شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سماحة الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن عَمِل بشريعته واهتدى بهداه، أما بعد أيها السادة:
إن الأرض الطيبة التي رفع فيها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام قواعد البيت والكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وبعث الله منها خاتم أنبيائه ورسله إلى البشرية كلها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وأنزل فيها وفي المدينة المنورة خاتمة رسالاته وهي الإسلام، وكتابه القرآن، وأنزل أول ما أنزل فيه قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ ربكَ الذي خَلَقْ (العلق, الآية: 1).
إن هذه الأرض الطيبة المقدسة في مكة والمدينة سوف تبقى على مدى العصور والزمن ينبوعاً لا ينضب للقيم السامية، والحِكَم التالدة، والثقافة الراشدة، ثقافة الإسلام العظيم الذي حَمَّلَنا الله أمانة رسالته وتبليغه إلى العالم كله، فقال للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ولنا من بعده فـي القرآن الكريم: وإنَّه لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَومِكَ وسوفَ تُسئَلُونَ (الزخرف, الآية: 44) نعم وسَوفَ تُسئَلُونَ (الزخرف, الآية: 44) ويبقى أهل هذه الأرض الطيبة وجنباتها في هذه الجزيرة العربية مهوى أفئدة المسلمين في العالم كله فضلاً من الله ونعمة واستجابة لدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام، حين أسكن ولده إسماعيل بجوار الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، ودعا الله وقال كما جاء في القرآن الكريم: رَبَّنَا إني أسْكَنتُ مِنْ ذُريَتي بِوَادٍ غَيرَ ذِي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصلاةَ فاجْعَلْ أفئِدَةً مِنَ الناسِ تَهوِي إليهم وارْزُقْهُم مِنَ الثمراتِ لَعلَّهُمْ يَشكُرونَ (إبراهيم, الآية: 37).
وتبقى المملكة العربية السعودية التي تضم هذه الأرض الطيبة المقدسة وفي قلبها، وهي الأمينة على رسالة الإسلام والقرآن، تبقى محط أنظار وآمال وقلوب المسلمين في العالم كله، ترنو إليها أبصارهم، وتُمثِّل أمل انتصارهم، وخاصة في عصر استهداف الإسلام، ومحاولات محوه من الأرض، وما هذا الحشد الكبير الذي نشهده اليوم معكم لأهل العلم والفكر والثقافة والمعرفة والقلم الذي علَّمَ الله به الإنسان ما لم يعلم، في رحاب هذه الاثنينية الزاهرة إلا ثمرة من ثمار شجرة الإسلام العظيم وقرآنه الكريم، الذي يهدي الناس للتي هي أقوم.
وما الأخ الفاضل الشيخ عبد المقصود خوجه -حفظه الله- صاحب القلب الكبير والفكر المنير، في هذه الاثنينية الفكرية الراقية إلا مثال واحد لثمرات هذه الشجرة الطيبة التي وصفها الله تعالى في القرآن الكريم بقوله تعالى: أصْلُها ثابتٌ وفَرعُهَا في السماءِ. تُؤتي أكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإذنِ ربِّهَا ويَضْربُ اللهُ الأمثالَ للناسِ لَعَلَّهُم يَتذكَّرونَ (إبراهيم, الآية: 24 - 25).
أيها الأخوة الأعزاء: إنني أشعر بالاعتزاز المتواضع وأنا أجلس بينكم في رحاب هذه الأرض الطاهرة التي بعث الله فيها خاتم أنبيائه ورسله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل فيها خاتمة رسالاته إلى الناس.
وإذا تحدثت إليكم اليوم بمناسبة لقائي معكم لأول مرة فلست أجلس لأتحدث عن نفسي، بل لأتحدث بنعمة الله عليَّ وعلى خلقه، فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، ولأحمُدَ الله الذي جعلني عاملاً في خدمة الإسلام، وشاكراً لأنعُم الله الذي هداني ووفقني لخدمة دينه، بين من أنعم عليهم بنعمة خدمة هذا الدين.
لقد نشأتُ والحمد لله رب العالمين في أسرة مؤمنة بالله العظيم، في مدينة بيروت عاصمة لبنان والدي راغب، توفيت والدته دنيا وعمره عشرون يوماً فقط، ولما بلغ الخامسة عشر من عمره أرسله أبوه أي جدي إلى الأزهر الشريف في مصر، وبقي فيها خمسة عشر عاماً متواصلة يطلب العلم حتى نال الشهادة العالمية، ولم يتمكن بعد تخرجه من العودة إلى بيروت بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، فجاء إلى المملكة العربية السعودية في أيام تأسيسها الأولى، أيام الملك عبد العزيز -رحمه الله تعالى- وعَمِلَ مديراً لمدرسة يُنبع مدة أربع سنوات، وكان يجلس مع العلماء في مجالس الملك عبد العزيز مع صديقه الشيخ محمد نصيف (جد الدكتور عبد الله عمر نصيف).
وبعد ذلك بسنوات عاد والدي إلى بيروت وتزوج بوالدتي آمنة، كان والدي -رحمه الله- عالماً في دين الله كالعلماء القدامى، متمكناً في علوم الفقه وأصوله، والتوحيد والتفسير والحديث ومصطلح الحديث واللغة العربية، وكان في نفس الوقت شاعراً وأديباً وخطاطاً، مُحاسبيَّ النفس والسلوك، ويلبسُ العمامة البيضاء على رأسه، كنتُ أشاهده في صغري يعمل ليل نهار في القراءة والكتابة والتأليف والتعليق على هوامش الكتب، وكان إماماً للمسلمين في المسجد، يخطب الجمعة ويلقي الدروس في المسجد، يعقد حلقات العلم في البيت، ويقصده المتعلمون والأساتذة حتى من غير المسلمين ومن بينهم المؤرخ اللبناني قسطنطين زريق، كان يأخذني معه للصلاة في المسجد، وإلى صلاة الفجر في ظلمة الليل (وعمري لم يتجاوز الثامنة أو التاسعة من عمري)، ولم تكن الكهرباء قد دخلت بعد في حيينا وكان هذا في الأربعينات من القرن الماضي، وكان يُعلمني في المساء دروسي التي أتلقاها في المدرسة في الصباح لأكون متقناً لها، وتوفي والدي الشيخ راغب القباني يوم الجمعة في السابع والعشرين من شهر رجب عام 1372 للهجرة النبوية، الموافق للرابع عشر من شهر نيسان (إبريل) 1953 ميلادية يوم الإسراء والمعراج، وقد نلتُ شهادتي الابتدائية بعد وفاته بسنتين أي في الثالثة عشر من عمري، فكانت نشأتي والحمد لله في بيئة ومحيط تربَّى على العلم والإيمان والإسلام، وكانت مشاهدتي لوالدي منكباً على العلم والكتابة والتأليف، وفي حلقات العلم في البيت والمسجد، ومشاهدته يصلي إماماً في الناس وخطيباً يوم الجمعة، كل ذلك جعلني أتجه طوعاً ورغبة وشوقاً إلى تعلم الإسلام وشرع الله، لأخدِمَ دين الله الذي انغرس في عقلي وقلبي ونفسي وفكري وأنا صغير، وكانت والدتي آمنة وهي تقية نقية تشجعني بعد أبي على المثابرة والاجتهاد وطلب العلم.
أيها الأخوة: يغلب على ظن الكثيرين أن مهمة مفتي الجمهورية اللبنانية في لبنان محصورة في مجال إعطاء الفتوى الدينية والاهتمام بها فقط، بحسب طبيعة عمل المفتي في بلاد العرب والمسلمين، لكن الواقع في لبنان هو غير ذلك تماماً، فإن مهمة مفتي الجمهورية في لبنان تتسع لتشمل رعاية عامة لشئون المسلمين الدينية والوقفية والاجتماعية، فمفتي الجمهورية اللبنانية بحسب نصوص هذا القانون اللبناني هو الرئيس الديني للمسلمين، وهو أيضاً المرجع الأعلى للأوقاف الإسلامية، وهو الذي يعين جميع الموظفين الإداريين في الإدارات الوقفية، والدينيين في المساجد من أئمة وخطباء ومدرسين ومؤذنين، ومعلمي الدين في المدارس الرسمية، ومفتي الجمهورية اللبنانية أيضاً هو رئيس مجلس القضاء الشرعي الأعلى في لبنان وهو رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى أيضاً.
لقد توليت منصب الإفتاء في لبنان في فترة عصيبة من تاريخ لبنان، كان للمواقع الدينية خلالها ولا يزال دور قيادي وهام ومُوَجِّه، وخاصة في مجال التهدئة، وقد كان لدار الفتوى دائماً دورها الوطني الجامع، وكانت محط أنظار الجميع ومرجعاً للجميع، وعُقِدَت فيها اجتماعات وطنية تاريخية، وكان لها دور أساسي في تهيئة الحلول للقضية اللبنانية يومها، ووضعت دار الفتوى مع رجال الوطن الثوابت الإسلامية التي ساهمت مساهمة فعالة وأساسية في حل القضية اللبنانية والتي أثمرت فيما بعد اتفاق الطائف برعاية المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز يحفظه الله، حتى أصبح اتفاق الطائف قانوناً في دستور البلاد.
وقد كان لسورية يومها دور كبير ولا يزال في حماية الوفاق الوطني اللبناني، والحفاظ على وحدة لبنان، والوقوف في وجه كل محاولات تقسيمه، وضرب وحدته ومؤسساته، ولقد آليتُ على نفسي منذ أن عادت الأمور في لبنان إلى طبيعتها واستقرارها، أن أسعى مع أهل الخير لإعادة بناء المساجد التي دمرتها حروب الفتنة وترميم ما تضرر منها، وخاصة في منطقة الوسط التجاري التي تشهد على الحضور الإسلامي التاريخي في العاصمة بيروت، وقد وفقني الله لإتمام ذلك مع أهل الخير من لبنان وسورية والمملكة العربية السعودية والكويت.
وقد توَّج الرئيس رفيق الحريري ذلك كله بتبرعه بإعادة بناء مسجد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين صلى الله عليه وسلم على ساحة البرج في الوسط التجاري للعاصمة بيروت، بكلفة عشرين مليون دولار تقريباً، وسيكون هذا المسجد هو المسجد الكبير في العاصمة اللبنانية بيروت -إن شاء الله تعالى-، فجزاه الله خيراً وكل من بذل. وهذه المساجد أيها الأخوة يؤمها المسلمون، وتُرفع فيها كلمة الله، وتحرص دار الفتوى وهذا جزء من مهامها الكثيرة على إبراز الوجه الحقيقي للإسلام بصفائه ونقائه وتسامحه وعدالته وقيمه وأخلاقه السامية.
ولدار الفتوى أيضاً مؤسسات دينية وعلمية ووقفية وصحية واجتماعية وإعلامية تابعة لها، ومنها على سبيل المثال:
- هيئة عمارة المساجد.
- مراكز خدمة القرآن الكريم.
- معهد تفهم الإسلام.
- جامعة بيروت الإسلامية.
- إذاعة القرآن الكريم من لبنان.
- صندوق الزكاة.
- مكتبة دار الفتوى العامة.
- مؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية.
- مكتبات علوم الإسلام.
والعلاقة بين دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية والمملكة العربية السعودية وثيقة وأساسية، فالمملكة العربية السعودية التي تضم في رحابها مهبط الوحي والكعبة المشرفة وقبلة المسلمين في العالم ومقدسات الإسلام والمسلمين في مكة المكرمة ومثوى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة المملكة العربية السعودية هي وشيجة الوحدة بين المسلمين في العالم، ومن مظاهر هذا التعاون الوثيق بين المملكة ودار الفتوى انعقاد المجلس التنفيذي لمؤتمر وزراء الأوقاف والشئون الإسلامية في العاصمة اللبنانية بيروت -مؤخراً منذ شهور- بمبادرة من معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف في المملكة العربية السعودية الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، وباستضافة وترحيب من دار الفتوى، حيث تناول المجلس التنفيذي لمؤتمر وزراء الأوقاف أوجه التعاون بين وزارات الأوقاف والشئون الإسلامية في العالم الإسلامي، والقضايا المستجدة التي تهم الإسلام والمسلمين في العالم.
ونحن في لقائنا معكم هذا اليوم أيها الأخوة وفي هذه الأمسية نشهد للمملكة العربية السعودية ما قامت وتقوم به من أعمال عظيمة في خدمة الإسلام والمسلمين في العالم، ودأبها دائماً أن يظهر الإسلام بمظهره الحضاري الذي يعبر عن حقيقة وجوهر الإسلام السمح والمنفتح على العالم بقيمه وبمبادئه السامية، والتصدي لمحاولات زج الإسلام أو إعطاء صورة غير حقيقية عن الإسلام والمسلمين.
أشكركم أيها الأخوة على حُسن استماعكم وأشكر الأخ الفاضل الشيخ عبد المقصود خوجه على دعوته الكريمة لي إلى اثنينية العلم والفكر والثقافة والمعرفة التي يرعاها، وأشكر جميع الأخوة الفضلاء الذين تكلموا بثناء حسن عن هذا الشخص الضعيف أمامكم لأننا لسنا أقوياء إلا بالله عزَّ وجلَّ وحده فقط، وأجزل الله للسيد عبد المقصود خوجه ولكم جميعاً المثوبة على هذا العمل الصالح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :601  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 110 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل