شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العادة في المجتمع
* عندما أعلن الغربال بأنه ينخل عادات مجتمعه، وينقيها من الشوائب، فقد كان يتحدث عن علم ومعرفة بكل الجوانب التي تحيط بمفهوم العادة التي تغزو النفس وتتأصل فيها. وهنا يشرح لنا بأسلوب العالم النفساني عن العادات وكيف تصبح خطراً على المجتمع.
في سلسلة مقالاته التي نشرت له بعنوان (نحن والعادات)، تحدث في العدد 389 المؤرخ في 21/1/1351هـ (أم القرى) عن العادة وأثرها في المجتمع:
(لكل أمة من الأمم عوائد مخصوصة تتقيد بها، وتسير على نظامها، وتحافظ محافظة تامة على عدم العبث بها، وقد تتمكن بعض العادات من النفوس وتتغلغل في قلوب الأمة، فتصير واجباً وفرضاً لازماً من الفروض المقدسة، وقد يبلغ حد التمسك بالعادات إلى مقاومة من أراد العبث بها، ومن الصعب جداً نزع عادات من الأمم وإبقاؤها خالية منها، وإن التغيير الذي نراه يحدث في عادات بعض الأمم ما هو إلا ناشئ عن محاربة قلمية، أو دساتير رسمية لتلك العادات، فأثمرت وتغيرت تلك العادات السيئة بأخرى أحسن منها، فصارت هذه الأخيرة عادة لتلك الأمة.
فالعادات باقية ببقاء الحياة، لا يمكن أن تزول إلا بزوالها، وإذا نحن كتبنا فيها فلا نكتب فيها لاستئصال بل لأجل أن نضع موضعها عادة حسنة نستفيد منها أكثر من الأولى التي كانت تضرنا وتفتك فينا، أما استئصال العادات تماماً فهذا شيء من المستحيل، لأنه لا يمكن بقاء الأمة خالية من العادات. فمثلاً: إذا كانت عاداتنا في غذاء أطفالنا سيئة لا تنطبق على الوجه الصحيح، وقلنا بإزالتها، فمعناه أننا نطلب أن تكون التغذية على وجهة فنية، لكي تفيد أطفالنا وتحسن من صحتهم، وعند ذلك نكون قد أبدلنا العادة السيئة بعادة أخرى حسنة، وكل شيء يتفق عليه العرف، وتعمله الأمة وتواظب عليه يكون عادة فيها، وكل أمة من الأمم يوجد لديها من العادات ما هو حسن وما هو قبيح، وحجازنا كذلك).
وكأن "الغربال" يريد أن يكون مفهوم معنى (العادة) أكثر شمولية لدى الناس، وليعد الأذهان لاستقبال النتائج المترتبة على (الغربلة) التي سيقوم بها.. فألحق حديثه السابق عن العادات بمقال نشر له في 25/3/1351هـ (أم القرى) عرف فيه (العادة)، وأنواعها، وفاعليتها المؤثرة، وذلك بأسلوب علمي واضح:
1 – تعريفها: العادة: ميل الجهاز العصبي إلى اعتياد عمل خاص من الأعمال قام بعمله فرد من الأفراد وعلى الدوام. (هكذا تبدو بساطة التعريف، لأنه يخاطب عامة المجتمع).
2 – سببها: يرجع تكوُّن العادات إلى مزاولة عمل من الأعمال كان في أول الأمر لسبب من الأسباب أو بدافع من الدوافع، أي بتدبير وإرادة، فمتى تأثرت الأعصاب بفعل هذا العمل أنتج الانفعال في مراكز الحس، فيتأثر وهكذا شيئاً فشيئاً حتى يصبح هذا العمـل عادة يأتيها صاحبهـا من غير تدبـر أو تفكير.
3 – الأمثلة: فمثلاً: الشخص الذي وضع على يده ساعة لسبب رغبته في معرفة الزمن ولغرض التجميل بها، بدأ يثني يده في أول الأمر بإرادة وتدبر لينظر إلى الساعة ليتبين الزمن، ويظل هكذا من حين لحين، فإذا ما انكسرت يوماً وأرسلها إلى الساعاتي لإصلاحها، رأيناه في مجلسه لا ينقطع عن ثني يده، وشخوصه لموضع الساعة بالرغم من عدم وجودها.
4 - قوة العادة : يقول علماء النفس والتربية (العادة طبع ثان) وهم لا يقولون هذا إلا لما للعادة من القوة والسلطان في تكييف أعمال الإنسان، وليس أدل على قوة ذلك أكثر من التأمل في صعوبة استئصال عادة من العادات. وقد دلتنا التجارب على أن كثيرين من ضعاف الإرادة ذهبوا ضحية عادة من العادات السيئة، ولم يقووا على محاربتها واستئصالها.
5 – أنواع العادات: مجموعة أعمالنا الشخصية في الواقع، مجموعة عادات، فمزاولة الصناعات والمهن والحرف هي عادات عملية، أما قراءة الكتب والتعمق في تحصيل العلم ومواصلة التأليف والتصنيف، فهي عادة علمية أو عقلية، وهناك عادات خلقية كالبصق، وغسل الوجه في الصباح، وعمل الواجب اليومي، وغير ذلك مما يدخل في حظيرة الأخلاق الفاضلة أو الرديئة.
6 – تأثير العادات في نفوس الفرد والجماعـات: قلنا إن العادات قوة تدفـع صاحبها إلى السعادة أو الشقاء، فتكوين العادات الحسنة في نفوس الأطفال أو بالتالي تمرين الأطفال على الأعمال الصالحة تكون فيهم عادات صالحة، ومتى تكونت فيهم عادات صالحة، تولدت في نفوسهم أخلاق صالحة تسوقهم على الدوام لعمل الخير والفضيلة. ولا شك أن الشاعر العربي محق في أن يقول:
وإنـما الأمـم الأخـلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهـم ذهبـوا
وفي الواقع عمل أي شيء من الأعمال منشأه في الأصل الفكر والإرادة من حين إلى حين، ومزاولة هذا التكرار يكون عادة، تصير طبعاً ثم خلقاً، ومن هنا يرى ضرورة عناية المدرسين بتكليف تلاميذهم بمزاولة أعمال طيبة لتصبح عادات طيبة، ثم تصير أخلاقيات فاضلة. فالمدرس الماهر هو الذي يستأصل شأفة العادات السيئة من نفوس الأطفال حتى لا يشبوا عليها، ثم هو الذي يغرس في نفوسهم حب العادات الصالحة حتى تنطبع في نفوسهم فيشبوا وهم ذوو أخلاق عالية، وإرادة سامية، وليسيرون في أعمالهم وفقاً لأرقى قواعد الإرادة والحركة.
7 – فوائد تكوين العادات ومضارها: قلنا أن تكرار عمل من الأعمال، ومزاولة هذا التكرار يجعل هذا العمل عادة فيما بعد، وقلنا أن العادة إذا تكونت أصبحت طبعاً، ثم صارت خلقاً، وعليه نستطيع أن نأتي بهذه النتيجة، وهي إن كانت الأعمال التي تقوم بها في أول نشأتها صالحة تكونت منها عادات صالحة، ثم صارت أخلاقاً صالحة، وإن كانت الأعمال تتورط في عملها في أول نشأتنا سافلة، فإنها تكون فيها عادات دنيئة ثم تصير أخلاقاً فاسدة، ومن هنا يتبين لنا خطورة تكوين العادات في نفوسنا، وعليه إذا قيل إن لتكوين العادات الصالحة الفضل الأكبر في تهذيب النفوس، وتكوين الأخلاق الفاضلة، فإنه من جهة أخرى نقول إن لتكوين العادات السيئة الضرر الأكبر في إفساد النفوس وتكوين الأخلاق الفاسدة، فمتى كانت العادات الشخصية التي نعملها مبنية على مزاولة الأعمال المجيدة التي تدعو إلى الحق والفضيلة، فإنها تصبح أخلاقا عالية، ومن هنا ندرك فوائد تكوين العادات. ومتى كانت الأعمال التي نزاولها في صغرنا أعمالاً شائنة، فإنها تكون في نفوسنا العادات السيئة، ثم الأخلاق الفاسدة، ومن هذا ندرك مقدار تسلط العادة على الإنسان وصعوبة اقتلاعها، وعليه يتحتم على المربين أن يراقبوا الأولاد مراقبة دقيقة مخافة أن يقدموا على شيء سيئ فيصير عادة سيئة فيما بعد، كما أنه يجب عليهم أن يدفعوا الأطفال على الدوام إلى مزاولة كل أعمال الخير لتكون فيهم العادات النافعة، ثم تنشأ في نفوسهم الأخلاق الطيبة والإرادة الصالحة لعمل كل فضيلة:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
وعلى رأي المثل العربي: " من شب على شيء شاب عليه".
وهكذا وضع الغربال أفراد مجتمعه أمام حقيقة ما تفعله (العادة) في الأمة، ونبه إلى خطورة استفحالها في المجتمع، ووصولها إلى النشء الذي يخشى عليه من تأصل العادة في روحه البريئة. وخير لهذه الأمة أن تستبدل السيئة بالحسنة، والعادات الرذيلة بالأخلاق الفاضلة.
وعندما تناول قلم "الغربال" كشف بعض العادات المغايرة للعرف والتقاليد والقيم الإسلامية أوضح في البدء أن الهدف الذي يرمي إليه هو الإصلاح.
(وقد يظن البعض أن القصد – من هذا التشهير بمعائبنا ونقائصنا والتشهير بما فينا من سيئات، وقد جزم البعض بذلك حالة كوني ما قصدت ذلك ولا أردته وليس لي فيه غاية، وإن ما قلته، وما سأقوله الغرض منه لفت نظر الأمة إلى الداء الساري الذي يفتك بها من حيث لا تشعر، علها تتنبه فتقاومه وتحس فتناضله، وهذا واجب قمت به وهو الذي دفعني إلى ذلك، وإني لا أريد من أحد جزاء ولا شكوراً، ما دمت أقوم بأداء واجبي، وأداء ما علي نحو وطني وأمتي، وإني أقول أن من رأى في كتاباتي غير الحقيقة، فليردها علي مقرونة بالبراهين، وإذا فعل فإني أقبلها وأنا له من الشاكرين).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :565  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 111
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[حياته وآثاره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج