شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( الحوار مع المحتفى له ))
عريف الحفل: أرجو أن يتسع الوقت للإجابة عن أسئلة الجميع وهي كثيرة، وليعذرنا الأخوة وإن ضاق بنا الوقت ولم يتسنّ لنا طرح الأسئلة التي وردت إلينا مؤخراً، واسمحوا لي أن أكون متحيزاً فقد استأثرنا بالقسط الوافر من الوقت لنبدأ بكلمات وأسئلة الأخوات الأديبات في الصالة النسائية إذا كانت هناك لديهن تعليقات أو أسئلة.
الشيخ عبد المقصود خوجه: لا نسمح بالتعليقات والمداخلات إنما نستقبل الأسئلة فقط.
إحدى الحاضرات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا توجد أسئلة عندنا شكراً.
عريف الحفل: سنبـدأ بأسئلة الحضور هنا، سؤال من الأستـاذ هيثم الأشقر مدير مجلـة "المنار" يقول:
ما هو دور العلماء والنخب الأمازيغية في مواجهة الدعوة الأمازيغية وهل من تنسيق بين علماء مختلف الأعراق لمواجهة هذه الجاهلية؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: شكراً جزيلاً، أعترض من البدء عن كلمة (أعراق) من الجزائر فنحن أمة واحدة من واقع حياتها وجوهرها الإسلام ثم إنني أعتقد كما أقول دائماً أننا مقصّرون إلى أبعد الحدود وأعني هنا رجال الفكر وعلماء الدين في المنطقة الأمازيغية بشكل خاص، المنطقة الأمازيغية هذه هي التي في بداية الفتح الإسلامي حملت راية العروبة والإسلام، أشرت إلى ذلك في كتابي "المشكلة الثقافية" ونبهَ إليها الدكتور عبد الكريم منذ قليل، وهم كانوا سادة اللغة العربية في النحو وفي الفقهيات، كانوا روّاداً في خدمة العربية. أول نص في النحو العربي هو: أمازيغي، أول ألفية قبل ألفية ابن مالك كتبها أمازيغي هو ابن معطي الزواوي، يومئذ الرجال كانوا صناديد، حين اعتنقوا العربية لغة الإسلام اعتنقوها عن حب وعن إيمان، حباً لهذه العقيدة، ولهذا مكَّنوا لها في منطقة الأمازيغ ذاتها، ولهذا نجد الإنسان في هذه المنطقة لا فرق عنده بين عربي ومسلم، إذا قلت له إنك عربي فقد قلت له إنك مسلم آلياً، ولهذا في منطقة القبائل نجد هذا الشعور، لكن المواطن هناك مشكلته أنه بقي سلبياً لعوامل اسمحوا لي أن أضنَّ بها.
أما التنسيق فهو الحقيقة الغائبة دائماً لدى أصحاب الحق ثم لدى الأغلبية الضحيّة لصمتها الذي ألحق بها الهوان لوعد الله فهي كغثاء السبيل.
رجال الثقافة الحقيقيون من رجال الفكر والرأي للأمازيغ باتوا اليوم ضحية سلبيتهم لمواقف أيضاً، لمواقف شخصياً أخذتها عليها، وقلت لهم شخصياً حتى في الصحافة الجزائرية نحن ندفع ثمن سلبيتكم، أنت أيها الأخ الأمازيغي أنت الذي ينبغي أن ترفع هذا التشويه عن منطقتك، أنا حين أخرج من الجزائر ألمس هذا الانطباع حتى في الحج الأخير التقيت مع أحد الأخوة المصريين يقول لي: ماذا يريد هؤلاء يا أخي القبائل أخواننا هكذا أجبته، قبائل الأمازيغ هم حماة الإسلام، ولكن شُوِّهوا ونحن محتاجون إلى تصحيح هذا التشويه، فإذاً نحن مقصرون من دون شك، علماء الأمازيغ الحاضرون هم المقصرون في دورهم حالياً.
عريف الحفل: سؤال من أشرف السيد سالم يقول:
تبذل الاثنينية جهوداً ملموسة ومشكورة، لردم الهوة التي تفصل بين الثقافة المغاربية عن المشرق العربي، ولكنها لا تكفي، فما هي مقترحاتكم لتنشيط هذا التواصل؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: شكراً جزيلاً، وأرى أن هذه خطوة مبشرة بالخير، رأينا هذا الانفتاح من سعادة الأستاذ الشيخ عبد المقصود في هذا الفضاء الذي أعطاه بُعداً عربياً عاماً إسلامياً بشكل أعم، ولاحظنا هذا الانفتاح على المغرب العربي وهذا الذي كنا نطمح إليه، أن هناك صوت المغرب العربي يعاني في الوصول إلى المشرق العربي وهذا أقوله دائماً، ونحن مسؤولون إعلامياً مثلما أن إخواننا في المشرق العربي مسؤولون وأعوان الاستعمار غير بريئين من صناعة الوهاد بين مشرق الوطن العربي ومغربه. والشكر الجزيل للأستاذ عبد المقصود في أنه تنبه لهذه النقطة الطيبة ونعتقد ونطمع لاتساع الفضاءات أنها خطوة أولى إن شاء الله ستكون لها ثمار طيبة.
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ عبد الوهاب أبو زنادة يقول:
تتميّز الأجناس الأدبية الجزائرية بعمق التجربة الإنسانية والتأثر بالأجناس الأدبية المنشورة باللغة الفرنسية، ولكننا لا نكاد نجد منها إلا النزر اليسير في المكتبات السعودية.. فهل تردون ذلك إلى تقصير من دور النشر.. أم تردونه إلى سبب آخر؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: فرنسا عش التفريخ للأجناس والنظريات ولم تفد منها إلا قشوراً وما أخذناه بقي بعيداً التطعيم بتراثنا، أما توزيع الكتاب بين أقطارنا فمشكلته سياسية ومالية وإدارية مع ذلك فإطلاعي رغم محدوديته في المكتبات في المملكة العربية السعودية في جدة بشكل خاص أرى أن هناك نماذج ومنشورات معتبرة في المكتبات بجدة وأعتقد أنه ليس كل ما ينشر في الغرب جميل وهو جدير بالعناية والاهتمام، وينبغي علينا نحن أن نجتهد في البحث في تراثنا بالاستفادة من هذه المناهج الأجنبية، والذي يؤسفني أننا نلاحق هذا الجديد على مسافات فبعد خمسين أو أربعين سنة نتابع هذا الجديد.. بدل أن تكون هذه المتابعة آنية، أي في إبانها ولا تنتظر السنوات العشر والعشرين والثلاثين وحتى الخمسين.
عريف الحفل: الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول:
عزوف الناس عن القراءة حوّل الرواية إلى عالم السينما وعبر مسلسلات تشاهد على الفضائيات، هل كان لنتاجكم الأدبي الراقي نصيب في ظهوره على الشاشات العربية؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: لا للأسف الشديد، بالنسبة للإعلام.. وهذا ما لم يتسع لدي الوقت للحديث عنه بما يكفي ولن يتسع كانت هناك تجربة.. حتى في الترجمة.. اقترح عليّ أحد الناشرين ترجمة أحد أعمالي وفي تحويل الأعمال الروائية إلى أعمال سينمائية كان من بينها رواية "مأوى جون دولا" وهي تمثل معاناة الإنسان المسلم في الغرب، وأنا كتبتها في قلب باريس، في يوم الأحد حين أضيق أحياناً بمن حولي أذهب للوفر وأحياناً حين أضيق أذهب إلى مقهى في شاتلي، وشاتلي القديم على نهر السن أنجزت هذه الرواية وكان الذي يمدني بالقهوة دائماً هو يهودي ويضيق بهذا العربي الذي يراه كل أحد يحط رحاله في هذا المقهى، ومع ذلك لا يصبر كثيراً، هذه الرواية نفسها اقترحت كعمل سينمائي ولكن الأغراض المختلفة حالت دون ذلك كحال الترجمة، وأنا دائماً أربأ بنفسي عن هذه المساومات، حتى إن بعض أعمالي حين بدأت تترجم من الصحافة الجزائرية العربية إلى الصحافة الفرنسية في الجزائر كشفت لي عن خراب في النفوس، فبأي منطق هنا أتعامل مع سماسرة وتجار غير شرفاء في الأدب نفسه؟ فتجاربنا للأسف الشديد سواء أو في الترجمة، أو في تحويل الأعمال إلى أعمال سينمائية.
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ غياث عبد الباقي يقول:
الأخبار الواردة من أرض المليون شهيد أرض مالك بن نبي وابن باديس والإبراهيمي مؤلمة عن معاناة لغة القرآن الكريم.. لغة العروبة والأصالة فهي محاصرة وتتعرض لطعنات غادرة في داخل الجزائر الحبيبة ومن خارجها فكيف السبيل لتعزيز مكانة تلك اللغة؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: بقدر ما أحييك فإنني لا أستطيع في الواقع أن أوافق على كلمة محاصرة، ولكن أستطيع أن أوافق على كلمة أنها تتلقى طعنات، وأعتقد أن الطعنات هذه سيكون أذاها كبيراً حين نواجهها نحن في الجزائر باللامبالاة وتجاهل القوانين التربوية نفسها، والجزائر حتى في التعليم في كل مراحل التعليم تربوياً كان هناك ما يسمى بـ "التشريع المدرسي" والتعليم الثانوي كله معرَّب، وكان هناك استبسال في تدريس اللغة العربية باللغة العربية نفسها، ويحرم تربوياً على الأستاذ أو المعلم في أي مرحلة أن يدرِّس بأية عامية، لهذا عانى إخواننا من المشرق العربي من مصر و من سوريا حين كانوا يأتون ويحملون معهم لهجاتهم أو لغتهم المحلية، لكني لا أكتمكم أن هناك الآن شيئاً من السلبية بالنسبة لنا نحن كمثقفي عربية، كأساتذة من الوطن العربي حتى في الجامعات أو في الثانوية، ومن مظاهر هذه السلبية في التعليم تدريس عربيتنا باللغات المحلية، أنا شخصياً أمارس الحصار حتى على أولادي إن الجميع والحمد لله يجيدون العربية والفرنسية والإنجليزية، ولكنه محرّم عليهم أن يتكلموا بغير العربية في أروقة البيت، فالعربية لا تعاني حصاراً ولكن تعاني شيئاً من كسلنا نحن كمعلمي عربية وساهرين عليها.
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ عجلان الشهري يقول:
ظهرت في وطننا العربي والإسلامي في العصور الحديثة دعوات قومية متعددة كالطورانية والأمازيغية والكردستانية والعربية.. وخلافها غذتها قوى لا ترجو لأمتنا الإسلامية خيراً، وصلت في وقتنا الحاضر إلى درجة أن يُنظـر للوجود العربي من قطر عربي في قطـر عربي آخر بأنه وجود أجنبي.
من وجهة نظركم لماذا تلقى مثل هذه الدعوات نجاحاً على أرض الواقع؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: لا أعتقد نجاحاً كبيراً لهذه الدعوات، وإذا أردتم أن أشير إلى بلدي، هذه الدعوة نجحت جزئياً وأعتقد وهذا إيماني الراسخ أعتقد أنه نجاح مؤقت، ولهذا كنت دائماً ضد هذه الحملة الشرسة ومع ذلك قلت لإخواننا دعوهم يتكلمون، دعوهم يتعلمون الأمازيغية، علموهم الأمازيغية، لأن أنصار اللغة الأمازيغية والذين يدعون لها يهربون أبناءهم للمناطق التي تدرس العربية والفرنسية فقط، وأعرف حتى من الجيران في المنطقة وأنا عشت نحو عشر سنوات في عمق القبائل الأمازيغ وأعرف هذه الحقائق، فأعتقد أن هذا النجاح ظرفي وحين يشتد عود الدولة في حد ذاتها يكون للدولة تلك الهيبة أو تسترجع الدولة هيبتها القوية، وتمكِّن للثقة بينها وبين المواطن أعتقد أن في ذلك موتاً لهذه الدعوات بالنسبة للجزائر وأقيس عليها النعرات الأخرى، أعتقد مرة أخيرة أنه نجاح ظرفي ولن يكتب له النجاح إطلاقاً.
عريف الحفل: السؤال من سعادة قنصل عام السودان أحمد التيجاني محمد الأمين يقول:
ما هو دور الشعر العربي في الثورة الجزائرية مفخرة كل المسلمين والعرب عبر أشهر شعراء الجزائر الذين شاركوا في إثراء الثورة وما أحسن ما قيل من شعر في هذا الباب؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: من دون شك الثورة الجزائرية من الشعر العربي المعاصر بحر لا ساحل له، فما من شاعر عربي من طنجة أو من الرباط إلى بغداد ما عن شاعر عربي هو جدير بهذه التسمية إلا وهزته الثورة الجزائرية وكتب فيها شعراً، ولو شئنا أن نجمع ما قاله شعراء الأمة العربية لضاقت مكتبة بما قاله الشعراء العرب في الثورة الجزائرية، فإسهامهم كان كبيراً ودورهم في وصول صوت الثورة الجزائرية للمواطن العربي كان عظيماً كما كان صوت الشاعر الجزائري بفضل الله ثم بفضل الرجال الإعلاميين الشرفاء النزهاء في وطننا العربي الذين كانوا يبيحون للصوت العربي شعرياً أن يصل للمواطن العربي وبفضل هذه التسهيلات التي كانت استطاع بعض الشعراء الجزائريين أن يصلوا للمواطن العربي، الخلل هنا أن المواطن العربي كان ضحية تضليل، لا أكتمكم أننا على جسر الثورة الجزائرية نفسها أوصلنا إلى الإنسان العربي أيضاً الفكر المعادي للثورة الجزائرية تحت جناحها فكراً وأدباً جزائريون بالجنسية، وتعرف انتماءاتهم وبعضهم يلقى الله خارج الجزائر ولا شيء يربطه بالجزائر وذكرت هذا في إحدى مقالاتي التي نشرتها جريدة "المدينة"، واعتبرت أن ذلك ليس أدباً جزائرياً في النهاية، فأدب الأمة ما كُتِبَ بلغتها، وهو المعبر عن وجدانها فممكن أن من يكتب باللغة الفرنسية الفرنسيون هم الذين يحتضنونه، ولا علاقة لنا بذلك، الكلام في هذه النقطة بالذات يطول ويقصر، الأدب ليس لغة وظيفية، ليست لغة المدرج لغة الجامعة، الأدب هو لغة نسيج الحياة شعور الأمة، حياة الأمة، هو ليس لغة وظيفية أؤدي بها عملي في الجامعة بالنسبة لمن يدرس مواد أجنبية وأنسحب، هو شيء أبعد من ذلك هو عمق روحي وبُعد حضاري، ولهذا فالشكر موصول لإخواننا في الوطن العربي شعراء ورجال سياسة، ورجال إعلام على الدور الذي قاموا به.
عريف الحفل: سؤال من الدكتور محمد أبو الأجفان أستاذ الدراسات العليا الشرعية بجامعة أم القرى يقول:
ما هو سر رفضكم لجائزة رئيس الجمهورية الجزائرية؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: القضية بسيطة، أنا اتخذت موقفي منذ 74 حين كنت عضواً في اتحاد الكتّاب الجزائريين، كان توقي أن أرى الأمور ينبغي أن توكل لأهلها، ورئيس الجمهورية كان يومئذٍ -أي لاحقاً- الشاذلي بن جديد -ذكره الله بالخير على كل حال- رجل طيب لا غبار عليه، لا أستطيع أن أقول فيه كلاماً سلبياً، قضية الكفاءة شيء آخر، نُكِنُ له التقدير، لكن الذي قرّر هذه الجائزة قررتها مجموعة طفيلية من الوصوليين الأيديولوجيين تابعة لحزب جبهة التحرير الواحد الوحيد ولم يقررها مختصون، قررها حزبيون ووزعوا الجوائز بحسب هواهم، ولهذا كانت الجوائز تشمل ستمائة مكرّم من بينهم الأستاذ الجامعي الذي نحر شبابه في الجامعة وترك للمكتبة أو أعطى المكتبة العربية ثلاثين أو أربعين كتاباً، ومنهم الراقصة والمذيعة المتدربة، من الذي أقرّ ذلك، بسطاء في حزب لا علاقة لهم بالثقافة، فقلت شخصياً الأمر ينبغي أن يُسند لأهله، ليس لموقف سياسي أو ما أشبه بالسياسة، الموقف ثقافي، لهذا عندما جاءت جائزة التكريم من الجامعة والاتحاد العام الوطني الجزائريين، من بينهم طلبتي استجبت بكل حب لذلك وثمنته وسعدتُ به وأعتز به، لأنني حين مُنحت هذا التكريم وتلك الجائزة من الجامعة وأمام مجموعة من الأخوة الوزراء والمسؤولين والجامعيين منحتها بناء على جهوده وقرر رجال علم وأهل اختصاص من الجامعة هذه الجائزة قرّرها أساتذة وبعضهم لا يعرفونني، يعرفون إنتاجي ولهـذا حتى أن أحدهم أمام وزير التعليم العالي عندمـا تقدم يصافحني وقال لي الحمـد لله أننا لم نخطئ في تقديرنا، فكل الجوائز في العادة يقررها أصحاب الشأن أصحاب الثقافة، أما أن يأتي حزبيون بسطاء.. طفيليون فهو أمـر مرفوض والحمد لله وأنا سعيد برفض الحضور لجائـزة الشاذلي حتى اللحظة.
الشيخ عبد المقصود خوجه: من المؤسف لا أستطيع طرح الأسئلة الباقية لكثرتها ولضيق الوقت، ولكن كما اتفقنا الأسبوع الماضي بإذن الله نقدمها للضيف الكريم ليجيب عنها ولتنشر في كتاب الاثنينية، لكم الشكر ولضيفنا الكريم جزيل الشكر والتقدير.
الأسئلة التي أجاب عليها فارس الاثنينية كتابة لضيق الوقت:
علاء الدين قادري: في عصر الغزوات التي نعيش فيه أين نحن في المغرب العربي الكبير من غزو المشرق العربي الأكبر؟
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: نحن مغزوون يا سيدي، نحن تحت الهيمنة الغربية والأميركية علينا اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، وعلى وشك الوقوع بين فكّي الكماشة إن لم نرمم الصفوف في المغرب الإسلامي العربي، وأول خطوة في ذلك قبر الخلافات المفتعلة، وأخذ الأغلبية الصامتة في الأمة بزمام المبادرة سلمياً، ينهض بها راشدون فكرياً وثقافياً، لا غوغائيون انتهازيون ذوو مصالح شخصية أو حزبية أو نحوها.
علينا أن نعي الدرس مما يعدّ لنا من مصارع وخنادق مشرقياً ومغربياً على خطوات، وسقوطنا في المغرب الإسلامي العربي جاهز إن بقيت الأقلية الفرانكوفونية ماسكة بأمرنا.
في مغربنا الإسلامي العربي مناعة دينية هي عرضة للتآكل بفعل الأدعياء في العقيدة، والدخلاء في السياسة، والوصوليين والانتهازيين في كل المواقع من دون استثناء.
الأستاذ الدكتور محمود حسن زيني: محمد أركون جزائري لكنه غريب في العروبة، والإسلام ما هو تأثيره الثقافي في الجزائر والبلاد العربية المسلمة؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: السيد محمد أركون هو جزائري بالمولد، كأي فرنسي ولد في الجزائر تفكيره جنسيته الرسمية (أي الفرنسية) أفكاره، موقفه من الثورة الجزائرية (1945 ـ 1962) تجعله جميعها بعيداً عن الجزائر، فهو لا أثر له في الجزائر، فالجزائر لا تعطي هويتها إلا من آمن بالله رباً والإسلام ديناً ومحمد نبياً، والجزائر حباً وهوى ينبض بها القلب لا كلمات على الشفاه، هوية الجزائر الحضارية تجعل السيد (أركون) غريباً عنها كأي مستشرق فرنسي رغم حرصه على ذلك شكلياً، وكفره بما هوى، فلا وجود لتأثيره الثقافي إلا في محيط أكاديمي ضيق جداً بالجزائر.
ربما وجد شيئاً من إعجاب به في المشرق العربي المضلل بفعل كتاب فيهن متيّمون بكل ما هو أجنبي، (أركون) أجنبي، متطرف بمولده الجزائري في ولائه للغرب، وبعض الأكاديميين في المشرق عالة عليه، مولعون به، ولّع مهزوم داخلياً بمن هزمه فكرياً، تبقى الجزائر عصية على احتضان المارقين، الذين تقاعسوا عن خدمة أمتهم حتى وإن كانوا من فئة (أركون).
الأخ عبد الرزاق الغامدي: اعترضت يا سيدي عرضاً على المدرس الفرنسي لنفيه وجود ضمائر في العربية كاللغة الفرنسية ليتك تتكرّم وتذكرها لنا لتعم الفائدة، وهل (نحن) و (إنَّا) من ضمائر التعظيم؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: الأستاذ الفرنسي يفهم خطأ أن صيغة التعظيم (للفرد) احتراماً له وتقديراً، بمثل (أنتم) بدل (أنت) لا وجود لها في العربية، هو يرى صيغ التعظيم تلك المعروفة في الفرنسية في مخاطبة الفرد الذي نحترمه أو نقدّره كالحاكم والأستاذ أو لا نعرفه بصيغة الجمع هي غير موجودة في العربية.
فضمير (أنتم) في رأيه لا تقال إلا في مخاطبة جماعة، فأوضحت له أننا نخاطب بهذا تماماً الآخر كما هي الحال في الفرنسية، مثل كل غريب عنا لا نعرفه، كما نخاطب بها من نجلّه، لعلمه أو موقعه.
أعترف أن الرجل انطلق في ذلك من منطلق جهل بالموضوع، وليس رغبة في الحط من شأن العربية وقلة الذوق والأدب فيها كما يزعم ذلك بعض من الأوروبيين في أن العربية لا تتوقر على أدبيات اللياقة، وحسن الأدب، ومن مظاهر ذلك في زعمهم: أنهم يخاطبون بصيغة المفرد (أنت) أيضاً من هو جدير بالإجلال والتعظيم والتوقير. وهم يعتقدون خطأ أن (أنتم) هي في العربية للجمع وحده.
طبعاً أخي الكريم من ضمائر (الجمع) كلمتا (نحن) و (إنّا) يعلنها أو ينطقها مسؤول وهي من صيغ التعظيم أيضاً، وقد وردت في القرآن الكريم كثيراً لاسم الجلالة وذلك نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى (الكهف: 13) إنا أنزلناه في ليلة القدر (القدر: 1).
الأخ خالد الحسيني: عاش الأديب حوحو في المدينة المنورة زمناً ثم غادرها إلى الجزائر واستشهد في حرب التحرير، ماذا تعرفون عنه؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: الشهيد أحمد رضا حوحو رمز من رموز وحدتنا العربية الإسلامية، من شهداء الكلمة في الجزائر المجاهدة، اختطف من بيته ليلاً، وأعدم في مكان لا يزال مجهولاً، فلا قبر له اليوم، دفع حياته مثل المئات من شهداء الضاد، شهداء الكلمة، الذين لم يسالموا العدو الفرنسي، ولا عملاءه الخونة، وقد وصفته في كتاباتي بأنه كان جيشاً قائماً بذاته، خاض معارك مختلفة على أكثر من جبهة، جبهة الحكّام الفرنسيين وضباط الجيش الفرنسي وشرطته، وجبهة الموالين للاستعمار المستفيدين من وجوده. هؤلاء الذين كان أذاهم أعظم من أذى المحتل ولا يزال مستمراً.
إنه من رموزنا الثقافية المجاهدة الشهيدة التي يحاول الانتهازيون من أشباه المجاهدين والأدعياء ممن ركبوا قطار الثورة للنزهة والوصولية التقليل من دورهم، أي التقليل من دور المثقف، المفكر، رجل العلم المحارب الصنديد في المدرسة والصحيفة وبالكتاب. فهم معقدون منه عقداً مزمنة.
الأخ أحمد بياه: هل تحدد لنا اللائكية والعلمانية تحديداً علمياً، وهل ثمة فرق بين حقيقتها العلمية والتوظيف السياسي لها؟
 
الأستاذ الدكتور عمر بن قينة: العَلمانية بفتح (العين) أوسع من أن تتسع لها لحظات أو سطور، لكن يمكن القول إنها الترجمة السيئة لكلمة اللائكية (Kaique) التي تجعل الحياة السياسية مدنية، غير خاضعة للضوابط الدينية (المسيحية) في الغرب، فحقيقتها قانونية سياسية خالصة، فهي لا تعني (علمية) بمعنى (العلم) بل تعني عَلْمنة السياسة، مما كان نتيجة للثورة على (الكنيسة) في (الغرب) ونتائج الثورة الفرنسية التي أحدثت انقلاباً جذرياً في (المجتمع الفرنسي). ثم في الحياة الأوروبية كلها.
 
وهي إن وظفت سياسياً بشكل خاطئ مقيت فإنما في شعوبنا العربية والإسلامية من أجل خداعنا، وضرب المقوم الأساسي في هويتنا مما نختلف فيه جذرياً عن (الغرب) فالإسلام ليس ديناً كهنوتياً، وليس لعالم الدين وساطة بين الناس وخالقهم، كالحال لدى رجال الدين المسيحي الذين كانوا يمنحون (صكوك الغفران) نيابة عن الرب، لبيع (مواقع) في الجنة للتائبين الذين عليهم أن يدفعوا مبالغ مالية لرجل الدين نظير صك أو شهادة بأن الله غفر لهم، و (نيابة) عنه يسلّم رجل الدين (الشهادة).
 
وظفت القضية من لدن الحكام الفرنسيين أنفسهم سياسياً خارج (فرنسا) للتمويه، بينما كانت ترعى الكنائس التي تخوض حربـاً عقدية لمؤازرة الجيوش المدججة بالسلاح، في القـرن التاسع عشر، في عـز الهجمة الحاقـدة على العالم الإسلامي كله من (طنجة) إلى (جاكرتا) واليـوم الاجتياح في طبعة معدّلة.
ففي (فرنسا) بعد الثورة مثلاً أبعدت العلمانية نفوذ رجال الدين، عن الحياة السياسية لكنها لا تناهض الدين ولا يتدخل السياسيون في شؤون الناس الدينية، وما حدث في فرنسا من سنّ قانون يمنع الرموز الدينية، وأهمها الحجاب الإسلامي إنما لظروف سياسية، طبق ذلك فيها في إطار محدود مع سوء فهم للعلاقة بين الرمز الديني كالصليبي المسيحي والطاقية اليهودية والزي الشرعي كواجب.
 
أما العملاء والببغاوات في العالم الإسلامي فقد أساءوا فهم ذلك، فرأوا أن العلمانية أي (اللائكية) تعني محاربة الدين، ولذا شنوا حرباً ضروساً ولا يزالون في أقطار من عالمنا العربي والإسلامي على الرموز الدينية الواجبة شرعاً، من دون مبررات قانونية ولا شرعية، في أمة مسلمة يحكمونها بالحديد والنار.
وأحسبك تقدر أن الموضوع شائك في ضرب المزيد الأمثلة من أمة مسلمة، سقطت صريعة في أيدي العملاء، فبكّروا بمنع حجاب المرأة المسلمة قبل فرنسا نفسها من دون أدنى مبرر غير الضيق بالدين، بل ضاقوا برفع الأذان في المساجد وغير ذلك مما لم يفعله بعض في الغرب نفسه، لدى الغرب تعني العلمانية فصل الدين عن الدولة، بعض في العالم الإسلامي جعلوها حرباً سياسية على (الدين) وأهله أي الأمة.
ومعذرة إن قصرت لطبيعة الظرف في تفاصيل ضرورية في مثل هذه الحال، وعن ضرب أمثلة مجالها آخر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :563  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 118 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .