شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فارس الاثنينية سعادة الأستاذ الدكتور عمر بن قينة ))
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات، سلمتم وغنمتم، حياكم الله معشر كرام، وبياكم فضاء حب وسلام، في أرض العروبة والإسلام.
ترتبك الألفاظ وتتعثر الكلمات في فيض حفاوتكم، وغمر مشاعركم التي تزيدني خجلاً على خجل، فإن صُنف الخجلون كنت في مقدمتهم، تأسرهم الحفاوة والاحتفاء، فتصادر في النهاية أريحيتكم العربية حريتهم الشعورية، في هذا الألق الإنساني، في فضاء بهيّ، يلمع سنى، ويقطر ندى ويعبق شذى، فيبل صدى، في فضاء (جدة) الجدود، في بيت الشيخ (عبد المقصود) فضاء فكر وجود، تغمره التحايا تترى، ترفل في طيوف الحب الودود، في زمن قل فيه الود.. وشاع العقوق والصدود.
يتعثر أيها الأخوة الأعزاء أمامكم اللسان في غمرة هذا الالتئام، على الخير والمودة والإحسان، فجوزيتم على الحفاوة خيراً، وبورك فيكم تفصيلاً.. وجمعاً.
يقتضي التقليد في مثل هذه المناسبات الحديث عن التجربة الثقافية والإنسانية بالذات، فماذا عساي أقول في رحلة مع الكلمة تجاوزت عشرات السنوات.. حافلة بالانكسارات.. والمنغصات.. لكنها متوّجة دائماً ببعض الانتصارات.. إن لم يكن على المستوى الوطني العام، فعلى المستوى الشخصي بالذات.
أستسمحكم إذن في العبور بمحطات، نمر ببعضها مرور الكرام مهلاً، وببعضها مرور المستعجلين سعياً، وبغيرها مرور البخلاء سعياً أو عدواً، هذه المحطات يمكن حصرها في النقاط التالية المتوالية:
1- في الدراسة والحياة.
2- عن التجربة في البحث العلمي.
3- تجربتي مع الكتابة والإبداع.
4- ملاحظات من تجربتي المبكرة في النقد.
5- أنا والنشر: في عالم الصحافة والكتاب.
6- التجربة التعليمية.
7- لحظة الكتابة.
8- أحلام.. في آخر.. الكلام.
 
1- في الدراسة والحياة:
في بادية إحدى القرى بالجنوب، كان أكبر أحلام والدي أن أكون إماماً، بتجاوز القرية كبر الطموح، أرسلني والدي إلى (الزاوية) لحفظ القرآن الكريم، ومتون لغة، ونحو، مع ضيق أدركته لاحقاً لدى رجلين في الزاوية ضاقوا بطموحي، وبشيء من جدّ لدي.
مع فجر استقلال الجزائر كبرت الأحلام، وأنا أشارك في مسابقات وامتحانات مهنية، فقنعت بوظيفة معلّم التي كانت يومئذٍ إنجازاً كبيراً.
اطردت طموحاتي كمعلم: كان السقف أن أكون معلماً أو أستاذاً في التعليم الثانوي فخضت التحدي على جبهات عمل ودراسة من أجل الالتحاق بالجامعة، فتم ذلك في عام 1969م، ثم اجتذبتني المدرسة العليا للأساتذة فخضت المسابقة.
هكذا انتهيت طالباً في الجامعة، وفي المدرسة العليا للأساتذة (وفي الأيام الأولى من رمضان حكايات) تخرجت من الأولى عام 1972م، ومن الثانية في عام 1973م، وقد نما في نفسي طموح جديد، بفعل المناخ الذي عشته في الجامعة، ومع البحث، وقد التحقت بالدراسات العليا، مع الالتحاق بالتعليم الثانوي التزاماً بالعقد الذي وقعته مع المدرسة العليا، مما تخلّص منه (شاطرون) فطاروا إلى شتى بقاع العالم، أو عدلوا عن طريق التعليم والبحث في (الجزائر) إلى طرق أخرى بدت مربحة في الحياة زاهية بين الناس.
حين أنهيت المرحلة الأولى في الدراسات العليا لمناقشتي (شهادة الدراسات المعمقة: DEA عام 1976م سجلت رسالتي للدكتوراه الطور الثالث، ثم التحقت للعمل بالجامعة منتدباً للبحث العلمي من وزارة التربية بعد وفائي بفترة العقد، حتى أنجزت رسالتي لدكتوراه الحلقة الثالثة، سنة 1982م سجلت بعدها رسالتي لدكتوراه الدولة التي ناقشتها عام (1992م).
رغم ضراوة المواجهة لحياة جديدة في العاصمة الجزائرية كان الطموح دائماً كبيراً، كان الطاقة التي أنهض بها من كبوة أو أتجاوز بها خندقاً. بدا لي هذا الطموح فطرياً، من دون أن أهمل حقيقة (جوهرية) أنه كان لي في كل خطوة أخطوها (هدف محدد) لم تكن لي مشاريع وأهداف خارج الحياة العلمية والتعليمية، كان الطموح يرسمها على مراحل، خطوة خطوة، وهو ما أنصح به الشباب -رغم تجنبّي لأن أكون في موقع الناصح- فعليه أن يحدّد الأهداف على مراحل، وأن يهيئ أسباب الوصول، ومنها الاستعداد والتضحية والمثابرة.
كان الطموح الأول الأكبر أن أدخل الجامعة وأصير أستاذاً في التعليم الثانوي، ما إن دخلت الجامعة حتى كبر الطموح.
فعرفت في الجامعة معنى (البحث) في المصادر والمراجع، أغرانا أستاذ الفارسية بمنح في (إيران) للدراسات العليا فاعتنقت مع زملاء الفكرة مبدئياً: تطلعاً لفضاءات بدت مغرية لكنها سرعان ما تراجعت بخفوت الاهتمام من الأستاذ المذكور، وربما لضيق بدا تجاهه من رئيس دائرة اللغة العربية التي كانت تدرس فيها الفارسية كلغة أجنبية إجبارية.
لكن الطموح كبر إصراراً على الظفر بالدكتوراه، المرور إليها عبر كل (المتاريس) و (الخنادق) وهو ما صار ضرورة لا مناص منها حين قبلت في (الجامعة) بشهادة الدراسات المعمقة.
تثميناً للتفاني في الجهد منحتني الجامعة بعد حصولي على درجة دكتوراه (الحلقة الثالثة) نحو سنتي (تفرغ) للانتهاء من جمع باقي مادة رسالتي للدكتوراه بين (الجزائر) و (باريس).
عند التخرج لم أرض الابتعاد عن جامعتي (جامعة الجزائر) مع انتداب محدود منها إلى (المدرسة العليا للأساتذة) التي كنت طالباً فيها يوماً في بداية الدراسة.
 
2- التجربة التعليمية:
- من التعليم الأساسي إلى التعليم الجامعي، في جامعة الجزائر المركزية (1978 ـ 1997م) المدرسة العليا للآداب والعلوم الإنسانية.
لم يعتر هذا الحب تبديل حتى عام 1977م فقررت المغادرة إلى (المدرسة العليا للأساتذة)، ومنها إلى جامعة (قطر)، وهي الفرصة التي ظفرت فيها بأداء فريضة (الحج) فرأيت لأول مرة على الطريق السريع اسم (جامعة الملك عبد العزيز)، فخفق القلب إليها لا كفضاء علمي فحسب بل لقربها من (مكة)، تلت مرحلة (قطر) سنة واحدة في جامعة (صنعاء).
بعد (قطر) و (صنعاء)، أتت الدعوتان الكريمتان تحييان شوقاً قديماً إحداهما من (جامعة الملك عبد العزيز) في (جدة) والثانية من (جامعة الإمام) في (الرياض)، حين استخرت الله اطمأنّ القلب إلى (جامعة الملك عبد العزيز) قرب الحرم في مكة المكرمة، فما أجمله قرباً! فأعذب لحظات السمو أمام الكعبة المشرفة، كما أن أهنأ لحظات الود والأنس بين الأهل، مثلما أن أمتع لحظات الحب حديث من القلب إلى القلب، في مثل هذه اللحظات بين نخبة من أبناء جدة الجدود، في بيت الشيخ عبد المقصود.
 
3- التجربة في البحث العلمي:
حين قلت منذ حين أن على الشباب أن يحدد الأهداف على مراحل، مع تهيئة الأسباب، ومباشرة المكابدة، كانت في ذهني تجربتي في البحث العلمي التي كانت (مريرة، بل قاسية) في بعض الظروف، حتى كادت توشك في مرحلة ما على (القنوط) كابدت ذلك من أول (خطوة) من خطوات البحث العلمي (بعد المرحلة النظرية في الجامعة).
كانت الكتابة قد اجتذبتني قبل دخول الجامعة، فوجدت متنفسها في البحث العلمي الذي بات شغفاً توازى مع شغف الكتابة في الصحافة وإعداد البرامج الثقافية في الإذاعة.
هنا رحلة طويلة ذات محطات تعددت تقاطعاتها، لذا أحرص فقط على الإشارة إلى محطات البحث العلمي، كرسائل أكاديمية أو بحوث متخصصة.
الرسائل الأكاديمية: كانت تجربة المعاناة فيها قد امتزجت المرارة والعذوبة معاً، وهي ثلاث:
 
1- الديسي حياته وآثاره (للدراسات المحققة) معاناة (المتاريس) في الوصول إلى المادة الأدبية.
2- القصة الليبية القصيرة: نشأة وتطوراً لرسالة الدكتوراه الحلقة الثالثة، عانيت فيها حجزاً في (المطار) وصولاً إلى (مؤامرات) شبه (دكتور) و (دار) تونسية - ليبية أخذت جهدي وقبرته، لم أندم على شيء كما ندمت على الوقت الذي ضاع مني هنا.
3- انصرفت في (دكتوراه الدولة) لأدب الرحلة، فعشت التجربة بحثاً، في مكتبات (الجزائر) و (باريس) حيث يغريك ذلك التعاون العلمي الفذ، في (باريس) هنا أدركت في البحث تراجع الرحلة الحجازية في الرحلة العربية عموماً لصالح الرحلة الأوروبية، لعوامل جمّة (تاريخية، واجتماعية، ونفسية، أيضاً وسياسية كذلك) حيث وجدتني أتعامل بحرية مع المصادر في (الجزائر) و (باريس) التي أغرتني بالجديد، من بينها كتاب عن (الجزائر) نشر منذ نحو (قرن) له (قصة). أمّا البحث ثم النشر في الدوريات الأكاديمية (المحكمة) فقد كان مؤلماً حتى الإزعاج والإحباط، على العكس من ذلك النشر في الدوريات العامة.
تلك الدوريات (المحكمة) في الوطن العربي مثل:
- (عالم الفكر) الكويتية، و (الفيصل) السعودية.
- الفيصل التي نشرت لي فجلبت لي اهتماماً من كتاب في المشرق والمغرب، ثم: تدخل فعل فاعل في تعطيل بحث لي بعد وصول تأكيد يفيد البرمجة للنشر، زال العجب حين قال لي أحد العالمين بالخفايا ينبغي أن تكون هنالك، فهناك الأيدي الخفية التي تعمل بمعيار آخر غير المعيار العلمي.
صورة عما يعانيه جو البحث والنشر، في الوطن العربي، الذي فرّخت فيه (الشللية) القطرية، والانتماءات الإيديولوجية.
 
4- تجربتي مع الكتابة والإبداع:
بدأت أولى تجاربي الكتابية قبل شهادة التعليم المتوسط، بالشعر من دون نشر، وبمقالتين أوليين نشرتا لي في (الشعب) و (المجاهد) الجزائريتين كادتا تعصفا بي أمام أعوان (فرنسا) الذين خلفوها في الإدارة سنة (1962 - 1963م).
استقررت على (القصة) و (المقالة)، و (الخاطرة)، والرواية.
أول مجموعة قصصية عام 1982م لي كانت (جروح في ليل الشتاء) عن مرحلة تحوّل من (استقلال) إلى أمل في بناء (دولة وأمة).
ثم مجموعة (غيمة وإحدى عشرة قصة) تبعتها مجموعة (اسما وعبد الخوف)، معظمها في (باريس)، فضلاً عن (قصص شعبية من الجزائر).
ثم رواية: (مأوى جان دولان) التي كتبتها في مقهى Vieux-Chatelet بباريس على نهر (السين).
تبعتها رواية (على الربوة الحالمة) التي يُركَّب فيها الزمن، والمكان، والأشخاص.
 
5- ملاحظات من تجربتي المبكرة في النقد:
كانت تجربتي المبكرة في النقد قاسية في بعض مراحلها:
- محاولات في الأدب بدأت في الجانب الاجتماعي، ومع بقايا الإدارة الفرنسية.
- في الجانب الأدبي تزامنت مع وجودي طالباً في الجامعة، في الصحافة وفي الإذاعة، فكان منها برنامج (منبر الشعراء).
- ومقالات عديدة في هذه المرحلة المبكرة حول (الشهداء يعودون هذا الأسبوع): التي بدأ فيها شيء من الإشهار.
- و (ريح الجنوب)، التي بدت لي تثميناً ببغائياً للخطاب السياسي الديماغوجي السائد عن سياسة (الثورة الزراعية) التي أفضت إلى خراب.
- ومسرحية (محمد خذ حقيبتك): لصاحبها (كاتب ياسين) كموقف من ايديولوجية الرجل، وموقفه من انتماء الجزائر عملاً منه في ركاب الاستعمار، في دور حركي عميل.
وهي المقالة المرة، التي مضيت أتجوّل بها بين الصحف (الشعب) تحت إدارة (عبد القادر بن صالح) الذي رفض نشرها، و (المجاهد) تحت إدارة فضيل الذي اعتذر عن عدم نشرها، أما (ألوان) فقد تبنت جزءاً ملخصاً.
خلال هذه التجربة المرّة: كتبت للرئيس (بومدين) أشكو هذا الحصار، فجاء الرد بالبريد، تتبعه سيارة الدرك الوطني ذات الدفع الرباعي ليكون التحقيق (العسكري - الأمني) معي، أمام البيت ثم في الثكنة. كنت في ذلك كله أخوض التجربة: انطلاقاً من اقتناع وحسن قصد، ونية، مهما كان الخطأ والصواب. هنا في هذه المرحلة حركت قلمي في نقد: (قصة الأسبوع) في جريدة (الشعب) اليومية العمومية.
 
6- أنا والنشر - في عالم الصحافة والكتاب:
أولاً- عالم الصحافة: انطلقت من الصحافة الجزائرية ثم اتسعت إلى معظم أنحاء الوطن العربي، وخارجه في (باريس) و (لندن)، ولي هنا أكثر من قصة مع صاحب صحيفة لبناني في (باريس) ومدير تحرير (الوطن العربي)، رغـم ترحيب مجلة (كل العرب) بمقالاتي في الصفحة الأخيرة المميـزة، وبقصصي داخل العـدد، فضلاً عن مجلات عربية عديدة مختلفة، في (ليبيـا) و (العراق) و (الإمارات) و (قطر) و (الكويت) و (السعودية): محكمة وعامة.
ثانياً- في عالم الكتاب: أول تجربة كانت نواتها محاضرة قدمتها يوماً عن (ابن باديس) في (بوسعادة) قبل أن أكون طالباً في الجامعة، تقديرها من لدن الجمهور: شجعني على إثرائها حين دخلت الجامعة وأرسلت المخطوط إلى دار النشر التابعة لوزارة الإعلام والثقافة (ش.و.ن.ت) من بُعد مئات الأمتار خجلاً من اقتحام دار عملاقة لامعة برّاقة، وكدت أنسى مخطوطي حتى فوجئت وأنا ذاهب إلى البيت ذات مساء حين توقفت أمام واجهة مكتبة فرأيت كتابي معروضاً للبيع، وقد تم نشره، فاقتحمت المكتبة واشتريت منه عشر نسخ. ثم تشجعت في اليوم التالي وذهبت إلى (الدار) حيث رحب بي مدير النشر شاكراً مجهودي، آمراً بإعداد حقي من نسخ الكتاب، وإعداد صك (شيك) خاص بالمكافأة. من هنا بدأت معظم كتبي تصدر عن هذه الدار حتى سنة (1992م) لينتهي حالها إلى ما انتهى إليه حال الوطن فحوّلت وجهتي إلى (ديوان المطبوعات الجامعية) التابع لوزارة التعليم العالي الذي احتضن أعمالي العلمية الأكاديمية، وحتى العامة منها، كما مضيت أتعامل أيضاً مع دور النشر الخاصة في (الجزائر) وخارجها، التي رأيت فيهـا من (المصائب) ما لم أكن أتوقعه يومـاً ما في حرم مؤسسة تتعامل مع الحرف الطاهر.
 
بين العمل والكتابة:
أخيراً أعاني حبين بينهما أتمزق: حب (العمل في الجامعة) وحب (الكتابة) يومياً، ممّا يكلفني عذاباً نفسياً، وعناءً بدنياً، غالباً ما ينبهني إليه أبنائي وزوجتي، من دون جدوى، فأسعد اللحظات تلك التي أجدني فيها بين طلبتي وأنعم بها لحظة أفرغ فيها من بحث أو مقالة أو قصة، ما أعذبها لحظة حتى وهي تسلمني إلى الفراش جثة هامدة كما عبرت عن الموقف إحدى طالباتي في (الدراسات العليا) بجدة، وهي تقدم مبررات تقصير منها في (البحث) الذي تكفّلت بإنجازه في الفصل الدراسي.
انتقلت في التدريس خلال أربعين سنة من حلم صغير إلى كبير فأكبر بتؤدة في مختلف المراحل عبر أهداف محددة بالتدرج، من معلم بسيط جداً في أدنى درجات السلم بالتعليم الأساسي يحلم بمنصب في التعليم المتوسط إلى أستاذ في أعلى درجات السلم بالتعليم الجامعي، وهو الفضاء الذي وثّق علاقتي بالقراءة والكتابة، حتى صار (التعليم) و (الكتابة) لدي ضرتين تتنازعان أمري، رغم أنهما متكاملتان في واقع حالهما.
ففي غمار المعركة العلمية والتعليمية حققت ما لم أحلم به قط، كما أنجزت كل أعمالي الكتابية في العمل والتأليف من أول تجربة مقالية (صدامية) في (عين الإبل) حتى الآن مروراً بمواقف وأحداث في العمل وفي الكتابة فيها الحلو العذب والمرّ الأليم.
مرت الكتابة لدي بعدة مراحل، تداخل فيها دائماً التحدي، مع الحياء، الحياء يصير جرأة صدامية لقيت في ذلك تشجيعاً من قراء شرفاء، ومن كتّاب وطنيين من أمثال (د. محيي الدين عميور) منذ عام 1969م حتى عام 1978م ثم في التسعينات من القرن الماضي وهو كاتب في المجاهد، وطبيب، ثم مستشار للرئيس (هواري بومدين) وسفير الجزائر في باكستان، من حيث راسلني بكلمة طيبة، ذاكراً لي أنّه وزّع مقالة لي نشرت في (الشعب) على كلّ السفارات العربية هنالك.
 
لحظة الكتابة:
تعرف الكتابة لدي لحظة تمتزج فيها ضراوة المعاناة وطرب الروح هي الملاذ حين تتوتر المشاعر، حين تظلم الآفاق وتدلهم فتضيق النفس، وهي اللحظة التي أخرج منها مغتسلاً متخففاً من وعثاء المعاناة هي الشفاء من هذه (المعاناة) معاناة الروح قبل البدن، يحدث هذا دائماً وفي كل الأوقات حيث حللت وأنّى ارتحلت.
كان ذلك في (الجزائر) و (باريس) و (ليبيا) و (الدوحة) و (اليمن) أما في (جدة) فقد انفتح هنا فضاء نور إلى آخر أكبر وأعظم دفئاً وإشراقاً وسلاماً، حيث أجد فيه التعويض والخلاص من لحظات عسر تفكير ورتابة حياة، هو فضاء الحرم المكي، صلاة في المسجد الحرام، فرائض..، ونوافل تمد الروح بشحنة من السمو نتطهر فيها من كل مشاعر ضيق أو عنت حياة أو إرهاق عمل أو تفكير فتزداد الروح سمواً وإشراقاً في (عمرة) حول الكعبة المشرفة طائفاً وبين (الصفا) و (المروة) ساعياً ثم إلى المسجد النبوي زائراً، فلله الحمد على نعمته في البدء وفي الختام.
 
- أحلام في آخر هذا الكلام:
ها هنا من آخر الأحلام في هذا الكلام، وجب عليّ أن أذكر: أنني حين كدت يوماً أيأس أو ربّما يئست فعلاً من الحج فرضاً، وصوت ابنتي تقول لأمها: ألا تحجان؟ تعنيني أنا وأمها، فقلقت ثم يسّر الله ذلك.. وجاء فضله ونعمه.. وكرمه.. بحج.. وحج.. وعمرات، فما أجمل الآمال والأحلام حين تغدو حقائق فما أعرض آمالي.. وما أكثر أحلامي! وما أوسع مشاريعي!..
- أحمد الله على ما حققت، وأشكره على ما جاد به من فضل في التوفيق وأدعوه جل وعلا في أن أرى شيئاً من أمل باقٍ.. في انتصار أمتنا الإسلامية والعربية على ذاتها.. على أمراضها.. على الفرقة والصراع فيها، على الفتن الظالمة التي لا تكاد تنطفئ في وطن حتى تطل برأسها في آخر.
قد يكون هذا من آخر الأحلام، ومن أجملها، والإيمان بالله والثقة في رحمته بوابة للظفر بهذا الحلم الجميل، هكذا عرفت، وعليه عشت، من الصبا إلى الكهولة.
- خارج هذا: كان حلمي أن أحسن الكتابة، أن أنشر المقالة والقصة، أن أنشر كتاباً.. وكتاباً، حقق الله حلمي، فله الحمد في البدء وله الحمد في الختام.
- لم أحلم إذن بجاه ولا مجد، ولم أحلم أيضاً بمال وفير ولو فعلت وعملت له لاهث الأنفاس، لتقطّعت أنفاسي، ولكنت أول المهزومين، لكنني أحبّ المال الحلال الناجم عن العمل الشريف، أحب روح الشرف في هذا كما أحبه في خطوات الوصول في التعليم، فما أجمل الوصول إلى الأحلام الجميلة على الدروب الوعرة النبيلة!
- عبر رحلة العمل والأحلام والآلام؛ بعذاباتها وانكساراتها وانتصاراتها المنجزة، كنت ولا أزال وسأبقى أؤمن بالتنافس الشريف: في كل المجالات، أقبط المنتصرين وأبغض الحسد والحاسدين.
لم أعان الضيق والبؤس هنا إلا من حالات يصل فيها غير مستحقين لمواقع يؤذون عبرها الآخرين، فيسيئون لوطن ويشوهون صورة أمة شريفة، صغيرة أو كبيرة (عربياً أو إسلامياً) داخل قطر أو خارجه، في وطن العرب، أو في عالم المسلمين.
لم أكتم يوماً عند الاستطاعة تعبيراً وتحريراً في صحف داخل الجزائر وخارجها، ابتهاجي بوصول مستحقين لمواقع تهيئ لهم فرص العمل بحب وصدق لخدمة أمتهم، وفي النفس تتفاعل مشاعر شتى ابتهاجاً بالعاملين الجادين المخلصين، في أرض العروبة، وعالم المسلمين، وقلمي مثل لساني لا يكف عن ترديد قول رب العالمين وَقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون (التوبة: 105) صدق الله العظيم.
شكراً أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات الفضيلات، شكراً سعادة الشيخ (عبد المقصود خوجه) على نبلكم، وفيض إكرامكم، في (اثنينيتكم) المعلم البارز في الحياة الأدبية والفكرية في المملكة العربية السعودية.
السلام على الجميع ورحمة الله تعالى وبركاته..
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :599  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج