شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ يحيى السماوي يقرأها نيابة عنه
الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بعد الصلاة والسلام على الصادق الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، السلام عليكم أيها الجمع الطيب ورحمة الله وبركاته.
قبل سنين كثيرة وحين كانت لي في وطني أرصفة لا تتسع لخطاي تمنيت أن تكون لي ساقا ظبي بريٍّ تقفزان بي من تابوت الوحشة إلى حديقة الأمان، وإذا اجتزت حدود وطني المرسوم على هيئة مشنقة تمنيت أن يكون لي صبر ناقةٍ عربية كيما أتحمل جمر عطشي لوطني المبلل بالدم والدموع، وما بين هاتين الأمنيتين أهرقت مياه طفولة وصبا فلا غرو إذن لو يبستْ أغصان فتوني في شجرة العمر، ولا غرو ولو أن يمامة أمنية جديدة تنطلق الليلة من فضاء الحلم، محدقة بأرض اليقظة، أمنية أن يكون لي جناحا نورس، يحطان بي في حدائق الاثنينية ليُضرجني العبير بعدما خضبني دخان الغربة، إذ لا أجمل عندي هذه الليلة من أن أكون ولو مجرد همسة ضائعة، بين صداح ربابات هذا الاحتفاء العذب بالحبيب أخاً وصديقاً الأديب حمد القاضي، أما وأنا الآن منغرس في آخر شبر من اليابسة دون أن يُنبت لي الحلم جناحي نورس، فقد وجدتني مستنجداً بسطوري القليلة هذه عساها تنوب عن قلبٍ تمنى المشاركة في هذا الاحتفاء والانتشاء مع هذه القلوب الطيبة، هل ثمة ضرورة لشرح تضاريس وجع ناقة روحي وهي تقف على مبعدة شاسعة من المحيطات والبحار والصحاري عن نمير هذه الأمسية العذبة؟ وهل ثمة من يلوم حنجرتي إذا اختنقت بحصى صمتها؟
إذا كان صحيحاً أن الاحتفاء بالزهرة هو بالضرورة احتفاءٌ بالجذور التي حملت الفنن، وبالطين الذي احتضن الجذور فإنه من الصحيح أيضاً أن الاحتفاء بحمد القاضي هو بالضرورة احتفاء بالأبجدية فَرَوضةُ حمد القاضي ما كنت ستضوع بمثل هذا العبير من البشاشة والدفء والعذوبة، لو لم تكن طاهرة الطين، نقية الجذور، وهل ثمة ما هو أطهر من طين اليقين وأنقى من جذور العروبة؟ قد يكون زعماً، أن حمد القاضي شاطئ عذوبة لكنه يقيناً روضة محبة وسانية بشاشة، وإلا فيما الذي جعل قلبه لا يألف غير نسج مناديل المحبة، ولا من متسع لمسامير شوكة واحدة في حدائق قلبه، هذه الحدائق الممتدة من نوافذ روحه حتى ستائر عينيه، فهو البشاشة تمشي على قدمين، وربما لهذا السبب دون سواه جعل القاضي من سطوره مسرى لقوافل المحبة ومن أورقة مرافئَ للودّ فشهر َسيف الحب بوجه الضغينة ذائداً عن طفولة الأشياء في الزمن المكتهل، معلناً انتماءه للألق في حربه العادلة ضد العتمة، فحمد القاضي إذن هو روضةٌ آدميةٌ أو هذا ما تبوح به ربابةُ بَوحِهِ الجميل وهو يكتب عن أحلامنا الذبيحة، وتبوح به أيضاً، تلك الابتسامة التي غدت ملمحاً من ملامح وجهه بل وتبوح بتلك الروضة صلواته وهي تنطلق من مئذنة روحه، سائلة رب العزة والجلال أن يجعل خبز فقراء الأمة، أكبر من المائدة، وأن يقضي بليلِ حاضر أمتنا إلى غدٍ لا يقربه القنوط.
أراني أطنبتُ، مع أني لم أقل شيئاً بعد، أقصد أنني لم أفِ الأمسية حقها ولي عذري في ذلك فمثل هذا الإيفاء أكبر من طاقتي، ليس لأن هجير المنفى الاسترالي قد أنضب ما تبقى من ندى قليلٍ في أبجدية حنجرتي، إنما لأن زهرة المحتفَى به قد كشفت لكم من زمنٍ عن تفاصيل عبيرها، ولأن نهر المحتفى أكبر أن يتسع له أفقُ حروفي ولأنكم أيها الجمع الطيب على معرفة بعبير هذه الروضة وبعذوبة هذا النهر الحفي..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :538  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 151 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج