شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( الحوار مع المحتفى به ))
عريف الحفل: الأسئلة التي وردتنا مشكورين من الأخوة وموجهة لسماحتكم.
السؤال الأول من الدكتور غازي زين عوض الله عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الملك عبد العزيز بجدة، يقول:
كيف نحرر الخطاب السياسي الإسلامي الموجه من أحكام دعاته المسيسين الذين لا يقيمون وزناً وعدالة فيما يخدم مصلحة الإسلام والمسلمين تحت تأثير وضغط التوجه السياسي الذي ينتمون إليه ويسعون لرضائه بغض النظر عن التزامهم بأحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها الصحيحة؟
الشيخ محمد رشيد قباني: بسم الله الرحمن الرحيم، العالم لن يخلو أبداً كما لم يخلُ في عصر سبق لن يخلو أبداً من تعدد الأفكار والآراء منها المعتدل ومنها المتطرف، وإذا ركزنا على جوهر الإسلام وأهل الفكر من الإسلام الذين ينطقون بكلمة الحق الواعية والواعدة أيضاً لخير الإسلام والمسلمين فإننا نكون قد فعلنا الحسنى، نلاحظ في الصحف وفي المجلات وفي الإذاعات كثيراً من المنتقدين ولو أن هؤلاء جميعاً في الصحف والمجلات ركزوا على أهل العلم وأهل الفكر وأهل الاعتدال في ثقافة الإسلام لبرز نور الإسلام ولما برزت هذه الأفكار المتطرفة، الصحافة بطبيعتها تلاحق الأخبار المثيرة، وتبرز أقوال المتطرفين أريد أن أسمع وأن تسمعوا وأن نسمع جميعاً دائماً الرجال الذين يكتبون ويحاضرون ويتكلمون من أهل الإسلام الذين يعبرون عن جوهره وصفائه ونقائه، وإذا تحدثنا في هذه الدائرة فقط في كل هذه المجالات فإنه لن يكون هناك دور للمتطرفين إطلاقاً.
عرف الحفل: السؤال الثاني من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول:
السعوديون يحبون لبنان، لبنان الكبير الموصوف برجالاته الأفذاذ العباقرة والموصوفون بالشهامة والعراقة، لبنان الصغير بحجمه الجغرافي يضم 17 طائفة، وربما كانت الطائفية السبب في استمرار المشاحنات وعدم الاستقرار، سؤالنا: كيف يمكن لشعب لبنان الفذ المحافظة على الوحدة الوطنية أمام هذه النعرات الطائفية؟ وهل بوسع العقلاء عزل الطائفية إلى جانب ليكون الدين لله والوطن للجميع؟ والدتي رحمها الله صيداوية لبنانية كانت تردد دائماً قولها: "كل واحد على دينه الله يعينه" من هنا نسأل هل يدعو رجالات لبنان العقلاء للسلام للإصلاح والشراكة وللوقوف إلى جانب صوت الاعتدال والتسامح لبناء جسور الأمل والثقة بمستقبل مشرق يتسم بالمصداقية والانسجام والديمومة بعيداً عن الطائفية والمذاهب ليعيش اللبنانيون في بيئة مستقرة وآمنة؟
الشيخ محمد رشيد قباني: بسم الله الرحمن الرحيم، أريد تصحيح أن عدد الطوائف في لبنان هو ثمانية عشر وليس سبعة عشر، هذه الطوائف التي اعترف بها القانون، وهناك طوائف أيضاً خارج الطوائف الثمانية عشر، لبنان بلد كسائر بلدان العالم، هذا التنوع الذي فيه ليس بجديد فهناك في بلدان كثيرة في العالم تنوع في الطوائف أكثر مما هو في لبنان، ولكن لبنان على صغر حجمه وكثرة طوائفه يبدو للعيان أنه يكاد يكون الوحيد في هذا التنوع في العالم، نحن نرى هذا التنوع في كثير من البلدان، ولكن لبنان أصبح نموذجاً لهذا التعايش بين هذه الطوائف كما قلت نظراً لصغر حجمه وكثرة طوائفه، فإن النظرة إليه مركزة، لبنان لطوائفه المتعددة كما يصلح مجالاً رحباً للوفاق والعيش المشترك هو يمكن أن يكون أيضاً بركاناً متفجراً، القيم وحدها قيم الأخلاق السامية الاعتراف بالآخر لأن الذي يقول أنا فقط موجود ويرفض الاعتراف بالآخر هذا هو ضد الطبيعة البشرية الموجودة في العالم بتنوعها، إذا تمسك الإنسان أياً كان سواء كان لبنانياً أو غير لبناني بالأخلاق وبالقيم السامية فإنه يستطيع أن يعامل الآخر ويظهر في تعامله عملياً أحسن ما عنده من الدين الذي يعتنقه ومن أخلاقه، فإذا ظهر كل واحد من الناس على معتقده بالأخلاق السامية الكريمة الفاضلة فإن الناس سوف يعيشون مع بعضهم على اختلاف معتقداتهم وألوانهم وقومياتهم، وبهذا ساد الإسلام في العالم، فالسيف في الإسلام لم يصل إلى الشرق الأقصى لم يصل إلى الصين وإنما وصل الإسلام بأخلاقهم مع التجار في تعاملهم، فلما رأى الناس حسن أخلاق الإسلام الذي قال صلى الله عليه وسلم عنه وفي شأن رسالته: "إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق" إذا ظهر هذا عن المسلم في تعامله وعن غير المسلم أيضاً في تعامله بحسب الأخلاق لأن الرسالات الإلهية تقوم على الأخلاق الكريمة الفاضلة فيمكننا أن نعيش مع بعضنا، أما إذا تخلى الناس أياً كانوا مسلمين أو غير مسلمين عن أخلاقهم في التعامل فإنهم سوف يتناقضو وسوف لن يتعايشوا، إذاً علينا دائماً أن نتمسك بديننا وبأخلاقنا السامية وأن نجعلها هي واجهة ديننا الحنيف الذي وصف الله تعالى سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم به بقوله: وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ (القلم, الآية: 4) فإذا كان كل إنسان صاحب خلق عظيم أو حاول أن يصل إلى المستوى الأرفع من الخلق العظيم فإن الناس يمكن أن يعيشوا فيما بينهم، ويكونوا وحدة كاملة في وطنهم وفي أمتهم وهذا ما يدعو إليه الإسلام وندعو إليه في وطننا لبنان.
وأحب أن أقول في هذا المجال، التعايش في لبنان موجود وراسخ حتى في لحظات في حروب الفتنة في لبنان، ما سمعنا عن مسلم خرج إلى جاره المسيحي وقتله، ولم نسمع عن مسيحي خرج إلى جاره المسلم وقتله، بل كان المسلمون والمسيحيون يتنقلون من منطقة إلى أخرى خوفاً من القذائف ومن الصواريخ التي تُطلق فينتقل المسلمون تارة إلى المناطق المسيحية، وينتقل المسيحيون تارة إلى المناطق الإسلامية، يهربون مما يحدث وهم يعيشون فيما بينهم آمنين مطمئنين، وأذكر هذه الحادثة في أحد الأيام في الثمانينات سمعتُ صراخاً في الحي فخرجت كما خرجَ الناس وإذا بالناس يمسكون برجل مسلم ويضربونه.... لماذا؟ سمع هذا المسلم بأن أخاه في أحد المناطق المسيحية قد قُتِل، وقد مُثِّلَ فيه، فخرج على جاره المسيحي ليقتله، وهو يسكن في منطقتنا، فكانوا يضربون المسلم حتى لا ينقض على المسيحي، والمسلمون خَلَّصوا المسيحي وحموه وصانوه وضربوا المسلم، وهذا المثال كما حدث عند المسلمين كان يحدث أيضاً عند المسيحيين، ولكن عندما تُطلَق النار بصفة عشوائية فإنها تُصيب الجميع مسلمين ومسيحيين، فلبنان كان يعيش في أوج الوفاق.
أما الوفاق وغير الوفاق على الصعيد السياسي فهو ناتج عن الاختلاف في الآراء السياسية وهذه الآراء السياسية المختلفة كانت توجد أيضاً بين المسيحيين، كما توجد بين المسلمين، كما كانت توجد بين بعض المسلمين وبعض المسيحيين، وهذه الحرب كانت متنقلة ففي أول الحرب كانت هناك تناقضات وتقاتل بين المسلمين، وفي أواخر الحرب كانت هناك تناقضات وتقاتل بين المسيحيين أيضاً، وكانت حرب مدمرة وقعت في آخر الحرب بين المسيحيين أنفسهم، وأيضاً كانت تقع بين المسلمين وبين المسيحيين ليس للدين وليس لانتمائهم الديني أو الطائفي وإنما دائماً كانت تحدث الأسباب والمسببات التي تجعل الآخر ينقض على الآخر بسبب تفكيره السياسي، ففي لبنان كنا في حالة وفاق دائم، واليوم وفاقنا هو أرسخ وقد جاء اتفاق الطائف ليرسخ هذا الوفاق الوطني على أسس قانونية ودستورية حدد فيها الحقوق بالنسبة للمسلمين وحدد فيها الحقوق بالنسبة للمسيحيين على الصعيد السياسي وعلى صعيد السلطات في رئاسة الجمهورية وفي رئاسة مجلس الوزراء وفي رئاسة مجلس النواب، وأيضاً على الصعيد الإداري في توزيع الوظائف بين اللبنانيين من جميع الفئات، وقد كان للمملكة العربية السعودية كما ذكرتُ في كلمتي دور كبير وأساسي وقد رعى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله اجتماع البرلمانيين اللبنانيين الذين وافقوا ووقعوا جميعاً على اتفاق الطائف في مدينة الطائف.
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ سعد سليمان، يقول:
مما لا شك فيه أن كل الفتاوى مهمة، فهل أصدر سماحتكم فتيا مهمة جداً ثم تراجعتم عنها؟ أرجو أن تتفضلوا بذكر الملابسات إذا تم ذلك.
الشيخ محمد رشيد قباني: بسم الله الرحمن الرحيم، لم أُصْدِر فتوى تراجعتُ عنها إطلاقاً، لأن قبل إصدار الفتوى أعود إلى المصادر في كتب الفقه الإسلامي وأبحث عن الحكم الشرعي وعن دليله من القرآن والسنة ثم بعد التدقيق أوقع الفتوى التي تصدر عني، وإذا سئلتُ وكنت لا أعلم قلتُ لا أعلم وسأوافيكم بالحكم الشرعي وبالجواب.
عريف الحفل: الأستاذ غياث عبد الباقي الشريقي، يقول:
كان لسماحتكم موقف مشرف في قضية الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة في فرنسا، بينما كانت هناك مواقف سلبية لبعض رجال الإفتاء في دول أخرى، كذلك رأينا هناك تعارض في إصدار الفتاوى وخاصة في قضايا مصيرية إسلامية شرعية، هل من سبيل إلى توحيد الفتوى؟ نرجو سماع رأيكم السديد وجزاكم الله خيراً.
الشيخ محمد رشيد قباني: الفتوى هي تستند في الأساس إلى النص والنصوص في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما هو قطعي الدلالة، أولاً القرآن الكريم هو قطعي الثبوت ولكن دلالة نصوصه على الأحكام منها ما هو قطعي الدلالة ومنها ما هو ظنيِّ الدلالة، فإذا كان النص في القرآن الكريم لا يحتمل إلا معنىً واحداً كانت دلالته على الحكم دلالة قطعية، كآيات الميراث التي تتحدث عن النصف والثلث وعن الربع، هذه دلالتها لها معنى واحد، ولكن هناك كثير من النصوص بحسب طبيعة اللغة العربية وكلها من اللغات وخاصة اللغة العربية هناك من النصوص ما يدل على أكثر من معنى، فأئمتنا وفقهاؤنا وأسلافنا اجتهدوا واختلفوا في الآراء ولكل قول منهم دليل واضح، ولأن النص يدل على هذه المعاني المتعددة ولكن كان فقهاؤنا وأئمتنا يرجحون هذا المعنى على الآخر أو ذاك على غيره، نظراً إلى ما يعضد هذا الفهم من نصوص في السنة أو من دلالات لغوية أو من عمل النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة رضوان الله تعالى عنهم.
ينبغي ألا نبحث إطلاقاً عن توحيد الفتوى، إطلاقاً هذا مستحيل وهذا غير ممكن، ليس لأننا لا نريد توحيد الفتوى وإنما لأننا نتكلم بلغة لها معانيها المتعددة وأهل اللغة وحتى غير أهل اللغة يعرفون أن هناك ألفاظا لها معانٍ متعددة، ولكن أظن أن الذين يبحثون عن توحيد الفتوى ويتكلمون في هذه الأيام لا يبحثون عما أقصد أنا في كلمتي هذه، وإنما قد يقصدون إلى الآراء المتعددة التي تصدر في مثل مسألة الربا، ومسألة الحجاب، أو بعض القضايا الحساسة، هذه الموضوعات التي تبرز في هذه الأيام إلى الناس بكثير من الطرح ربما هي التي تدعوهم إلى التساؤل عن توحيد الفتوى، لا بد من العودة إلى النص وإلى الدليل والابتعاد عن الهوى، وإذا كان الحكم يستند إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يأتي في موضعه ويحوز الرضا إن شاء الله تعالى.
عريف الحفل: الأخت ابتهاج نقشبندي مديرة القسم النسائي بمجلة "كل الناس" و "آدم اليوم" و "العالم اليوم" تسأل وتقول:
الحقيقة.. صراع الحضارات وحوار الأديان كيف يُكَوِّن قبول الآخر، كيف يكون العمل لتطوير الفكر العربي الثقافي في ظل الهجمات على الفكر العربي الإسلامي؟
الشيخ محمد رشيد قباني: بسم الله الرحمن الرحيم، صراع الحضارات وحوار الحضارات، أولاً الإسلام واضح، قال الله تعالى في القرآن الكريم: يَا أيُّهَا الناسُ (الحجرات, الآية: 13) وهذا الخطاب لجميع الناس لجميع الخلق يا أيُّهَا الناسُ إنّا خَلقنَاكُم مِنْ ذَكرٍ وأُنْثَى وجَعلنَاكُمْ شُعوُباً وقَبائِلَ لِتعارفُوا إنّ أكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ (الحجرات, الآية: 13) صحيح أن هذا النص في مسألة الشعوب والقبائل اختلف العلماء في تفسيره وتحديده وعلى من يقع ومن يوصف به، إلا أنه من بين هذه المعاني أن هذه الآية هي خطاب لجميع الناس على اختلاف ألوانهم وعقائدهم، لعرض الإسلام عليهم، يا أيُّهَا الناسُ إنّا خَلقنَاكُم مِنْ ذَكرٍ وأُنْثَى (الحجرات, الآية: 13) في الأصل وباستمرار وجَعلنَاكُمْ شُعُوباً وقَبائِلَ لِتَعارَفُـوا (الحجرات, الآية: 13) إذاً الغاية من هذا التنوع في الإسلام هي التعارف، وليس التناقض وليس الصراع، "لتعارفوا" الإسلام واضح، الإسلام بريء مما يُلصق به اليوم، الذي يلصق بالإسلام اليوم هو نتيجة أمرين: أولاً: عدم معرفة العالم في الخارج بالإسلام وقيمه، ثم السبب الثاني: هو الدوائر الصهيونية التي تُكّن الحقد على الإسلام والمسلمين، والتي هي في مبدأها قبل أن يُبعث سيدنا عيسى عليه السلام كان اليهود ينتظرون مجيئه، وكانت هناك إرهاصات بمجيئه، والتوراة قد جاءت فيها البشائر بمجيء سيدنا عيسى عليه السلام، فلما ولد سيدنا عيسى عليه السلام وظهرت آياته كَفَرَ به اليهود ولم يؤمنوا به، وهم حاولوا صلبه ولكن لم يصلبوه، حاولوا أن يقتلوه ولكن لم يقدروا أن يقتلوه، لأن الله سبحانه وتعالى أنجاه من بين أيديهم، وقال عز وجل في القرآن الكريم: ومَا قَتَلُوهُ ومَا صَلَبُوُهُ ولكن شُبِّهَ لهُمْ (النساء, الآية: 157).
أيضاً عندما جاء نبي الله وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم كان اليهود ينتظرون ولادته أيضاً، لأن هناك بشائر بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم أيضاً في التوراة، حتى أن أحد اليهود صاح ليلة ولادة محمد في اليوم التالي وقال: "لقد وُلِدَ الليلة نجم أحمد" صلى الله عليه وسلم، وقام أيضاً هؤلاء اليهود بمخاصمة النبي صلى الله عليه وسلم وبمحاولة قتله، نحن في الأصل نحن المسلمين لسنا ضد أحد، لا نريد إلا الخير لكل الناس، ولكن هم بذلوا العداوة لنا، ورغم ذلك نحن لسنا ضد أحد إلا الذين احتلوا بلادنا في فلسطين، حتى اليهود في العالم كله نحن لم نؤمر بملاحقتهم ولا بقتلهم في الإسلام إطلاقاً، المشكلة هي فقط مع هؤلاء اليهود الذين جاءوا من الشرق والغرب من بلاد شتى قبل عام 42 وأقاموا دولة لهم في فلسطين عام 42، مشكلتنا هي مع هؤلاء ومشكلتنا مع هؤلاء لم تنته أبداً لأنها مشكلة مع محتلين ليس لأنهم يهود وإنما لأنهم محتلون، نحن رفضنا الاحتلال من عربي مسلم وهو العراق لدولة الكويت الشقيق، فكيف نقبل بالاحتلال اليهودي الأجنبي لفلسطين؟ وزير الداخلية الفرنسي فاسكوا الأسبق زارني في لبنان كما زار بعض المراجع فقال لي: ما رأيك بالسلام؟ فأجبته في موضع آخر، قال لي ما رأيك بالسلام؟ قلت له: يا معالي الوزير لماذا أنتم الفرنسيون لم تعقدوا معاهدات سلام مع المحتلين الألمان الذين احتلوا بلادكم أيام الحرب العالمية؟ لماذا لم تعقدوا معهم معاهدات سلام وليبقوا في بلادكم وتعيشوا معهم في أمان؟ لماذا قاومتموهم حتى حررتم بلادكم؟ وكذلك نحن نريد أن نحارب المحتلين في فلسطين اليهود الأجانب حتى نحرر بيت المقدس وكل فلسطين. فقال لي فاسكوا: لو كنتُ مكانك لما قلتُ غير هذا الكلام، المهم اليوم صراع الحضارات لم نطرحه نحن، الذي طرحه هم بعض المفكرين الغربيين، عندما سقط الاتحاد السوفياتي السابق، وتحررت روسيا وتحررت بلدان الاتحاد السوفياتي السابق وشعوبه، قائد حلف الأطلسي صرح وقال..: العدو القادم هو الإسلام، كتبت الصحف هذا الكلام، هو الإسلام، هل نحن نريد أن نصارع؟ هل نحن طرحنا عداوتنا؟ هل نحن أردنا أن نؤذي أحداً في الشرق أو في الغرب؟ هم الذين طرحوا ذلك، ذلك أنهم لا يستطيعون أن يقودا في العالم ولا أن يفرضوا هيمنتهم على العالم إلا إذا صوروا لشعوبهم أن هناك عدواً وأن على شعوبهم أن تتماسك من أجل القضاء على هذا العدو في أي مكان من العالم، ليفرضوا بالتالي سيطرتهم وهيمنتهم واستغلالهم وامتصاص ثروات الشعوب، وفرض سلطانهم على العالم، الإسلام لا يفكر بهذه الطريقة.
مسألة صراع الحضارات لم يطرحها الإسلام، لم يطرحها واحد من المسلمين، طرحها بعض الغربيين، إذن المشكلة هناك عندهم في الغرب، وكل ما يحدث من أعمال يظهر بأنها إرهاب ويتكلمون عنها بأنها إرهاب ويستنكرونها في الشرق وفي الغرب من الذي يعرفنا بأن الذي دبر هذه المكائد ويدبرها من أعمال إرهابية هم بعض الغربيين، هم الذين صاحوا وقالوا إن الإسلام هو العدو في المستقبل، هم الذين يدبرون، حتى أحداث 11/أيلول نفسها لم يثبت إطلاقاً قط أن هناك واحدا من المسلمين شارك فيها، وكل ما نشر عنها أن هناك بعض المسلمين كانوا في الطائرة التي حدث فيها ما حدث، وذكروا لائحة وأحدهم من المملكة العربية السعودية أو أكثر ولكن هذا الواحد كان حياً وكان في مكة المكرمة هنا وقالوا عنه أنه كان في الطائرة. إذاً هناك محاولات لإلصاق هذه العمليات بالإسلام، حتى العمليات التي تحدث في بلاد المسلمين، لما لا تكون هناك أيدٍ أجنبية وراءها؟ الأجنبي الذي يدبر المؤامرات ويُحيك هذه الأعمال الإرهابية لا يتعامل مباشرة مع المسلم، وإنما يتعامل مع شخص إلى شخص إلى شخص، وهذا الشخص يغري هؤلاء الشباب أو بعض هؤلاء الشباب بأنكم إذا فعلتم كذا تخدمون الإسلام، وإذا فعلتم كذا فإنكم تحققون كذا، فيذهب المغررون ويعتقدون أن هذا هو الصحيح، وما يدري هؤلاء المغرر بهم أن هناك أيدي خفية وبعيدة وظاهرة وخفية في نفس الوقت هي التي تحرك وهي التي تفرح بمثل هذه الأعمال.
ديننا الإسلام واضح، هو التسليم لله عز وجل، الإسلام يعني التسليم لله عز وجل، وبهذا المعنى الأنبياء كلهم مسلمون، ورسالات الله عز وجل هي كلها رسالات لدين واحد هو الإسلام، هو التسليم لله عز وجل في كل الوحي الذي أوحى به إلى أنبيائه ورسله، الإسلام أيضاً من السلام، نحن نريد السلام ولكن ليس الاستسلام للعدو اليهودي الأجنبي الذي احتل فلسطين.. إطلاقاً، يمكن لقادتنا العرب والمسلمين أن يفكروا وأن يجتهدوا في الطرق التي يحسنون بها أمتهم ويدرءون عنها الأخطار وبالكيفية التي يرونها، ونحن لا نشك إطلاقاً بإخلاص واحد منهم إطلاقاً، وإنما نقول: بأننا.. دعونا نتكلم الكلمة الصحيحة الحقة وهي أن فلسطين بلد عربي منذ آلاف السنين، ولم تكن لليهود دولة في كل التاريخ إطلاقاً، وإنما كان هناك تواجد يهودي قليل أو كثير، وهو اليوم موجود وكان موجوداً في البلدان العربية، في لبنان وفي سوريا وفي مصر واليوم موجودون في المغرب العربي ولكن هم عرب ومواطنون ولهم نفس الحرمة التي للمواطن العربي والمسلم ولم يتعرض أحد لأذى منهم.
نحن ندعو إلى حوار الحضارات رغم السواد القاتم الذي ينشره بعض من يصادمون الإسلام، نحن ندعو إلى العلاقة الطيبة بين جميع شعوب العالم نحن ندعو إلى القيم السامية وإلى الحوار الدائم رغم صراع الحضارات ولا نريد صراع الحضارات ولا نريد أن نصارع أحداً، هكذا ينبغي أن يفهم العالم.
عريف الحفل: السائل الأخ إبراهيم المنقري، يقول:
كيف يمكنكم التوفيق بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية فيما يُعرض على سماحتكم من فُتيا خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية وفِقه المعاملات؟
الشيخ محمد رشيد قباني: في مجال الأحوال الشخصية، لا يوجد عندنا في لبنان تعارض بين القانون الوضعي وبين الشريعة الإسلامية، لأنه لا يوجد نظام للزواج المدني في لبنان، وكما ذكر بعض الأفاضل بأن موضوع الزواج المدني طُرح في لبنان منذ سنوات وطُرح قبل عشرين سنة وطُرح قبل أربعين سنة أيضاً في لبنان وكان دائماً مصيره إلى الفشل وإلى التراجع، القانون اللبناني أعطى كل طائفة حق تطبيق الأحوال الشخصية في طوائفها، وبالنسبة للمسلمين فإن المادة الأولى من المرسوم الإشتراعي اللبناني المعروف بالمرسوم رقم 18 الصادر عام 1955 يقول في مادته الأولى: المسلمون السنيون مستقلون في إدارة شؤونهم الدينية حسب أحكام الشريعة الغراء، وعندما طُرح الزواج المدني لم نقبل له ولن نقبل به إطلاقاً ولن يستطيع أحد أن يغرز جرثومة الزواج المدني في لبنان لتنتقل من لبنان إلى العالم العربي، مشروع الزواج المدني المأخوذ من غير الشريعة الإسلامية، أو من غير أنظمة الطوائف ومعتقداتها الدينية هو مشروع أو هو سلسلة في سلسلة المراحل العلمانية التي يُراد أن يجر إليها لبنان والعالم العربي، خصوصاً بعد طرح الزواج المدني وانكفائه بعد مواجهته طُرح في لبنان موضوع إلغاء التعليم الديني من المدارس الرسمية لم يُطرح بهذه الصفة الظاهرة وبهذا الوجه الصريح وإنما اتخذ مجلس الوزراء قراراً بجعل ساعة التعليم الديني الأسبوعية التي كانت ضمن المناهج والأوقات الرسمية، جعل ساعة التعليم الديني خارج الدوام الرسمي في أيام العطل الرسمية عند الطوائف في يوم الجمعة للمسلمين، وفي يوم الأحد للمسيحيين، ومن الذي سيأتي يوم العطلة أو سيرسله أهله يوم العطلة لتعلم الدين كان هذا إلغاءً عملياً وليس إلغاءً صريحاً، ولكن تحركنا في هذا الإطار والحمد لله مع جميع رؤساء الطوائف الدينية ومع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، ولم نرضَ بديلاً عن العودة عن قرار مجلس الوزراء حتى صدر قرار مجلس الوزراء عام 1999 الذي قضى بإعادة التعليم الديني مجدداً إلى المناهج الدراسية وداخل الدوام الرسمي في المراحل التعليمية الابتدائية والتكميلية والثانوية في المدارس الرسمية والحمد لله.
عريف الحفل: سؤال الأخ علاء أحمد سالم، يقول:
هل القومية هي السبب الرئيسي في تدهور أحوال المسلمين أم هناك سبب آخر أقوى وأكبر؟
الشيخ محمد رشيد قباني: القومية تعني القوم، فالعروبة تعني العرب، ما هو المضمون؟ ما هي المبادئ؟ ما هي المفاهيم؟ لا توجد مفاهيم ولا مضمون لكلمة العروبة إلا من حيث دلالتها على الدلالات في العادات العربية والعيش العربي والتعامل العربي، ولكن لا تستند هذه الموضوعات إطلاقاً إلى نص أو إلى مرجع، وكذلك يقال في القومية الكردية والقومية الروسية والقوميات كلها، ولكن الذي له المضمون هو إما القانون وإما الدين، حتى الأعراف لا سند لها إلا من حيث التعامل والتداول الدائم فقط، فلذلك الالتهاء بالقومية فقط يعني هو التهاء بغير ذي موضوع أو ذي مضمون، كل بلد وكل شعب يرجع إلى أصله.. إلى قومه.. إلى قوميته، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما هاجر وغادر مكة إلى المدينة المنورة نظر إلى مكة وقال: "والله إني لأعلم أنك أحب أرض الله إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت"، ولكن معنى القوم ومعنى القومية ليس له مدلول إطلاقاً ولا مضمون، ومن هنا الذي يجب هو العودة إلى مصادرنا الأساسية في الإسلام، الإسلام هو الذي يعطي العروبة بحق مضمونها ومدلولها، الإسلام هو الذي يعطي لكل قوم ولكل القوميات حقها في العيش المشترك، ولكن العصبية للقومية والتجمع حول القومية والابتعاد عن القيم الواسعة والقيم الشاملة الرحيمة التي أرسل الله بها محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، الإسلام الذي يجمع العربي وغير العربي والكردي والصيني والروسي هو مجال رحيب، وهو حقيقة مجال الحوار، لأن يجمع كل هؤلاء بجناحيه.. يجمعهم تحت جناحيه إذا كانون مسلمين أو غير مسلمين، إذا كانوا غير مسلمين يجمعهم بالرحمة الشاملة التي له وإن كانوا مسلمين يجمعهم بأحكامه وباتباعها وبالتزامها، نعم إن العرب كانوا في لهو بالغ في موضوع القومية في الستينات، وغفلوا وهم لا يزالون غافلين عن الإسلام، سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه قال: "إن الله أعزكم بالإسلام"، فمهما تطلب العزة بدونه أذلكم الله، يجب ألا ننسى أن بني إسرائيل الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم وأنه فضلهم على العالمين، لم يفضل الله بني إسرائيل على العالمين بقوميتهم إطلاقاً، ولا بعنصريتهم، وإنما فضلهم لأنهم يحملون التوراة التي أنزلها الله فيها هدىً ونور، التوراة التي لم تُحرف، والتوراة التي كانت لا زالت كما نزلت على سيدنا موسى عليه السلام، كرمهم وفضلهم بذلك، نفس الشيء في الإسلام، قال الله تعال: كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ (آل عمران, الآية: 110)، هناك قال الله تعال: يا بَني إسرائيلَ اذكُرُوا نِعْمَتي التي أَنْعَمتُ عَلَيكُم وأني فَضَلْتُكُم على العَالَمِينَ (البقرة, الآية: 47)، بالتوراة.. وبحملهم لدين الله عز وجل، ولكن لما ما حملوا التوراة وحرفوها وبدلوها قال الله عز وجل في شأنهم: مثَلُ الذينَ حُمِّلُوا التَّوراةَ ثُمَ لَمْ يَحمِلُوهَا كَمَثلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أسْفَارَاً بِئسَ مَثلُ القَومِ الذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ (الجمعة, الآية: 5). فإذاً العودة إلى الينابيع الصافية إلى الإسلام ينبغي ألا نبالي بتهم الإرهاب، ولا بتهم التشويه، بل ينبغي علينا كل ما نسمع تهم الإرهاب وكلمات التشويه أن نتمسك أكثر وأكثر بديننا وأن نعتصم به وأن نظهر وجهه النقي الصافي الطاهر، كل حق له أعداء ولكننا لن نذلّ بإذن الله، ولن نقدم للعالم إلا الخير.
عريف الحفل: الأخ أشرف السيد سالم، يقول:
لماذا نلاحظ إعراضاً من جمهور المسلمين - وخاصة الشباب - عن منابر التوجيه الديني المرتبطة بالحكومات كوزارات الأوقاف ودور الإفتاء؟ حيث أن هذه الجفوة أو الفجوة كانت باباً للفتنة التي تشهد الأمة الآن آثارها بانحراف بعض أبنائها عن طريق الجادة.. نأمل الإفادة.
الشيخ محمد رشيد قباني: بسم الله الرحمن الرحيم، ما سألتم عنه يحدث اليوم وحدث بالأمس ويحدث منذ زمان وطالما أن البشرية على هذه الأرض فلا بد أن يحصل أمثال الذي يحدث اليوم، ولكن ينبغي دائماً على مراكز التوجيه في الإدارات، ولدى الجمهور التوعية دائماً بالفكر السليم والمعتدل، في كل وقت تجد المعتدل وتجد المتطرف، ليس اليوم، والنبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن المتنطعين بالدين وحذر منهم، قال الله تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، هناك قال الله تعالى: يا بَنِي إسرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتي التي أنْعَمتُ عَليكُم وأَني فَضَّلْتُكُم عَلى العَالَمِينَ (البقرة, الآية: 47)، المطلوب أن نبين لهم لماذا الأب يقال دائماً أنه ينبغي أن يؤاخي ولده عندما يكبر؟ كذلك أيضاً على الدولة وعلى مراكز التوجيه فيها ووزارات المعارف والموجهين أيضاً في المساجد والمفكرين أيضاً ورجال الفكر في المجتمع والثقافة ينبغي أيضاً أن يطرحوا الفكر المنير، ولكن مشكلتنا أيها الأخوة لما تخلينا عن الإسلام بعد سقوط الدولة العثمانية.. هنا أقول المملكة العربية السعودية ودول الخليج عامة، فإن المملكة العربية السعودية تطبق شريعة الله، تطبق الشريعة الإسلامية، وقد تأسست المملكة العربية السعودية منذ قيامها في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله تعالى- على الإسلام وهذا معروف وهذا مشاهد، وأيضاً في دول الخليج نجد أيضاً الإسلام يتفاوت من حده الأدنى إلى حده الأعلى، ولكن الخير موجود في هذه الجزيرة العربية كلها، ولكن في معظم بلاد الإسلام بعد سقوط الدولة العثمانية سقط المصباح، السلطان هو رجل السلطة يمكن أن يكون هو الملك، يمكن أن يكون هو الأمير، يمكن أن يكون هو رئيس الجمهورية، ممكن أن يسمى بأي اسم، هو السلطان لأنه هو صاحب السلطة بهذا المعنى، لما سقط القرآن من يد السلطان لم يبادر سلطان إلى رفعه، طبعاً استثنيت الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية باعتبار هذا المعنى، ولكن لا أتهم أحداً أنا هنا وإنما أتكلم كلاماً شاملاً وعاماً، لما وقع أو سقط القرآن بالمعنى المجازي، القرآن لا يسقط ولا يقع إطلاقاً وإنما بالمعنى الظاهري والمجازي، لما سقط من يد السلطان من تلقفه؟ تلقفه الشباب والناس نريد القرآن نريد الحكم بالإسلام، نريد شريعة الإسلام.. نريد.. نريد.. وتمزقوا شيعاً وأحزاباً وفرقاً وحركات دينية وتنظيمات دينية متصارعة، لو أخذ السلطان بالقرآن لما اختلف الناس.. إطلاقاً، لأنه لا يكون هناك مبرر لواحد إطلاقاً أن يقول أنا أريد شرع الله، لأن شرع الله يكون شاهداً عند ذلك.
فإذاً الأمة كلها بإعراضها عن كتاب ربها وسنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم في أنظمتها هي السبب في وجود هذه المناخات ووجود هذه الأحزاب والحركات الدينية والتنظيمات الدينية من حيث لا تريد هذه الدول، ينبغي أن نعود إلى صوابنا وأن نعود إلى الإسلام وإلى القرآن، لماذا نخاف؟ ولماذا نخجل؟ تركنا الإسلام أكثر من خمسين سنة، منذ سقوط الدولة العثمانية هل استطعنا أن نقترب أو استطاع العالم أن يقترب منا؟ إلا بنظرية صراع الحضارات التي يريد أن يصارعنا بها، إذاً علينا أن نحمل الإسلام بعدالته ونقائه وتسامحه والتمسك به وباعتداله عند ذلك كل العالم سوف يغير صورته عن الإسلام، أما حين نختبئ نحن وراء ستارة وندع الإسلام جانباً فإن الصورة سوف تبقى مشوهة عن الإسلام في العالم، أبناؤنا.. أحفادنا.. هؤلاء ينبغي أن ننصحهم وأن نرشدهم حتى لا ينساق من أبنائنا أكثر منهم في المستقبل إلى ما لا نريد وما لا يريد الإسلام.
عريف الحفل: الدكتور طارق سجيني، يقول:
ألا ترون أن مواجهة الفكر الديني المتشدد والمبني على اجتهادات خاطئة وأحاديث موضوعة واجبة على العلماء في كل محفل وعلناً؟
الشيخ محمد رشيد قباني: مواجهة العلماء للفكر المتشدد يكون بالعلم.. ويكون بالفكر.. ويكون بالدليل، النبي صلى الله عليه وسلم حذر من التنطع بالدين، ولكن ليس كل من يتكلم في الدين إذا لم يعجبنا نقول إنه متشدد أو إنه متنطع، الحَكَم هو نصوص الشريعة في الكتاب وفي السنة، والعلماء بالشريعة هم الذين يستطيعون أن يقولوا هذا متشدد أو غير متشدد وليس الأمر متروك للساسة والسياسيين بأن يقولوا هذا متشدد وهذا متنطع، لأنهم ليسوا من أهل هذا العلم أو المعرفة بالإسلام إلا بالقدر الذي يطبقون به شرع الله في بلادهم، فهناك تيارات سياسية لا تريد الإسلام أصلاً حتى في بلاد العرب والمسلمين، هناك أوضاع.. أنا أتكلم بشكل عام، نحن ما اعتدنا إلا أن نقول بأننا نأمل خيراً في قادتنا جميعاً، لأن الخير لا يأتي عن طريق ثورة ولا يأتي عن طريق تصريح متعارض أو عن طريق تهجم، لن يكون هذا طريق الإصلاح في بلاد العرب والمسلمين، الإصلاح ينبغي أن يأتي عن طريق هؤلاء القادة، هؤلاء الذين ينبغي أن يعرفوا أن الله سبحانه وتعالى جعلهم في هذه المواقع المسؤولة ينبغي عليهم أن يعلموا أن الله قد ابتلاهم، ليختبرهم أيهم أحسن عملاً، هل يخدمون دينهم؟ هل يخدمون شعوبهم بالإسلام وبالقرآن؟ وعند ذلك يمكنهم أن يرشدوا كل شيء وأن يصلوا إلى كل شيء.
في بعض بلاد الإسلام الحجاب يمنع، في بعض بلاد الإسلام المؤسسات في البلاد لا تقبل المرأة المتحجبة إطلاقاً، إذاً ينبغي توعية المسؤولين بالإسلام لا أن نترك لهذا المسؤول أو ذاك أن يقول هذا تشدد، فإذا لبست المرأة الطاهرة العفيفة حجابها الذي أمرها الله تعالى به وفرضه عليها يقولون هذا تشدد، هذا من ضمن الأحاديث الجارية، لذلك كلمة متشدد وكلمة متنطع لا تترك إلى الساسة بل تترك إلى العلماء، وهم الذين يرشدون، ثم العلماء ليسوا العلماء فقط هم الذين يتخصصون ويدرسون، وإلا لما كفى الأمة هؤلاء العلماء الذين فيها، ما هي نسبة وجودهم؟ خاصة العاملون منهم، ما نسبة وجودهم في هذه الأمة؟ هي نسبة ضئيلة جداً، النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بلغوا عني ولو آية"، فكل من يعرف مسألة أو عشرة أو مائة أو ألف كلٍ على قدره ينبغي أن يسعى في تعريف الناس وفي تثقيف الناس وفي تعليمهم وحينئذ يمكن أن نقول أننا أمة اقْرَأ بِسمِ رَبِّكَ الذي خَلَق (العلق, الآية: 1)، في الإسلام لا يوجد "رجال دين" بالمعنى رجال الدين، هذا في غير الإسلام، في الإسلام يوجد علماء في الدين، حتى هذا الزي الذي نلبسه ليس زي رجال الدين وإنما هو بحسب العادة حتى العمامة قد تكون بهذا الشكل أو بآخر، وإنما كل مسلم هو رجل لدينه يجب عليه أن يتحمل مسئوليته في رفع لواء هذا الدين، وحينئذٍ لا يكون هناك تشدد إطلاقاً ولا تنطع ويعم الأمان والسلام بين الشعوب وبين المسئولين.
عريف الحفل: الأخ صالح السهيمي من جريدة "اليوم" يقول:
ما توجيه سماحتكم للطوائف الدينية بالاتحاد في وجه العدو؟
الشيخ محمد رشيد قباني: كما قلنا بأن التنوع والتعدد حتى الطائفي في الاعتقاد هو طبيعة من الطبائع البشرية والموجودة في هذا العالم، ولن يكون العالم في يوم ما كله على لون واحد، ولا شعوبه على لون واحد، إذاً علينا أن نتعامل في أقطارنا وفي أوطاننا وفي أمتنا على أننا شعوب في أمة واحدة وفي أوطان متعددة، وأن يبرز كل واحد منا خير ما عنده في الدين الذي يعتنقه، وأن يعامل به الآخرين، وحينئذٍ تجد جميع الطوائف سبيلاً للعيش المتين الراسخ، والإسلام يدعونا دائماً إلى إبراز وجه الإسلام في تعامله وفي خلقه العظيم حتى مع غير المسلمين، فكيف يمكن أن يكون هناك عدم تعايش إلا بالتخلي عن الأخلاق الكريمة الفاضلة التي جاء بها رسل الله جميعاً.
 
عريف الحفل: الأخ مشعل الحارثي من مجلة "اليمامة"، يقول:
هل يرى فضيلتكم أن تجديد الخطاب الإسلامي والتقريب بين المذاهب والاجتماع حول قواسم مشتركة أصبح ضرورة ملحة للوقوف ضد سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الدول الغربية ضد الإسلام والمسلمين وسعيهم الحثيث لفرض الاستعمار الجديد المغلف بشعارات الحرية والديمقراطية؟
الشيخ محمد رشيد قباني: لا بد من تجديد الخطاب الإسلامي، ألا نذكر جميعاً قـول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرتُ أن أُخاطبَ الناس على قدر عقولهم" يعني على قدر تفكيرهم على قدر تفكير كل واحد منهم، من الحد الأدنى إلى الحد الأعلى في الذكاء وفي الفهم وفي الدراية، إذاً ينبغي على المسلم سواء كان من أهل الفكر أم من العلماء أو كان مواطناً عادياً مسلماً واعياً ينبغي عليه أن يتمتع بالحكمة التي تمكنه من التخاطب مع الناس بحسب درجات تفكيرهم وفهمهم السريع أو البطيء أو أساليب فهمهم، فكيف إذا كانت هناك وسائل للمعرفة جديدة كثيرة خاصة في السنوات العشرة أو العشرين الأخيرة، هناك وسائل كثيرة للمعرفة في التقنيات الحديثة وفي وسائلها الحديثة وفي وسائل الإعلام، إذاً ينبغي أن نخاطب الناس على قدر تفكيرهم الرفيع العالي المستوى وأيضاً بحسب المتوسط وبحسب أقل من المتوسط، تجديد الخطاب الديني مطلوب لأنه حتى الفهم أصبح أرقى وأصبح أعظم، لنستمع إلى ما قاله فيلسوف ألمانيا كوتيه، اسمعوا ماذا يقول وهو من أهل العلم والفكر، فإذاً لو نحن ارتقينا في خطابنا إلى هذا المستوى في التحدث عن الإسلام الذي ارتقى إليه كوتيه سواء كان اعتنق الإسلام أم لم يعتنق الإسلام، نحن نتكلم عن الجُمَل التي نطق بها بعد أن اطلع على الإسلام قال كوتيه: "أية شريعة لم تتمكن من أن تعلو فوق شرع محمد فهي ناقصة، وإن التشريع في الغرب ناقص على الرغم من تقدمه، ناقص بالنسبة للتعاليم الإسلامية، وإننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد"، أين شبابنا ورجال التعليم فينا ومراكز التفكير في مجتمعاتنا لتتحدث بمثل ما تحدث به كوتيه.. أين؟ حتى المسلمين منهم طبعاً هم مسلمون، هم مؤمنون، ولكن ليسوا على درجة من المعرفة العالية إلا القليل منهم، والقليل موجود وفيه خير كثير في أمتنا وفي بلادنا العربية والإسلامية أنا لا أنكر هذا إطلاقاً، وإنما أتكلم عن مستوى التفكير، حتى في الثلاثينات عُقِدَ مؤتمر للحقوقيين في باريس عام 1937 الحقوق بصفة عامة.. وكان لعميد كلية الحقوق بجامعة فيينا في النمسا اسمه العلامة شيريل كان له بحث مقارن في موضوع من مواضيع المقارنة بين القانون والقوانين الباقية ومنها من الشريعة الإسلامية، فقال في نهاية بحثه: "إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها"، هل هذا مفهوم كل شبابنا وشعوبنا في بلاد العرب والمسلمين ومسئولينا إطلاقاً لا.. وهم أبناؤنا وهم أخوتنا، ولكن كلمة الحق ينبغي أن تُقال وإن كلمة الحق لا تقدم أجلاً ولا ترفع رزقاً، قال العلامة شيريل: "إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها ذلك أنه برغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أن يأتي بتشريع (نحن نقول أنه منزل من عند الله) أن يأتي بتشريع سوف نكون أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي عام، يعني عام 3937 يتمنون أن يصلوا إلى قمة الإسلام، ولكن الإسلام ليس بين أيدي شبابنا، حتى هؤلاء الذين يتكلمون عن الإسلام إما بوعي وإما بغير وعي أو تغرير لا يعرفون الإسلام في هذا المستوى وفي هذه المعرفة وبالدراسات الحقوقية التي تبين الأحكام إطلاقاً، وإنما ربما تحمسوا في قراءاتهم لمعانيه فخرجوا يريدون أن يطبقوا الإسلام.
أعداء الإسلام يتمنون أن يخرج أبناء المسلمين على حكامهم، أعداء الإسلام يتمنون أن يخرج هؤلاء الشباب على أوطانهم وأن يثيروا فيها المشاكل وأن يُخِلُّوا بأمنها وبسلامتها، إذاً علينا نحن المسئولين سواء كنا ساسة أو علماء أو رجال فكر وتوجيه أن نسارع إلى أبنائنا، وأن نبين حكم الإسلام وشريعة الإسلام وعظمة الإسلام والشريعة وأن نطبقها في حياتنا، مرة أخرى إن الله أعزكم بالإسلام فمهما تطلبوا العزَّ بدونه أذلكم الله.
عريف الحفل: الأخ حسن الشهري من جريدة " الجزيرة"، يقول:
إذا كان توحيد الفتوى غير متاح، فهل يمكن أن يكون ثمة تقارب في احترام الآراء المختلفة، حيث أننا نلاحظ تنافراً بين أصحاب الفتوى في الأمة العربية تصل لدرجة تسفيه الآراء واحتقار الآخرين المخْتَلَفْ معهم؟
الشيخ محمد رشيد قباني: هذا صحيح، الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه كان في بغداد بالعراق وكان له مذهب، المقصود بالمذهب هو مجموعة الأحكام الاجتهادية التي توصل إليها والتي ذهب إليها، المذهب يعني ذهب إلى هذا الرأي، هذا هو معنى مذهب، ذهب إلى هذا الرأي، ثم لما سافر إلى مصر وجد الأعراف ووجد التعامل سواء في بعض العقود أو في بعض أنواع المعاملات تختلف استند أيضاً إلى القرآن وإلى السنة في إعطاء حكم لها كان مغايراً في بعضه لما كان هو عليه في العراق، ولذلك إذا فتحنا كتب الفقه الشافعي يقارن مذهبه القديم ومذهبه الجديد، ليس في كل الأمور وإنما في بعض الأمور.
أيضاً كان الأئمة الأربعة رضوان الله تعالى عليهم كان الواحد منهم يقول بالنسبة لاختلاف الرأي الآخر: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي الحائط"، وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول: "هذا قولي فإن كان حقاً فمن الله وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان"، هذا معنى الحوار، هذا معنى التفكير، هذا معنى عدم التعصب للآراء، ينبغي أن يعي هذا شبابنا ينبغي أن لا يصل بعض شبابنا إلى تكفير بعضهم بعضاً، هذا الأمر ينهى عنه الإسلام وهو سبيل الفتنة بين المسلمين، الآباء.. الأمهات عليهم أن يتثقفوا ويتعرفوا على الإسلام، هنا في المملكة العربية السعودية والحمد لله المعرفة الإسلامية واسعة، في أنظمة التعليم وفي أجهزة الإعلام، والإسلام هو في حياة المسلم في كل مكان في الطريق، في الشارع، في البيت، في جهاز التلفزيون، في كل الأمور، في المسجد، ولكن هناك بلاد للعرب والمسلمين بعضهم لا أقول الكثير بعضهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام، هل تصدقون أنني ألتقي بأناس في لبنان بعضهم وهذا النوع قليل ولكن هذه مشكلة ومصيبة، لا يعرف أن عليه فرض خمس صلوات في اليوم، هذا موجود، هناك بعض الناس لا يعرفون أن الصلاة فرضت عليهم خمسة أوقات، يجب أن نصل إلى كل هؤلاء من أجل الوصول إلى هذا الهدف في لبنان أريد أن أُبين هذا الأمر.. نظرت وأنا واحد من الناس فوجدت أن المسلمين كثير منهم منخرطين إما في أحزاب أو في حركات أو في تنظيمات أو في تيارات دينية، ولا أتحدث عن السياسية.. عن الدينية، لأن المصيبة في هذه إذا كنا في تيارات سياسية وتنظيمات دينية متناوئة هنا المصيبة، فوجدت أن معظم هؤلاء لا يعرفون شيئاً عن الإسلام إلا عن طريق الذهاب إلى هذا التيار أو إلى هذا الحزب الديني، أو إلى هذا التنظيم فيحضرون المحاضرات فيجذبونهم ثم يتفرقوا شيعاً وأحزاباً كل منهم ينتمي إلى هذه المنظمات أو إلى هؤلاء، لأنهم لم يتعلموا الدين في المدرسة، لأن المدارس فقط الرسمية.. الحكومية يدرس فيها الدين ساعة واحدة فقط في الأسبوع وهي لا تكفي، أما بقية المدارس لا يدرس فيها الدين، إما مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية وهي ليست شاملة لكل المدارس في لبنان، إذاً أبناؤنا.. شبابنا يتخرجون ولا يعرفون شيئاً مطلقاً عن الإسلام، من الذي يعرفهم؟ آباؤهم هم أيضاً في غالبهم لا يعرفون شيئاً عن الإسلام، لأنهم نشأوا كما نشأ أبناؤهم، فوجدت أن وصول الكتاب كتاب الفقه والتفسير والحديث والفكر في الإسلام النقي الحقيقي هو عن طريق قراءة الكتاب، فوجدت السبيل أن أُنشئ مكتبة في جسم كل مبنى مسجد في باب إلى الخارج.. أن تُنشأ فيه مكتبة، تسمى مكتبات علوم الإسلام، هي مجموعة مكتبات علوم الإسلام، تبيع الكتاب بسعر الجملة لأنها لا تهدف إلى الربح إطلاقا،ً وإنما بنسبة ضئيلة لا تكاد تساوي أسرة من يقوم بإدارة هذه المكتبة، فعند ذلك المسلمون الذين يخرجون من المسجد، الناس الذين يمرون في الشارع، الناس الذين هم في بيوتهم يقولون اذهب وأتي بهذا الكتاب إما في السيرة أو في الفقه أو في التفسير أو في أي علم من علوم الإسلام أو الفكر الإسلامي، عند ذلك يمكن رويداً.. رويداً أن تنشأ المعرفة وأن يحصلها الإنسان والذي يريد أن يسأل، فيمكن أن يتصل بعالِم أو بصاحب معرفة، هذه محاولة متواضعة لنشر فكر الإسلام، لأن مدارسنا في غير الجزيرة العربية لا تُدرِّس كلها الإسلام.. تتفاوت، هناك بعض البلدان العربية تُدرِّس الإسلام في مناهجها، ولكن هناك البعض لا يدرس الإسلام إطلاقاً، فشبابنا ينبغي أن نخاطبهم خطابا جديدا، يجب أن نحتضنهم، ولكن ينبغي أن نفتح أيدينا إليهم وتبقى الأمور الشاذة والأمور المنحرفة، فيجب على الدولة أن تضبطهم حتى لا يخل بعض هؤلاء بأمن البلاد واستقرارها في أي بلد عربي أو إسلامي فكيف ببلاد الحرمين الشريفين، فكيف بأصل الإسلام هنا في بلاد العرب والمسلمين، وأصلها في المملكة العربية السعودية التي جعلها الله سبحانه وتعالى حرماً آمناً.
الشيخ عبد المقصود خوجه: سعادة الأخ الكريم والسفير أحمد البدوي قنصل مصر أرسل إلينا ورقة يقول إنها من معالي الدكتور رضا عبيد : لقد انتصف الليل ويقول كفاية بالنسبة لباقي الأسئلة رحمة بالضيف والضيوف، أنا معك يا سيدي الدكتور وأنا معك يا سيدي السفير، فرحمة بالشيب وبالشبان، والله لو أردنا أن نترك للأمر لما نستمع إليه من سماحة شيخنا الجليل لبقينا حتى الصباح، ولكن بعض الإخوان جاءوا من مكة ومن أماكن أخرى فنستميحكم عذراً لقد حجبت الكثير من الأسئلة، وأستميحكم فالساعة الآن الثانية عشرة وخمس دقائق حبذا أن يُقنن وقت الأمسية إلى الساعة الثانية عشر ليلاً، احتساباً لأوقات العمل المبكر صباحاً لرواد الاثنينية، ولكن أردت أن أوجه خطاباً للإخوان الذين يشرفونا بالحضور أن يأتوا مبكرين.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :682  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 111 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

زمن لصباح القلب

[( شعر ): 1998]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج