكمة مديرها الحازم، وثاقب فكره أمل كبير في السعي لحل هذه المشكلة، وانتقاء الزي الذي يتلاءم مع حياتنا وجونا وعروبتنا وماليتنا).
رأى الغربال بأن حل المشكلة في يد الهيئة المشرفة على التعليم، وهذا في اعتقادي هو الرأي السليم، فالغربال نظر إلى المسألة بمنظار دقيق يستوعب قضايا الحاضر والمستقبل معاً، فالمشكلة تتطلب في البدء، تأصيل العادة على قاعدة راسخة وقوية، إذاً لا بد أن تكون المدرسة هي الأساس، " فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر" والأطفال في المدرسة وفي البيت يمثلون نصف الحاضر، وكل المستقبل.
فلماذا لا نعودهم على التقاليد والعادات مبكراً ليشبوا عليها؟
ولئن كانت نظرة "الغربال" إلى مشكلة "توحيد الزي" قديمة، فإنها تظل (جديدة) في حاضرنا، إذا ما وجدنا نفس المعاناة، ولك أن تنظر إلى صفوف التلاميذ أثناء طابور الصباح، لتفاجأ بالتباين الملحوظ في اختلاف الزي، فهذا يلبس البنطال والقميص، وذاك يرتدي الثوب بلا غطاء على الرأس، وآخرون اكتفوا بالزي الرياضي، وتظهر القمصان التي يرتدونها في مظهر غير لائق، لما يبدو عليها من رسوم وصور وكتابات باللغة الإنجليزية، ورغم التعليمات الصادرة من وزارة المعارف والتي تحث على ظهور التلاميذ في المظهر اللائق لطلبة العلم، إلا أن التطبيق يظل في يد الأسرة المنزلية التي عليها العناية بملابس التلميذ ومظهره.
لقد واجه (الغربال) معارضة أحد الكتاب حول هذه المشكلة.. بثبات وقوة. وهذا ما سنعرضه في الجزء الخاص بـ، (معارك الغربال الصحفية).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :367  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 111
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.