عَفَّرْتُ غَطْرسَتي عَلى أعتابها |
وَحمَلْتُ قَرْباني إلى مِحْرابها |
ولَثَمْتُ موطئ نَعْلِها فَتَعطرَتْ |
شَفَتاي واعتَزَّتْ بلَثْم تُرابها |
بأبي وما مَلَكتْ يداي قريرةً |
بعنائها أيّوبةً بعذابها |
تَمْشي عَلى شَـوْك الجهـادِ ونـارهِ |
وتَعُبُّ مِـنْ خَـلِّ الحيـاة وصَابهـا |
ضَحَّتْ عَلَى حَرَمِ الهُـدَى بفُؤادهـا |
وتَنَكَّرتُ في ظلِّه لشبابها |
لَمْ تُغْرِهـا مُتَـعُ الصِبابـة والهَـوَى |
أوْ تَقْتَربْ فِتَـنُ الصِّبـا مِـنْ بابهـا |
رَضِيْتُ مِـنْ الدنيـا ببُلغـة زاهـدٍ |
مُتَقَشِّف، ومِنَ المُنَى بسَرابها |
فَلْتَزْهُ في حُلُلِ الحرير لِداتُها |
وتُخَيِّمُ النُّعْمَى عَلَى أتْرابها |
هي في خصَاصَتِها أشدُّ مَهابةً |
وأعَزّ شأناً في هَوان ثيابها |
لله طَلْعتُها وقد حفَّتْ بها |
زُمَرُ الصِّغارِ تجدُّ في تلعابها! |
أرأيتَ أسْـرابَ الفَـراش تزاحَمَـتْ |
حَوْلَ الزُّهـورِ تَعِـلُّ مِـنْ أطيابهـا؟ |
لكأنَّهم أولادُها وكأنَّها |
أمٌ تًَرُفُّهمُ بظلِّ رَبابها
(1)
|
ترتاحُ إن مَرَحوا وتَجْـزَعُ إن كَبَـوا |
وَتَودُّ لـو خَطَـروا عَلَـى أهدابهـا |
أحلَى من النَهَوَنْدِ وَقْـعُ ضَجيجهـم |
وألذُّ تأثيراً عَلَى أعصابها |
وأحبُّ مِـنْ عَـوْد الفتـوَّة عندَهـا |
أنْ يعبثوا بوعيدِها وعقابِها |
كَمْ حاولـوا إغضابَهـا فتغاضَبَـتْ |
كيلا يخيبَ رجاؤهم بعِتابها |
ولَكَم تَمنَّوا ضِحْكَهـا فتضاحَكَـتْْ |
والنفسُ عاكفةٌ عَلَى أوْصابِها |
لا تَعْرِفُ التمييزَ بينَهُمُ ولا |
تَهْتمُّ للأنْساب في أصحابها |
هُمْ في شريعتها السَّخيَّة أسْرةٌ |
ماتَ اختلاف الأصْـل تحـتَ قبابهـا |
يَحْتَلُّ خامِلُهم مَقامَ نَجِيبِهِمْ |
مِنْ قَلْبها وحنانها وثَوابها |
* * * |
يا مَـنْ فَتَحْـتُ نواظـري في ظِلِّهـا |
وَقَرأْتُ أوَّل لفظةٍ بكتابها |
بورِكْتِ مُرْشِدَةً تقودُ إلى العُلا |
وَيشُقُّ ليـلَ الجَهْـلِ نـورُ شِهابهـا |
ما أَنْسَ لا أنْـسَ ابتسامَتَـكِ الـتي |
غَمَرَتْ رياضَ طُفولتي بملابها |
وعيونُك الـزُّرْقِ اللواتـي سـدَّدتْ |
خَطْوي ورَوَّتْ تُرْبَتي بسَحابِها |
أنا ما أزال وإن تناءت عُزْلَتي |
وتناوشَتْني الحادثاتُ بنابها |
أهفُو لمدرسَتي وأذْكُر عَهْدَها |
وأحومُ بالرؤُيا عَلَى أبوابها |
وأسائل النَّسمـاتِ عَنْـكِ وأجْتَلـي |
قَسَماتِ وجْهِـكِ في خفـيِّ جَوابهـا |
عَلَّقتُ رَسْمَكِ فـي حنايـا أضْلُعـي |
أيقونةً وجَثَوْتُ في مِحْرابها |
شَوْقي إليـكِ وقَـدْ تَلَظَّـتْ نـارُه |
شَوْقِي لأمِّـي بَعْـدَ طُـولِ غيابِهـا |
وزَّعْتُ بينكما مراتعَ مُهْجتي |
فتقلَّبي ما شِئْتِ بَيْنَ رِحابها |