المقدمـــــة |
الحمد لله الذي أنعم وأكرم.. فبوجود هذا الجزء (السابع عشر) من سلسلة "الاثنينة" بين أيديكم أكون قد حققت وعداً قطعته على نفسي منذ سنوات طويلة بطباعة فعاليات كل سنة عقب نهايتها مباشرة ليتم توزيع الكتاب مع بداية الموسم الجديد.. وكان التحدي كبيراً.. والعمل جسيماً.. فلا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها.. لقد تجمعت لديَّ مئات أشرطة الكاسيت عند بداية طباعة هذه السلسلة.. وكل شريط يشتمل على ساعة من الحديث المتواصل، يستغرق تفريغه على الورق كما تعلمون ساعات طويلة من العناء والتركيز والمتابعة الدقيقة.. وبحمد الله تضافرت مختلف الجهود لإظهار هذا العمل بالصورة التي أمامكم، والتي آمل أن تنال استحسانكم. |
ولأول مرة يأتي إخراج جزء من سلسلة “الاثنينية” مختلفاً وفي شكل (جزأين) الأمر الذي حتمه حجم مادة الكتاب التي تجاوزت ألف صفحة، وأصبح من غير العملي وضعها بين دفتي كتاب واحد، وقد رأيت من الأنسب تقديمه بهذا الشكل المميز بما يحفظ وحدة السلسلة، وفي ذات الوقت يعين القارئ الكريم على الاطلاع بطريقة ميسرة دون عناء. |
لقد أبحرنا من خلال هذا الجزء مع الرواية الطويلة، وأحسب أنها من الإبداعات القليلة التي تم الاحتفاء بها ضمن فعاليات “الاثنينية” بصفة عامة.. بينما بقيت الصدارة للشعر الذي لم يتخلف أيضاً عن مواكبة هذا الموسم.. فما زال الصراع بينه وبين القصة قائماً للاستحواذ على لقب "ديوان العرب" وحسم الأمر بيد النقاد المختصين في هذا المجال. |
أما الصحافة، التي قيل عنها مهنة المتاعب، وصاحبة الجلالة، والسلطة الرابعة، فقد استحوذت مع بعض رموز الإعلام بصفة عامة على جانب لا يستهان به في فعاليات هذا الموسم، ولا شك أن الثقل النسبي الذي تمثله الصحافة في حياتنا اليومية قد منحها ما يزيد عن 41% من مساحة الاحتفاء وتداول شؤونها وشجونها لأنها تمثل بحق حاسة الاستشعار والتواصل التي لا يمكن الاستغناء عنها أو التقليل من شأنها مهما تطورت وسائل الاتصالات ونقل المعلومات.. فستبقى الصحيفة أبداً رفيق (الصباح) أو (المساء) حسب الظروف.. وقد فرضت نفسها بقوة في مسيرة “الاثنينية” لأنها ينبوع الكلمة اليومية والأداة الأقرب لتلمس مختلف احتياجات المجتمع. |
إن هذه الفعاليات التي لمعت بروقاً في أمسياتنا، وسالت دفقاً عذباً في رحاب أوديتنا، وعطَّرت ردهات ملتقياتنا، ستظل أبداً بمشيئة الله ذلك النافع الماكث في الأرض، لأنها قطع من مهج الرجال الذين صاغوها فضلاً وأكرمونا بها حديثاً سلساً وذكريات ماتعة أكدت تواصل المثقفين مع جذور المجتمع وأنهم لا يعيشون في أبراج عاجية كما يُشاع عنهم في بعض المناسبات. |
وكان جميلاً أن تتطرق فعاليات "الاثنينية" ضمن هذا الموسم لمسألة الجوائز الأدبية التي ظهرت بصورة لا بأس بها على الساحة الثقافية.. وهي بلا شك ظاهرة إيجابية في مجملها رغم بعض السلبيات التي صحبتها، فقد حركت ركود الحركة الأدبية وساهمت بقدر لا يستهان به في استقطاب اهتمام كثير من المبدعين.. وبالتأكيد لم يكن الفوز بالقيمة المادية والأدبية لإحدى هذه الجوائز مطلباً في حد ذاته للمبدع لتقديم المنجز الأدبي الفائز ولكن صدى الفوز بالتأكيد له نكهة خاصة تتويجاً لعمل يحق لصاحبه أن يفخر به. |
في هذا الجزء من سلسلة "الاثنينية" كانت لنا وقفة مع أحد الرواد الأوائل الذين غازلوا الكلمة من خلال الصحافة في بداياتها الأولى.. تلك البدايات التي تذكرنا بنحت الصخر بالأظافر، بدايات صعبة تُدمي العيون، وتُرهق الجسم، وتُكد الذهن.. وبطبيعة الحال لم يكن العمل ميسراً كما هو الحال الآن في بيئة مكيفة الهواء مربوطة بشبكة الهاتف والفاكس والانترنت ووكالات الأنباء، كل هذه المعطيات كانت فوق الخيال والتصور، بعض أولئك الرواد الأفاضل كان يقطع المسافات الطويلة ما بين منزله ومقر عمله مشياً على الأقدام تحت وابل المطر، وشديد الحرارة، وقر البرد.. كان حب المهنة يسيطر عليهم ولا يترك لهم مجالاً للتفكير في غير العطاء والبذل والتضحية.. إنه جهاد بالنفس والنفيس من أجل الكلمة.. وحري بنا أن نكرم رموز تلك الحقبة من البقية الباقية من الرجال الذين أفنوا زهرة حياتهم لوضع الأسس التي قامت عليها صحافة اليوم ووسائل الإعلام الأخرى من إذاعة وتلفزيون، فبدون جهدهم وكفاحهم ما كان لنا أن ننعم بهذا المستوى الطيب بعد فضل الله سبحانه وتعالى. |
لقد زرع ضيوفنا الأفاضل واحات من العطاء تباينت ما بين حديث الذكريات الماتع، والأدب الرفيع، والشعر النابض بالأحاسيس المرهفة، وشذرات من الزمان والمكان خلدوها مشكورين ببديع بيانهم وثاقب بصيرتهم. |
وليس لي في مقام كهذا إلا أن أزجي لهم الشكر الجزيل على تفضلهم بإتاحة الفرصة لنا لتكريمهم، هذا التكريم الذي لا يرقى إلى مستوى قاماتهم السامقة، ولكنه جهد المقل الذي تقبلوه بصدر رحب ينم عن كرم أخلاقهم وجميل سجاياهم وتلك أبداً شيم العلماء، والأدباء، والشعراء، والنقاد، ورجال الإعلام، وغيرهم من المبدعين الذين أضاءوا أمسياتنا بسراج أفكارهم.. سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم وينفعنا بعلمهم وفضلهم. |
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. |
|
عَبد المقصُود محمّد سَعيد خوجَه. |
|
|
ربيع الأول 1421هـ - يونية 2000م |
|
|