ناجَيْتُ طَيْفكِ في الأحْلامِ يـا حَلَـبُ |
فهزَّني في هَـواكِ الزَّهْـوُ والطَّـرَبُ |
حَدَانيَ الشَّوْقَ للـدارِ الـتي حَمَلَـتْ |
رِسالةَ الفِكْرِ لا شَكْـوى ولا عَتَـبُ |
فجِئْتُ أسـألُ عنهـا أيـنَ مَوْقِعُهـا |
قالوا يدلُّ عليهـا المَجْـدُ والحَسَـبُ |
وَلْم يُغالوا... فهـذا سَيْـفُ دَوْلَتِهـا |
تَنْشَقُّ عنه سُجوفُ القَبْـر والحُجُـبِ |
طَوَى العُصورَ ووافانـا تَحُـفُّ بـهِ |
مَواكبُ النَّصْـر والصَّيّابـةُ النُّخُـب |
أغْمَضْتُ عَيْنيَّ واسْتَحْضَـرتُ دَوْلتَـهُ |
ورُبَّ مُبْتَعدٍ بالروحِ يَقْتَرب |
فكِدْتُ أنْشُقُ رَيّاهُ بمَجْلِسِكم |
وكادَ يُوقر سَمْعـي جَيْشُـهُ اللَّجِـبُ |
وكادَ يأخذُ عَقْلـي طَيْـفُ شاعـرهِ |
يَهْوي، يُحلِّقُ، يَجْري، يَنْثَـني، يَثِـبُ |
دَخَلْتُها ولهيبُ الشَّوْقِ يَلْفَحُني |
فكان بَرْداً علـى أضْلاعـي اللَّهَـبُ |
لَمْ أدْرِ لَمَّا أحَاطَتني بشَاشَتُكم |
كَيْفَ اقْتَفَتْ أَثري الأزْهارُ والشُّهُـبُ |
صافَحْتُ في يَدِكُم "سَعداً" وصافَحَني |
فكَيْف لا يَزْدهيني العُجْب والعَجَب
(1)
|
ورَنَّ في أذُني لمَّا سمِعْتُكمُ |
هَديُل "سامي" فأينَ العُودُ والقَصَـبُ . |
ولاحَ لي "عُمَرٌ" في كلِّ قافيةٍ |
قَطَّرْتُموها رَحيقاً للأُلى شَرِبوا |
حَلَفْتُ لولا هَـوَى شاميّـةٍ نَزَلَـتْ |
هُدْبي... وتَحْسُدكَ الأهدابُ يا هُدُبُ |
لَقُلْتُ تيهـوا علـى الدنيـا بجَنَّتِكـم |
فقد تواءَمَ فيها الفَنُّ والأدَبُ |
أحْلَى المغَانـي وأنْداهـا يَـداً وفَمـاً |
فكَيْفَ يُخطئُ دَرْبَ الْخُلْدِ مُغْتَـربُ؟ |
الشَّمسُ في غَيْرهـا رَبْـداءُ شَاحبـةٌ |
والشَّمْس فيها عَروسٌ تاجُهـا ذَهَـبُ |
والماءُ في غَيْرها رَنْقٌ لِوارِدِهِ |
والماءُ فيهـا إلى الفِـرْدَوسِ يَنْتَسـبُ |
يا فِتْيةَ الأدب العالـي ارْأفـوا بـأخٍ |
جارَتْ عليه النَّوى واسْتَكْلَبَ الوَصَبُ |
غَيْرَ الرَّطَانـةِ لَـمْ يَسْمَـعْ بمَهْجَـرهِ |
وَلمْ يُصاحِبْه إلاَّ الهمُّ والنَّصَبُ |
لَمْ يَبْنِ جاهاً ولَمْ يَحْصُلْ على نَشَـبٍ |
وكَيْفَ يَجْتَمعُ العُرْفـانُ والنَّشَـبُ؟ |
توهَّمَ الصِّـدْقَ كَنْـزاً لا نَفـادَ لـهُ |
فجاءهُ مِـنْ خَبايـا كَنْـزهِ العَطَـب |
وَيْحَ الغريبِ تَنـاءى عَـنْ عَشيرتـهِ |
لَمْ يَقْـوَ جانحـهُ أوْ يَكْسُـه زَغَـبُ |
ألْقَتْ بـه في مَتاهـاتِ الحيـاة يَـدٌ |
تُجري الحُظوظَ بما لم تَـرْوهِ الكُتُـبُ |
فثابَ لله لا يَرجْو سِواهُ وَهَلْ |
يُرجَـى سِـواهُ إذا ما عَـزَّ مُطَّلَـبُ |
لا خَيْرَ في القَصْرِ مِنْ كَفٍّ تَمـنُّ بـهِ |
أغْلَى وأرفعُ منـه كوخـيَ الخَـرِبُ |
يا مَنْ يَرُدُّ إلى الـنزّاحِ مـا سَكَبـوا . |
مِنَ المدامعِ ولْيَذْهـب بمـا كسبـوا . |
* * * |
شَهْباءُ يا مَنْبِـتَ الأحْـرارِ تُطْلِقُهـم |
نوراً إذا حَلَمـوا نـاراً إذا غَضِبـوا |
إنِّي أُحـبُّ شُعـوبَ الأرضِ قاطِبـةً |
لكنَّ أكْرَمَهم عِنْـدي هُـمُ العَـرَبُ |
وكلَّ حاضرةٍ في الشَّـرْق حاضِرتـي |
لكنَّ أجْمَلَ دارٍ زُرْتُها حَلَبُ |
كَمْ مِنْ عُصورٍ غَفَتْ في ظـلِّ قَلْعتِهـا |
وكَمْ تَداوَلَهـا غـازُونَ وانْسَحبـوا |
تَرْوي بألفِ لسـانٍ كيـفَ أبْدَعهـا |
جيلٌ مِنَ الجِنِّ لا جـاؤوا ولا ذَهبـوا |
كأنَّمـا هـيَ مـاضٍ لا وُجـودَ لهُ |
عَريقةُ الأصلِ لكـنْ ما لهـا نَسَـبُ |
تُطلُّ مِـنْ كُـوّةِ التاريـخِ أُحْجيـةً |
تَعْصى على الفَهْم، بالأسْرار تَحْتَجـبُ |
إنْ لَمْ تَكنْ حَلَـبٌ مَهْـدي فِفِتْيَتُـها |
مِثْلي إلى العُـرُبِ العَرْبـاء تَنتَسِـبُ |
تَشُدُّ قَلْبي إليها ألْفُ رابطةٍ |
وربَّ قُرْبى ولا حَبْلٌ ولا سَبَبُ |
* * * |
في ظلِّكِ السَّمْحِ قَدْ أوْقَفْتُ راحلـتي |
فزالَ عنِّي وعنهـا القَيْـظُ والتَّعَـبُ |
لي فيكِ ألفُ أخٍ طابَتْ شمَائلهُ |
وألْفُ أخْتٍ هُمُ الياقـوتُ والذَّهَـبُ |
فكيفَ أخْنُقُ في لُقْياكِ عاطفتي |
وهَلْ يَضيقُ بزَهْوي صَدْرُكِ الرَّحِـبُ؟ |
وُلِدْتُ بالأمـس في بيـتي وعائلـتي |
واليومَ أُولَـدُ حَيْـثُ المجـدُ والأدبُ |
أضْنانيَ البَحْثُ في مَغْناكِ عَـنْ رَجـلٍ |
تحومُ حَوْله اسمهِ الغَمْـزاتِ والرِّيَـبُ |
فلَمْ يَقَـعْ نَظـري إلاّ علـى خُلُـقٍ |
مُهذَّبٍ ويَد طائيّةٍ تَهَبُ |
تُبنَى الممالكُ بالأخلاقِ مـا ارْتَفَعَـتْ |
فإنْ هيَ انْحدَرَتْ لَمْ تَنْفَـع القُضُـبُ |
لَوْ لَمْ يُحطْ أحْمَـدٌ بالخُلْـقِ دَعْوَتَـه |
لَمْ يُكْتَبِ الفَتْحُ للإِسـلامِ والغَلَـبُ |
أحَبُّ سَيْفٍ إلى قَلْبي وعاطِفتي |
ذاكَ الذي بـدمِ العُنْقـودِ يَخْتَضِـبُ |
* * * |
يا إخْوَةَ الحَـرْفِ رَؤُّوا لَهْفَـتي فأنـا |
إلى حديثِ المَالي ظامئٌ سَغِبُ |
تِشْرينُ قِصَّـةُ مَجْـدٍ لا انتهـاءِ لهـا |
هَلاَّ رَوَيْتُم لنا أخبـارَ مَـنْ كَتَبـوا؟ |
تَاهَتْ بآياتها الدنيا ورَدَّدَها |
مَنْ راحَ يُسْهِبُ أو مَنْ راحَ يَقْتَضِـبُ |
مَلاحِمٌ وَبُطولاتٌ مُحَجَّلةٌ |
تَبْقَى على الدهرِ مهما كرَّتِ الحِقَـبُ |
سُبحانَ مَنْ قَهَـر العـادي وعلَّمـهُ |
أنَّ الذي يَعْتَدي يوماً سَيَنْقَلِبُ |
مَنْ كان يُوقدُ نارَ الحربِ عَنْ جَشَـعٍ . |
فإنَّه لِلظاها في غدٍ حَطَبُ |
قُولوا لِصُهيونَ إنَّ الشامَ ساهرةٌ |
غَضْبى... ويُوري زِناد الوَثْبةِ الغَضَبُ |
إنْ كانَ قَدْ فاتَهـا فـي يَوْمهـا أرَبٌ |
فقَدْ يُنالُ غداً أو بَعْدَهُ الأرب |
يا حافظَ الشام حمَّلناكَ رايَتنَا |
فَلْيَخْشَ عاقبـةَ العُـدْوانِ مُغْتصِـبُ |
إنْ كان أبْقَـى لهـم تشريـنَ قائمـةً |
لسوفَ يأتي علـى أخبارهـم رَجَـبُ |
* * * |
يا كَعْبةَ المجـدِ يا شَهْبـاءُ هـا أنَـذا |
كالطِّفْلِ يَطْفُر مَسْـروراً ويَصْطَخِـبُ |
لا تَعْذُلي شاعراً خانَتْهُ قافيةٌ |
قَدْ يَعْذُبُ البَحْرُ حينـاً ثم يَضْطَـرِبُ |
لَكَم تهاوَى نُسورُ الشِّعْر عَـنْ أُفُقـي |
وكَمْ تجاوَزَ شأوي الشاعـرُ الذنـبُ |
أَتيْتُ مِـنْ آخِـرِ الدنيـا يُهَدْهدُنـي |
شَوْقٌ لِوَجْهكِ في الأضْـلاعَ يَلْتَهِـبُ |
في ظلِّكِ السَّمْحِ قَدْ أوْقَفَتُ راحلـتي |
فزالَ عنِّي وعنهـا القَيْـظُ والتَّعَـبُ |
لي فيكٍ ألْفُ أخٍ طابَتْ شمائِلُه |
وألْفُ أخْتٍ هُمُ الياقـوتُ والذَّهَـبُ . |
فكَيْفَ أخْنُقُ في لُقْياكِ عاطِفَتي. |
وهَلْ يضيق بزَهْوِي صَدْرُكِ الرَّحِـبُ؟. |
وُلدتُ بالأمـسِ في بَيْـتي وعائلـتي |
واليَوْم أولـدُ حَيْـثُ المجـدُ والأدبُ . |