شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة معالي الأستاذ الدكتور أكمل الدين أوغلو ))
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
صاحب الاثنينية معالي الشيخ عبد المقصود خوجه، أصحاب المعالي والسعادة والفضيلة. أيها الحفل الكريم.
لا أعرف من أين أبدأ، ولا أدري ماذا أقول في مثل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم، والتي تعتصر قلب كل إنسان يرى آلاف البشر يُقتَّلُون، وآلاف العائلات تُشَرَّد والتراث الثقافي لأمة كاملة يُمحى ويُدنّس، ولا أدري ماذا أقول وأنا أشعر هنا في هذه الواحة الجميلة في هذا اليوم العصيب بهذه الطمأنينة، وأتمنى أن هذه الطمأنينة التي نعيش فيها في كنف صاحب الاثنينية وفي هذه الواحة الجميلة أن يعم السلام كل عالمنا الإسلامي، وأن يشد الله من أزر المجاهدين في فلسطين وفي كل مكان.
أما ما تفضل به صاحب هذه الدعوة الكريمة، ومَنْ تفضل بالحديث من بعده فيجعلني أشعر بأن عملاً دؤوباً استمر طيلة حياتي لم يكن في فراغ، وجعلني أشعر بأنني عندما قضيتُ أياماً ولياليَ وسنينَ طِوالاً في العمل وما زلت، بأن هذا العمل يجد أيضاً من البشر ما يستحقه من تقدير، وأعتقد أن هذا التكريم الذي تفضل به صاحب الاثنينية ليس بجديد عليه، لأنني صادفني الحظ أني حضرت بعض مرات هنا ورأيت كيف أن صاحب هذا البيت الجليل يجمع من حوله الشخصيات التي ساهمت في بناء الفكر والفنون والثقافة وأن يختارني من بين هؤلاء فهذا شرف كبير أعتز به.
لقد تطرق الحديث إلى بعض ما قمت به أنا وزملائي من العمل، وأنا أعتقد أن عبارات التقدير التي تفضلتم بها جميعاً والثناء هي ليست موجهة إلى شخصي الضعيف، ولكنها موجهة إلى زملائي أيضاً لأن ما قمنا به من عمل هو عمل جماعي، وأنا أعتقد أن مركز الأبحاث "ارسيكا" في استنبول التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي إنما نجاحه هو نتيجة نجاح العمل الجماعي، وهذا أمر ليس بيسير، فنحن في عالمنا هذا نسعى إلى الفردية والانفرادية، وأعتقد أنه لا ينقصنا علماء فنحن لدينا من العلماء أعداد جيدة ومن بعض علمائنا برزوا في كثير من الحقول سواء الدراسات الإنسانية أو الدراسات العلمية، في عالمنا وفي الغرب، ولكن الذي ينقصنا هو التنظيم العلمي الجماعي وعمل الفرق العلمية، أنا أعتقد أننا في مركز استنبول في "ارسيكا" قد نجحنا في هذا، لذلك أرجو أن نعتبر كل ما تفضلتم به من تقدير وتبجيل إنما يشاركني فيه عدد كبير من زملائي.
أما بالنسبة إلى ما طلب مني الأستاذ عبد المقصود خوجه قبل أن آتي إلى هنا قال لي: أرجو أن تحدثنا عن محطات في حياتك، وأنا لا أريد هنا أن أكرر ما تفضل به السيد عريف الندوة عندما قرأ بعض الأشغال التي قمتُ بها، ولكن أريد أن أقول إن في حياتي محطات أعتز بها، وأعتقد أنني كأي رجل آخر تأثر بوالده، قد نشأتُ في بيت علم كما أشار الأستاذ الدرهلي، وكان أبي من الذين يتقنون اللغة العربية، والفارسية، وكان يعرف اللغة الفرنسية، وكان يهتم بالآداب الإسلامية بالإضافة إلى توغله الكبير في العلوم الدينية، وكان لهذا أثر كبير على نفسي وعلى نشأتي الأولى، ثم اهتممت بدراسة العلوم، ودخلت إلى كلية العلوم ولكنني جمعت بين دراسة العلم وهواية الأدب، وبدأت أكتب في الستينيات ونشرتُ فصولاً من الأدب التركي وكنت في ذلك الوقت في القاهرة، وصدر لي كتابان في القاهرة قد تناولت فيهما ما يجمع بين الشعبين العربي والتركي من صفات مشتركة سمات مشتركة من خلال هذا العالم الأدبي الذي كنت قدمته إلى اللغة العربية لأول مرة في عام ألف وتسعمائة وسبعين، ومنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا أستطيع أن أقول إنني أعمل من أجل أهداف معينة، أولاً: أنني أؤمن بحتمية التقارب العربي - التركي، وأعتقد أننا سواء كنا على الطرف العربي أو على الطرف التركي يجب أن نعمل من أجل هذا التقارب على كل المستويات، أنا أعرف أن هناك الكثير من المشاكل بين الأشقاء، وأعتقد أننا نتوقع من بعضنا البعض أكثر مما نتوقع من الآخرين، بمعنى أن العرب والأتراك يطلبون أو يطلب من الطرف الآخر أكثر مما يتوقعون أو يطلبون من طرف ثالث، لأن التاريخ جمعهم على فترة ما يقرب من أربعة عشر قرناً، وهذه الظروف تاريخية طويلة معقدة لا يمكن الدخول في تفصيلها الآن، ولكن أقول في هذه العجالة إنني أؤمن بهذا التقارب بين العرب والأتراك وأعتقد أن إطار المنظمة في المؤتمر الإسلامي هو أحسن إطار يمكن تحقيق هذا التقارب فيه، هذه نقطة أساسية في حياتي وفي تفكيري وفي عملي العلمي.
النقطة الثانية تمت الإشارة إليها في كلمة الشيخ عبد المقصود خوجه وهو تاريخ الشعوب الإسلامية، أنا أعتقد أننا لا نعرف بعضنا البعض، والآن أريد أن أسألكم سؤالاً إذا أردتم أن تعرفوا عن تاريخ الحضارة الإسلامية في عالم الملايو الذي هو يقرب من مائتي مليون مسلم، هل يمكن أن تجدوا كتاباً واحداً مكتوباً باللغة العربية على امتداد العالم العربي والجامعة؟؟ لن تجدوا كتاباً واحداً!!. فماذا يصنع المثقف العربي إذا أراد أن يعرف شيئاً عن مائتي مليون مسلم؟ يتكلمون بلغة واحدة وينتمون إلى الحضارة الإسلامية سيرجع إلى Cambridge History of the Modern World، نحن نصنع هذا الشيء نحن نصنع تاريخ الشعوب الإسلامية يكتبه مؤرخون من هذه الشعوب وننشره بمختلف اللغات، من هذه الأمثلة التي أضربها كتاب عن "تاريخ الحضارة الإسلامية في عالم المالايو" استكتبنا فيه علماء من عالم مالايو أي من ماليزيا والفلبين وإندونيسيا وبروناي، وصدر باللغة الإنجليزية ثم تُرجِم إلى اللغة التركية، والآن يترجم إلى اللغة الفارسية، ويترجم إلى اللغة العربية، وهكذا سوف يكون هناك مرجع كبير عنها.
هناك مثلاً مشروع آخر وهو في صدد الإصدار عن تاريخ الدولة العثمانية، الآن إذا أردت أن تقرأ باللغة العربية كتاباً عن تاريخ الدولة العثمانية الذي يشكل تاريخها على الأقل أربعمائة سنة من تاريخ أي دولة عربية، ماذا تصنع؟ سترجع إلى ما كُتِبَ باللغات الأوروبية لأنه لا يوجد في اللغة العربية كتاب علمي في هذا الموضوع، فنحن أصدرنا بعملٍ جماعي مثل هذا الكتاب وهو الآن موجود، وهكذا..، نفس الشيء للإسلام في غرب أفريقيا.. في شرق أفريقيا.. الإسلام في البلقان.. الإسلام في القوقاز.. الإسلام في آسيا الوسطى.. الإسلام في جنوب آسيا، كل هذا الامتداد الكبير لعالمنا الإسلامي لم يكن أمامنا إلا أن نقرأ ما كتبه المستشرقون، الآن توجد في أيدينا كتب ومصادر مكتوبة بمختلف اللغات يمكن أن نقرأ فيها ونفهم هذا الامتداد الكبير لعالمنا الإسلامي.
النقطة الثالثة التي أحب أن أشير إليها وهي "التراث" أعتقد أن التراث الإسلامي هو أغنى تراث في العالم، ولا يضاهيه إلا التراث الصيني في امتداده وغزارته واتصاله، أنا لا أتكلم عن الأمم الميتة أو الحضارات الميتة، أنا أتكلم عما هو يعيش الآن، التراث الإسلامي، وأنا أعتقد أن التراث الإسلامي يقوم على ثلاثة أعمدة كبيرة: العمود المحوري هو العمود العربي، ثم هناك عمودان آخران: التركي والفارسي، وأنا أعتقد أن هذه اللغات، اللغة العربية والتركية والفارسية ثقافاتها وآدابها يكمل بعضها البعض ولا يمكن لنا أن نفهم العالم الإسلامي بدون أن نفهم هذه اللغات الثلاث، وما أنتجته من آداب أثر أحدها في الآخر.
النقطة الأخرى وهو "المخطوطات والإرث الحضاري الكبير" نحن نشرنا عدداً كبيراً من فهارس المخطوطات باللغات الإسلامية كلها، وعلى رأسها العربية والتركية والفارسية وغيرها، وفي الوقت نفسه نسعى إلى أن ننشر آثار الحضارة الإسلامية التي تهم المسلمين جميعاً، ومن ذلك نشرنا ثلاثة كتب كتابين عن "الكعبة المشرفة" أحدهما عن أقفال ومفاتيح الكعبة وهكذا.. رمز من رموز الكعبة ورمز من رموز التاريخ الإسلامي، وأستار الكعبة، والروضة الشريفة، وهذان الكتابان صدرا منذ مدة ويعتبران هما المرجعين الوحيدين في هذا المجال، ثم نشرنا كتاباً عن السيوف الإسلامية منذ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيوف الصحابة، فسيوف الخلفاء وبني أمية وبني العثمان والخلفاء العباسيين وما إلى ذلك، ونشرنا أيضاً كتباً عن تاريخ العمارة الإسلامية، وأعطينا العمارة الإسلامية في الدول التي هددتها الحروب مثل دول البلقان خاصة، فنشرنا عن العمارة الإسلامية في البوسنة والهرسك، في بلغاريا، في ألبانيا، وما إلى ذلك.
لا أريد أن أكثر الحديث عما قمت به ولكن أريد أن أقول أن أمامنا طريقاً طويلاً، وأعتقد أننا لا يمكن أن نفهم مواقعنا اليوم إلا إذا فهمنا امتدادنا الحضاري، ولا يمكن أن تكون لنا قائمة كشخصية ثقافية في أي مكان في العالم مهما كانت أوطاننا إلا إذا فهمنا هذا التراث فهماً حقيقياً، واستطعنا أن نفسره تفسيراً يتواكب مع حياتنا اليوم، ويعطينا دفعة وخاصة في هذا الاتجاه الجديد للعولمة.
 
أنا لا أريد أن أدخل إلى مسائل واسعة وأعتقد أن الوقت تأخر، ولا أريد أن آخذ من وقت العشاء كثيراً، ولكنني أقول لمن سألني تكرماً هل أجد وقتاً للنوم، وللهو وللمرح؟ أقول: نعم أنني أجد وقتاً للنوم لأنني إذا لم أنم لم أستطع أن أعمل، ولكنني للأسف الشديد لا أجد وقتاً للهو والمرح، ولكنني هنا أشعر بسعادة غامرة، وأعتقد أن مثل هذه الأمسية هي خير من ألف يوم يُقضى في لهوٍ ومرح، أشكركم جميعاً وفقكم الله، وأتمنى لهذه الاثنينية وصاحبها وروادها كل خير، وأتمنى لعالَمِنا الإسلامي أن يخرج من هذا المأزق الذي نحن فيه، أشكركم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :579  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 84 من 145
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.