شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ محمد إبراهيم الدبيسي ))
بسم الله الرحمن الرحيم..
أيها الأخوة الحضور..
حين شرفني المحتفى به أستاذي الدكتور عاصم حمدان أن أكون ممن يتحدثون عنه ظناً كريماً منه بي بما أنني قارئ من قرائه، وتلميذ من تلاميذه أتيتكم من مكان آخر، مكان ربما يحمل بعضكم جيناته في عروقه، وربما يلقي بملامحه على سحنات ذلك البعض منكم، ويقيني أنه يحتل في مهجكم افترار بسمة الطمأنينة والإيمان فهو مأرز الإيمان ومهاجر رسول الإسلام والسلام، ذلك المكان الذي استودع فيه المحتفى به الدكتور عاصم حمدان منبته وطفولته ونشأته وذكرياته، فكان حلم صباه المتحقق.. وفاكهة فؤاده الملظى على دفء الوفاء والحنين.. المكان الذي ضخ في المحتفى به شمسه ونهاراتِه الغراء، وحاراته المكتنزة بالناس والأحياء، وأزقته التي سار على ثراها النبي وصحبه الأخيار..!
المكان الذي استثار اهتمام الباحثين والكاتبين والمؤرخين، فآثروه وأثروه.. أثروه بتناوله وتعاطيه تاريخاً وسيرةً ومعالم وفضائل وحكايات.. وآثروه موئلاً لأحلامهم وسكناهم وذكرياتهم ومناماً لأجسادهم التي طواها ثراهُ المضمّخ بالقداسة..!
ذلك المكان الذي يحمل لك يا (عاصم) ذرىً افتتنت بها وأناساً استذوقت بهم ومعهم شهد الحياة، إنه تاريخك الذي تنطوي عليه سيرةُ الذات.. ومحطات العمر..! وهو على تلك الحال ذاكرتك التي استجليت صفحاتها.. وخضبت يراعَك بمائها.. فرحت تخط ذكرياتك القديمة، وتستحضر عبر الكتابة وهجَ التفاصيل المكنونة في ضميرك الحي، من حصوة الحرم.. إلى باب السلام.. إلى الأغوات ووجوههم الخضراء.. التي تلونت بقبة الحرم.. فصارت لوناً مائزاً لهم.. ووثَّقتْ وجودهم التاريخي المؤثر الذي وإن استلبهم الفحولة فإنه لا يسلبهم الرجولة..؟؟
إلى نخيل العنبرية وتعرجات أزقتها وذوائب نخيلها المشرئبة إلى السماء وبيوتهم المتراصة باحتشاد حميم إلى تلك الرواشين المطلة على شمس الشوارع المطهرة بماء الحياة والأحياء..؟!
إلى مراكيز العمد.. وكراسي وجهاء المدينة ترتكز بثقة أمام المنازل والأحواش وصوالينهم الثقافية.. حيث تأخذ التربية الاجتماعية بُعدها الحضاري إلى همهمات الدراويش والصعاليك والبسطاء، وأحاديثهم المنفلتة من أطر الرسمية إلى فضاء العفوية الإنسانية.. إلى باعة النعناع المديني.. يرتصفون الشوارع وينفثون فيها فتنة الرائحة.. إلى ضفاف وادي العقيق.. وقناة وبطحان ورانوناء.. التي علّق عليها شعراء المدينة قصائدهم.. وسامروا ليلها الساحر بدفق مواجدهم..!
تلكم أيها الأعزاء.. بعض مكونات ذاكرة المحتفى به، هذا الكهل الجالس أمامكم بوقار.. وقار رضع حليبه المصفى من سيدة الدنيا.. كما يصفها شاعرها عبد المحسن حِلِّيت، وعروس المدائن.. كما يصفها الراحل محمد حسين زيدان.. هذا الرجل الذي دَوَّن المشاهدات السيرية في خمسة كتب رصد فيها تفاصيل مهمة من ماضي المدينة المنورة..
الدكتور عاصم حمدان الذي حرر ذكرياته من صمت الذات إلى علانية التدوين فانتشى يسترد التفاصيل المتجذرة في ذهنه.. والأمكنة التي عاينها وداخل عطر طينها، واستدخل سيرة رجالها.. ولون أناسها الطيبين..!
فخريج جامعة مانشستر حفي بمدينته.. حفي بالمدينة المنورة عندما تعالت وتسامت أن تكون مسقطاً للرأس.. وأحيزة تشهد العبور من مرحلة إلى مرحلة يطويها النسيان.. إلى مرتكز يُفضي إلى التأمل والتحليل والقنوت أمام خزينة أسراره التي يلهج بها القلب ويشف لها السمع وتأنسها الجوارح..! فعندما هبَّ الأساتذة الجامعيون من أقران المحتفى به وزملائه وأترابه إلى تمعن تخصصاتهم واعتباراتهم الوظيفية يقرءون النظريات ويمتحون من المعارف ويشغلون بالثقافة والمثاقفات.. وهي اهتمامات لا ننكر وجاهتها وجدواها ولا نقلل من أهميتها ولا ننازعهم الحرية في اختيار ما يشاءون، وكان منهم عدد من أبناء المدينة ربما ذابت الهوية في عصرنتهم وحداثة وعيهم وممارساتهم، إلا أن عاصماً اختزن في ذاكرته ووعيه ما ينم عن ذلك.. ويختلف به عن أولئك، فمكان كالمدينة المنورة حريٌ به أن يتمثل العبقرية ويمثلها ويمتاز بالاستثنائية ويظفر بالاختلاف..
العبقرية بدلالتها الاصطلاحية.. والاستثنائية بمعيارها المعرفي.. والاختلاف ببعده الدال على التميز.. اختلاف عن جميع الأمكنة.. بمقومات يشهد بها التاريخ وتشكلها الأحداث.. ويحررها الباحثون في ثراء المكان وتاريخه بما تجاوز رصداً خمسمائة كتاب وهو ما لم تحظ به بقعة في هذا العالم.. تمثل في جزئيتها وتكوينها الجغرافي والتاريخي مثل هذه الأهمية.. ففي كتاب (صفحات من تاريخ الإبداع الأدبي بالمدينة المنورة) يرصد عاصم حمدان دورُ مثقفي المدينة وأدبائها وعلمائها في إثراء الحركة الثقافية في بلادنا، وإسهاماتهم في تمثل دور تنويري في سياق المعرفة الإنسانية..!
إن أسماء رصدها المؤلف في كتابه ذلك كادت تتلاشى في سراب النسيان.. واعتبارِ التقادم لولا يقظة روح عاصم حمدان ووفائه للمدينة وعلمائها..
أيها الأعزاء..
إن حواضر الحجاز مكة والمدينة وجدة والطائف.. والتي يمتد تاريخها إلى حقب تاريخية مضت وتميزت مدينتاها المقدستان مكة والمدينة بسمات دينية أسهمت في تنوع معاني حضارتها وثقافتها وكاد ماضيها القريب يستتر في خانة اللا أهمية أو المتروكة ندباً إلى جهود الرحالة والباحثين الغربيين.. وبعض كتب أنجزتها همم باحثين جادين بحاجة اليوم إلى التفاتة من أبنائها الأقدر على ملامسة هذا الماضي وتسجيل ورصد مظاهره الثقافية مكاناً وإنساناً، وفي هذا السياق أشير بتقدير بالغ إلى ما قام به الدكتور عاصم حمدان تجاه المدينة المنورة، إشارة لا يحتمل مقامنا هذا النظر المنهجي الدقيق في استعراضها ولا الرصد البحثي المحلل لمضامينها.. بقدر ما أكبر فيه أريحية الضمير وإرادة الأوفياء في توثيق جزء من سيرة المدينة المقدسة.. وفي استلهام الواقع الثقافي والمجتمعي الذي تتميز به المدينة المنورة بفعل تناغم نسيجها البشري والذي احتوى أصولاً بشرية من بقاع شتى وثقافات متعددة وبيئات مختلفة، مزجتها عبقرية المكان في شكل فريد قوامه العلاقة الإنسانية في أصدق صورها وأزهى تجلياتها.. ودونكم كتبُ المحتفى به التي حوت ووعت الكثير والمعبر والشاهد على ذلك.
أيها الأخوة..
إنما استللت هذا المساق من جملة جهود المحتفى به.. وحضوره الثقافي، لأهميته الكبيرة عندي، مساق اهتمامه بالمدينة وتاريخها، وأتيتكم أعلن شهادتي التي قد لا تهمكم عن ذلك ولكن يقيني بأن بالمدينة المنورة أرواحاً لهجت بالثناء وهي تطالع وتقرأ مكونات تنطوي عليها معلنة مدينيتها فيما كتبه عاصم حمدان.. مثلما هو يقيني بأن رائحة ذلك الطين المديني تدغدغ جوارح المحتفى به لتشعل نار الكتابة وجمر الذكريات، فكم كنت رائعاً يا عاصم وأنت تسقي ذاكرة المكان بماء السيرة المتجددة في عروق الناس، وتوقظ أنس الذكريات بالكتابة، وتتبع تعرجات الأزقة وفجر الحارات الضاجة بنسق الحياة، لتدون شيئاً من تاريخ المكان، وشيئاً من ذاكرة المكان، وإن كانت الذكريات ماض لا يدوم.. فإن ما وثقته منها بالكتابة أجدر بالبقاء والدوام.. فهي المدينة المنورة.. الخَيارُ الذي أراده الله لنصرة نبيه، فمن غير الله أعلم بأمكنةٍ هي الطمأنينة وهي اليقين..
وشكراً لإصغائكم.. والسلام عليكم..
 
عريف الحفل: أيها السادة هنالك نخبة كبيرة من الأساتذة الكرام الذين كنا نود أن نتيح لهم الفرصة للحديث ولكن نعتذر لضيق الوقت، لسعادة أستاذنا الكبير الدكتور محمود حسن زيني، الأستاذ فاروق باسلامة أو حتى شاعر طيبة.. الشيخ محمد ضياء الدين الصابوني نعتذر لهم، سنحيل الميكروفون الآن وأعتقد أنكم كلكم تشتاقون لسماع فارس اثنينية هذه الليلة الأستاذ الدكتور عاصم حمدان فليتفضل..
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :740  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.