شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني ))
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
نحمده تعالى ونصلي ونسلم على صفوة خلقه سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أيها الأخوة الأفاضل نرحب بالضيف الكريم أفضل ترحيب ونثني على المضيف عاطر الثناء الذي جعل من داره العامرة منارة شامخة للعلم والعلماء والأدب والأدباء وأفاض على الحاضرين من نبل كرمه وحسن ضيافته ما يجعله أهلاً للفضل والثناء ولسان حاله يردد:
يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا
نحن الضيوف وأنت رب المنزل
 
ونبدأ بالضيف الكريم المحتفى به في هذه الأمسية الكريمة الدكتور عبد الكريم بكار كرمه الله في الدنيا والآخرة اسماً على مسمى، مشرق الوجه عف اللسان ذو قلم سلسل ولسان فصيح، وهو بحق شيخ من شيوخ نحاة هذا العصر، نبدأ بالضيف هذا وقد عرفنا من سيرته العطرة أنه أستاذ في اللغة العربية وشيخ من شيوخ النحاة، وهو مع كونه أحد الأدباء, ومرجعاً من المراجع اللغوية في النحو والصرف، وبظرف الظرفاء وبراعة أهل الفن من النحاة نرحب به ونقول له ما قاله أحد المبدعين:
سلم على شيخ النحاة وقل له
عندي سؤال من يجبه يكرم
أنا إن شككت وجدتموني جازماً
وإذا جزمت فإنني لم أجرم
 
هل تدرون أيها الأخوة ماذا يقصد هذا الإمام النحوي، هذا لغز من الألغاز يريد أن يبين لنا سعة هذه اللغة العربية ويريد أن يفرق بين إذا الشرطية وبين إن الشرطية أيضاً، فإنْ شرطية جازمة ولكنها تفيد الشك، إن تصبك حسنة تسؤهم (التوبة: 50) جاء الجواب مجزوماً وأما إذا لا تجزم ولكنها تفيد التحقيق مثل "إذا جاء نصر الله والفتح" أي تحقق مجيء نصر الله والفتح، لغتنا العربية أيها السادة هي أحلى اللغات وأبدعها ولهذا نزل القرآن الكريم بها إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلّكم تعقلون (يوسف: 2) إن الأديب الأريب أيها السادة والمحامي والسياسي المحنك قد يسبي لبّك ويأسر عقلك ببلاغة لسانه وحسن بيانه فيصوّر لك الباطل بكسوة الحق الساطع، قد يذم العسل ويثني على البصل ببلاغة اللسان، وأجمل ما قاله أحد الظرفاء:
في زخرف القول تزيين لباطله
والحق قد يعتريه بعض تكدير
تقول: هذا مجاج النحل تمدحه
وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير
مدحاً وقدحاً وما جاوزت وصفهما
سحر البيان ببرد الماء كالنور
 
ولهذا قال سيّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحراً، وأن من الشعر لحكمة. يأتي دور الشاعر لنرى أيضاً أن فيه الحكمة.
أيها الأخوة الأفاضل الأمة تعزّ وتعلو وترتفع وتسمو إذا كثر فيها العلماء وقل فيها الجهلاء، فالجهل داء وأي داء:
إذا ما الجهل خيّم في بلاد
رأيت أسودها مسخت قروداً
 
نسأل الله أن يحفظنا في هذا الزمن، لقد كان العرب ينطقون بالفصحى سليقة، بالفطرة يتحدثون، لا تكاد تجد فيهم من يلحن، لأنهم ينشدون القصائد دون خطل ولا خلل حتى أصبحت دواوينهم حجة في لغة العرب ولهذا قال الفاروق عمر رضي الله عنه تعلموا دواوين العرب فإن فيها تفسير كتاب ربكم، المفسرون والمحدثون والفقهاء كلهم محتاجون إلى معرفة اللغة العربية، أن يرجعوا إلى علماء اللغة إلى علماء البيان إلى علماء النحو والصرف لأننا قد لا نفهم كلام الله عزّ وجلّ إذا لم ندرك الفاعل من المفعول والجار من المجرور، عندما نسمع إنساناً يخطب وهو لا يتقن اللغة العربية ويقول في جملة حديثه: ولست أبالي حين (أقتُلُ) مسلماً، إذا قتلت مسلماً دخلت النار، وهنالك فرق بين "أَقْتُلُ" المبني للمعلوم وبين "أُقْتَلُ" المبني للمجهول، فحركة واحدة غيرت المعنى..
 
ولست أبالي حين أُقْتَلُ مسلماً
على أي جنب كان في اللَّه مصرعي
 
اسمعوا هذه القصة التي يذكرها لنا الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" حيث يقول: دخل رجل أعرابي إلى مسجد الكوفة يريد أن يتعلم الإسلام فقد اعتنقه حديثاً، فقال من يعلمني مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، فتبرع رجل لا يعرف اللغة العربية لكنه يحفظ القرآن الكريم، فبدأ الأخ بسورة التوبة وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريءٌ من المشركين ورسوله (التوبة: 3) ولكن صاحبنا لجهله باللغة العربية قرأها أن الله بريء من المشركين ورسولِه (التوبة: 3) "ورسولِهِ" بالكسر، فالأعرابي بفطرته وسليقته قال: إذا كان الله قد برئ من نبيه فأنا أبرأ منه، قال له أعوذ بالله تبرأ من محمد، فبلغ الخبر الخليفة عمر بن الخطاب أن أعرابياً برأ من محمد صلى الله عليه وسلم، فاستدعاه وقال له ما هذا الأمر الذي بلغني عنك؟ قال ماذا بلغك يا أمير المؤمنين، قال بلغني أنك تبرأت من رسول الله، فقص عليه القصة، فقلت إن كان الله قد برئ من رسوله فأنا أبرأ منه أيضاً، فقال عمر أن الله برئ من المشركين ورسوله (التوبة: 3) برئ منهم بضم لام رسوله لأنها مبتدأ حذف خبره، فقال الأعرابي عندئذٍ أنا أبرأ مما برأ الله ورسوله منه، أبرأ من المشركين، فأمر عمر ألا يعلِّم القرآن غير عالم باللغة العربية.
أيها الأخوة إن هذه اللغة نبتت هنا، هنا مركزها يقولون "ما" نافية حجازية أي لغة أهل الحجاز الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم (المجادلة: 2) (ما) عملت عمل ليس "هن" اسمها أمهاتهم خبرها منصوبة بالكسر لأنها جمع مؤنث سالم.. بلغة تميم يقرؤون "ما هن أمهاتهم" بالرفع وما لمجرد النفي، هنا نبتت هذه اللغة وهنا ضاعت، ولا بد من عودة لها إن شاء الله.. أيها الأخوة ما ظهر النحو إلا عندما ظهرت العجمة واختل اللسان العربي وأصبح الواحد يحمل شهادات عالية وهو يخبط في كلامه خبط عشواء، لا يفرق بين المرفوع والمنصوب والمجرور، وهذا خطأ، كبار علماء النحو والصرف وعلماء البلاغة وعلماء البيان هم شيوخنا هم أساتذتنا علينا أن نكرمهم، وهذا المحتفى به هذه الليلة أحد هؤلاء، أصبح الناس يزهدون في اللغة العربية يتقن أحدهم اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات لكنه يجهل لغته العربية، انظروا إلى الإمام الزمخشري صاحب "تفسير الكشاف" يقولون خدم القرآن الأعرجان، من هما، عبد القاهر الجرجاني، وصاحب "الكشاف" الذي أبدع وأظهر روعة القرآن، وتفسيره من أروع كتب التفاسير في توضيح بيان أسرار القرآن ودقائقه هو الإمام الزمخشري، غفر الله لنا وله فقد كان معتزلاً، لكنه خدم القرآن، وأهل السنة ما قالوا ضال مبتدع خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه، وإنما قالوا نستفيد من علمه، فقدموا كتابه فأظهروا ما فيه من محاسن وأظهروا ما فيه من سيئات، كان له شيخ يكنى "أبا مضر" توفي الشيخ وكان الشيخ الزمخشري متعلقاً به تعلقاً شديداً فكان يبكي عليه بكاءً شديداً، فصار يبكي عليه بكاء الثكلى على فقيدها الوحيد، ذمه بعض الناس ولامته الجارية فأنشد يقول:
 
وقائلة ما هذه الدرر التي تساقط
من عينيك سمطين سمطين
 
فقلت:
هو الدر الذي كان قد حشا به
أبو مضر أذني تساقط من عيني
 
هكذا يعرفون فضل أساتذتهم أما الآن فما عاد يعرفون قدر الأستاذ إلا إذا منحهم الدرجة العالية، المهم أيها الأخوة علينا أن نرجع إلى لغتنا الفصحى لا بأس أن يتعلم الإنسان اللغات الأخرى لكن أن ينسى ويضيع لغته الأصلية I am very sorry because، نسيت اللغة الإنجليزية فقد درستها ست سنوات ولكن أضعتها، لكني بحمد الله أتقن اللغة العربية، وإن لم أكن أستاذاً في النحو والصرف، يذكر الإمام الزمخشري من بدع التفسير ما فسره بعض الناس الذين لا يعرفون اللغة العربية الدقيقة قال: يوم ندعوا كل أناس بإمامهم (الإسراء: 71)، قال في تفسير هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى من ستره على العباد يوم القيامة لا يدع الناس بأمهاتهم حتى لا ينفضح الواحد ما يكون ابن هذا الرجل فينسب إلى أمه، هذا يقول خطأ في اللغة والصرف لأن الأم جمعها أمهات لا تجمع على إمام، ما معنى "الإمام" إذن كتاب الأعمال وكل شيء أحصيناه في إمام مبين (يس: 12) وأمثلة كثيرة، ولا تظنوا أيها الأخوة أن الأدب كان قاصراً على الرجال، الناس في الجاهلية على الفطرة سليقيون:
 
ولست بنحوي يلوك لسانه
ولكن سليقي أقول فأعرب
اجتمعت إحدى عشرة امرأة فتعاقدن وتعاهدن على ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً -الله لا يفضحنا- يضعن الرجال على المشرحة وكل واحدة تبين ما فيه من خير أو شر، قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل، قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره، قالت الثالثة: زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق، وهكذا إلى آخر الحديث كل واحدة تتكلم بكلام فصيح بديع لا يتقنه جماعتنا في هذا العصر، أبارك للمحتفي والمحتفى به ونسأل الله أن يكثر من أمثال سيبويه ونفطويه وابن جني الذين أصبحوا الآن وهم في قبورهم يبكون على حال هذه الأمة في تركها لهذه اللغة العربية. أستميحكم عذراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
عريف الحفل: أحيل الآن الميكروفون إلى السيدات الفاضلات ونستمع إلى الأستاذة فريدة محمد علي فارسي رئيس مجلس إدارة مدارس الحمراء.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2641  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 43 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.