شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
128- أحمد شوقي
[ألقاها الشاعر في مهرجان أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي أُقيم بالقاهرة سنة 1377هـ/ 1958م]:
خُذْهُ من مهجـتي، ومـن آهاتـي
واروِهِ عن دمعـي، وعـن عبراتِـي
خذْهُ شعراً يبكي على الشِّعر مجـرو
حَ القوافي، مضرَّجَ الكلماتِ
"يومَ شوقي"؛ وانثر قصيدي عليـه
زهرات بالحُب منصهراتِ
ضمَّخَتْها روحي بأشـواق روحـي
وحبَتْها ذاتي أحاسيس ذاتِي
باقة نضَّدت أزاهير قلبي
واستشفَّتْ عِطْـراً أريـجَ حياتِـي
* * *
خُذْ تحيَّات الشِّعْر عن منبع الفُصْـ
ـحي قديمـاً، وموطـن البَيِّنَـاتِ
عن مغاني "صنعـا" وسحـر رُباهـا
ومجالي سفوحها النَّضراتِ
ولذكراك في حماها حنينٌ
بصداه تَفَتَّحت كلماتِي
و"اليمانون"، حافظوا كـل عهـد
للعلا، والقريض، والحسناتِ
* * *
ربة الشعْر فـي صباحـك يا "شـو
قيَ" تبكـي القصائـد الثاكـلاتِ
أخذتْها ارتعاشة الفنّ لما
ذكرتْ إلـفَ الفَـنِّ والصبـواتِ
والليالي القمراء تسْكبُ فـي النِّيـ
ـل نجـاوى العُشَّـاقِ والنيِّـراتِ
وعلى كلّ زورق تتلظَّى
مهج المدنفين والمدنفاتِ
وشراعٌ يجري علـى لحـن حُـبّ
ألفُ آهٍ فيه، وألف شكاةِ
تلتقي في أنغامه لهْفةُ "النيـ
ـل" وأشواق "دجلة" و"الفـراتِ"
لحنُ حب أفـاضَ "شوقـي" عليـه
كل ما في الضلـوع مـن زفـراتِ
* * *
شاعر الخلد، والثناء جميلٌ
حين يزجيه الحيُّ للأمواتِ
كم تساءلْتَ في الحيـاةِ عـن الـ
ـموتِ؟ وما شأننـا وراء الحيـاةِ؟
ليتَ شعري لأيِّ معني قـد استشـ
ـرَفت شوقاً في آخـر اللحظـاتِ؟
أي سر شافهـتَ، والمـوتُ يغشـا
كَ ويطوي أنفاسَـكَ الأخريـاتِ؟
أحنيناً إلى مفاتن دنياكَ
وساعات لهوها الثملاتِ؟
والأغاني يصدحْـنَ في كـل ركـن
والغواني يمرحنَ في الغُرفاتِ
أم تمادي بـك الذُّهـول، وولَّـى
بك فـي موكـب من الهمسـاتِ؟
فنسيتَ الماضي، وما خلَّفته
فرص الحبّ فيـه مـن صفحـاتِ
كنت تشدو بها فتُصغـي لك الدُّنـ
ـيا، وتهفو الأيام مُنصعقاتِ
كم تمنَّتْ قلائـد الغيـدِ لـو أنْـ
ـنَك طورتها إلى كلماتِ
وتمنتْ أزاهـر الـروض لـو أنْـ
ـنَك حورتها إلى نغماتِ
* * *
أي شعر صداه في كل قطر
ساحر الرجـع صـادق النـبراتِ
تتغنَّى به الحياة وتبكي
في ليالي الأفراح، والأزماتِ
ويُطلّ التاريخ منه بشيراً
ونذيراً بأروع الذكرياتِ
عن "أبي الهول" تارة وعـن "الحمـ
ـراء" حيناً، وعن "عصورِ الرُّعـاةِ"
وعن "النيل" وهـو يجـرف أهـو
ال المغيرين، والغزاة الطُّغاةِ
وعن "الشمس" وهي تحكي الأحاديـ
ـث وتـروي مآسـي الكائنـاتِ
وعن البيد، كيـف حوَّلهـا الإِسـ
ـلام روضـاً مضَمَّـخ الجنبـاتِ
حِكَمٌ ما سمَا إليها بيانٌ
قبل "شوقي" ولـن تكـون لآتِـي
* * *
قُم تَر الشرقَ مـارداً حطَّـمَ الأغـ
ـلال يمضـي مفـزّع الخطـواتِ
نفض النوم عن جفون جفاها الصـ
ـحوُ دهراً، فاستغرقتْ في السُّباتِ
كنت "شوقي" تستنهض الصَّحو فيها
بالرجا، بالأنين، بالدعواتِ
بالقوافي، تكاد ترفضُّ دمعاً
بالأغاني تضجُّ، بالعبراتِ
وعلى صوتك الرهيب صحـا "الو
ادي" فكانت من أرهب الْيقظـاتِ
وثب الليثُ للخـلاص مـن الأسـ
ـر جريحاً مفزع اللفتاتِ
وتوخـى طرائــق المجـد يستسْـ
ـهلُ فيهـا الصعـاب والهلكـاتِ
* * *
"بَرَدى" لـم يَعُـدْ يُصَفِّـقُ بالسَّلْـ
ـسَلِ بـل بالقلـوب مؤتلفـاتِ
بالأماني العِذاب، بالحُـبّ، بالإِخـ
ـلاص، بالنَّصر، بالعـلا، بالحيـاةِ
ووراء الحدُود يجثم هولٌ
هو في الأرض لعنةُ اللعناتِ
يتلظَّى كالصِّلِّ والشـرُّ فـي عيْنـ
ـيه يرمي بالويل والنقماتِ
وحقوقٌ صريعةٌ، وضحايا
حُرُمات تهيم في الفلواتِ
اليتيم المريـض مـن دون مـأوى
والعجوز الثكلى بلا مشكاةِ
وبقايا الأبطال بين جراح
الذُّلِّ تبكي أيامها التَّعِساتِ
تتهاداهُمُ الزوابع في الأر
ض فمن عثرة إلى عثراتِ
ضيَّعوهـا شهيـدة الجشـع المغـ
ـرُور في أنفـسِ الطُّغـاةِ البغـاةِ
ضيَّعوهـا وفرصـة النَّصـر تَسْتَنْـ
ـهضُ ما في القلوب من عزمـاتِ
حسبوها غُنْماً وإرْثاً فخابوا
ثم باءوا بالخزي واللَّعناتِ
* * *
دَعْ نجيّ الهموم فـي خلـوة الذكـ
ـرى يناجـي أيامـه السالفـاتِ
للحبيـبِ المفقـود، والمـنزل المهـ
ـجور، أو للأطـلال والعرَصـاتِ
إن بكى؛ لن يكون أول باكٍ
ضاق ذرعاً بلـؤم هـذي الحيـاةِ
خجلـي أنـني أخاطـب بالشِّعـ
ـر مع العجز صاحبَ المعجـزاتِ
* * *
وأناجي من عَلَّمَ الطير فـي الأحـ
ـراش أشجى الألحـان والنغمـاتِ
أيْقَظ النُّورَ فـي قلـوب الحيـارى
والأماني في الأنفس القانطاتِ
فأطَلَّتْ على الحياة وفيها
من معانـي الإِقـدام ألْـفُ حيـاةِ
فإذا بالظَّلام يَسْحَقُه النُّو
رُ وباليأس ضائع الخطواتِ
إنه الشعر روح كلّ مثالٍ
لِلْعُلا، والجمال، والخيراتِ
ما مضى مصلحٌ إلى المجد إلاَّ
والقوافي دليله للنَّجاةِ
ولكم أمَّة براها يراعٌ
بعد دهـرٍ قـاس مـن العثـراتِ
ولكم ثورة شرارتها شِعْـ
ـر أبيٍّ، أفضَى عن المأساةِ
رُبَّ بيتٍ يَصُدُّ جَحْفَلَ بغيٍ
وبيانٍ يُغني عن الباتراتِ
و "لشوقي" مواقفٌ سَجَّلَتْ في
صفحة الخلد أروع الذكريات
حين كـان الظـلام يَلْتَهِـمُ الأحْـ
ـلامَ، والنُّـورُ واهـيَ اللمحـاتِ
والدُّجى في فؤاد كلّ صريعٍ
كحنين على بقايا رُفاتِ
والغدُ المرتجي يفيض عليه
روح سلوى بليلة النسماتِ
تترامى به غواشي العوادي
كشراعٍ محطَّم الجنباتِ
* * *
أيها الفجـر وقفـة خاشـع النُّـو
رِ وبارك أرواحنا الْخاشعاتِ
واسكب النُّورَ في ثرى مصر عِطْـراً
ورحيقاً مُؤرّجَ النَّفحاتِ
واهدِ "شوقي" في يوم ذكراه أزكـى
ما تجود الذكـرى مـن الصلـواتِ
مصر: 1377هـ/ 1958م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :928  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 152 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج