شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ثم تعطى الكلمة للأستاذ محمد حسين زيدان فيقول:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا أعرف عزيزاً: زميلاً وطفلاً، وقد كفاني شرفاً أن أعرفه رجلاً بما تحدَّث به، أعرفه طفلاً زميلاً في المدرسة، كان أرستقراطياً، ولقد نشأ نشأة أرستقراطية فيها كبرياء، وفيها انطواء. ومن غرائب عزيز ضياء أنه اجتماعي بمعنى الكلمة، وانطوائي بمعنى الكلمة، ففي استطاعته أن يكون إنسان جماعة متى أراد وأن يبتعد عن الجماعة إذا أراد. لم نعرف له نشاطاً في المدرسة باعتباره أصغر منا سناً. صغر السن لا أستطيع أن أقدره الآن بالسنتين، والثلاث، والأربع سنوات، قد يكون أكثر من ذلك ولكنه نشأ كما هو نظيف الثياب نظيف الخلق. أحب صحيحاً، وعشق صحيحاً، لم أرَ عليه ما يعيب في هذا الحب والعشق. أول ما عرفت أنه أحب عندما كنت أقرأ ما يكتب، يقول: إنّه يكتب عن جبران خليل جبران، أما أنا فأتهمه أنه كان يكتب عن المنفلوطي لأنه سريع التأثر بما يقرأ. عزيز ضياء لم يستفد من المدرسة، فقد كان هو مدرسة نفسه، وهو معلم نفسه، ذلك لأن الطموح فيه جعله يتخطى كل الحواجز. ما كنت أدري أنه درس النحو على الأستاذ سعيد، ولم أسمع عن ذلك إلاَّ منه الآن، لقد كنت أكبر الأستاذ عزيز وهو لم يتعلم النحو في المدرسة، كيف أصبحت تستقيم عبارته وليست مشكلة أن تستقيم عبارة الكاتب، وإنما المشكل أن يستقيم حديث الكاتب. وعزيز من الذين استقامت أحاديثهم فهو قليل اللحن، حتى إذا قرأ، أو إذا تحدَّث. فهو من أعداء العامية حتى في حديثه الشخصي. فهو من عشقه للعربية وتعلمه لها، يتكلم معنا باللغة الفصحى. كان الخلاف مستعراً بينه وبين حمزة شحاته وبيننا حول الموسيقى الغربية، فقد كان يعشقها، ويحاول أن نشاركه هذا العشق. عزيز كبير الصفوة، كثير الجفوة. يعني أنني ما أصبحت في صفاء منه إلاَّ بعدما تعارفنا معرفة دقيقة. عزيز لقي العنت الكثير من أصدقائه ولا أدري ألبخس حظه معهم؟ أم كان هو سبباً في أن ينال منهم ما يشقيه؟ لعلي كنت أحد الذين أشقوه أو لعل غيري كان أكثر إشقاء له لكنه تغلب على كل ذلك، فأصبح في طليعة هؤلاء الأصدقاء، حبيباً إليهم، حفياً بهم وهم حفيون به.
وتعقيباً لما ذكره الأستاذ عزيز عن محمد عمر توفيق أنه كتب مقالاً بتوقيع راصد أحب أن أوضح لكم شيئاً له علاقة بالموضوع:
- لقد كنت في تلك الفترة أحد محرري جريدة "المدينة"، فأبي عبد الحق النقشبندي - رحمة الله عليه - وكان شبه مستشار لعثمان حافظ لأنه صديقه وشريكه، أبى أن ينشر ذلك المقال. وقد طاوعه علي حافظ وعثمان حافظ، ولكنني أصررت على نشر المقال لأنه أعجبني، وكان المقال متأثراً بأسلوب الدكتور محمد حسين هيكل، ولا غرابة في ذلك، فقد قرأ محمد عمر توفيق كتاب "حياة محمد"، كما قرأ كتاب "منزل الوحي". وكلاهما من تأليف الدكتور هيكل.
- بعد موافقتي وإصراري على نشر المقال، قال لي عبد الحق - رحمه الله -: لماذا تنشر له هذا المقال؟ فقلت له: لأنه كاتب ولأن أسلوبه جيد. قال: أما تخاف أن يكبر هؤلاء فيتكبروا علينا؟ قلت له: لا، بل نريد أن يكبروا علينا، وأن يكونوا أحسن منا. فمحمد عمر مدين لي بهذا، وأنا مدين لمحمد عمر بأن كنت كاتباً وصحفياً وأديباً. فلولا أن محمد عمر توسط في تعييني مديراً لجريدة "البلاد" لما كنت بينكم الآن الكاتب، فكأنما أنا ومحمد عمر تقايضنا أن يحسن كل منا إلى الأخر. محمد عمر رجل استقامة لهذا أثني عليه. فهو صاحب الفضل عليَّ، تفضلت عليه مرة واحدة، وتفضَّل عليَّ بالكثير. وعزيز ضياء قد يبخسني حقي في المواجهة. عندما كان رجلاً يعبأ بالسلوك وأنا كنت رجلاً غير مسلوك، لكني في الغيبة أحمد للأستاذ عزيز أنه يحفظ لي حقي.
كلام الأستاذ عزيز:
- (أنا أحفظ غيبة كل إنسان. لا أسمح لنفسي بأن أغتاب إنساناً، حتى ولو كنت أعرف مساوئه كلها).
محمد زيدان:
- أنا لم أكن موسوعة الناس كلهم في معاملتك، وإنما أتحدَّث عن إنسان سَمَّاك وهوأنا. عزيز ضياء بكّاء أقول أم أسكت.
الأستاذ عزيز:
- بل قل فأنا معروف بأني بكاء.
يواصل الأستاذ زيدان حديثه، فيقول:
- عزيز بكّاء، لا يطيق أن تضام الأنثى. يقدس الأمومة بجميع أنواع التقديس، ولعلي على أثره في ذلك التقديس لشيئين: أولاً: لأنه هو تربية الأم، ولأني أنا فقيد الأم، ثانياً: أمه عظيمة أعرفها تزورنا في بيتنا.
- عزيز ضياء كان عشيراً لطالب في المدرسة صديق له، لا يمشي إلاَّ معه، ولا يأتي إلاَّ معه، اسمه كمال اليافي ولد عبد المجيد اليافي، كان أبوه صيدلياً وكان زوج أم عزيز كبير الصيادلة، والصداقة امتدت من هنا. وكان كمال حرياً بأن يكون صديقاً لعزيز، وعزيز أحرى بأن يكون صديقاً لكمال. ويظهر أن الأدب، أو قراءة الأدب، أو حفظ الشعر قد نما من تلك النبتة التي نبتت في عواطفه. لعلكم لا تعرفون عبد المجيد اليافي فقد كان صيدلياً في جدة، تزوج ابنته نجيب صالحة.
- تلك الأيام خلت، وما أحسن أن نتذكرها، أما كلام الأستاذ عزيز عن الوظيفة، فأنا أؤيده في ذلك، فقد كنت من قبله أرى أن أسوأ أيام حياتي عندما كنت موظفاً، وأسعد أيام حياتي، حين كنت معلم الصبيان. ولعلي سعيد أن أكون بينكم أتكلم وأتحدث.
ويختم الأمسية الأستاذ/ عزيز ضياء، بقوله مخاطباً الأستاذ حسين زيدان:
- واختم بالرضا عملك.
فيرد الأستاذ زيدان بقوله:
- والحمد لله. قوموا للعشاء.
* * *
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :857  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 126
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج