شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة معالي المهندس رائف نجم ))
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وبعد..
لقد سعدت كثيراً عندما جاءتني دعوة الأخ الكريم الشيخ عبد المقصود خوجه لحضور هذا التكريم، وزادت سعادتي عندما شاهدت هذه الوجوه النَّيِّرَة من الأدباء والشعراء والمفكرين، وإني لأجد نفسي صغيراً جداً لأتكلم وتكون لي الكلمة الرئيسية في هذا الحفل الكريم بين هؤلاء الأعزاء فاعذروني لأي هفوة أو غلطة تشوب كلامي، لقد بدأ تكريمي قبل أن أصل إلى جدة وأنا في عمَّان، إذ أرسل لي أخي الشيخ عبد المقصود صندوقاً مليئاً بالكتب الشعرية والأدبية وجميع ما جرى في جلسات الاثنينية منذ عام ألف وتسعمائة واثنين وثمانين وإلى اليوم، واعتبرتها جرعة عظيمة من الأدب وصلتني قبل أن آتي إلى هنا.
عائلتي نجم نسبة إلى جدنا الأول نجم الدين البندقداري الحسني الذي جاء مع صلاح الدين الأيوبي عندما حرر القدس الشريف من الصليبيين في عام ألف ومائة وسبعة وثمانين ميلادية، أعرف المسجد الأقصى منذ كان عمري أربع سنوات لأني كنت أذهب هناك من بيت قريب وأدرس دروسي مع أني كنت طفلاً، ونقف بين المصلين ندعي أننا كنا نصلي، طبعاً أربع سنوات لا يمكنه الصلاة، لكننا كنا نحب هذا المكان وبقيت هذه المحبة إلى الآن وإلى المستقبل إلى أن يأتي الله أمراً كان مفعولاً. في 21/8/1969م أحرق دنيس مايكل روهان اليهودي الأسترالي المسجد الأقصى المبارك، وساعده في ذلك زمرة دنيئة من الخارج، وقد درست الحادثة من ناحية علمية وأثبتّ بأن هناك كان أناس من الخارج ساعدوه وليس كما ادعى الكيان الصهيوني حين ذلك، كان رئيس الوزراء أحمد طوقان –رحمة الله عليه– في ذلك الوقت فناداني وقال: أريد منك أن تذهب إلى القدس وتزور الأقصى وتضع لنا تقريراً وافياً عن حادث الإحراق، فوضعت تقريراً، ومنذ ذلك الوقت عينت عضواً في لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المقدسة وإلى اليوم، وكما جرى تعييني في عدة لجان وجمعيات مختصة بالقدس، وإذا أردت أن أسرد أسماءها أنسى طبعاً بعضها وقد ذكرها الأخ في بداية الجلسة.
إن ارتباط المسجد الأقصى المبارك بالكعبة المشرفة هو ارتباط أزلي لا تنفصم عراه حتى يوم القيامة، أو بالأحرى ارتباط القدس بمكة يعني وجوب حرص المسلمين على هذين البلدين المقدسين، ومن يفرط بالقدس يفرط بمكة، ومن يفرط بالأقصى يفرط بالمسجد الحرام، هذا معنى الآية الكريمة في مطلع سورة الإسراء، وصلاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج إماماً بجميع الأنبياء كناية عن استلام ميراث النبوة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو بُعِثَ موسى لما وسعه إلا أن يتبعني إذاً كل شيء انتهى، الدين الذي نزل على موسى وعلى عيسى طبعاً الذي هو الإسلام، ولكن لم يكن كاملاً، الإسلام اكتمل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا علاوة على الدور الذي تميزت به القدس بكونها القبلة الأولى للمسلمين فإنها تعتبر بوابة السماء من الأرض، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم رُفع من ذلك المكان إلى السماء، وأرجعه الله سبحانه وتعالى إلى القدس وليس إلى مكة، وكذلك عيسى عليه السلام ارتفع إلى السماء من القدس ويوم القيامة سيرتفع كل مخلوق خلق على هذه الأرض منذ آدم وإلى أن تقوم الساعة من القدس إلى السماء على الصراط المستقيم، فبعضهم إلى الجنة، والبعض إلى النار، إذاً القدس هي بواية السماء من الأرض.
مكة المكرمة لها ميزة علمية كما للقدس، فهي تقع على محور التوازن للكرة الأرضية، ومحور التوازن يعني المحور الذي يمر بمركز الكرة الأرضية ويقطع الكرة الأرضية في نقطتين هما: 24 خط عرض شمالاً، و40 خط طول، و24 خط عرض جنوباً، و-40 خط طول، ما هما هاتان النقطتان؟ هما المسجد الحرام والنقطة الأخرى في المحيط على بُعد ثلاثمائة كيلو متر من مدينة ريو دي جنيرو، هذا المحور تتلاشى حوله العزوم، العزوم: يعني ضرب الكتلة بالمسافة يساوي العزم، مجموع العزوم تساوي صفراً، إذاً هو محور التوازن، هذه نقطة علمية مهمة جداً وحول هذا المحور يتم الطواف وترتفع دعوات المسلمين إلى الله سبحانه وتعالى.
لقد حث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على الاهتمام بالقدس عندما سأله الصحابي الجليل ذو الأصابع التميمي الأنصاري المدفون شرقي السور الشرقي في القدس، لأنه حرص على أن ينفذ وصية الرسول له صلى الله عليه وسلم، سأل الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا ابتلينا يا رسول الله بالبقاء من بعدك فأين تأمرنا؟ قال: ببيت المقدس فلعل الله يرزقك ذرية طيبة تروح إليه وتغدو، إذاً زيارة القدس واجب على جميع المسلمين في جميع الأزمان ومهما كانت الأحوال، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: يا معاذ سيفتح عليكم الشام من بعدي من العريش إلى الفرات رجال ونساء مرابطون إلى يوم القيامة فمن احتل منهم ساحلاً من الشام أو من بيت المقدس فهو في جهاد إلى يوم القيامة.
لقد فهم الصحابة رضي الله عنهم هذا المنهج الذي وضعه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم سيفتح عليكم الشام من بعدي والشام جميع الأرض، الشام ولبنان وفلسطين والقدس وبيت المقدس وكل ما حوله والأردن، ورغم أنه قال لهم إنه سيفتح لهم الشام من بعدي أرسل جيشاً إلى مؤتة وأمَّر عليه ثلاثة قادة كما تعلمون زيد ابن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، واستشهد الثلاثة ورجع بالجيش خالد بن الوليد، ولكن فعل ذلك ليضع منهجاً عملياً وليس بالقول إلى المسلمين جميعاً، ثم كان هو بنفسه على رأس جيشٍ إلى تبوك ومن هناك أرسل الرسائل إلى كسرى وإلى هرقل عندما قال لهم: أسلِم تسلَم، ورجع من هناك بسبب الأحوال السيئة التي انتابت قريش في ذلك الوقت، إذاً هاتان الحادثتان دليل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام وضع منهجاً عملياً رغم أنه كان يعلم أنه لن تفتح بيت المقدس في زمانه، ولذلك نفذ الوصية أبو بكر وعمر بن الخطاب من بعده، ففي زمن أبي بكر جَنَّد أربعة جيوش أحدها إلى الشام بقيادة أبي عبيدة بن الجراح وحرر الشام، لكن لم يتمكن من الوصول إلى القدس إلا في زمن عمر بن الخطاب الذي دخل القدس كما تعرفون ووقَّعَ العهدة العمرية مع صفرونيوس بطريريك البيزنطيين صفرونيوس الدمشقي، عربي (صفر ونيوس) عربي دمشقي.
المنهج نفسه تبعه صلاح الدين الأيوبي فحرر القدس في سنة ألف ومائة وسبع وثمانين ولم يحررها مباشرة، بل ابتدأ من الشمال من أنطاكيا والرُها، ثم نزل إلى حطين ثم ترك القدس وتوجه إلى الكرك في الأردن وكان فيها أرناط المعروف وقتله، ثم توجه إلى الجنوب إلى حدود مصر وأجبر الجيش الذي كان جيش الفاطميين من السودانيين الأشداء أجبره على الخروج وقاتله حتى غلبه، واطمأن فعند ذلك رجع إلى القدس وحررها بسهولة، وضع خطة... التحرير يريد خطة.
لقد اهتم الصحابة رضي الله عنهم والخلفاء المسلمون بمدينة القدس إلى نهاية العهد العثماني وجعلوها مدينة الحضارة والفكر والعمران الإسلامي، وأقاموا فيها المساجد ومعاهد العلم، والمؤسسات الحضارية العديدة وخصوصاً ضمن الأسوار الحجرية التاريخية، وأهم هذه المعالم: مبنى المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة والمسجد المرواني، وعدد من المدارس الفكرية بلغ حوالي ست وخمسين مدرسة، والقباب والزوايا والأربطة والخوانق والخانات، وسُبُل الماء والأسواق المتخصصة والحمامات العامة والتكايا والاسبتاليات وعُمِّر المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة مرات عديدة في العهود الإسلامية المختلفة، وكان الأبرز هو الإعمار الأردني لما تميز به من دقة فنية ودراسة مرجعية تاريخية وأثرية، وحصلت لجنة الإعمار على جائزة الآغا خان العالمية عندما رممت المسجد الأقصى المبارك بعد إحراقه، هذه المعالم ما زالت حية على مدى تاريخها الطويل منذ الأمويين من سنة ستمائة وواحد وتسعين وإلى اليوم، وتؤكد الوجه الحضاري الإسلامي للمدينة المقدسة التي تعرضت إلى أبشع غزو صهيوني في القرن العشرين أمام أنظار جميع العالم المتحضر من هدم وإحراق ومصادرة وتجريف ووضع العراقيل من قِبَل السلطات الإسرائيلية أمام جهود الصيانة والترميم والإعمار.
لقد حصل اليهـود على تاريـخ هيكلهم المزور من التعاليم التوراتية والتلمودية المتناقضة، ومن كتابات فلاديوس جوزيفوس المؤرخ اليهودي الذي عاش في زمن الرومان، ولو تمت مقارنة كل هذه المعلومات لكانت النتيجة فرضيات وأباطيل بعيدة عن المنطق والعلم، وكل الشروحات في التاريخ المكتوب والمقروء تعبر عن آمال أحبار اليهود، ولكن التاريخ الملموس والمستمد من الحفريات الأثرية التي حصلت في مدينة القدس وحول وتحت المسجد الأقصى المبارك منذ سنة ألف وثمانمائة وثلاثة وستين وإلى سنة ألفين واثنين حوالي قرن ونصف من الزمان، نقض كل الافتراءات التوراتية والتلمودية وجاء علماء آثار من اليهود في نهاية القرن العشرين وهم: جدعون أفني، ويائير زاكوبيتش وروني رايف وإسرائيل فانكلشتين وطوبس أَكِيف الذي يعتبر صديقاً لشمعون بيريز كلٌ فَنَّدوا جميع ما نشرته الكتب والنشرات عن الحفريات الأثرية السابقة وعددها خمس وخمسون حفرية، أنا درستها وألفت كتاباً بها لأفند الأباطيل الصهيونية عن طريق التاريخ الملموس، لأن العصر الحديث يستعمل فيه علماء الآثار الكربون 14 لمعرفة تاريخ أي أثر فوجدوا أن جميع الآثار التي ادعى بها العلماء السابقون بأنها يهودية قالوا عنها إنها كلها إما رومانية أو بيزنطية أو إسلامية، ولم يجدوا شيئاً يهودياً أبداً في داخل القدس، لا حول الأقصى ولا في داخل القدس، إذاً كل الحفريات الخمس والخمسين التي تمت على مدى قرن ونصف من الزمان كلها أثبتت الحق العربي والإسلامي في القدس.
تقول الموسوعة اليهودية التي صدرت في عام ألف وتسعمائة وسبعين للميلاد تحت باب القدس إن اليهود لم يكونوا يُصَلون أمام حائط البراق على مدى التاريخ، ولم تبدأ صلاتهم أمام هذا الحائط إلا في القرن السادس عشر، أي في سنة ألف وخمسمائة وعشرين عندما طردوا من إسبانيا وجاء بعضهم إلى القدس، وطلبوا من الحاكم العثماني أن يسمح لهم بالصلاة أمام هذا الحائط فسمح لهم، ولم يكن يدري ما تخبأه الأقدار، وعلى أثر ثورة البراق في سنة ألف وتسعمائة وتسعة وعشرين شكَّلت عصبة الأمم لجنة ثلاثية من سويدي وسويسري وهولندي، وجاءت اللجنة إلى القدس وقابلت بعض المسلمين واليهود والمسيحيين ووضعت تقريراً إلى عصبة الأمم قالت في نهاية هذا التقرير: إن الحائط الغربي هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك وهو جزء من الأوقاف الإسلامية، إذاً هو ليس حائط المبكى كما يدَّعون ولا يَمُتُّ إلى الهيكل بِصِلة.
إذاً من الناحية التاريخية ومن الناحية القانونية ومن الناحية الأثرية، هناك إثباتات للحق العربي، إنما الكذب إذا بقي ولم يُفنِّده العرب والمسلمون يصبح حقيقة، حتى إن بن جوريون قبل أن يتوفى وضع وصيته وقال في مقدمة وصيته: "لقد كان لإبراهيم أربعون تلميذاً جنَّدَ منهم ثمانية عشر ألفاً وحرَّرَ بهم القدس ونابلس والخليل" تصوروا!! إبراهيم كان فرداً وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ هو ولوط، وفي التوراة أيضاً جاء إبراهيم إلى بني حَثْ يعني الخلايلة الذين يسكنون في الخليل، الحثّيين وقال لهم: يا بني حَثْ أنا رجل غريب عندكم أعطوني ملك قبر أدفن فيه ميِّتي -عندما ماتت زوجته سارة-، إذاً التوراة المحرَّفة تثبت كذب ين جوريون وهو يكذب على اليهود ليس يكذب على المسلمين يكذب على اليهود، لكن هذه الكذبة إذا لم تجد من يفندها تصبح حقيقة.
واليوم يوجد عدد كبير من الجمعيات اليهودية الصهيونية المتطرفة وتشكل جزءاً أساسياً في السياسة الإسرائيلية الصهيونية، رغم أن عدد أعضائها لا يتجاوز المائة ألف، فقط مائة ألف في الكيان الصهيوني من ضمن خمسة ملايين، ومن هذه الجمعيات أمناء جبل البيت، وحركة كاخ، وعطارات كوهانيم، وعطارات ليوشنا، شوفو بانين، سوكات شليم، حزب شاس، غوش أيمونيم، أغودات إسرائيل، حيو قيوم، إلى آخره، وعن النقيض من ذلك يوجد جمعيات يهودية معارضة لإنشاء الهيكل ومعارضة لإنشاء إسرائيل لتأسيس دولة إسرائيل، وقد رأينا قبل يومين على "الجزيرة" أحد الحاخامات من أمريكا تابع لناطوري كارتا ويدين إسرائيل بشتى الوسائل وشاهدتموه، وعليه فإن الواجب على الإعلام العربي والإسلامي أن يركز على تفنيد أباطيل اليهود والصهيونية حول الهيكل ويستفيد من أقوال علماء آثار اليهود الذين أعلنوا الحقيقة الدامغة.
هناك ادعاءات يهودية توراتية وتلمودية مثل: شعب الله المختار، ومثل: أرض الميعاد، هذه كلها أباطيل، شعب الله المختار تفنده التوراة نفسها في (سِفر أستير) هناك نص يقول: وكثيرون من شعوب الأرض تهوّدوا لأن رعب اليهود وقع عليهم، كثيرون جمع كثير، وشعوب جمع شعب، إذاً هو ليس شعباً مختاراً، التوراة تقول ذلك، أرض الميعاد: كيف يمكن أن نصدق بأن إسرائيل تريد أن توافق على قيام دولة فلسطينية على أرض ليست فلسطينية، أنا لم أسمع في حياتي أن هناك دولة أقيمت على أرض لا تملكها هذه الدولة.
سأتجاوز عن كثير من الكلام لأنه لا أحسبني أستطيع أن أغطي نقاط كثيرة في هذه العجالة في هذه الأمسية، لكني أريد أن أقول بأن النظرية الصهيونية قد فشلت في هذه الأيام، هي نجحت عندما أسسوا أمريكا لأن النظرية الصهيونية تستند على أساسين: الأساس الأول: الاحتلال أو الاستيطان الإحلالي، يأتون بشعب بلا أرض إلى أرض بلا شعب كما يدّعون، هذه الأرض فلسطين لها شعب فلسطيني لكنهم ادّعوا بأنهم يأتون بشعب يهودي ليس له أرض إلى أرض بلا شعب، نجحوا في أمريكا ونجحوا في استراليا، لكن لم ينجحوا في روديسيا ولا في جنوب إفريقيا ولا في الجزائر ولن ينجحوا في فلسطين، لأن الإعلام في هذا الوقت والحالة تغيرت عن السابق، في السابق قتلوا الهنود الحمر ولم يعلم أحد من العالم، قتلوا عشرين مليوناً والذي لم يمت موتوه في التفتيش في المناجم عن اليورانيوم بالإشعاعات، إذاً النظرية الصهيونية لم تتحقق ولن يستطيعوا تحقيقها.
الخلاف بيننا وبين الكيان الصهيوني هو خلاف عقدي وليس خلافاً سياسياً، كما يعتقد الكثيرون مع الأسف الشديد، لأنه لو كان الخلاف سياسياً لأمكن الوصول إلى حل وسط، دائماً السياسيون يتفاوضون ويصلون إلى حل وسط، وجميع الاتفاقيات التي وُقِّعت مع الكيان الصهيوني ابتداءً من اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، ثم وادي عربة وأوسلوا كلها عبارة عن هدنة.. هدنة كما حصل في عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، عندما غش الصهاينة الدول العربية في ذلك الوقت وطلبوا هدنة لكي يتقووا، وتقووا وأحضروا أسلحة جديدة وقوية وتغلبوا واحتلوا أرضاً أكثر أو أوسع من الأرض التي خُصَّت لهم في قرار التقسيم مائة وواحد وثمانين، في قرار مائة وواحد وثمانين خصص لهم 55 ٪ من فلسطين، لكن الآن هم يحتلون 78٪، علاوة على الضفة الغربية، طبعاً الضفة الغربية كلها احتلوها الآن مرة ثانية، وهذا دليل أكيد على أنهم لا يحترمون الاتفاقيات أبداً قطعياً، وقد صرَّح بذلك علناً نتنياهو وباراك عندما كانا في الحكم، قالوا: الاتفاقيات ليست كتاباً مقدساً، وشارون أيضاً قال: أنا لا أعترف بأي قانون دولي.
ما هو واجب الأمة اليوم؟ إن الأمة اليوم بحاجة إلى تهذيب النفوس وزرع المحبة في القلوب، ونبذ الأحقاد والضغينة والابتعاد عن الأنانية والطمع وحب الإيثار، وتكريس الانتماء إلى العقيدة والوطن، إننا بعد ذلك سنجد أنفسنا جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "النصر مع الصبر، والفَرَج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا"، وإن النظرة إلى المستقبل لا شك أنها تستمد من مبدأ الإيمان الراسخ بحتمية التطور والانطلاق إلى الأمام والاستفادة في هذه الطريق من جميع المعطيات والتطورات المعاصرة ودمجها مع نفائس التاريخ الحضاري العريق لفلسطين، لتصل بعد ذلك إلى صيغة الفعل الحاضر، وإن أي جهد مهما كان صغيراً أو كبيراً لا يمكن أن ينتقل من مرحلة الخيال والفكر إلى مرحلة الواقع والتطبيق إلا إذا صاحبه إيمان عميق واعتقاد راسخ بحتمية النضال والتفاني من أجل تحقيق الأماني، وما بين الإيمان والعمل علاقة عضوية، إذ لا معنى لأحدهما بمعزل عن الآخر، وبدون ذلك ستبقى آمال الأمة سابحة في الخيال ما لم تتحول إلى ممارسات وأفعال تعيش في عقول ونفوس وقلوب الأفراد والمؤسسات، وإلا فستتحول كل الجهود إلى كلمات مكتوبة على الهواء أو على سطح الماء.
إن الذي يظهر اليوم عدم الجدية في تعامل العرب مع مؤتمراتهم وقِمَمِهم، فالموافقة على أمر لا تعني الالتزام به، بقدر ما هي تمرير المناسبة والإبقاء على القناعات التي تخالف القرار، فالمطلوب هو أن ترتفع القرارات الرسمية إلى مستوى الإرادات الشعبية. وأن نستفيد من أحداث التاريخ العربي التي تتكرر مع تغيير الأشخاص، وسنّة التغيير في الكون كفيلة بأن تنهي الفساد الصهيوني الإسرائيلي حيث قال تعالى:وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ. صدق الله العظيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين. والسلام عليكم.
الشيخ عبد المقصود خوجه: جزاكم الله خيراً يا سيدي. الأسئلة في الحقيقة كثيرة وأترك لمعاليكم الأمر، إما الاختصار أو أخذ بعض الأسئلة وترك الآخر، لدي.. الآن مجموعة كثيرة من الأسئلة يا سيدي وهذه المجموعة مختلفة لأن كل سؤال يختلف عن الآخر وبلغ تعدادها حتى الآن ثمانية عشر سؤالاً وأترك الأمر لكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :511  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 118 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج