شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
122- مناجاة...
[من رسالة إلى أخي عبد الوهاب الشامي]:
في هذه السَّاعة..
والكون هادئ ساكن،
واللَّيل مخيمٌ خاشعْ،
ولا يبدّد الصمت الرهيب.
إلاَّ عواء متقطِّع يأتي من بعيد.
ووَشْوَشة أمواج البحر.
ترقص على تمتماتها أشعة القمر.
التي تسّاقط عليه في بهاء وحنان.
في هذه الساعة أناجيك.
ولعلّ القمر والبحر يصغيان.
لقد سئمتُ من كل شيء..
وكل مجهوداتي تذهب سدى.!
لقد فسدتِ الطباعْ،
لم يعد الإِنسان هو ذلك الذي عرفتُه..
قبل أن تكتسحني "العاصفة"..
وترمي بي في "قعر نافع"؟
ذلك الصَّدوق المخلص.
تحوَّلَ إلى متذمِّر شكوك..
وتلك "الغزالة" المطلَّة من وجه القمر.
ألَهَا قصَّة؟ ما هي؟ وهل عرفها أحد؟
و"الريحاني" حين قال:
"أنا الشرق عندي فلسفات وديانات،
من يبيعني بها طيَّارات"؟
هل كان موفّقاً؟
وهل يوجد عندي طيَّارات،
من يبيعني بها ديانات"؟
وما هي الغاية من كل ذلك؟
وذرة الرمل أتحسّ أنها تحتل مكاناً في الكون؟
واأسفاه؛ إن هذه الدنيا الرائعة..
ليست مائدة خلود..
فلماذا لماذا، لماذا كل هذا العناء؟
يا ربّ. إنها كلمة كبيرة يندمج فيها الوجود.
هل الإِنسان وحدَهُ هو الذي يعرفها؟
أم هو وحده الذي يستطيع أن يجحدها؟
وأنتَ وأنا من نكون؟
وكيف؟ ولماذا؟ وإلى أين؟
وحين تخلو الأرض من الإِنسان.
من سيناجي القمر ويفكِّر في غزالته الجميلة؟
لقد قرأت أن الإِنسان يفكر في الطلوع إلى القمر..
فهل تراهم يستطيعون؟
إن الإِنسان إذا فكر في شيء..
فإنه يستطيع أن يفعلَه.
أظنهم سيفعلون.
وأنهم إلى الكواكب سيطلعون.
ولكن ماذا سيكون.؟
إن مجرَّد التفكير يرعبني.؟
خذها يا أخي مناجاة..
شاهِدَاها البحرُ والقمرُ.
أحسَّ أنني أتنفس من ثقبٍ ضيِّق.
أتكلَّم من تحت الأنقاض.
لا أنقاض جدار هُدم..
بل أنقاض روحي..
أنا لم أعرف "أوروبا".
لكن هذا الذي ينبض في صدري..
أحسّ أنه أكبر من قارة "أوروبا".!
والصِّماخ الذي في رأسي.
يضجّ ويدور.. وليس حول الشمس..
بل حول منبثق الشموس..!
هل هذا عقل.؟ أم جنون؟
لا.. لا.. يا أخي..
لا تصدِّقني لعلَّ يراعي يهذي ويُخَرِّف..
لعل الحقيقة تلعنه.!
فالقطعة التي تنبض في صدري..
لا تكاد تحسّ بمكانها في حناياها.
إلاَّ إذا كانت ذرة الرَّمل..
تشعر أنها تحتل مكاناً في الوجود.
وحقيقة صماخ رأسي بكماء..
لا تدور إلاَّ حول تابوت فنائها.
والشرق ليس في حاجة إلى "طيارات"..
والغرب لا تنقصه "الديانات"..
والقوم لن يَنْفذُوا من أقطار السَّموات إلاَّ بسلطان!
ومشلكة الإِنسان أينما كان. ومهما كان..
جرعة واحدة من الإِيمان.
أو رشفة واحدة من كأس الموت.؟
لا.. لا.. قد رجعت عن هذا الرأي..
الإِنسان فقط في حاجة إلى "دخينةِ" تأمُّل.
ينفث مع دخانها ما تراكم في صدره من حقد،
وما تلبَّد في صماخه من خوْفٍ،
كما أفعل الآن.
واللَّيلُ والبحرُ والقمرْ.
ووحدتي شهودي.!
إنني أتذوَّق بذلك الراحة الكبرى..
إذا رفعت صوتك بكلماتي..
فستسمع معها حيرتي. وحبِّي!
وتعلم سر مناجاتي لك بهذا الهذيان.
وصلِّ -إن شئتَ معي- بفكر خاشع.
وقل تلك الكلمة الكبيرة "يا رب سبحانَكْ".
إنها تُغني عن كل فلسفة وعن كل هذيان.
آه يا أخي، إنَّني جدّ حزين..
إنَّني أتصوَّرُ العاصفة الكبرى.!
وأحزن حين لا أجد حولي من يفكِّر فيها.
بل حتى ولا يتخيَّلها..! وإنها لمأساة..!
إنهم سامدونْ.! سامدونَ لا يشعرون.
الحديدة: 14 جمادى الأولى 1374هـ
7 يناير 1955م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :363  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 146 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج