شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > سلسلة الاثنينية > الجزء الأول (سلسلة الاثنينية) > حفل تكريم الأستاذ محمد حسين زيدان (اثنينية - 5) > حوار المحتفى به مع جمهور الحاضرين وذكرياته مع أقطاب الأدب والثقافة المصريين.
 
(( الحوار بين الجمهور والمحتفى به ))
يطالب الجمهور الذي حضر تلك الأمسية الأستاذ محمد حسين الزيدان بأن يعود إلى سرد ذكرياته، كما وعد بذلك، لكن الأستاذ زيدان يوضِّح لهم أن الحوار قد يكون أجدى نفعاً، وعلى ضوء ذلك تقدَّم السيد علي العمير بسؤال للأستاذ زيدان قال فيه:
- ما مدى تأثرك بالرافعي من حيث الأسلوب؟ ومتى بدأ ذلك؟
فيجيب المحتفى به على السؤال بقوله:
- إذا كان التأثر تقليداً فأنا أرفضه، وإن كان التأثر إمعاناً في فهم ما يكتبه الرافعي أو غيره وأنا قارئ بالأذن أكثر من أني قارئ بالعين، فأنا أعبأ بالجرس والرنين والرافعي صاحب جرس ورنين.
- إذا أردت أن تقرأ الرافعي فاقرأه بالأذن، أو كما قال أمين الريحاني، إذا أردت أن تقرأ فلا تقرأ واقفاً، فإن قراءة المار السريع لا تجدي.
- فالرافعي كنّا لا نفهمه في المساكين، ولا نفهمه في أشياء أخرى، ولكنه عندما رقَّ وكتب في الرسالة وغرقنا في الغزل وقرأنا أوراق الورد والسحاب الأحمر، يظهر أن الحب الذي كنّا فيه أغرانا بأن نفهم الرافعي أكثر فأكثر. لا تنكروا كلمة الحب، فقد سأل أستاذ أحد أبنائي بل أصغر أبنائي في مدرسة الثغر، قال له: أتعرف الحب؟ قال: نعم أعرف الحب.
- فقال الأستاذ: أليس عيباً أن تعرف الحب؟ فأجابه ابني: ليس عيباً أن أحب الله، وأحب أبي وأمي وبلدي وأهلي، وأنا من تربةٍ غزلة. قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : زفوا بنات الأنصار، فإن الأنصار أهل غزل. وأنا أتحدّى أي رجل من هذه الأرض أن يقول: إني ما أحببت.
وهنا يتدخل معالي الشيخ عبد الله بلخير قائلاً:
- لا داعي للتحدي.
ثم يعاود الأستاذ الزيدان الحديث، قائلاً:
- فالحب جعلنا نقرأ الشعر غزلاً لا هجاء، وأحياناً يلتمس الإِنسان بعض التنفج، فيقرأ الفخر، ثم استغرقنا في القراءة فإذا بنا نقرأ الكثير الكثير.
- هناك ظاهرة أحب أن أقولها وهي أن الأديب متطوِّر دائماً، لا متغير، حتى الذي تشعر أنه تغيير إنما هو بدافع التطور والاستزادة، فالدكتور طه حسين عندما كان أزهرياً وحمل على الأزهر سخره عبد العزيز جاويش، وكان يتلقّى من صادق عنبر، وهو إمام في اللغة بعض الملاحظات على المنفلوطي وكتب وكان هذا طوراً من طه حسين.
- ولكن عندما ذهب إلى فرنسا أخذ طوراً جديداً بالتراث الغربي، لكنه عندما عاد إلى وطنه وقرأ تراث بلده وأرضه بدأ طورٌ جديد لطه حسين، فإذا بطه حسين ذلك الشخص الذي قد كمل. وكذلك العقاد.
- العقاد عندما كان يحمل على شوقي كان يريد أن يظهر وهذا طور، وطور آخر مع الوفد، فقد كان لسان حزب الوفد، مما جعله يبعد عن كثير من أساطين مصر وعلمائها مثل عبد العزيز باشا فهمي، وعبد الحميد بدوي، لكن عندما تطور، وكملت قراءته عرف معنى العلم في العلماء.
- قرأت له أنه يقول: إن من سوء حظه أنه لم يلتقِ من قبل بعبد العزيز باشا فهمي لأنه رجل عالم، وعندما قدَّم عبد الحميد بدوي باشا إلى المجمع قال كلمة فخر بها وأعطى عبد الحميد بدوي باشا حقه. وفي الكلمة التي ألقاها الدكتور طه حسين والتي قَدَّم فيها عبد الحميد بدوي باشا، قال بأنه قد نالته بركة المدينة، لأنه بدأ تعلُّمه في المدينة وهذا صحيح.
- فعندما تمَّ إنشاء السكة الحديدية التي تربط بين المدينة ودمشق وصل إلى المدينة محمد بدوي والد عبد الحميد بدوي باشا وسكن المدينة في الساحة في دار جونة، وكان ذلك المنزل ملكاً لآل مظلوم باشا، وكان الناظر عليه السيد أحمد صقر وأُجِّر، فشكلت فيه مدرسة دار المعلمين، لأن الأتراك عندما أغرموا بالتتريك فتحوا في المدينة ثماني عشرة مدرسة ابتدائية.
- وكمَّل الاتحاديون ما صنع السلطان عبد الحميد في المدرسة المتوسطة، وفتحوا دار المعلمين. من أغرب ما في ذلك هو أن السيد أحمد صقر أستاذنا ومدير المدرسة، كان تلميذاً في هذه المدرسة، وعبد الحميد بدوي باشا تلميذ أيضاً، ومن هنا نالته بركة المدينة.
- أما الأستاذ العقاد فماذا قال؟ قال: لقد قيل لي إن كتاباً في الفلك قد وصل إلى مصر، فذهبت إلى مكتبة الإِنجلو لأقرأه، فقيل لي: سبقك إليه عبد الحميد بدوي، فاعجبوا لقارئ يسبق العقاد إلى كتاب! وهكذا أثنى العقاد على عبد الحميد وعلى نفسه.
- هذه الذكريات أعني بها أن الأديب يتطور ولا يتغير، فالتغيير نكول، أما التطور فازدياد، ولكن عندما يفلس الأديب من الاستزادة والتطور يصبح إما أن يتسافه على الناس، وإما أن يسرق مال الناس. وأعتقد أن الدكتور عبد الله مناع يفهم ما أعني، فالمعنى في بطن الشاعر.
 
وهنا يطلب الدكتور عبد الله الغذامى من المحتفى به أن يحدث الحاضرين عن لقائه مع أحمد أمين وهيكل، ويجيب الأستاذ الزيدان على ذلك بقوله:
- ذكرياتي عن أحمد أمين وهيكل تعود إلى 1355 هجرية عندما زار وفد الجامعة المصرية، ووفد الأزهر المدينة المنورة بعد إتمامهم فريضة الحج، ولم أكن في ذلك الوقت أستاذاً بالمدرسة الحكومية وإنما كنت أستاذاً بدار الأيتام، وكنت بارزاً. لاحظت بالصدفة بعض السيارات واقفة أمام مبنى المدرسة، فدخلت بدافع حب الاستطلاع أو سموه الفضول إن شئتم، فوجدت صديقي محمد سالم الحجيلي وهو من النابغين، وكان مديراً للمعارف في مكة يستقبلهم.
- ولما وقفت أمامهم بدأت حديثي بقولي: السلام عليكم.. أيُّكم أحمد أمين؟ لأني قرأت ضحى الإِسلام وقرأت فجر الإِسلام. كان في صدر المجلس أمامه القبة الخضراء في صالون المدرسة، فقال: أنا أحمد أمين، فسلَّمت عليه وجلست.
- بدأ الحفل الخطابي، لم يعط الخطباء الضيوف ما يستحقون من الثناء والتقدير على جهودهم العلمية، وإنما طرقوا أموراً جانبية، ومن أولئك أستاذنا ضياء الدين رجب، قال في خطبته: إن أُحداً يحييكم، والوادي يحييكم كلاماً من هذا القبيل. وعلى هذا المنوال ألقى الأخ سالم داغستاني كلمته، ولكن إيماني بقدر الجامعة والأزهر جعلني أقف لأتحدث، لأن تكريم الجامعة في نظري يجب أن يكون بأسلوب غير ما سمعت، قلت بهذه الألفاظ:
- إنها حفله مرتجلة، فلا أقل من أن أقول كلمة مرتجلة، وإن كان الارتجال يضيق بفحول الرجال، ولست من الفحول، وإنما أنا الآن في هذه الساعة سأكون الفحل بينكم، لأني قد تعلَّمت منكم، وقرأت لكم و.. و.. إلى آخر الحديث، فبكم أستزيد، وقالوا: إن الجامعة تؤم لندن وباريس والأزهر يؤم مكة، فإذا مصر الكنانة أبت إلاَّ أن تكون الجامعة والأزهر في إطار واحد يحجّون إلى مكة ويزورون المدينة، تلك كنانة الله.
- وقالوا: إن جمال الدين الأفغاني هو نهضة الشرق، فأين كانت نهضته؟ كانت أول نهضته وأبرزها وأكملها في القاهرة في كنانة الله في أرضه، فقام أحمد أمين - رحمة الله عليه - وأمامه القبة الخضراء، فقال: الارتجال يضيق بفحول الرجال نعم كما قال الأستاذ، وفي تلك اللحظة حصلت على درجة أستاذ، لقد قال كلمة ما أحبَّها إلي وما أحبها إلاَّ أن تكون بين المسلمين جميعاً، وبين العرب جميعاً، قال: لا أقول كلمة وأنا أنظر إلى القبة الخضراء، إلاَّ أن أقول رداً على قولك: - إنكم تعلمتم منا - من علَّمنا القرآن؟ من هدانا إلى الإِسلام إلاَّ أنتم، إلاَّ بلدكم هذا، وثقوا أني لا أريد لبلد أن يكون أحسن من بلدي، وأعز من بلدي إلاَّ بلدكم هذا.
ثم قام بعد ذلك المجذوب عبد الوهاب عزام الذي أحرجني وأخرجني من المدينة بكلمته التالية التي قال فيها:
- لقد كنت من أوائل المتفائلين بالعالم الإِسلامي، ولكن الآن في هذه اللحظة من أوائل المتشائمين لماذا؟ لأن الإِسلام لا يعمر ومكة والمدينة خربتان وجلس!
- ثم رافقتهم في زيارتهم لبعض الأماكن التاريخية للعظة والاعتبار حتى بلغنا مدفن (شهداء أحد)، فقام الأستاذ عبد الحميد العبادي وألقى ما في السيرة من نص، ولكنه قال: أهل مكة أدرى بشعابها ثم طلب مني أن أخبرهم عن موقعة أحد، وأبيِّن لهم موقع الرسول صلى الله عليه وسلم، وموقع الرماة، وأين دارت المعركة، فأوضحت لهم ذلك بالقول والعمل، فقال الأستاذ أحمد أمين: لقد أصبحت أستاذاً لجامعيّين، فقلت له: ولكن بدون درجة الدكتوراة فقال: سوف أمنحك ما هو أفضل من الدكتوراة، إن كتاب "منزل الوحي" ممنوع لديكم الآن، وقد أهداني المؤلف الدكتور حسين هيكل نسخة منه، وسأهديها لك.
وعلى ضوء ذكر منع كتاب "منزل الوحي"، سأل الأستاذ عزيز ضياء المحتفى به قائلاً:
- أتقول إن كتاب "منزل الوحي" ممنوع؟ فيرد الأستاذ الزيدان بالإِيجاب. ويستغرب الأستاذ عزيز لذلك، غير أن الأستاذ الزيدان يبين له وللحاضرين جميعاً أن الكتاب منع في بداية الأمر، ثم سمح بتداوله بعد أن تدخَّل فؤاد حمزة وتوسَّط لدى الملك فيصل حين كان نائباً للملك عبد العزيز بالحجاز.
 
ويطالب الجميع الزيدان بسرد ذكرياته مع الدكتور هيكل، فيستجيب الأستاذ الزيدان ويقول:
- عندما جاء هيكل إلى المدينة كنتُ أول من قام بزيارته يرافقني الدكتور سعيد مصطفى في مقر سكناه في بيت الخريجي، وبمجرد جلوسنا أمامه سأله الدكتور سعيد مصطفى قائلاً: ما بال الوفديين يبكون على الدستور الأعرج؟ فما رأيت مصرياً تأدب مع بلده وقال كلمة الأدب مثل الدكتور هيكل فقال: زرعنا فأكلوا ويزرعون فنأكل.
- ثم قص علينا قصة من المجمع. فقال: عندما عمل "مجمع فؤاد"- وهو مجمـع اللغـة العربية الآن - دعي إليه مستشرقون كثيرون منهم الأستاذ (فيشر) الألماني، ودعي إليه خرّيجو دار العلوم، والأزهريون ولم يُدع أحد من الجامعيين أمثال الدكتور طه حسين، والدكتور هيكل، ولا عبد العزيز فهمي وغيرهم.
- فعندما وضعوا المراجع قرأوا المراجع كلها المعروفة لديهم، وبعد الانتهاء سألهم المستشرق الألماني (فيشر) قائلاً: ألم تنسوا مرجعاًُ من المراجع؟ فقالوا: لم ننسَ قط، وقد تضايق الأزهريون من سؤاله واعتبروه بمثابة طعن في جهدهم، فقال لهم: إن المرجع الرئيسي وهو المرجع الأهم هو القرآن، فأسقط في يد الأزهريين وخرّيجي دار العلوم.
 
من الذكريات الجميلة التي يجدر ذكرها هنا أننا أقمنا للدكتور هيكل حفلة تكريم، قدَّمنا له فيها فاكهة البرتقال في زمن كنا نقتسم البرتقالة شرائح، ليأخذ كل واحد شريحة، وقد ألقى فيها الأستاذ علي الجارم قصيدة، وألقى ضياء الدين رجب قصيدة، أما أنا فألقيت كلمة قلت فيها للدكتور هيكل:
- لقد كنا نعجب بك، ونحترمك لكنا كنا لا نحبك، لأنك كنت تدعو إلى الفرعونية، وإلى المصرية البحتة تبعاً لما كان يدعو إليه أستاذك لطفي السيد، ثم أحببناك بعد ذلك حين أنصفت اللغة العربية من الدكتور طه. وعندما ترجمت "لدرمنجام" كتابه "حياة محمد" ونشرته في السياسة ثم ألَّفت حياة محمد، فإذا نحن نحترم ونعجب ونحب، فقام الدكتور هيكل وقال: لقد صدق الأستاذ، فقد ذهبنا إلى الغرب وإلى فرنسا فرانت على أفئدتنا ثقافة الغرب فقلنا ما قلنا، وذهبنا إلى ما ذهبنا إليه، ولكن عندما رجعنا إلى ترابنا جاءت ريح سافية أزاحت تلك الرمال، وبقيت قلوبنا الحجر الصلب مكانها حيثما عدنا إلى تراثنا، وقد نشر هذا الخطاب في جريدة البلاغ.
ثم يطلب بعض الحاضرين من الأستاذ الزيدان أن يتحدَّث عن ذكرياته عن الشام، فيقول:
- أما ذكرياتي عن الشام وأرجو ألاَّ يلومني الشاميون، فقد كنت "ولد حارة"، فلما جاء الأستاذ كامل القصاب، وكنت في ذلك الوقت وثيق الصلة بالسيد عبد القادر شلبي، لأنني كنت أعمل خادماً في منزله لأتعلم وأنام في المكتبة، وكان عبد القادر طرابلسياً من لبنان. والأستاذ كامل القصاب من دمشق - وكان مديرَ المعارِف - فرد عبد القادر شلبي إلى عمادة المعارف، فرآني الشيخ كامل القصاب بلباسي البلدي، فأمسكني من أذني وقال: ما هذا العمل الصبياني يا زيدان. أنت في جسمك رجل، أطلق هذا الحزام، فخلعت الحزام ولبست العقال منذ ذلك اليوم. وهذا هو الفضل الأول للشام عليَّ.
- أما الفضل الثاني، فهو للشيخ محمود الحمصي زميل الشيخ علي الطنطاوي، وهو أستاذنا درسنا عليه الجبر واللوغريتمات ونذكر هذا فخراً بهم، وليس فيه إرضاء للشاميين.
 
يسأل الأستاذ حسين نجار:
- ما الذي دعاكم تغوصون في تلك الرحلة الطويلة الممتعة مع الأنساب؟
 
يجيب الأستاذ الزيدان على ذلك بقوله:
- سبب ذلك هو السيد إبراهيم نوري. لقد كنت بعيداً عن قراءة أسماء الصحابة، لكن يوماً ما كنت مع إبراهيم نوري بمكة المكرَّمة، وذُكرت سيرة مالك بن سنان، فقلت للأستاذ إبراهيم نوري: إن مالك بن سنان هو والد أبي سعيد الخدري، فما استساغ ذلك، وقال: لا باعتباره معروفاً بالعلم، فأخذني العناد واستعرت مُؤَلَّف "أسد الغابة" من الشيخ يحيى أمان، وغرقت بحثاً بين أوراقه ثم أتيت بالإِصابة والاستيعاب وطبقات ابن سعد والأنساب، وهكذا كان الفضل للأستاذ إبراهيم نوري الذي أنكر عليَّ معرفتي.
 
الأستاذ حسين نجار يعلِّق على ذلك قائلاً:
- إن الأستاذ عبد الفتاح أبا مدين يرى أنك لم تقف عند هذا الحد من العلم القديم عن الأنساب، بل اتسعت إلى أبعد من ذلك، فشمل علمك بالحديث منها.
وهنا يقاطع الأستاذ عزيز ضياء قائلاً:
- أنا عندي ملاحظة يا أستاذ زيدان هي ذاكرتك العجيبة جداً، والتي دائماً تبهرني، وما هو أدهش من ذلك ذكرك أسماء كثيرة ومعرفتك آباءهم، وأمهاتهم، وأقرباءهم وأخوالهم، وأعمامهم. إنه لشيءٌ عجيب جداً!
 
فيرد الأستاذ الزيدان:
- إن هذا يرجع إلى معاشرة الناس يا عزيز ومخالطتهم، والتلقَّي عنهم والحفظ، فيعترض الأستاذ محمد سعيد طيب قائلاً: هذا ليس جواباً مقنعاً، فيرد الأستاذ المحتفى به قائلاً: وماذا تعتقد إذن؟ هل تعتقد أنني أتولَّى الذهاب إلى منازل القوم وأسألهم؟
ويعود الأستاذ عزيز ضياء إلى إبداء ملاحظة أخرى فيقول:
- إن الأستاذ الزيدان عندما تذكر له "اسم فلانٍ ما"، فإنه يذكر لك على الفور اسم أبيه وأمه وجده وأصهاره ومواليه ومن له علاقة به.
ويسأل الأستاذ علي العمير:
- أترى أن علم الأنساب مما ينبغي أن يتحلَّى به مثقَّف العصر الحديث؟
فيرد الأستاذ عزيز ضياء قبل أن يستمع إلى رد المسؤول قائلاً:
- لا، لا.. ولا يحتاج إليه.
أما رد الأستاذ الزيدان فكان كالآتي:
- أنا لا أنصح به وإن كنت أحترفه، ولقد أنكرت على حمد الجاسر، وعبد الله بن خميس تعرضهما لقبائل العرب، لأن بعض القبائل قد تحوَّلت أسماؤهم، ودخل بعض القبائل في البعض الآخر نتيجة الضغط الذي تعرضت له تلك القبائل من الأمويين والعباسيين، ولذلك ينبغي عدم البحث فيه.
فيسأل الأستاذ عزيز ضياء بقوله:
- لماذا؟
فيجيب الأستاذ الزيدان قائلاً:
- لأنه يجر إلى إثارة الحزازات وبعث الخلافات، والقبائل حساسة في أنسابها. وإذا رجعنا إلى قبيلة هيثم لوجدنا أنها تضم أشجع محارب، وفي هيثم أجمل النساء، ورجالها بنو رشيد الذين عمروا السودان.
- هناك ظاهرة غريبة في التاريخ خلاصتها أن المؤرخين يزعمون أن الذين قتلوا الخليفة عثمان - رضي الله عنه - هم المصريون، وأن الذين أثاروا الفتنة هم الكوفيون والبصريون، وهذا الزعم باطل لأن قائد الفتنه هو محمد بن أبي بكر، وهو ليس مصرياً. والذين جاءوا من مصر هم الفاتحون ما بين غطفانيين، وتميميين، وغيرهم. ومن الكوفة كان حرقوس بن زهير، وغيره وكلهم تميميون، ومن هنا يتَّضح أن الذين تولوا وزر تلك الفتنة هم من العرب، وليس من سواهم. وإنما المغرضون هم الذين زوَّروا التاريخ حتى نكره الشام بسبب معركة الحرة، ونكره العراقيين، ونتَّهمهم بقتل الخليفة عثمان.
ويسأل الأستاذ علي العمير الأستاذ الزيدان قائلاً:
- إن علم الأنساب كان من أهم العلوم قبل قيام أبي موسى الخراساني بثورته ضد الأمويين أي قبل ظهور الشعوبية. فهل ترى أن علم الأنساب قد قضي عليه بسبب الشعوبية أم أن هناك سبباً آخر؟
يجيب الأستاذ الزيدان على ذلك بقوله:
- في رأيي أن عدم الاهتمام به لا يرجع إلى ظهور الشعوبية ولكن بسبب القسوة التي تعرَّض لها العرب من العباسيين.
ويسأل الأستاذ فهد العيسى قائلاً:
- هل التاريخ العربي مكتوب كتابة صحيحة؟ فيرد الأستاذ زيدان بقوله: التاريخ العربي مكتوب، ولكنه يحتاج إلى استنباط واستقراء، فمثلاً موقف أبي لهب، وقوله: تباً لك ألهذا جمعتنا؟ أنا أرى أنَّ لها خلفية غير ما يبرز في معناها المباشر، فحين يظهر للقارئ أنه سبٌّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا أرى فيها التأييد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن قريشاً سكتت ولم تتكلم، ولم تعترض واكتفت بكلمة أبي لهب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من إرهاصات النبوة أيضاً.
- ولنأخذ مثلاً آخر: أبو سفيان، قائد الحرب، ما الذي دعاه إلى أن يخرج إلى خارج مكة ليقوم بمهمة التجسّس؟ ولماذا قابله العباس ولم يقابله شخص آخر؟ إذن المسألة مرتّبة ترتيباً دقيقاً وهذا استنباط لم يسبقني إليه أحد. والتاريخ إنما يكتب هكذا بالاستنباط.
ثم يطلب الأستاذ عزيز ضياء السماح له بالحديث تعقيباً على كلام الأستاذ محمد حسين زيدان فيقول بعد أن أعطي حق الكلام:
- لقد ألقيت ذات يوم كلمة في مجمع طلابي عنوانها "إن تاريخنا لم يكتب بعد"، وأعني بذلك أن المثقف العربي لن يجد الكتاب الحقيقي الذي يعطيه حقيقة هذا التاريخ، ليس بالاستنباط الذي تشير إليه، وليس برد الأفعال إلى مصادرها، وإنما لم يكتب إطلاقاً كما ينبغي أن تُكتب تواريخ الشعوب والأمم. هناك موسوعات جديدة بعضها ذُكِرَ الآن، وهناك موسوعات كثيرة عن السيرة، وهناك غيرها، ولكن هذا التاريخ كعبرة وكأحداث مؤثرة في حياتنا، حتى اليوم، مع الأسف لم يُكتب بعد، وهذه وجهة نظر قلتها وما زلت أقف عندها.
فيقول الأستاذ الزيدان:
- أنا أعرف رأيك هذا، لذلك أقول: إنَّ فهم التاريخ يحتاج إلى استنباط واستقراء وغربلة.
ثم يوالي الأستاذ عزيز ضياء حديثه بقوله:
- أضيف إلى هذه المشكلة الكبرى التي تعانيها أجيالنا الآن، وهي أن تاريخنا لم يكتب بعد، والذي كتب لهم ليتعلَّموه هو سلبي جداً، فالمعلم يكتب الأحداث كما وجدها في مصادرها ويكتفي بهذا.
- وحبذا لو أن كاتب التاريخ في العالم العربي وفي المملكة العربية السعودية، بصفة خاصة، عندما يأتي ذكر الحجاج مثلاً أن يوضح في الهامش أن الحجاج هو من ثقيف، وثقيف قبيلة كانت تسكن الطائف، والطائف مدينة في مملكتنا الحبيبة وهي إحدى مصائفنا وهلمَّ جرّا. والملاحظ أن أبناءنا لا يهتمون بأهمية التاريخ للسلبية التي تكتنف كتابته، وكل هم الطلاب هو اجتياز الامتحان فحسب، وبعد ذلك يقذفون بالكتب على الأرفف.
ويعلق الأستاذ محمد حسين زيدان على ما جاء في كلام الأستاذ عزيز ضياء حول معرفة الكثير من أبناء العرب بأنسابهم بل تاريخهم الحقيقي، ويستشهد على ذلك بضرب عدد من الأمثلة، فيقول:
- من يعرف مثلاً أن جابر بن حيان أزدي؟! ومن يعرف أنَّ الخليل بن أحمد أزدي أيضاً؟! إنَّ الأممية أكلتنا، في التاريخ عبارة قرأتها، في كتاب قراءة للشيخ أبي الحسن الندوي، يقول: وعمر بن الخطاب شخص في الجاهلية كان لا يؤبَهُ له، لأنه كان يحمل الحطب لأبيه. ولا أجد أن حمل الحطب يحط من قَدْرِ الإِنسان ألم يكن موسى عليه السلام خادماً؟ يخدم شعيب عشر سنين، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم، وقد رددت عليه في محاضرة لي ذكرت 17 حديثاً في البخاري كلها تنص على مقولة: (ما زلنا في عزة منذ أسلم عمر). كما أن كتب التاريخ التي تدرَّس في المدارس أهمل مؤلفوها الإِشارة إلى أمور كثيرة تهم العرب والمسلمين، ومنها معركة (ذي قار)، والتي جاء فيها الحديث الكبير الكريم الدال على قومية رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصه: (اليوم انتصف العرب من العجم وبي نُصِروا) وهو حديث صحيح.
- و لست أدري لماذا لم يذكر هذا الحديث في هذا الكتاب؟
السيد علي فدعق يجيب، ويقول:
- لأن بعض الكتّاب الإِسلاميين يعتقدون أن كل رأي يدل على الانشقاق، ويؤدي إلى الانحطاط في العقلية العربية هو انتصار للإِسلام وهزيمة للقوميين العرب.
ولندع هذا، ولنعد إلى سؤال الدكتور عبد الله منّاع الذي سألك إياه، وهو:
ما هي ذكرياتك عن الصحافة لأنك كنت كاتباً؟
فيرد الأستاذ الزيدان، قائلاً:
- بداية عملي في الصحافة ترجع بي الذكريات القهقرى إلى يوم محبب إلى نفسي، كان ذلك بعد إتمامي مناسك الحج، وقبل أن أخلع ملابسي، إذ حضر السادة/ عبيد مدني، وعلي حافظ، وعثمان حافظ إلى سكني قائلين لي: لقد وقعت قي قبضتنا، فقد استأذنا الملك عبد العزيز، وصدر إذنه بجريدة "المدينة"، وأنت أحد المحررين فيها، والقائمين بها وبأمرها، أنا وضياء الدين رجب، وعبد الحميد عنبر، ورئيس التحرير السيد أمين مدني، يعلم الله أنني أنا الذي قمت بأكثر جهد ولكني وجدت عقوقاً وهروباً فتركتها ولا داعي لذكر ذلك لأني صفحت وتركت، وأمين يعرف الحكاية كلها. كما يعرف حكاية الطبيب، وحكاية الستة آلاف ريال التي دفعت للأفندي محمد الداغستاني ليقيم قضية دفع بالمحكمة.
الأستاذ عزيز ضياء، يقول:
- هذه هي الطرائف التي نود أن توضحها.
يعلِّق معالي الشيخ عبد الله بلخير، بقوله:
- هذه ليست طرائف، بل هي حقائق.
يرد الأستاذ زيدان، قائلاً:
- من هذه الذكريات أن هناك طبيباً اسمه عادل محيش، سوري الجنسية، له علاقات طيبة مع كثير من أبناء المدينة، وكان يعاصره طبيب آخر اسمه فؤاد محروس وهو سوري أيضاً، لكنه ذو عقل، وأدب، وكمال، أكثر من الدكتور عادل. ولا علاقة لي بالاثنين، ولكن الأخ بكر الداغستاني ذهب إلى الدكتور فؤاد محروس فوجد الباب مغلقاً، فما أدخله لوجود مريض لديه، فجاء إلى السيد عثمان حافظ وقص عليه الحكاية، فكتب السيد عثمان مقالة نَقَدَ فيها الدكتور هذا، فرددت عليه بمقالة قلت فيها: إن النظام عند الطبيب وأجر الطبيب فيها حصانة وصيانة، ولم أكن أعني بذلك عادل محيش، بل كنت أعني سعيد مصطفى، لأنه كان يعطي الفقراء، ويوزِّع بعض دخله هدايا، ومآدب، مثله في ذلك مثل إبراهيم ناجي وغيره، وقلت أيضاً: إن الطبيب الذي لا يأخذ أجراً يأخذ ما هو أكثر وأغلى منه. وفي الهدايا والمآدب أكبر دليل. ولما قرأ السيد مصطفى عطار - رحمة الله عليه - المقال، حذف منه كلمة الهدايا والمآدب، وترك الجملة التي تنتهي بعبارة يأخذ أغلى منه. مما أثار غضب بعض الأصدقاء، منهم أسعد طربزوني، وعثمان حافظ، وغيرهم، فكتبوا شكوى ضدّي.
وهنا يسأل الأستاذ عزيز ضياء الزيدانَ، قائلاً:
- لماذا ثاروا عليك يا أستاذ؟
يجيب الأستاذ الزيدان بقوله:
- ظنوا أني قصدت بذلك الدكتور عادل محيش، فكتبوا شكوى للملك عبد العزيز، وكان عبد الله السديري أمير المدينة. ودفعوا 6 آلاف ريال لمحمد داغستاني لمتابعة القضية.
ويطرح الأستاذ عزيز ضياء سؤالاً آخر قائلاً:
- أتقول إنهم كتبوا ضدك شكوى للملك عبد العزيز؟
يجيب الأستاذ الزيدان:
- نعم لقد أعدوها، وعزموا على رفعها له، إلاَّ إذا ذهبت واعتذرت لكل من السيد السمان والأستاذ حمزة غوث. وقمت بتقبيل رأس كل منهما، لكنني لم أفعل. عندما رأوا إصراري على عدم تنفيذ ما أرادوا، دفعوا 6 آلاف ريال للأفندي محمد الداغستاني (عبد العزيز) لكي يقيم علي قضية قذف في المحكمة، لكن الشيخ فاضل وبَّخهم على عملهم، وذكَّرهم "بالعيش والملح" الذي يربط بيننا، ومن باب الصدفة تأخَّرت ذلك اليوم في قهوة عبيد الله في باب العنبرية عن صلاة المغرب، فجئت إلى المسجد، والناس خارجون فإذا صالح إبراهيم القاضي - الله يرحمه - وهو رجل من كبار أهل عنيزة، ومن كبار أهل نجد، ورأيت خلفه أسعد طربزوني، وعثمان حافظ، وبقية الشلة، فقال لي: يا زيدان باشا، قلت له ماذا تقول؟ فأجابني: إنَّ أهل المدينة لا يكتبون الشكاوى إلاَّ في الباشوات، وأنت باشا. إني أقسم لئن لم يمزقوا هذه الشكوى لأركبنَّ جوادي، وأذهب إلى الملك عبد العزيز الآن وأتحدَّث معه، ثم سرد على سمعي ما ائتمر عليه الإِخوان، وقوَّى من عزيمتي، وثقتي بنفسي، وقال: لا تخف فلن يمسّك شيء يؤذيك، وتمزَّقت الشكوى، وطلب مني السيد أحمد خضر أن أعتذر للسيد عبد الله السعد السديري. فكتبت اعتذاراً أوضحت فيه أنني ما كنت أقصد ما ذهب إليه الإِخوان، لكني قصدت الهدايا والمآدب.
ويختم الأستاذ عزيز ضياء أسئلته بقوله:
- هل تعتقد أنهم عملوها دفاعاً عن الرجل؟
يجيب الأستاذ زيدان:
- بل عملوها دفاعاً عن العرض والكرامة.
بعدئذٍ يسأل أحد الحضور المحتفى به، قائلاً:
- ما هي ذكرياتك عن "البلاد" و "الندوة"؟
يجيب المحتفى به بقوله:
- عملي بجريدة "البلاد" يرجع الفضل فيه إلى السيد محمد عمر توفيق الذي طرح عليَّ فكرة العمل كمدير لجريدة "البلاد" في الوقت الذي كان يتولَّى فيه وظيفة مدير مكتب "البلاد" بمكة، وكان عبد الله عمر خياط، وعبد الله الجفري يعملان في المكتب. فقبلت العمل وتقبَّلني حسن قزّاز خير قبول، تعيَّنت مديراً للبلاد، في ذلك الوقت، نشأت مشكلة جمال عبد الناصر مع المملكة، وما صاحبها من مشاكل جانبية ومن تلك المشاكل ما طلبه مني سمو الأمير طلال بن عبد العزيز، وهو أن تسحب وزارة المالية أسهم شركة النشر والطبع، ويعطيني إيَّاها، فرفضت وقلت لسموه: أنتم تحاربون التأميم، فلم تؤمم حق الناس وتعطيني إياهُ؟ ولقد عانيت في تلك الفترة كثيراً حتى أراحني منها معالي الأخ عبد الله بلخير.
- وعاد الأستاذ حسن قزّاز للجريدة مرة أخرى، وتولَّيت بعد ذلك رئاسة تحرير "الندوة"، ولكني تضايقت من الوضع هناك لأن السيد عبد الله عريف، أراد أن يكون رئيس تحرير غير متوَّج وأنا لا أطيق هذا، ويرجع سبب ذلك أنني كنت أكتب له ما ينشر من مقالات.
ويقاطع الأستاذ عزيز ضياء الأستاذ الزيدان، متسائلاً:
- هل كان عبد الله عريف رئيس تحرير؟
يجيب عليه الأستاذ الزيدان بقوله:
- بل كان مدير المؤسسة وأراد أن يفرض نفسه أيضاً كرئيس للتحرير، فرفضت ذلك لأنه يطلب مني أن أكتب عن أشخاص أرباب مصالح خاصة فعارضت ذلك وتركت المؤسسة مستقيلاً.
- ولقد علم الملك فيصل عن طريق الأصفهاني، أو غيره بذلك، فأمر بعزل عبد الله عريف من رئاسة المؤسسة.
- ومن ذكرياتي التي لا يمكن أن أنساها خلال عملي بالصحافة أنني كنت في إجازة لمدة 17 يوماً، وفوجئت بالأمير مشعل ذات يوم يطلب مني عدم مغادرة منزلي في الغد لأنني مطلوب للمحاكمة عند الشيخ ابن حميد، سألت سموه عن السبب فقال: المقال الذي كتبهُ المحرِّر، فأجبتهُ: هذا مقال لست كاتبه، وما أدري عنه شيئاً، فأنا في إجازة، لكن سموه أكَّد عليَّ طلبه بعدم مغادرة المنزل منذ عصر ذلك اليوم إلى اليوم الذي يليه، وخلال تلك الفترة. اتَّصل بي السيد حسن ألفي مدير الشرطة. ليتأكَّد من عدم مغادرتي المنزل أكثر من 18 مرة، وفي اليوم التالي ركبت سيارتي وتوجهت إلى مكة لمقابلة الشيخ ابن حميد - الله يرحمه - وكان رجلاً طيباً، ولقيت في مجلسه السيد علوي مالكي - رحمة الله عليه - فسألني الشيخ ابن حميد عن الإِيمان وعن التوحيد، وذلك لأن الشيخ عبد العزيز بن باز قال: إن هذا ينكر البعث فحدِّدوه، (ومعنى حددوه أي ضعوا الحديد في يديه ورجليه)، لكن الملك فيصل طلب منهم محاكمتي فقط.
- وكان المقال الذي حوكمت بسببه هو مقال للأستاذ فتحي الخولي، وأقسم بالله لم أجد فيه إنكاراً للبعث، ولقد استمع الشيخ عبد الله بن حميد وأيقن أن المقال ليس فيه إنكار لكن! أحد الناس أبلغ الشيخ ابن باز بتلك التهمة لأن الشيخ لا يقرأ، فقال: حددوه، وامتحنني الشيخ عبد الله بن حميد بقوله: ما الإِيمان؟ وما التوحيد؟ فقلت له: الإِيمان هو الإِقرار باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان. وأما التوحيد: فينقسم إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، واستمر النقاش على هذا المنوال، وعندما سمع السيد علوي مالكي قولي ورأى أن الموضوع لا يستحق هذا التهويش كله، قال للشيخ ابن حميد من باب النكتة: لقد قطع هذا حصير المسجد النبوي.
- وعندئذٍ اتصل الشيخ عبد الله بن حميد هاتفياً بالملك فيصل، وأبلغه بسلامة الأمور، وعدت سالماً غانماً.
يسأل الأستاذ عزيز ضياء قائلاً:
- عندما اقترح الشيخ ابن باز أن يضعوا الحديد في يديك ألاَّ تعتقد أنَّ هذا نوع من العقاب؟ وكيف يتم ذلك قبل أن يحاكموك، وقبل أن يسمعوا أقوالك؟
فيجيب الأستاذ الزيدان:
- نعم لقد كان نوعاً من العقاب لأنهم اعتقدوا أني أنكر البعث، ومنكر البعث يستحق العقاب، وعلى كل حال فقد حدث هذا في السابق، ولو علمت ما حدث للأستاذ أحمد قنديل لما أنكرت شيئاً.
ويعلق الأستاذ عزيز ضياء على ذلك بقوله:
- اسمح لي (كل عقاب لا بدَّ أن يكون مبنيَّاً على أساس نص من الشريعة أو من القانون).
فيردّ الأستاذ الزيدان:
- نعم هذا ما عمله الملك فيصل.
ويجد الأستاذ مصطفى عطار فرصة للحديث فيوجه كلامه إلى الأستاذ الزيدان قائلاً:
- لقد حدَّثتنا عن الزيدان الصحفي، والعالِم، والباحث. ونريد أن تحدِّثنا عن الزيدان الموظف.
فيلبي الأستاذ الزيدان طلبه فيقول:
- إن أسوأ أيامي تلك الأيام التي عملت خلالها موظَّفاً. (ويكتفي بهذه العبارة).
فتثير عبارته الأستاذ مصطفى عطار فيسأل:
- ألم تكن لك مواقف؟
فيجيب الأستاذ الزيدان:
- لا أذكر أن لي مواقف في الوظيفة، ولكن أشعر بأن أحسن أيامي يوم كنت معلم صبيان، وأسوأ أيامي يوم كنت موظَّفاً.
وهنا يوجِّه الأستاذ عزيز ضياء للأستاذ الزيدان سؤالاً نصه:
- قل لي يا أستاذ زيدان أما زلت تملي ما يكتب وينشر لك؟
فيرد الأستاذ الزيدان عليه بقوله:
- نعم أنا أملي قبل أن أعشى والآن وقد صرت أعشى فإني لا زلت أملي.
وهنا أراد الأستاذ عزيز أن يستوثق من حسن اختيار الكاتب الذي يستعين به الأستاذ الزيدان فيقول: "والحديث موجَّه إلى الأستاذ الزيدان":
- إذن ينبغي لك أن تختار الكاتب الذي تستعين به على كتابة ما تملي عليه ممن يجيد الكتابة بدون أخطاء.
الأستاذ الزيدان:
- لقد وفَّقني الله في العثور على كاتب يكتب بلا أخطاء.
ويعلق الأستاذ عزيز على ذلك بقوله:
- يبدو لي أن هذا صحيح لأنني في الآونة الأخيرة لم أرَ أخطاء مطبعية أو إملائية فيما ينشر لك على عكس ما كنّا نلاحظه سابقاً.
وتثير هذه العبارة الأستاذ الزيدان فيقول:
- الأخطاء المطبعية اسمح لي أنها من صنع بعض المصححين الذين يرون أنهم فقهاء يصححون، كما يشاءون، فعندما كتبت ذات مرة كلمة الرافعي "وهي مطلقة من زوجين" استحال في يد المصحِّح أن تصير مطلقة من زوجين، فكتبها من زوجها، وضيع لي بذلك جرس الرافعي. ومولانا أبو تراب هذا كتبت في جريدة "البلاد" أيام أزمة التيرول، فصححها البترول. وفي اليوم الثاني اتَّصل بي السيد فؤاد ناظر وقال لي: يا شيخ أي بترول؟ إنها أزمة التيرول، قلت له: يا شيخ هذا علم المصحِّح.
- وعلى ذكر أخطاء المصححين تدخل الأستاذ عزيز ضياء وقال:
- لقد كتبت في مقال لي كلمة "يَشِي" من وَشَى فصححها المصحِّح بكلمة (يشير).
ويستأنف الأستاذ زيدان حديثه قائلاً:
- إن المصححين علماء وكفى.
- ثم يدور حوار جانبي بين الحضور لم يكد السامع أن يفهم منه شيئاً، ولم يعد الجميع إلى الجادة إلاَّ صوت الأستاذ محمد سعيد طيب وهو يوجِّه سؤاله إلى الأستاذ الزيدان قائلاً. ما هو سبب اهتمامكم بالأنساب؟
فيجيب الأستاذ الزيدان:
- جاء هذا الاهتمام من الواقع الذي عشته فقد نشأت بدوياً، في بيت شعر، فالنشأة البدوية ربما أثَّرت في سلوكي ومعارفي وزيادة على ذلك فإن معاشرة كثير من الناس لها تأثير أيضاً. فمثلاً أستطيع أن أعرف الشخص من حديثه أو من ملامح وجهه.
وهنا يسأل الشيخ أحمد علي المبارك قائلاً:
- إن ما ذكرته عن الأنساب، وما تثيره في بعض الأحيان من حزازات، قد يكون فيه جانب من الصحة، لكن ألا ترى معي أن هذه الحزازات لا تساوي شيئاً بقدر الفوائد العظيمة التي حصلنا عليها هذه الليلة من ذكر هذه الأنساب، ومن هذه الفوائد التي كسبناها أنك تكلمت عن إفساد نظرية أن العراقيين مسؤولون عن الفتنة، وأثبتَّ أن المصريين غير مسؤولين أيضاً عن الفتنة، وكانت ركيزتك في ذلك الأنساب، فلو لم يحفظ لنا التاريخ هذه المزايا لما استطعت الآن أن تدافع عن حقيقة تاريخية خالدة، ولذلك ينبغي أن تعطى الأنساب حقها، وأما هذه الهنات البسيطة التي تعترض فينبغي أن يُنبَّه عليها من العارفين.
فيرد الزيدان بقوله:
- أنا معك فيما قلت يجب أن تدرس هذه أكاديمياً في قاعات الدرس، لكن لا ينبغي أن تنشر في الصحف.
غير أن الشيخ أحمد المبارك حاول أن يبرر تمسكه بضرورة معرفة علم الأنساب والتبحر فيه فيقول:
- إن القيام بهذا العمل هو من أجل الإِثبات، ومن أجل ذلك يجب الرجوع إلى العارفين وأن ننشر ما كتبوا، كما يجب دراسة المؤلفات التي ألِّفت في هذا الصدد.
ويعزز الأستاذ زيدان رأيه في عدم اللجوء إلى الأنساب واتِّخاذها وسيلة للطعن فقال:
- لقد أنكرت على الشيخ علي الطنطاوي - الله يذكره بالخير - حين طعن في ابن حزم، لأنه حنفي، فكلمته وقلت له: لا يجوز أن توغر صدور الطلاب ضد عالم كي تناصر بذلك عالماً آخر، فتخلق حزازات في النفوس. لكن في الكليات المتخصصة التي لها علاقة بالموضوع مثل كلية العلوم وكلية الشريعة فلا مانع من دراسة ذلك: كمذهب ابن حزم، مذهب أبي حنيفة، ومذهب كذا وكذا... إلخ.
ويؤيد الأستاذ عبد الله بلخير ما ذهب إليه الأستاذ زيدان ويقول:
- إن التعصُّب للمذاهب لا يجوز، كما أن التعصب للإِنسان لا يجوز أيضاً..
ويشارك الشيخ أبو تراب الظاهري في التعليق على الموضوع بقوله:
- إنَّ الرسول - عليه الصلاة والسلام - أمر أبا بكر أن يكون مرشداً لحسّان بن ثابت، لأن أبا بكر كان نسَّابة... أي عالماً بالأنساب وحتى لا يقع في مثلبة من المثالب فقد أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - حساناً، أن يُطلع أبا بكر الصديق على ما ينظمه من الشعر حتى لا يقع في محظور، ومعرفة الأنساب واجبة حتى مع وجود هذه المحظورات، وما فيها من حزازات، وما قد تثيره من ضغائن.
ويضيف الأستاذ عبد الله بلخير إلى ما قاله الشيخ أبوتراب ما يلي:
- وعلم الأنساب ركن من أركان رواية الحديث كما تعرفون.
ويدلل الأستاذ محمد حسين زيدان على سعة أفقه ومعرفته بالأنساب ويعلن التحدي على ذلك بقوله:
- إني أتحدى الآن المثقفين في الآتي: يقولون إنَّ حَسَّاناً هجا أبا سفيان، فينصرف تفكيرهم إلى أبي سفيان صخر بن حرب، بينا المراد به هو أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف...
وهنا يغتنم معالي الشيخ عبد الله بلخير الفرصة فيقول:
- وكيف نعرف ذلك إذا لم نفرِّق بينهم؟
يجيب الأستاذ زيدان على ذلك بقوله:
- عامة الناس لا يستطيعون معرفة ذلك لأنهم يجهلون أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
ويعلِّق معالي الشيخ عبد الله بلخير على ذلك بقوله:
- علم الأنساب علم جليل، وواجب على المسلمين وعلى العرب تعلُّمه، وليس معنى هذا أن يكون في جميع فصول المراحل الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، ولكن لا بدَّ أن يكون هناك لبعضنا دراية بعلم الأنساب.
ويقترح الأستاذ عزيز ضياء في سبيل توسيع مدارك الطلاب في معرفة التاريخ العربي والإِسلامي فيقول:
- أرى أن على مدرِّسي التاريخ أن يعلموا التلاميذ ويشعروهم بكل ما له صلة بالحدث التاريخي من جميع جوانبه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1224  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 32 من 126
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج