اليمن السعيدة. |
أسطورةٌ تجري على كل لسان، |
مهزلةٌ تروى على مدى الأزمان، |
قد قالها الرومانُ واليونان، |
والفرسُ والأحباش، |
وجِئْتُ أسأل التاريخ حائراً |
فَقَهْقَهَ التاريخ.. ساخراً |
وقال: (يا قوافل الأجيال، |
تكلمي بالنبأ اليقين..) |
(قولي متى كانت سعيدهْ، |
اليمن الخضراء)؟ |
* * * |
في عهد (عادٍ) و (ثمود)؟ |
أم عهد (قحطان) بن (هود)؟ |
أم حين كان أهلها عبيدْ |
لكلِّ (تُبَّع) عنيدْ؟ |
أم حين دانتْ (لسليمان) الحكيم؟ |
أم بَعْدُ.. حين طمَّها (السيلُ) العظيم؟ |
قولي، متى كانت سعيدهْ؟ |
في أي تاريخٍ؟ وفي أي زمان؟ |
و (قَطبَانُ) و (معين)، |
و (سبأٌ) و (حميرٌ) و (حضر موت)، |
يخبرك القصَّاص، والمؤرخون، |
و (المسندات) والصخور، |
و (سدّ مأرب)، وسامق القصور، |
بأن أهلها.. |
كانوا (رعايا) للطغاهْ، |
كانوا (جنوداً) للغزاهْ، |
كانوا.. إذا لم يستكينوا في بلادهم |
للظالمينْ، |
للخوف، للوبا، |
هاموا على وجوههم.. مشردينْ!! |
(جُرهم) و (المناذرة) |
وقوم (غسَّان)، |
و (الأوسُ)، و (الخزوج)، |
أخبارهم يهذي بها القصَّاص، |
لو عرفوا سعادة الوطنْ؛ |
ما هاجروا من (اليمنْ)!! |
وقالت الأمثال إنهم |
تمزقوا (أيدي سبأ)! |
قولي: متى كانت (سعيدة)، |
(اليمن الخضراء)؟ |
أحين قال (تُبَّعُ) الكبير، |
بأن عرشها، وأن تاجها.. |
ليس لذي قلبٍ رحيم، |
ولا لعادلٍ، ولا كريم، |
لكنه.. لمنْ يسوم ناسها |
سوء العذاب! |
لمن يقطع الرؤوس، |
ويزهق النفوس، |
ويشرب الدم النجيع؟ |
أم حين حفر الأخدود (ذو نواس) للموحِّدين؟ |
أم عهد (إرياط) و (أبرهه) |
حين أتى (الأحباش) فاتحين،.. وفرضوا سلطانهم على اليمنْ: |
وأعملوا السيوف وهدموا السدود؟ |
أم بعدُ حين جاء (ذو يزن)، |
بالفرس منقذين؟ وكثُرَ الأقيال والملوكْ! |
أم حين ثار (عبْهله) |
على رسالة السما؟ |
أم يوم هاجر الجميع، |
إلى (المدينة المنوَّره)؟ |
قولي، متى كانت (سعيده)، |
(اليمن الخضراء)؟ |
* * * |
و "بسر" قد أباحها، |
وحكَّم السيوف في الرجال، |
وقتل النساء والأطفال، |
و (الخارجيّ) طمَّها |
بموجة الدمار |
و (معن) بعدهُ |
لم يُبق لليمنْ |
كرامةً ولا اعتبارْ |
و (البربري) بعدهُ، |
قال له (الرشيد) |
(أسمعني الأصوات)، |
(أصوات أبناء اليمن!) |
فلم يدعْ من منكرٍ إلاَّ أتاهْ! |
وأقبل (الجزّار) إبراهيمُ |
داعية (الإِمام)، |
فنكث العهودَ، |
وقتل الجنودَ، |
قولي متى كانت (سعيده) |
(اليمن الخضراء)؟ |
* * * |
أحين أرسل المأمونُ (عامله) |
(ابن زياد)، |
فقتل الألوف؟ |
أم حين ثار (يُعْفِرٌ) |
فمزق الصفوفْ؟ |
أم يوم غضب (ألدُّ عامُ) |
غضبة الحتوف؟ |
أم حين عاث (القرمطي) في (مُذَيخرهْ) |
وسبحت في بركةٍ حمراء |
اليمن (الخضراء)!؟ |
وذهبَ (الأقيال)، |
إلى (المدينة المنورة) |
يستنجدون (ابن الحسين) |
فقال؛ إن خطبه جليل، |
فالحق خاضع ذليلْ، |
ومجدُه مضيَّعٌ. |
وأهله قليلْ، وأن أرضَه قواء، قد درست أعلامها |
وآله قد شغلتْهُمْ.. فتنة الحياة والذرائعُ؛ وقد تخاذلوا؛ |
فمنهم المجانفُ ومنهم المصانع: |
(واليمن الحمراء) بلادها ضريره |
(ساكنها) عريان جائع، |
قولي متى كانت سعيده، |
(اليمن الخضراء)؟ |
* * * |
أحين كانت سلعةً للطامعين، |
لابن "أبي الفتوحْ" |
وعصابة "الضحَّاك"، |
وبني (نجاح)؟ |
وآل (مَعْنٍ) وبني (زريع)؟ |
أم حين هب من (مسارْ)، |
الملك الجبَّارْ |
وانقض كالصقر فمزق الجموع |
وأعلن الدعوة والولا، |
للفاطميين ملوك (القاهرةْ)؟! |
والفاطميون المواطنونْ، في "صعدةٍ" وفي أزال، |
لا يستحقون سوى المنون؟؟ |
أم يوم أقبل (العبيد) من (زبيد) |
يقودهم (سعيد). |
وقتلوا (المليك) |
وأهله الصغار والكبار، |
أسروا (الحرة) من آل (شهاب) |
وَشبَّتِ الفتنْ، |
وسبحتْ في بركة حمراء |
(اليمن الخضراء)؟ |
قولي متى كانت سعيده |
اليمن الخضراء؟ |
* * * |
أحين جاءت الجيوش كالجراد، |
من (مصر) فاتحين، |
والذئب (تورانشاه) |
من بني (أيّوب) |
يقضي بما يريد، ويزهق النفوس، |
ويقطع الرؤوس، وغوَّر الآبار |
وأباحَ ما لا يستباح..؟ |
أم يوم خان (الحمزات) عهد "عبد الله" |
وقدَّموا رأس (الشهيد) للملوك من بني "رسول" |
أم قبل حين فتك (الإِمام) |
بكل (مسلمٍ) (مطرَّفي)؟ |
أم بعد حين عاد من جديد |
جنود (مصر) ثائرين |
لنصرة (المجاهد) الغشوم؟ |
قولي متى كانت سعيده، |
(اليمن الخضراء)؟ |
* * * |
أحين أقْبل (الجراكسه)، من مصر يحملون.. |
(بنادقَ) الفناء. |
فأرعبوا القلوب. |
وقتلوا السلطان (عامرا) |
ودخلوا (صنعاء) فاتحين؟ ولم يذدهم الحياء؛ عن اقتراف الموبقات |
حتى جلاهمُ الإِمام..؟ |
وقد تمزَّقت مرابع اليمن |
بين (الدعاة) و (الملوك) و (الغزاه)! |
ولم تزل مجازر (المطهّر) |
لعنتها تحوم، |
على رؤوس (الظالمين)، |
وأقبل (الأتراك)، |
والتحمت معاركٌ، |
شاب لها الوليد، |
وخاضها (المطهَّر) الجبار |
يصول، ويجول، |
وانتشر (الطاعون) |
وتعاون الغزاةُ، ومصائب السماء؟ |
أم يوم كان (أزدمُر) |
يقضي بما يهوى؟ |
أم حين كان (سنجر) العنيد، |
يَسْمِلُ العيون؟ |
قولي متى كانت (سعيده) |
(اليمن الخضراء) |
أحين أقبل الغزاه. |
بأمر (قانصوه)، |
واحتدمتْ معارك الهلاك؟ |
أم حين ظلَّت الجنود، والبنود، |
والخيل، والمدافع الكبارْ، |
من (تركيا) تزحفُ |
وتبيدُ ما أمامَها؟ |
أم حين هاجت فتنة (المحطوري)، |
ونشب الصراع في كل مكان، |
ما بين قطاع الطرق، |
والطامعين والدعاه، |
و (ضاعتِ الصَّعْبهْ) على الجميعْ؟ |
أم يوم وصل (الباشا) إلى |
(شهارة الأمير)، |
يقود جيشه الكبير، واستبسل الأحرار والمجاهدون، |
ونشب الصراع والقل المرير؟ |
قولي متى كانت (سعيدة) |
(اليمن الخضراء). |
* * * |
أحين هبت ثورة (الوزير)، |
ونُهبَتْ (صنعاء)، |
وهتكت محارمُ، |
وحطمت جماجمُ، |
واستشهد الأحرارُ، |
واستأسد الأشرار، |
حتى أتى اليوم العبوس، |
وصاح جرح الثأر، |
وأقبل (الجنود).. من جديد |
بكل (آلات) الدمار، |
والنار والحديد..؟ و "الغاز" و "النابالم" و "المصفحات" |
واستشهد المواطنون، وأبيح ما لا يُستباح! |
قولي متى كانت (سعيدة) |
(اليمن الخضراء).. |
(اليمن الحمراء)..؟ |
(اليمن الصفراء)..؟ |
* * * |
أحين بات (ذو رعين) |
من بعد غدر (حمير)، |
يبكي مسهداً، |
يصرخ مهموماً |
من يشتر السَّهر |
بلحظةٍ من (النعاس)؟ |
و (عمرو) وهو في صراع |
يعد للحوادث الكبارْ، |
(سابغة) وذا (شطب)، |
وقبله قال (ابن برَّاقة) من (مراد)، |
(كيف ينام الليل من ليس له |
سوى الحسام؟) |
و (ابن حريم) ظل دهره مرتبكا، |
يرى (سلالم العُلا.. لا يستطيعها)، |
(ولا يطيق أن يقول ما يريد)! |
و (الأشتر) القمقام، |
أقسم أن يشنها، |
على ابن (حرب) غارة، |
لم تخل من نهب النفوس. |
وأنه (سيحشد الخيول شزَّبا) |
وذهب الألوف |
في حرب (صفين) وفي حرب (الجمل)! |
متى متى ذاق المواطنون.. في اليمن |
سعادةَ الحياهْ؟؟ |
* * * |
بالأمس، كانوا يأكلون |
(صمغ عرفط الثعالبِ)، |
ويصقلون صدأ السيوف |
(بمساحي الهام)، |
وما لهم من مشرب إلاَّ النجيع |
واليوم، يومنا الكئيب |
كما يقول شاعر اليمن، |
(محمد الزبيري): |
إنّا عطاشٌ نفحص الدنيا فلا |
نلقى سوى غسلين، |
(أنضاء أسفارٍ)؛ |
(طليحنا ليس له معين)، |
(في غمرة الظلام نطأ الثرى)، |
(هوناً لنكتم الخطى) |
(عن مسمع الكمينْ) |
فكيف يا ترى يقال |
بأنها (سعيدهْ) |
(اليمن الخضراء)..؟ |
* * * |
وقلتُ لقوافل الأجيال، |
والدمع في جفني يجول، |
يا هل ترى يأتي زمان، |
يحقق المواطنون، |
أسطورة التاريخ، |
ويصنعون من جديد، |
بالاتحاد والعمل؛ ضد الدخيل و "العميل" |
اليمن السعيد..؟ |
ليتَ..وربما! |