شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الشاعر الدكتور زاهد زهدي ))
أيها الأخوة الأعزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
قيل لي صباح ذا اليوم وقد وطنت نفسي على حضور الاثنينية، بعد غياب طويل أملته ظروفي الصحية قيل لي إن الضيف الذي يجري الاحتفاء به اليلة هو السيد عبد الحميد مشخص، رنَّ الاسم في أذني وأعادني على الفور إلى أيام عشتها في القاهرة كان من بينها يومٌ دُعيتُ فيه من قبل صديق لي شفاه الله من محنة يواجهها هذه الأيام هو العميد الطيار حمزة حِجّي دعيت من قبله لحضور أمسية في ديوان الشيخ عبد الحميد مشخص حيث يجتمع إليه الأدباء والشعراء يتطارحون الشعر ويتبادلون الآراء في شتى أمور الأدب والأدباء وأخبار رجال الفكر، وتُلْقَى فيها الأشعار من قِبَلِ بعض الشعراء الذين يتوافدون على تلك الأمسية ومنهم الشاعر المصري محمود التهامي، وقد عرّفني العميد حمزة على الأخ عبد الحميد مشخص في تلك الليلة التي تمتعنا فيها بحضور لا يُنْسَى لكوكبة من الأدباء المصريين ورجال الصحافة ومرتادي النوادي الأدبية، كانت ليلة وحيدة لم تتكرر من قِبَلي بسبب ما كان من ظروفي العائلية والمحنة التي كنت أواجهها في ولدي المسجَّى آنذاك قبل أن يختاره الله إلى جواره، غير أني كنت أسمع دائماً اسم الأخ عبد الحميد مشخص يتردد على مسامعي من خلال ما ينقله لي الأخ حمزة حجي، ومن خلال لقاءات عابرة خارج مجلسه المسائي المفتوح للمعارف والأصدقاء، ولم يدر في خَلَدِِي أو لم أسمع قبل اليوم أن الأخ المشخص يقرض الشعر أحياناً في إطار ما يسمى بين أهل الشعر بالإخوانيات حتى قُيِّضَ لي صباح هذا اليوم أن أطلع على بعض ما وصل الاثنينية من أشعاره مشفوعةً بطلبِ كريمٍ من صاحب الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه في أن ألقيَ نظرةً على هذه الأشعار وأن أقدم بعضها إلى الحضور نيابة عن صاحبها لعلَّها تعطي للحاضرين فكرةً عن مطارحته الشعر بين الإخوان أو فيما يَعُنُّ له من سوانح الحياة وهي كثيرة ولافتة تستفز مكامن الشعور الإنساني وتدعوه إلى التعبير عنها بما يمتلكه المرء من أدوات التعبير الأدبي أو الفني على اختلاف مستويات ما يمتلكه مِنْ هذه الأدوات، وها أنا ذا أختار لكم بعضاً مما جاءت به قريحة ضيفنا في مختلف أدوار الحياة الطويلة التي عاشها معبراً عن تمنياتي وتمنياتكم جميعاً له بالصحة وطول العمر إن شاء الله، ففي أبيات له عن مدينة باريس وقد حطَّ ركابَهُ فيها ذات صباحٍ ربيعي باكر يقول ضيفنا:
باريس جئتك في صباحٍ باكرِ
أسعى إليكِ مع الربيعِ الزاهرِ
في نضرةِ الغاباتِ في المتعِ التي
يحلو بها في كلِّ فجرِ عاطرِ
رفافةً بالحسنِ يرقصُ والسنا
يكسو الربا ورداً بعطرٍ باهرِ
فيها الحسانُ الغيد يسلبنَ النهى
من كل ناعسةِ الجفونِ ونافرِ
فيها وفيها والمناظر جمةٌ
يا للعقولِ من الجمالِ السافرِ
سوربونها يثري العقـول تصوغهـا
قمماً تفيضُ بمعطياتِ القادرِ
فيها عرفت الحبَ بعد تبتلٍ
ورجعتُ أنشدهُ بوجْدٍ طاهرِ
أشدو مع القمري فوق غصونـهِ
يشكـو الجوى مِـنْ هجـرِ إلـفٍ غـادرِ
وأنا أبادله الشكايةَ عاشقاً
يلَقْى الجفاء من المدِلِّ الآثرِ
يحيا الليالي في سهادِ همومهِ
سهرانَ يحياها بحسِّ الشاعرِ
لا العين تهنأ بالرقاد ولا الحشا
يرتاحُ من وجْدٍ مُلِحٍّ قاهرِ
باريس جئتك والهاً متدلهاً
أشدو بسحركِ والهناءِ الغامرِ
بالأمسياتِ تفيضُ منك حلاوةً
تدعُ المحبَ بها بأحفلَ سامرِ
 
تلك أبيات منتقاة من قصيدته (باريس) أختمها بأبيات عابرة من عندي أقول فيها:
باريس لوعةُ الصبـا لرأيت من
عبد الحميد فنون صبٍّ ماهرِ
للآن ينبضُ قلبهُ متولعاً
بالذكريات من الزمان الغابر
أيام كان فتى نديّاً عودُهُ
يصلُ الليالي بالصباحِ الباكرِ
إني لأحسبهُ إذا ما عادتِ الأيامْ
يغنمها بروحِ مبادرِ
 
وفي أبيات قصيرة بعنوان (تحية) يخاطب ضيفنا أصدقاءه وخلانه من أبناء مصر الطيبة فيقول:
يا جـيرةَ النيلِ إني قد عشقتكمو
ففيكمو قد رأيتُ الظـرفَ ألوانا
عشقتُ في النيلِ أمجاداً مضمخةً
قد رددتْهـا لهاةُ الدهرِ ألحانا
سامرتُكم في الضفافِ الخُضرِ مُدكراً
ذكرى لقاءاتِ حبٍّ فاضَ تَحْنَانا
على شواطئكم كم سرتُ منتشياً
مع الأحبةِ يرعى الشّطُ نجوانا
هنا أساتذتي عاشوا أُسامرُهم
هنا صحابـي بهـم قـد عشـت نَشْوانـا
هنا الأحبةُ حيثُ الشملُ مجتمعٌ
يحوطُنا السعدُ خِلاّناً ونُدْمَانا
 
ومطارحة لهذه الأبيات الجميلة أقول:
يا فتيةَ النيلِ مازالتْ مرابعُكم
خُضْراً ومنْبِتُها ورداً وريْحَانا
للآن ينبضُ في عبد الحميدِ هوىً
للنيلِ يهفو يناجي منه شطآنا
لليلِ يقمرُ والألحانُ صادحةٌ
والغيدُ تمرحُ في الآرامِ غزلانا
يا هلْ تعود ليالٍ كلها مرح
أم يا ترى طُويتْ فيهن ذكرانا
عودي ليالي الصبا فالـروح مـا برهـت
ولهى وعبد الحميد الشيخ ولهانا
 
أخيراً فقد شدتني إليها بشكل خاص مقاطع بعنوان (إيقاعات وأصداء) تذكّرَ فيها وهو في مصر بلادَه الحبيبة وموطنَه الكريم الذي درج صبياً على ترابه فتراه يقول:
ذكرتُك في الليالي الحالكاتِ
ذكرتُك والمنى ملءُ الحياةِ
ذكرتُ صبابتي وذكرتُ صَحْبي
وأمسي حافلاً بالمغرياتِ
ذكرتُ ملاعبي وذكرتُ لهوي
وأياماً مضينَ بذكرياتي
ذكرتُ شبابي الماضي وإني
لأحياها أماسيَ حالماتِ
شربتُ الحبَّ حُلواً مُسْتطاباً
وجرّعتُ المرارةَ والهُياما
وذقتُ من الذي لاقاهُ غيري
من الهجران أنهلُه سَقَاما
ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً
وقد حَمَلَ المحبةَ والخِصَاما
فنحياها ليالي تجتَوِينا
أماني عذبةً وهوىً ضراما
* * *
ذكرتك يا بلادي مِنْ بعيد
ذكرتُك من ربي النيلِ السعيدِ
ذكرتُك لا أرددها رياءاً
ولكنْ عَنْ هوىً حرِّ أكيدِ
ذكرت مدينةَ المبعوثِ طه
رسولِ الخيرِ والهَدْي الرشيدِ
وزمزمَ والمقام وكل شهرِ
ببيتِ اللهِ في الحرمِ العتيدِ
* * *
ليالي النيلِ والبلدِ الخصيبِ
هوى قلبي وداراتُ الحبيبِ
أصيخي وأسمعي مني شكاةً
تفيضُ إليك بالدمعِ الصبيبِ
ومَنْ لي بالرجاءِ وقد تلاشى
وحطّمَهُ الزمانُ على الدوربِ
وكنتُ أعيشُ في كَنَفٍ ظليلٍ
من الأحلامِ والعيشِ الرطيبِ
فلولا موطنٌ غالٍ كريمٌ
درجْنَا فيه في ظلِ النعيمِ
ولعشتُ بمصرَ لا أرجو ابتعاداً
عَن الأهرامِ والنيلِ العظيمِ
ولكنَّ الوفاءَ يشدُّ نفسي
إلى وطني المحببِ والحطيمِ
وعذري يا ضفاف النيلِ عذري
ولائي للشعيبة مِنْ قديمِ
 
وأخيراً إلى عبد الحميد في هذه الليلة الممتعة هذه الأبيات هديةً منيّ أقول فيها:
سلام الله يا عبد الحميدِ
لِمَا أبدعتَ في هذا القصيدِ
لحشدِ الذكرياتِ وقد توالتْ
خلالَ الشعرِ في عِقْدٍ فريدِ
هززتَ بها شواطئ النيلِ حتى
تغنّى روضها لك من بعيدِ
يناغي الأمس في شوقٍ ويهفو
إلى الأيام تدرجُ مِنْ جديدِ
تضمك والأحبةَ في أماسٍ
معطـرةٍ بأنفاسِ الورودِ
وبالحبِّ الذي أوردتَ منه
ظماً في القلب موصول الورود
أشاركك الهوى في مصرَ إني
تركت بِتُرْبِها الغالي وليدِي
وعشراً من سنّي العمر مرْت
تطبع من سوانحها وجودي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
عريف الحفل: لا فض فوك دكتور زاهد والحمد لله على سلامتك.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :444  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 77 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.