شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الناس والوقت
الوقت عامل هام في نهضة الشعوب وتقدمها، وإن عدم تنظيمه وتوزيعه إلى أجزاء تشغله بالعمل النافع، أمر يوحي بالخمول والتواكل، وتلك قضية تناولها "الغربال" كمشكلة اجتماعية ضارة بالنشاط الإنساني في جميع أشكاله، فكتب مقاله الموسوم بـ (الوقت) في تاريخ 5/2/1351هـ وفي العدد 391.
وقبل متابعتنا لما كتبه عن (الوقت) لا بد من إضاءة تكشف لنا جانباً عن نشاط السكان في ذلك العصر.
يقول الأستاذ محمد عبد الحميد مرداد في كتابه رحلة العمر، وقد عايش تلك الفترة: (إن معظم الناس في مكة كانوا يسترزقون، ويتعايشون، ويدخرون من إيجارات الموسم على حجاج بيت الله الحرام، وخاصة المدارس والبيوت التي هي حول الحرم..) وفي جانب آخر يقوم بعض السكان بالبيع والشراء في المتاجر القريبة والملاصقة للمسجد الحرام، وتزداد حركتها الشرائية في موسم الحج، ويكاد نشاط هذا الموسم ينحصر في الفترة التي يتواجد فيها حجاج بيت الله الحرام لأداء النسك.
لكن كيف يكون الحال بعد انقضاء الموسم؟!
يقول أحد الرحالة المستشرقين (1) ، واصفاً لمشاهداته للحياة الاجتماعية في مكة بعد انقضاء موسم الحج: (ففي شهر محرم بداية السنة الهجرية والذي يعقب شهر الحج نشاهد انخفاضاً ملموساً في النشاط الذي بدأ في موسم الحج، ووصل قمته في شهر ذي الحجة ومع بداية محرم يبدأ سلم النشاط بالنزول تدريجياً).
ماذا يحدث بعد تلك الحركة المليئة بالحياة والناس؟! (إن أفراد المجتمع المكي الذين فرض عليهم موسم الحج الابتعاد عن بعضهم من جراء ترك بيوتـهم أو الاشتغال بأعمال الحج، يبدأون بالعودة إلى حياتهم العادية، ويلتئم شمل الأسر المختلفة، ويبدأ موسم الراحة والاستجمام. إن هذا لا يعني أن جميع أفراد المجتمع المكي يتركون أعمالهم، بل هناك العديد من هؤلاء ليس لديه فرصة للراحة والاستجمام، فالتجار يقومون برحلات مختلفة من أجل الحصول على البضائع، والمطوفون أو وكلائهم يذهبون إلى كثير من بقاع العالم الإسلامي النائية بقصد الحصول على مزيد من الحجاج للموسم القادم) (2) .
ثم يعرض الرحالة الهولندي هذه الصورة: (3) (ويجب أن نشير هنا إلى أن العديد من أهل مكة يبقون في المنزل بمعنى إنهم لا يمارسون عملاً، حيث يقوم هؤلاء باغتنام مسرات الحياة بعد موسم الحج بالطرق التقليدية، وذلك بالأموال التي تحصلوا عليها من موسم الحج، إن المرح هو طبيعة أهل مكة، على الرغم من أن المكي في موسم الحج لا ينقطع لسانه عن ذكر الأحاديث النبوية، وليس هذا من قبيل النفاق..).
ويواصل عرض الصورة: (وبعد أن ينهي المكي هذا العمل السنوي يبحث عن المسرات المريحة في جو من الاسترخاء، وهذا متيسر له أولاً في بيته حيث الفرد المسلم يسر كثيراً لوجوده مع أبنائه وزوجته، وقد يجد المتعة أيضاً في بيوت أصدقائه حيث المناسبات السارة.. وحتى في المآتم التي يحاول المرء أن لا تفوته، ففي كل ذلك يجتمع هؤلاء ويتحدثون ويأكلون الطعام في الوليمة معاً، وبالإضافة إلى ذلك هناك اللقاءات الاجتماعية أو الرحلات القصيرة (القليلة) في المدينة وخارجها التي يقوم بها هؤلاء مع أصحابهم ومعارفهم).
نظر "الغربال" إلى الوقت الذي يضيع سدى بعد موسم الحج، واعتبر الأمر قضية اجتماعية تستدعي الطرح والتناول:
(هكذا الوقت في نظرنا نحن الحجازيين، وقلَّ فينا من يعتني به، أو يحافظ عليه، أو يقضيه في عمل يعود بالنفع عليه، أو على أمته، كل منا يريد أن يقتل الوقت، ولكن بماذا؟ بأشياء ضررها أكثر من نفعها، وإني أجد أولئك الذين كانوا يقضون الليالي الطوال في (الجوقر) و (الهندية) من ألعاب الورق مثل (البلوت) وغير ذلك. وقد فقدت صداقة عدة أصدقاء من وراء النزاع الذي كان ينشأ بيننا من أجل ذلك، وأسباب النزاع تنحصر دائماً في (الدق الفطيس) – أي اللعب الخاطئ).
وبرؤية الناقد المصلح يوجه مجتمعه إلى كيفية الاستفادة من هذا الوقت الذي يضيع هدراً في اللعب.
(أنا لا أقول أن جميع الأوقات يجب أن يقضيها الإنسان في عمل متواصل لأن هذا مضر، وإذا جهد الإنسان نفسه على ذلك، فيكون قد أساء إليها، وهي لها حق عليه ولغيرها حقوق عليه أيضاً، وإنما أقول: وقت العبادة عبادة، ووقت العمل عمل، ووقت الراحة راحة، ووقت النزهة نزهة، ولكن يجب أن نراعي المصلحة العامة، وتتوفر الفائدة فلا إفراط ولا تفريط، أما كوننا نبقى على حالتنا الحاضرة، ونبخل بالوقت في أشياء مفيدة فهذا خطأ..)
ثم يشير إلى ضرر الاعتماد على موسم الحج فقط، كمصدر رئيسي يوفر العمل لفترة محدودة: (والحقيقة أن اعتمادنا على الموسم إلى هذه الدرجة التي لا نزال عاضين عليها بالنواجذ خطأ، وأن نسمم أفكارنا بأن الحجاج هم زرعنا وقلعنا دون غيره، مهلك ومضر بنا – وإذا بقينا متمسكين بهذه النظرية لا نريد غيرها بديلاً، ولا نسعى إلى مرتزق لنا خلافها، فعلينا السلام من الآن، قلت إن الذي يدفعنا لاستغلال الوقت أيام الموسم، هو الفائدة، فالأيام التي غير أيام الموسم؛ لماذا لا نعمل فيها ونخرج منها بفائدة نستغلها لمصلحتنا؟!)
وتدور عجلة التاريخ، ومعها تلك النظرة السديدة، ليستقبلها المجتمع المكي بوعي وإدراك فيتحول الخمول إلى صحوة، هيأت العمل للإنسان سواء في موسم الحج أو ما بعده. نشاط مستمر، يقدر للوقت قيمته وللزمن شرفه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :380  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 111
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء السابع - الكشاف الصحفي لحفلات التكريم: 2007]

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[حياته وآثاره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج