أتيتُ طنجة مشبوبَ الخُطا أشِرا |
أتيتُ أقرأُ في أحداقها العِبرا |
أتيتُ ألثمُ منها جبهةً وَلَمىً |
وتستقي مهجتي من ثغرِها الصوّرا |
أتيتُ أرسمُ شوقي في محاجِرها |
وأسكبُ الليلَ في أجفانِها سَهَرا |
أتيتُ أنقشُ في شطآنها حُلمي |
وأحتسي من شذَا رَيحانِها سَكَرا |
* * * |
يا طنجة الحُسنِ طاب الليل فيك هوى |
تيهي به فتنةً، تيهي به سَمرَا |
في ناظريْك قرأنا الحبَ تضحيةً |
ورقصةُ النصرِ غنَّتها العُلا وَطَرَا |
شابتْ بساحتك الأيامُ مُنهكةً |
وما شكوتِ الوَنَى يوماً ولا الكِبَرَا |
عذراءَ باسمةً، حسناءَ فاتنةً |
ثغراً ضحوكاً ووجهاً ساحِراً نَضِرا |
أتيتُ أبصرُ أمسي فيك مفْخرةً |
روضاً من الطُهرِ قدسيَّ الرؤى عَطِرا |
أتيتُ من مَهبطِ القرآن من بلدٍ |
على رباهُ تهادَى النورُ وانتشرا |
* * * |
يا طنجةَ الحبِ هل تدرين ما صنعتْ |
بنا الليالي؟ تَداعَى الصرحُ واندثرا |
وضيَّعَ الفارسُ المعتوهُ عُدَّتهُ |
وباعَ معطفَه وانهارَ فانتحَرا |
تغلغلَ الداءُ في الأحشاءِ يقرِضُها |
يختالُ، يغتالُ منَّا السمعَ والبصرا |
* * * |
يا درةَ الساحلِ الغربيِّ هل لغَدي |
من ناظريْك شعاعٌ للخلودِ سَرَى |
ففي مُراكشَ ماضٍ مُشرقٌ عَبِقٌ |
يضوعُ في قُبةِ الجوزاء مُفتخِرا |
ما كانَ يوسفُ والمنصورُ في زمنٍ |
جَنَّ الدُجى فيه إلا السمعَ والبصرا |
جيشٌ تَدرَّعَ بالتوحيدِ معتصِماً |
تُزَفُّ أعلامُه عَبرَ المدى غُررا |
كنا الميامين في حربٍ وفي سَلَمٍ |
أعزَّ جُنداً وأتقى في الهُدى نفرا |
إذا هتفنا رأيتَ الناس مُصغيةٌ |
لم تحملِ الأرضُ يوماً مثلَنا بَشَرا |
ما بـالُ وُحدتنـا الكبـرى ممـرغةً |
في الوَحلِ يُرضعُها أبناؤهـا الوَضَـرا |
يرمونَ في غرفِ الموتى غلائِلَها |
ويسرقونَ الضحى من عينِها سَحَرا |
كؤوسنا بِخمورِ الذلِّ مترعةً |
متى سنملؤها من عزمنا ظَفرا؟ |
متى سينتفضُ الطوفانُ ملتهباً |
رُعباً ويغرقُ جيلاً فاسداً قذراً؟ |
بِعنَا المبادئ في الحاناتِ وانطفأتْ |
فينا البطولة واعتلَّتْ بنا خَوَرَا |
حتى مآذِنَنا جفَّ الأذانُ بها |
وصاحتِ القدسُ من يُهدي لها عُمَرا؟ |
* * * |
يا واقفاً عند جسرِ الصمتِ معذرةً |
مضى القطارُ وما تنفكُّ مُنتظِرا |
تُدمي جناحيك غربانٌ مشردةٌ |
وأنت تَمضغُ مكدود القُوى العُمُرا |
تُلَملمُ الصفوَ في الأدغالِ مغترباً |
نفساً تئِنُ وقلباً مُثخناً نَخِرا |