شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين..
أنا هذه الليلة سعيد جداً لسببين، الأول: كوني آتي إلى هذه الاثنينية وإلى لقاء صاحبها وعميدها للمرة الثالثة.. ومتحدثاً، وهذا أعتبره بيتا من بيوتي التي أعرفها معرفة شخصية، والصديق عبد المقصود ليس غريباً عليكم ولا علينا، نحن الذين نسكن خارج جدة، فما كتبت له مرة إلا استجاب، وعندما كنت رئيساً لقسم التاريخ في جامعة الملك سعود ورئيساً للجمعية التاريخية السعودية كتبت له بشأنهما، "ففزع فزعة" نظرية وأرسل لنا مجلدات لا زالت موجودة في ركن خاص في المكتبة تشهد على أن هذا الرجل نصير العلم والمعرفة والثقافة والأدب..
السبب الثاني: أنني أمتلك رصيداً من السنوات تتجاوز ربع قرن في علاقتي مع الدكتور فهد السماري، وكان من المستحيل جداً أن أعتذر مع وجود وعكة بسيطة أصابت حنجرتي، ولكن صوتي ربما أصبح أكثر موسيقية.
والحديث عن الأخ الصديق الدكتور فهد السماري يمكن سلوكه من طريقين، الأول: عن علميته ومهنيته التاريخية، والثاني: عن إدارته ورئاسته لدارة الملك عبد العزيز، وأي طريق اخترت فستجد الدكتور فهد مجداً ومجيداً، اعتاد الناس في مثل هذه المناسبات أن يسلكوا الطريق الثاني، فيأخذوا بسيرة من يتحدثون عنه وعن عمله وذكرياتهم معه، ثم يقفوا عند إنتاجه ومآثره، أما أنا فسأسلك الطريق الأول على صعوبته وعلى غير ما اعتاد الناس، لماذا؟ الجواب: أن اثنينية الصديق والوجيه والأديب عبد المقصود خوجه لا تشبه الصوالين الأدبية والثقافية التي نعرفها في المملكة العربية السعودية، فهي أشبه بحلقة علم متعدد، يغشاها مثقفون مختلفو المشارب، لهذا أحببت أن أُحيل ليلتكم هذه إلى مدرج من مدارج العلم التاريخي، وسبب آخر: أنني اخترت موضوعاً تاريخياً واحداً، جعلته مدار الحديث عن الدكتور فهد، وهو أي الموضوع مما بز المحتفى به أقرانه، وكشف به كشفاً يستحق الإشادة والنشر، بل أنني أعده خير تعريف بالمحتفى به، وخير سيرة له، أما باقي جوانب سيرة الدكتور فهد فهي كثيرة وعلى أهميتها فأتركها لمتحدثين أخر، وما أكثرهم، الموضوع الذي أود التطرق له هو: تاريخ العلاقات السعودية الألمانية وذكرياتي مع الدكتور فهد السماري، وهو موضوع من موضوعات عدة ولكن كما يقول الشاعر: بعض الربيع ببعض العطر يختصر.
بداية ما كنت أحسب أنني سأكتب عن هذا الموضوع، خشية أن أقع في المحظور، وهو الحديث عن قضايا تمس أصدقاء لهم مكانة في عقلي وقلبي، لكن حديث اليوم هو الاستثناء لا القاعدة، ويعود جزء من هذا الاستثناء إلى كون حديث اليوم ينصب على موضوع مهم وهو موضوع لم يتطرق له أحد حسب علمي في المملكة العربية السعودية، وهو: تاريخ العلاقات السعودية الألمانية، أما بقية العلاقات السعودية ما بين الحربين مع باقي الدول وخاصة بريطانيا فقد دُرست الدراسة الكافية.
تعودنا نحن الطلبة في فترة التحصيل العلمي في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، على كثرة الحوارات حول قضايا تاريخية وسياسية واجتماعية، وكثيراً ما كنا نختلف وقليلاً ما كنا نتفق، وكان من الأمور التي لم نختلف عليها أن العلاقات السعودية الألمانية والإيطالية على وجه الخصوص علاقة غير معروفة، بل هي في بعض جوانبها غامضة، وكنا نعتقد أن للسياسة البريطانية ومن ثم الأمريكية في المملكة العربية السعودية وفي الشرق الأوسط دور في هذا الغموض.
وكنت أثق في أستاذة ومؤرخة أمريكية من أصل مصري قد يعرفها بعضكم وهي الدكتور عفاف لطفي السيد التي تمت بصلة نسب إلى أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، هذه السيدة تزوجت من شاب فرنسي اسمه مارسو ولذلك عرف اسمها بالدكتورة عفاف لطفي السيد مارسو، وكانت آنذاك تشغل مديرة مركز دراسات الشرق الأوسط في الجامعة المذكورة، وهو قسم مشهور أسسه المستشرق الألماني ومن ثم الأمريكي فون جرنبيوم، المتخصص في التاريخ الإسلامي، والقسم الآن يحمل اسمه تخليداً لذكراه وعلمه.
أقول كانت الدكتورة عفاف وهي في سن والدتي، تحنو علينا نحن أبناء العرب، وكنت أجد لديها من الوقت والرغبة ما يشجعني للجلوس والحديث معها في قضايا تاريخ الشرق الأوسط أو قضايا أدبية، خاصة أن من هواياتها المتعددة هواية كتابة الرواية التاريخية، وكثيراً ما تناقشت معها حول العلاقات السعودية الألمانية بالتحديد، وكنت أنقل لها ما يدور بيننا نحن الطلبة عن هذا الموضوع وكم كان يزعجني أنها لا تعرف عن الموضوع كثيراً مقارنة بما تعرفه عن قضايا أخرى، ويزعجني أكثر أنها تحيلني على طالب سعودي يدرس في فرع من فروع جامعة كاليفورنيا في مدينة ريفر سايد اسمه فهد السماري، وبداية كنت أظن أن نزعتها الفرنسية بحكم ثقافتها وزواجها من أستاذ فرنسي وراء إظهار جهلها، ولكن تبين لي فيما بعد أنها تشاطرنا الرأي نفسه حول غموض تلك العلاقات؛ لهذا سعيت للتعرف على فهد السماري. هذا منذ خمس وعشرين سنة.
وجاءت الفرصة عندما قدم المدينة معالي الدكتور عبد الله التركي، وكان إذ ذاك مديراً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، جاء يتفقد مبتعثي الجامعة، ودعاه مبتعثوها في مدينة ريفر سايد للعشاء، ولمعرفة سابقة به، تشرفت بمصاحبته وهناك تعرفت على الطالب فهد السماري، وتوطدت العلاقات بيننا واتخذته صديقاً؛ لأنني وجدت فيه ما يروم المرء من خليله من مثل: التدين والعلم والاستقامة والصدق وأشياء كثيرة يطول سردها، عندئذ عرفت لماذا تحيلني الدكتورة عفاف السيد إليه، لقد وجدت موضوع العلاقات السعودية الألمانية في عهد الملك عبد العزيز يكاد يشغل جل تفكيره، بل ويأخذ منه وقتاً ليس باليسير، وأشفقت عليه، ذلك أنه لا يقنع باليسير من العلم، فقرر في فترة لاحقة دراسة اللغة الألمانية ليتمكن من قراءة الوثائق المكتوبة بها، ورحل إلى ألمانيا ومن ثم إلى بريطانيا لجمع المعلومات، وكتب رسالة لا أقول جيدة، لأنني لست في مقام من يستطيع تقويمها، ولكنني أقول أنها الوحيدة في بابها، وأعني هذه الكلمة، فيما اطلعت عليه ولم تعد قضية العلاقات السعودية الألمانية مجال اتفاق بيننا نحن الطلبة، بل مجال اختلاف شديد.
وفي يوم 1/11/1420هـ يتحفني الدكتور فهد بكتاب حسن الطلعة عنوانه: (الملك عبد العزيز وألمانيا: دراسة تاريخية للعلاقات السعودية الألمانية 1344هـ- 1358هـ من طباعة دار أمواج) وعلى الغلاف صورة نادرة لا أعرف كيف حصل عليها الدكتور فهد لمقر الشركة التجارية الألمانية المعروفة بالمختصر الألماني (ديهاني) في مدينة جدة، والصورة التقطت عام 1349هـ والكتاب فيما أحسب ترجمة أمينة لجزء كبير من أطروحته عن الموضوع نفسه.
وبدأت في قراءة الكتاب في اليوم نفسه لقد أعاد لي الدكتور فهد ذكريات وحوارات الأمس، ووجدت في الكتاب علماً كثيراً، ووجدت أيضاً أنه أضاف إلى ما أعرف، ما جدَّ من وثائق خاصة بالوثائق الإيطالية، ولا أدري الآن هل هي مما ورد في أطروحته، أم مما جدَّ واطلع عليه بحكم عمله أميناً عاماً لدارة الملك عبد العزيز، ويعجبني في مقدمة كتابه هذا أنه شكر كثيرين ممن ساعدوه، وكانت من بينهم الدكتورة عفاف لطفي السيد مارسو التي تعتبره خبيراً في الموضوع وكانت فيما أظن عضواً ممتحناً في لجنة المناقشة.
وهذا الكتاب يقع في 263 صفحة من الحجم المتوسط، ولا أطيل عليكم حتى لا أجعل هذا اللقاء لقاءً أكاديمياً صرفاً، وعلى كل حال وفي الكتاب حاول المؤلف البحث المعمق من خلال المصادر المتاحة عن أجوبة مقنعة لأسئلة صدَّرها بين يدي الكتاب.. مثل: لماذا اتصلت المملكة العربية السعودية بألمانيا وكيف تم ذلك؟ ثانياً: هل تباينت السياسة الألمانية تجاه المملكة باختلاف الحكومات الألمانية المتعاقبة؟ ثالثاً: ما رد الفعل البريطاني والأمريكي تجاه العلاقات السعودية الألمانية؟ وأخيراً: ما أبرز نتائج العلاقات السعودية الألمانية؟
لقد تهيأ للدكتور فهد من المصادر المدونة والشفاهية ما لم يتهيأ لغيره، منها على سبيل المثال: وثائق وزارة الخارجية السعودية التي تستعمل لأول مرة في هذا الموضوع، وما نشر في بعض الصحف السعودية والعربية عن موضوع البحث، وعن مقابلات شخصية نادرة جداً مع عبد الله بلخير والدكتور رشاد فرعون، وهما ممن خبرا قضية العلاقات السعودية الألمانية، لقد أجاد الباحث وأفاد في الموضوعات التي طرقها، ولا أحسب أنه ترك شيئاً لمستزيد.
وبعد.. ألا تعتقدون معي وما أظنكم إلا فاعلون، أن الدكتور فهد يُعد إضافة حسنة لخريطة الوطن التي تحتوي على رجال أفذاذ طالما أبرزتهم هذه الاثنينية الرائعة، فشكراً لصديقي الأديب ابن الأديب عبد المقصود خوجه وشكراً للاثنينية التي تعرف قدر الرجال، وتحتفي بالرجال وكل اثنينية وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
عريف الحفل: أجزم بأن الدكتور عبد الله اختصر كثيراً من كلمته وكأنه يقرأ أفكاري، سنفتح باب الحوار إن شاء الله كما قلنا بعد الانتهاء من كلمات المتحدثين وتبقى أربع متحدثين، نأمل من أصحاب المعالي والسعادة الاختصار في الكلمات لنفتح باب الحوار كما قلنا بشكل أوسع مع فارس الاثنينية.
أحيل الميكرفون الآن إلى معالي الأستاذ الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، ونرحب به وهو معنا في هذه الليلة، فهو مدير عام مركز البحوث في التاريخ والدراسات الإسلامية والفنون باستنبول (تركيا) فليتفضل.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1869  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج