شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فارس الاثنينية معالي الأستاذ الدكتور عباس الجراري ))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخي الكريم وصديقي الحميم سيادة الشيخ عبد المقصود خوجه، أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة، أود في البدء أن أقدم عبارات الشكر جزيلاً وخالصاً وصادقاً لصاحب هذا النادي الثقافي الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه، وأود كذلك أن أهنئه بالعود الميمون إلى أرض الوطن وقد شُفي داعياً له وداعين جميعاً له بتمام الصحة وكمال العافية، ثم أود أن أنقل إلى الصديق السيد عبد المقصود خوجه عبارات التقدير والتنويه التي فاه بها في حقه جلالة الملك سيدي محمد السادس -نصره الله- إذ عرف أني سأحضر إلى هذه الندوة وأذِن لي بالمشاركة فيها على الرغم من كثرة المشاغل والالتزامات، أود في نهاية هذه المقدمة أن أشكر جميع الأخوة الذين تفضلوا فأعربوا عن نبيل العواطف نحو شخصي المتواضع، ولعلَّهم بالغوا في الإطراء بما يجعلني أستصعب الرد أو الإجابة عن هذا الشكر أو عن هذا الإطراء.
 
مما استمعت إليه جاءتني أفكار كثيرة لأصوغ حولها الكلمة، وهي أفكار كثيرة لو أسعفتها ولو أسعفني القول فيها لاحتاج مني ذلك إلى وقت طويل، ولكني سأقصر هذه الكلمة على بعض النقاط لعلَّها أن تَلُمَ شتات ما تودون أن تخرجوا به من هذه الأمسية، ربما أول ما وقع لَفْتُ النظر إليه هو هذه الاهتمامات المتشعبة أو الموسوعية التي شغلتني محاضرة وتأليفاً وغير ذلك، الحقيقة أن هذه نقطة لا يمكن أن أوضحها إلا بإثارة بعض المسائل وبعض الجزئيات.
 
شخصياً نشأت في بيت علم وجهاد ووطنية وسلفية، الوالد -رحمه الله- كان من رواد السلفية تلكم السلفية التي أعطت عطاءها في سنوات العشرين، وكانت المنطلق للحركة الوطنية التي حررت المغرب، وكان مجاهداً في ميدان التعليم والتربية والتأليف، نشأتُ في هذا الوسط ولكنني نشأتُ كذلك في مرحلة كانت متسمة بالكفاح وبالجهاد لمقاومة المستعمر، الفترة الأخيرة من عهد الحماية من سنوات الثلاثين إلى الخمسين كانت متسمة بالمقاومة لاسترجاع استقلال البلاد، نحن أبناء هذا الجيل، جيل هذه المرحلة نشأنا في ظل هذه الروح روح المقاومة.. المقاومة للمستعمر، والبحث عن الذات وتجميع القوى لمواجهة هذا المستعمر، على الرغم من أنّا كنَّا تلاميذ في المدرسة.
 
أنا شخصياً درستُ مرحلة الدراسة الابتدائية والثانوية في المدارس الفرنسية، ولكن إلى جانب ذلك كنت أتلقى علوماً في المنزل على والدي -رحمة الله عليه- وكنت مع ذلك وقبل ذلك أتردد على الكتَّاب القرآني قبل أن أذهب إلى المدرسة في الصباح الباكر وبعد أن أخرج من المدرسة، إذاً هذا كله كَوّن فكراً يمكن أن أصفه بأنه فكرٌ وطني، أي فكر مغربي عربي إسلامي بكل ما في الكلمات وهذه الأوصاف من معنى، وما كدت أُنهي دراستي الثانوية حتى أُعلِنَ استقلال المغرب، يومئذ قلت لوالدي -رحمة الله عليه- لقد انتهى عهد الاستعمار وانتهى عهد فرنسا ونحن الآن سنرجع إلى تراثنا وإلى لغتنا وإلى ثقافتنا وإلى أصالتنا وإلى تقاليدنا العريقة، إذاً لا بد أن أُتمم دراستي الجامعية ليس في الكليات الفرنسية ولكن في جامعة عربية، وهذا هو الذي جعلني أنتقل إلى القاهرة في أواخر الخمسين، ولا أنكر أن وجودي في القاهرة للدراسة أفادني وكَيَّفَ تلكم الروح التي حملتُها من المغرب يومئذ، وفَضْلُ مصر عليّ وعلى كثير من أبناء جيلي وعلى الأمة العربية فضلٌ لا يُنكر، وإن كنتُ أؤيد فضيلة الشيخ فيما قاله عن هذه العقدة المتبادلة بين المشارقة وبين المغاربة، وتلكم مسألة تدخل في باب المنافسة بين الأخوان لا بأس منها.
 
أنهيت دراستي الجامعية في القاهرة ويمكن أن أقول إني شعرت أن الكفاية قد حصلت مما أدركت في القاهرة، وقلت سأعود إلى الدراسات الجامعية العليا في فرنسا، ولكن حدث هنا غَيَّرَ مجرى حياتي فدُعيت للعمل في السلك الدبلوماسي وفي سفارة القاهرة بالذات، فكانت فرصة ثانية لأجدد العهد بالقاهرة وبفكرها وبثقافتها وبأدبها، ولأُِمتِّنَ الروابط مع رجالها في الفكر وفي السياسة وفي غير ذلك مما أفدت منه الشيء الكثير.
 
ما كادت هذه المرحلة مرحلة النشأة تنتهي حتى دخلنا إلى عهد آخر وهو العهد الذي تولى فيه المُلكَ جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني، هذا العهد اتسم بالبناء واتسم بالتشييد، واتسم فيما يتعلق بموضوعنا بضرورة صياغة فكر جديد للمغرب والمغاربة، يربط المغرب بأشقائه العرب والمسلمين، كل ذلك عمل عمله في توجيهي نحو دراسات معينة وموضوعات معينة يمكن أن ألخصها في كلمة واحدة هو (البحث عن الهوية) وحين أقول البحث عن الهوية أقول جملة مقومات وجملة عناصر ومكونات بدونها لا تكون الهوية، وهي الدين، وهي اللغة، وهي التراث، بعد الأرض التي نعيش عليها، من هنا وأنا أبحث عن الهوية وأريد أن أصوغ هذه الهوية بفكر جديد وبفكر يكون قابلاً أو مقبولاً عند الأجيال الناشئة ولا سيما في الجامعة التي التحقت بها، والتحقت بها في مرحلة النشأة ما زالت طرية يومئذ في سنوات الستين، إذاً كان هذا هو الهم، ويمكن أن أقول إن هذا كان هو المشروع الفكري، أو المشروع العلمي، أو المشروع الثقافي الذي صممت على المُضي فيه، والحمد لله أنني استمررت فيه نحو أربعة عقود.
البحث عن الهوية في هذه المقومات جعلني تلقائياً أُعنى بالدرس الإسلامي، أي أُعنى بالدين وبفكر هذا الدين وبتاريخ هذا الفكر، وبما أنجز المسلمون في تاريخهم وحضارتهم وثقافتهم وما كان لهم من باع طويل في العلوم وفي الاختراعات وما إلى ذلك، وفي الفنون وفي الآداب، من هنا كان الاهتمام بالفكر الإسلامي كمكون للهوية بطبيعة الحال، زاد هذا الاهتمام ببعض المسؤوليات التي أُسندتْ إليَّ في نطاق الإسلام، الخطابة في المسجد، وهذا كان من باب حسن ظن الملك المغفور له مولاي الحسن الثاني وإلا فلست من الذين يُشار إليهم في الخطابة، ولكن كان ذلك من حسن الظن ومن رؤية بعيدة كانت عند جلالته -رضي الله عنه- ثم تعمق هذا المجال بأن أسند إليَّ -رحمه الله- مهمة تدريس بعض المواد في المدرسة المولوية لأصحاب السمو الأمراء والأميرات، إلى جانب النصوص الأدبية كان هناك الفكر الإسلامي، إذاً كل هذه المعطيات جعلتني أُبرِزُ هذا الجانب الديني وأعنى به وأهتم به ونما عندي إلى أن أصبح شبه هوس يتبعني وأنا أتتبع القضايا الإسلامية المعاصرة في مختلف أشكالها.
إذاَ هذا العنصر الأول وهو العنصر الإسلامي، العنصر الثاني هو اللغة.. اللغة كلغة، كأدوات، كلسان له قواعد وله آليات، ولغة كإبداع، من هنا كان الاهتمام بالجانب الأدبي، باعتبار الأدب كذلك مفتاح نفسية الأمة ووجدانها والتعريف بها، وزاد من اهتمامي بالأدب تلكم القولة الشائعة بأن أهل المغرب لا شأن لهم ولا نصيب لهم بالأدب وإنما هم فقهاءُ فقط، هذه قولة تكررت في كتب التاريخ وتكررت على لسان إخواننا في المشرق وحتى عند بعض الأندلسيين، ومن ثَمّ كان هذا هماً لا بد من الاشتغال به ولا بد من توضيح قضيته، هل لنا نحن المغاربة هل لنا أدب أي أدب حيٌّ وأدب فيه إبداع؟ أم أننا أمةُ فقهٍ لا شأن لنا في التعبير الإبداعي وفي الشعر بصفة خاصة، ومن ثم وقعَ الاهتمامُ بالأدب وباللغة العربية في جوانب إبداعاتها المختلفة.
ثم التراث وهذا يشكل حيزاً كبيراً في اهتماماتي سواء في الدرس أو في التأليف، التراث.. الأمة بدون تراث لا ماضيَ لها، والأمة التي لا ماضي لها لا وجود لها في الحاضر وفي المستقبل، وحين طرحت قضية التراث وجدت أن العناية كانت قديمة وكانت مهمة بالنسبة للتراث المدرسي، أي للتراث الذي عُني بالأدب الذي يُسمى بالأدب الفصيح، وأنا لا أسميّه الأدب الفصيح لأن الفصاحة مشتركة بين العامي وبين المُعرب، ولكن أسمّيه الأدب المدرسي أو الأدب المُعرَب، وقعت الاهتمامات بالجانب المدرسي في التراث، ولكن وقع إهمال جانب آخر من التراث الأساسي وهو التراث الشعبي، ومن هنا كانت العناية عندي منذ وقت مبكر بالتعبير الشعري الشعبي بالملحون بصفة خاصة، وهو قريب من النبطي هنا في المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج بصفة عامة، وكذلك التراث الآخر سواء أكان تشكيلاً أو كان تذويقاً أو زخرفة أو حكاية أو مثلاً أو ما إلى ذلك، التراث في عمومه، فهذه هي المحاور التي دار عليها اهتمامي ودارت عليها مؤلفاتي، وهي كلها تصب في البحث عن الهوية، نعم الهوية!! ولكن حين نقول الهوية لا نقول شيئاً جامداً، ولا نقول التمسك بأصالة جامدة أو جافة ولكن نقول الهوية في هذه المراحل الثلاث وفي هذه المكونات الثلاثة هي لا تكون هوية حقاً، أي لا يمكن أن تكون هويتنا نحن اليوم في الحاضر وتكون هويتنا في المستقبل إلا إذا كانت هوية قابلة للتفتح وقابلة للتحاور وقابلة للأخذ والعطاء، ليس فقط مع هويات مماثلة أي مع هويات العربية الإسلامية المماثلة، ولكن مع هويات الآخرين وتعمق هذا الوعي عندي في هذه الفترة الأخيرة حين بدأ الحديث عن العولمة وعن طغيان هذه العولمة لتكتسح الثقافات وتكتسح الهويات بأسواقها وبجوانبها التجارية والمالية، وربما بهيمنة ثقافة معينة على مختلف الثقافات.
زاد إذاً عندي الاهتمام بالهوية وربما من آخر ما أصدرت في هذا الموضوع كُتيب عن الهوية والعولمة، انتهيت فيه إلى أن قضية العولمة ليست جديدة على الأمة الإسلامية، الإسلام جرب العالمية في مفهومها الصحيح، وديننا يدعونا إلى العالمية ويدعونا إلى أن نكون أمة ويدعونا إلى أن نتعارف مع الآخرين وأن نحاورهم وأن نأخذ ونعطي معهم، إذاً قضية العولمة وهي قضية عابرة ربما لم يُشر إليها هي قضية في صميم فكرنا، ولا تتنافى مع فكرنا شريطة أن ننخرط فيها وأن نُقْدِمَ عليها انطلاقاً من مقوماتنا ومن هويتنا ومن ديننا بصفة خاصة، وديننا يسمح لنا بذلك بل يفتحُ المجال ويدعونا إلى أن نكون أمة أوسع أمة ممكن أن تكون.
هذه الاهتمامات حول الهوية أعطت بعض الثمار أرجو أن تكون ثماراً ناضجة وأن تكون ثماراً نافعة للأجيال، ولكن كنت دائماً أريد من طلبتي ومن الملتفينَ حولي أن يسيروا في هذا الطريق، وهذا كان عندي هماً كبيراً في الجامعة على مدى أربعة عقود وتثنَّى تأطير عدد من الدارسين وعدد من الباحثين ما يبعثُ على الابتهاج وما يبعث الاطمئنان أن المِشْعَل الآن في يد شباب متعدد وشباب يعمل في مختلف الجامعات وفي مختلف المؤسسات المغربية شباب مؤمن بهويته.. مؤمن بعقيدته.. مؤمن بلغته.. بتراثه.. بمقومات كيانه الوطني، سيقول قائل لماذا الاهتمام بالأدب المغربي؟ الاهتمام بالأدب المغربي بطبيعة الحال كما قلت لأنه قيل أن المغاربة لا شأن لهم بالأدب، ولكن هنا أريد أن أربط قضية الأدب المغربي بمسألة لا شك أنها في حاجة إلى توضيح وهي ترتبط عندي بالمنهج وقد أُشِيرَ إلى هذه الملاحظة ضمن الملاحظات التي قدمها الأستاذ الموقر السيد عبد الفتاح أبو مدين وهي (قضية الإقليمية)، ولعلَّنا في هذا سواء، وما أحوجنا إلى أن نوضح هذه المسألة. حين أتحدث عن الأدب المغربي وأنطلق من منهجٍ دعوته (بالمنهج الإقليمي) هذه الإقليمية فهمها البعض على أنها تضييق الخناق على الأمة وأنها نوع من الانغلاق والانكماش حول جزء من وطن كبير وواسع، الإقليمية عندي في المنهج إطار وهو إطار يمهد للإطار الواسع الذي هو تراث وأدب الأمة العربية والإسلامية.
نحن جميعاً وأنتم لا شك ولا سيما بالنسبة للأجيال السابقة نحن كنا ندرس الأدب العربي فيقفر لنا هذا الأدب ويحصى في نماذج معينة وفي أسماء معينة وفي أقاليم معينة أبحث عن الأدب في اليمن أو في تونس أو في المغرب أو في السودان أو في موريتانيا فلا أجد، نماذج معينة، هل هذا هو إنتاج الأمة العربية؟ هل هذا هو إبداع الأمة العربية في هذا الذي سُمي ديوان العرب؟ أين هو إنتاج الآخرين؟ إذاً الإقليمية عندي ليست هدفاً وإنما هي سبيل ووسيلة للالتقاء مع المجموع والالتقاء مع الآخرين وضم الشمل وجمع الشمل، ولهذا في كل مرة أدرس موضوعاً إقليمياً إلا وأنظر إلى التراث المشترك وأعقد المقارنة وأحاول أن أرى كيف كان الاتصال وكيف كان الإبداع يُتبادَلُ بيننا وبين إخوتنا في المشرق، ثم إن هذه الإقليمية ليست كما قلت هدفاً وإنما هي وسيلة ولكنها ليست كل آليات المنهج.
المنهج كما تصورته وكما رسمته وكما سرت عليه ولا بد في مثل هذه الجلسة أن نتحدث عن المنهج طالما أننا نثير إنتاجاً ونثير مؤلفات، المنهج لا يمكن أن ينطلق إلا تحفزاً من رؤية، هذه الرؤية التي قد لا تكون منظورة وقد سميتها الجانب اللامرئي في المنهج، الباحث قبل أن يبحث فإنه تكون له رؤية ينطلق منها، يرى الأشياء وقد لا يعبر عن ذلك ولكن من هذه الرؤى أو هذه الرؤية يكون الانطلاق، الرؤية كانت هي هذا البعد العربي الإسلامي الوطني الذي لا بد من لَمِّ شتاته، ثم كان هذا الإطار الإقليمي ثم كانت الآليات التي لم أتقيد فيها بآلية معينة، لم أزعم أني درست بمنهج اللسان أو منهج اجتماعي أو منهج وصفي، ولكن الآليات عندي كانت تخضع لطبيعة الموضوع ومن ثم قد يكون المنهج في نهاية الأمر منهجاً متكاملاً أو شمولياً يضم آليات إجرائية متعددة طالما أن هذه الآليات تصب أو تساعد على الوصول إلى الهدف.
إذاً هذه قضية الإقليمية لأني لا أريد أن تُفهم فهماً انغلاقياً كما فهمها كثير من أخوتنا وأخوتكم في المغرب، ولا أريد أن أستمر في إثارة الجوانب المتعددة التي يمكن أن نتحدث عنها في مثل هذا اللقاء الذي يدار حول شخصي المتواضع ولكن أثيرت نقطتان اثنتان أستسمحكم في أن أوضحهما دائماً في عرض الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين الذي أشكره على انتقاده، لأننا في مثل هذه الجلسات لا ينبغي أن نستمع فقط إلى المدح وإلى الإطراء ولكن نريد أيضاً أن نستمع إلى رأي الآخر وإلى من يناقش بفكر مختلف أو بمعطيات مختلفة، قضية الإحياء بين المغرب وبين المشرق، هذه قضية ننطلق جميعاً حين ندرسها.. حين درسناها وما زلنا ندرسها لأبنائها في المدارس وفي الجامعات أن حركة الإحياء هي مرحلة تؤرخ لبداية النهضة في الأدب وفي الشعر وأن هذه النهضة وأن هذا الإحياء تَمّ على يد الشُعراء الذين أطلق عليهم شعراء البعث أو شعراء الإحياء كالبارودي وشوقي إلى آخره.
 
حين أخذت في دراسة أدبنا المغربي وأدبنا المغربي بما أبدعه أهل الشمال وما أبدعه أهل الجنوب في الصحراء وفي المناطق المجاورة لها كـ (سوس) مثلاً، وجدت أن هذه الحركة الإحيائية تظهر لها ملامح واضحة ومتميزة عند شعراء عاشوا قبل الإحياء، قبل مدرسة الإحياء المصرية بنحو قرنين أو ثلاثة قرون، وقلت هناك أمران: إما أن نقول إن حركة الإحياء بدأت على يد شعراء المغرب ولا سيما على يد شعراء جنوب المغرب، من صحراء و (سوس) وجيراننا الأعزاء الأخوة الموريتانيين الذين تجمعهم بنا روابط كثيرة، إذاً إما أن هذه الحركة بدأت على يد هؤلاء وفي هذه الحال لا معنى لكي نستمر في أن نقول إن النهضة الشعرية إنما بدأت في بداية القرن العشرين على يدِ شعراء كبار هم أمراء الشعر في مصر، وإما أن نقول إن هذا الذي قام به شعراؤنا في الجنوب وفي الصحراء وإخواننا في موريتانيا هذا ليس من باب الإحياء وإنما هو واقع الإبداع وواقع الشعر في هذه الأقاليم لم يتوقف قط ولم ينقطع قط، في هذه الحال سيكون عبثاً كل كلام نقوله عن الركود وعن الانحطاط ثم عن البعث وعن الإحياء من جديد.
إذاً الإبداع الأدبي العربي استمر.. قد لا يكون استمر في هذا الإقليم أو ذاك، ولكنه استمر في أقاليم أخرى إذا تأكد لنا وهذه هي اللبنة التي وضعتها، إذا تأكد لنا أن هناك شعراء بحكم ثقافتهم المتينة والقائمة على العلوم العربية القديمة الصحيحة، إذا تأكد لنا أن هؤلاء بحكم ثقافتهم وبحكم البيئة كذلك لم ينقطع عندهم الشعر ولم ينقطع عندهم التعبير الأدبي على مر التاريخ، وإذا تبين وأنا متأكد من ذلك أننا سنجد نفس الظاهرة نفسها هنا في المملكة العربية السعودية، وفي دول الخليج، وفي السودان سنجد أن الشعر العربي والأدب العربي والإبداع لم يتعرض كما تصورنا في الكتب المدرسية لم يتعرض لهذه الفترة الطويلة من الانحطاط ومن الركود، ثم بُعث من جديد.
إذاً هذا هو الطرح الذي أطرحه وأسعد اليوم بأن أطرحه معكم. ما قلته عن تذوق أخوتنا في المشرق بالقياس إلى تذوقنا نحن في المغرب هذا راجع إلى طبيعة الثقافة، راجع إلى طبيعة الثقافة ولا مراء في ذلك أخوتنا في المشرق ولا سيما في بداية النهضة، وقد قدمت أمثلة على ذلك ولنأخذ شاعراً من الشعراء ولنأخذ أمير الشعراء أحمد شوقي.. أحمد شوقي بحكم طبيعة البيئة المتحضرة، وبحكم سبق مصر للنهوض وللنهضة، وبحكم ثقافته الشخصية، وبحكم عوامل كثيرة لا أريد أن أفصل القول فيها كان كما قلت وأنا ما زلت مقتنعاً بذلك كان أكثر استعداداً للتجاوب مع الشعر العربي السهل، أي كان مستعداً للتجاوب مع الشعر العباسي، ولكن لم يكن ربما مستعداً لكي يهضم ويتجاوب مع الشعر الأموي ومع الشعر الجاهلي، بحكم عوامل ثقافية وعوامل بيئية، في حين أننا في الجنوب وأننا في الصحراء وأنكم هنا أيضاً بحكم البيئة وبحكم الثقافة التي ظلت متداولة، أنتم ونحن وأمثالنا كنا قادرين على أن نتعامل مع الشعر الجاهلي ومع الشعر الأموي، وأن نهضمه وأن نفهمه وأن ننافس التعبير في مضماره كما فعل عدد من شعراء الصحراء الذين كانوا ينافسون أو ينافسون أبا تمام أو غيرهم، ويقولون إننا نريد أن يُعْقَدُ لنا غداً نادٍ وأن ينظر فيمن هو الأشعر، نحن أولئك الذين كانوا في العصر الجاهلي أو الأموي. إذاً هذا ليس مسّاً بأساتذتنا الكبار في الثقافة وفي الأدب وفي الشعر في مصر، ولكن هذا التاريخ وإننا نريد أن نصل إلى الحقائق، لأننا نريد أن نعرف حقيقة ثقافة أمتنا، نريد أن نعرف هذه الحقيقة من خلال وقائع لا يهم أن يكون الشعر حُوفِظَ عليه في السودان أو في موريتانيا أو في المملكة السعودية، ولا بأس من أن يكون قد ضَعُفَ هنا أو ضَعُف هناك، ولكن المهم هو هذه النظرة الشمولية وهذا المنظور الواحد إلى تراثنا.
 
إذاً هذا هو الذي جعلني أتحدث هذا الحديث فيما يتعلق بحركة الإحياء وأضع هذه المقارنة هدفاً للوصول إلى حقيقة إبداع أمتنا العربية الإسلامية، لأنه لا يُعقل، أولاً لا يُعقل أن يكون كل التراث الذي وصلنا هو شتاتاً يمثله بعض الشعراء الكبار الذين نعتز بهم، هل تراث الأمة محصور في هؤلاء الشعراء الكبار مثل المتنبي.. البحتري.. أبو تمام.. الفرزدق.. جرير.. هذه أمة من المحيط إلى الخليج، وكانت طوال العهود تتسم بهذه العالمية التي وسعت الآفاق أين هو الإبداع الآخر؟ أين هو فكر هذه الأمة؟ أين هو إنتاجه؟ إذاً هذه نقطة، ونقطة أخرى أثارها الأستاذ أبو مدين وهي قضية الشعر الجديد، تلاحظون أننا نجول بين القديم ونجول مع الجديد كذلك، نعم أنا دائماً في البحث عن الحقائق، ليس للإعلاء من شأن إقليم من الأقاليم أو للمس به بالعكس فقط نريد أن نعرف الحقائق.
 
قيل لنا أن هذا الشعر بدأ في سنوات الأربعين على يد شعراء ذُكِروا، أُشيرَ إلى بعض الأسماء نازك الملائكة إلى آخره، ولكن هل الشعر العربي ظل جامداً إلى أن جُدد في سنوات الأربعين؟ الشعر العربي كان على مر التاريخ يجدد نفسه ويتجدد، في العصور الأولى كانت محاولات للتنويع ولتجديد القصيدة، وشهدت أوجّها في الأندلس على يد الوشاحين الذين خرجوا بالقصيدة من إطارها المتداول إلى إطار آخر، هنا كذلك وقعت مناقشات بين الباحثين، الموشحات هل ظهرت في المشرق أم ظهرت في المغرب؟ ابن سناء الملك في مصر هو الذي قننها في دار الطراز، حين بحثت هذا الموضوع وبحثته بشيء من التفصيل ومن التدقيق انطلاقاً من الأندلس، لأننا لا يمكن أن نتحدث عن تراث الأمة العربية، بل لا يمكن أن نتحدث عن المغرب إلا والأندلس جزء من هذا التراث، ولهذا لعلَّكم لاحظتم أن الاهتمام بالأندلس كان داخلاً ضمن اهتماماتي لأنها جزء من التراث الذي نبحث فيه.
 
الشعراء الوشَّاحون أقدموا في الأندلس على ما لم يكن ليتسنى لإخوانهم في المشرق، لماذا؟ الأندلس نعم كانت تمثل الدولة العربية الإٍسلامية إليها انتقلت الدولة الأموية في بداية الأمر، ثم تسلم المقود المغاربة على يد المرابطين والموحدين، واستطاعوا أن يطيلوا عمر الأندلس وأن يجعلوا هذا العمر يمتد ثمانية قرون، إذاً لا يمكن أن نتحدث عن تراثنا وعن فكرنا وعن المغرب أو المشرق من غير أن نتحدث عن الأندلس، وجدنا أن شعراء الأندلس وهم أصحاب الموشحات أُتيح لهم ما لم يتح لغيرهم، البيئة الأندلسية، الأخوة الذين جاءوا من المشرق إلى الأندلس تكيفوا مع البيئة الجديدة، هذه البيئة التي كان فيها تعايش الثقافات أو التثاقف كما يقال الآن، وكان فيها تسامح وكان فيها تحاور، وكانت فيها بعض المظاهر التي ربما كان من الصعب على الدولة في المشرق أن تظهر بها، هناك مجالس للغناء وهناك حضور للأدب وللشعر وللموسيقى والدولة نفسها كانت متحررة من كثير من القيود منذ عهد الخلفاء وأتاحوا المجال للغناء وللشعر أن يلتقي في مجالس الأدب ومجالس الشعر ومجالس الغناء أتيح للشعراء بتعاونٍ مع الموسيقيين ومع المغنين أن يخرجوا بهذا النمط الجديد الذي هو الموشّح، هذا الموشح الذي هو قالب يسعف في الأداء الغنائي، تأثير الغناء في الشعر، ولهذا كانت هذه الخطوة الكبيرة التي خطاها الشعر العربي وتطور عبرها انطلاقاً من الموشحات الأندلسية، ثم كانت مراحل لا أريد أن أقف عندها لنصل إلى المرحلة الجديدة لأعقّب على قضية القصيدة الجديدة.
 
نظرت في شعر المغاربة عموماً، في شعر أخوتنا في تونس، أخوتنا في الجزائر وفي المغرب ورجعنا إلى نصوص كتبت قبل الأربعين، أي قبل ذلكم التاريخ الذي أُرخت به القصيدة الجديدة أو الشعر الحر، وبين قوسين (الشعر الحر عندي ليس متحرراً من التفعيلة ولا متحرراً من الوزن)، الشعر الحر الحقيقي الجيد هو الذي ظل مرتبطاً بالتفعيلة وظل مرتبطاً بالإيقاع الموسيقي العربي الذي تستسيغه الأذن العربية وهي تستمع إلى الشعر القديم أو الشعر الجديد، وجدت أن هناك نصوصاً بعضها للشابي وربما ركزت عليه، بل وجدت سبعة شعراء مغاربة في وقت مبكر حاولوا أن يخرجوا بنمطٍ شعريٍّ لا يلتزم بالبيت وبوحدة البيت وبشكل القصيدة مع اعتماده على التفعيلة وربما حتى على الوزن، فقلت إذاً إن هذه الحركة.. حركة الشعر الجديد أو القصيدة الحرة التي أُرخ لها بسنوات الأربعين هي كانت أيضاً سابقة في بعض الأقاليم، وربما لأننا نحن ننطلق في دراساتنا التي نعممها والتي نعطيها صفات العربي نقول الأدب العربي والفكر العربي، ننطلق من إنتاج محدود ربما أتيح له أن يظهر ونهمل إنتاج أقاليم أخرى لم يتسنى لإنتاجها أن يظهر ولهذا نحن الآن في مرحلة المراجعة، ومرحلة البحث عن الهوية وليست الهوية المغربية أو الهوية السعودية ولكن الهوية العربية الإسلامية.
نحن في حاجة إلى أن نعيد النظر في كل هذا الذي قيل، لأنه قيل في ظروف معينة وفي مراحل معينة من تاريخ الأمة كانت بعض الأقاليم المستعمرة، بعض الأقاليم مضروب عليها الحصار، والآن والحمد لله وقع هذا التفتح ووقع هذا الاتصال وتيسرت وسائل البحث ووسائل الدراسة، والتراث متوافر أمام الباحثين، والدارسون يتمكنون منه والخزائن مفتوحة في المشرق وفي المغرب والجديد يُكتشفُ كل يوم، لا داعي لكي نظل حبيسي أحكام أو خلاصات كانت ذات قيمة في وقتها ولكنها مع تجديد البحث ومع تطوير البحث ومع الاكتشافات التي تقوم بها الجامعات المتعددة في مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي، أصبح من حقنا بل من واجبنا أن نراجع تراثنا وأن نراجع فكرنا وأن نراجع قبل ذلك الأحكام التي صدرت والتي هي لا أقول أنها كلها أحكام باطلة ولكن قد يكون فيها ما يحتاج إلى مراجعة وإلى إعادة النظر وإلى تصحيح، كل ذلك خدمةً لهذه الهوية التي أصبحت الآن بحمد الله تكتسب مقومات جديدة وزالت الحواجز وها نحن في هذه الليلة نلتقي مع أخوتنا في جدة في المملكة العربية السعودية في هذا النادي الثقافي المتميز والمتفرد، ونلتقي داخل هذا النادي بأخوة من خارج المملكة العربية السعودية من المغرب ومن مصر ومن تونس ومن الجزائر وربما من الأقطار الأخرى، يهفو أبناؤها ويهفو طلابها وعلماؤها وباحثوها إلى حضور هذه الندوة التي أجدّد التعبير عن ابتهاجي وسعادتي بحضورها، فهذه الأمسية ستظل راسخة في الذهن وخالدة وعلامة متميزة في مسيرة حياتي، لأنها أتاحت لي الاتصال بكم والاستماع إليكم وأتاحت هذا التواصل الذي ما أحوجنا إليه وما أحوجنا إلى تعميقه عبر الأفراد وعبر المؤسسات الجامعية وعبر الهيئات الثقافية وكذلك عبر الأندية الفكرية والأدبية.
وأنا أقترح على صديقي الشيخ عبد المقصود خوجه أن نعقد توأمة بين نادي الندوة الاثنينية والنادي الجراري في الرباط بين جدة والرباط، ونحن إن شاء الله سنسير على هذا الهدي، وهذه العملية إذا تمت وستتم بإذن الله وفي القريب، ستكون لبنة تضاف إلى اللبنات التي نؤسسها الآن لتقوية الروابط الثقافية بين أخوتنا في المملكة العربية السعودية وأخوتكم في المغرب، وأكبر دليل على ذلك هو أنه في هذه السنة ولعلَّكم علمتم بذلك قد أسس مركز في الرباط، مركز للدراسات الأندلسية وحوار الحضارات، هذا مركز أُنشئ بتعاون وتنسيق بين نخبة من الدارسين والباحثين من المملكة العربية السعودية ومن المغرب، ويرأس مجلس هذا المركز الأستاذ العلامة الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية، وأسندت لشخصي المتواضع الأمانة العامة لهذا المركز الذي أردناه أن يكون مفتاحاً للاطلاع على جوانب من هويتنا ومن ثقافتنا ومن تراثنا، وكذلك لربط الصلات مع الآخرين الذين نحن مطالبون اليوم بأن نفتح معهم الاتصال واللقاء والحوار لترسيخ المفاهيم الصحيحة عن ديننا وعن تاريخنا وعن ثقافتنا، ولهذا جعلنا هذا المركز يدور حول الأندلس، باعتبار الأندلس رمزاً تلخص كل همومنا وكل اهتماماتنا العربية والإسلامية، وباعتبار حوار الحضارات يفرض نفسه اليوم ونحن أمة الحوار وديننا يدعو إلى الحوار، والقرآن أكبر مدرسة لتعليم الحوار، فما أحوجنا إلى أن نقوي إذاً هذه المناسبات لمزيد من التواصل ومزيد من التعارف ومزيد من اكتساب القدرات لمواجهة التحديات الكبرى التي تتحدانا والتي نحن جميعاً مطالبون بأن نستعد لرفعها ولتجاوزها.
 
أشكر لكم مرة أخرى ولن أَملَّ من الشكر ومن الإعراب عن التنويه لهذه الندوة ولهذه الاثنينية، وأجدد الدعاء لصديقي الكريم الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه أن يمتعه الله بالصحة الكاملة والعافية التامة في جسده وفي فكره وثقافته ونفسيته، وفي هذه الندوة التي نريدها أن تستمر وأن تكون إشعاعاً ليس فقط بالنسبة للمملكة العربية السعودية أو لبلدان المشرق، ولكن كذلك لأمتنا العربية الإسلامية، وأعتذر إن كنت أطلت أو أثرت ما لم يكن ينبغي أن أثيره ولكن العذر مقبول إن شاء الله.
 
الشيخ عبد المقصود خوجه: سيدي الكريم كم استمتعنا بحديثكم القيم، ونقاط الضوء التي ألقيتموها على كثير من الجوانب الهامة التي فتحت لنا آفاقاً يجب أن نتدارسها، والأبواب مفتوحة دائماً وقبلها قلوبنا، وإن شاء الله هذه نقطةُ بَدْءٍ كما أسلفت في كلمتي لتحاورنا بين المشرق والمغرب بدأتموها وهي خير بداية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تستمر لتقوى الأواصر فوق ما هي قوية عليه، وأن يعينكم الله سبحانه وتعالى أيضاً على مشواركم في الكفاح، أقول الكفاح لأن العلم والمعرفة والسير في طريقهما هو طريق كفاح، بدأتموه ونسأل الله سبحانه تعالى أن يشد أزركم للمسيرة لتكملوها مع إخوانكم في المغرب، ونحن لكم إزراً دائماً وأبداً، فالأيدي ممدودة والصدور مفتوحة.
 
وأما عن تآخينا بين (الاثنينية) والنادي العريق (الجراري)، فقد أشرت إلى ذلك في كلمتي ويسعدني هذا الشرف الكبير، وأهلاً وسهلاً ومرحباً، وإن شاء الله نُفعِّل هذا القول بالعمل ولي معكم جلسة إن شاء الله لتفعيل ذلك عملاً. وأكرر الشكر باسمي واسم الأخوة الحضور لمعاليكم وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يمدكم بالصحة والعافية، وأنوه بهذه المناسبة بشكري الجزيل لكل من تفضل بالثناء علي فقد ألبستموني ثوباً فضفاضاً لا أستحقه، فاللَّهم اجعلني في عين نفسي صغيراً وفي أعين الناس كبيراً، واللَّهم أنت أعلم بنفسي مني وأنا أعلم بنفسي منهم، فاغفر لي ما لا يعلمون واجعلني برحمتك خيراً مما يظنون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :570  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 54 من 85
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان زكي قنصل

[الاعمال الشعرية الكاملة: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج