شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور صابر عبد الدائم الأستاذ بجامعة أم القرى
قسم الآداب والنقد بمكة المكرمة ))
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم المرسلين وبعد...
فنحمد الحق سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، نصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كثيراً، فكلامه ألقى الله عليه المحبة وغشّاه بالقبول، وهو كما يقول الرافعي والبلاغة الإنسانية التي خضعت الأفكار لآياتها وحسرت العقول دون غايتها وهي لم تصنع وكأنها من الأحكام مصنوعة والمتكلف لها وهي على السهولة بعيدة ممنوعة، أيها الأخوة الحضور في هذه الليلة المباركة المضخمة بطيوب المحبة ونسائم الإجلال والتقدير، لا يسعني إلا أن أكرر شكري ومحبتي وتقديري لصاحب السعادة الأديب عبد المقصود خوجه على ما يبذله في هذه الاثنينية من تكريم للأدباء والعلماء، وهو بهذا الصنيع الحضاري بكرم الكلمة الطيبة ويجسّد نموذجاً للوجدان العربي والإسلامي، وأجدني مسافراً في سنابل الزمان ملقياً برحلي في دار أبي تمام وبدون استئذان أنقل عبر آلة الزمن كلماته العذاب، هذه الكلمات الأوْلى بها والأجدر بها صديقنا صاحب السعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه وكأن أبي تمام كان يعنيه حينما قال:
أُلبِسْتَ فوق بياضَ مجدِك نعمةً
بيضاءَ حلتْ في سوادِ الحاسدِ
ومودةً لا زهدّتْ في راغبٍ يوماً
ولا هي رغبّتْ في زاهدِ
غنـاءُ ليس بمنكرٍ أن يغتدي في
روضهـا الراعـي أمـامَ الرائدِ
لا أدعي لك جانباً مِنْ سؤددِ
إلا وأنتَ عليـه أعـدلُ شاهدِ
أيها الأخوة الحضور هذا قليل للأستاذ عبد المقصود وأعتقد كلنا قلبنا ينطق بذلك.
ونأتي إلى أخينا وصديقنا الدكتور حسين علي محمد مع تحياتي لجميع الحضور ولأخي الأستاذ الدكتور محمد بن سعد بن حسين ونحن نختلف لكي نتحاب، ونتكاشف لكي نصل إلى طريق سواء إن شاء الله، الشاعر الدكتور حسين علي محمد منذ ثلث قرن الثلث الأخير من القرن العشرين وهو يشارك في الحياة الأدبية المصرية والعربية، مشاركة فاعلة جادة، مشهد هذه المشاركة يتجسد في متابعته الجادة لتطور معالم الحياة الأدبية والوعي الفني بملامح هذا التطور وانعكاس هذا الوعي على إنتاجه الإبداعي رؤية وبناءاً وتنوعاً في الفن الأدبي وتضاريس هذا الفن وتجلياته التشكيلية والطموح إلى التجاوز والابتكار، وهذه المتابعة الجادة الواعية في المشهد الإبداعي العربي لم تكن أحادية الجانب كما نقول، أو حب من طرف واحد ولكن كان التفاعل والحوار والصدام والوئام من مفردات هذا الحضور الثقافي والإبداعي على الساحة المغطاة، الساحة الأدبية الكبيرة المغطاة بالأشجار الباسقات وكذلك بالحشائش المتسلقات، وحين كان حسين حين كان برعماً صغيراً إلى أن استوى على سوقه يتجول في هذه الساحة، يراسل كبار الأدباء والنقاد، ويحتفظ بآلاف الرسائل في خزانة كتبه التي تئن الآن من تراكم المجلات والجرائد والرسائل ويضيق بيته لها، فهو يراسل الأدباء والنقاد منذ نعومة أظفاره، في المغرب، وتونس والأردن والعراق والسعودية والبحرين وسوريا واليمن وتمخضت هذه الحركة عن مولود في أدب الرسائل حيث أصدر كتاباً يصور فيه الملامح الشخصية والأدبية والنقدية للأديب والناقد الأستاذ (وديع فلسطين) معتمداً على الوثائق والرسائل الخاصة، وسمعت له منذ أسبوعين في إذاعة الرياض بأن هذا أول كتاب في أدب الرسائل يعتمد فقط على الوثائق الشخصية الخاصة - وقال - فيما أعلم - وكان محترزاً - في هذا الحكم، وقد اعتمد على هذه الوثائق والرسائل وأخونا الدكتور حسين، هناك ملاحظة بأنه يُعْنى بأدباء الظل، أو الأدباء الذين ابتعدت عنهم أضواء الإعلام، وكتب كتباً لم تذكر الليلة عن بعض أدباء غير معروفين وربما شاركت هذه الرؤية لديه في إلقاء الظل عليه أحياناً أو الابتعاد به قليلاً عن الوهج الإعلامي أو عن الضجيج الأجوف البراق، ولكن موهبته الأصيلة وملكته الفطرية ما زالت هي النار المبدعة التي لم تنطفئ، وتفتحت ملكته الإبداعية في ظل نكسة عام 1967م هو ظل ملتهب منكسر، وهذا الانكسار صبغ رؤية حسين علي محمد بصبغـة التشـاؤم والتحـدي وتحركت في شرايين الطاقة الإبداعية لديه دماء ساخنة أبعدته عن تيار الرومانسية الهادئ وعن حركته المنسابة في غير ما ضجيج ولا صخب، ومنذ هذا التاريخ وهب حياته لفنه حماساً ومتابعة وتفاعلاً وإبداعاً وفنه الشعري يتمرد عليه كثيراً ولكنه يقاومه ويسيطر عليه يما يتقد في ذاته من وهج إبداعي صادق وحماس ووعي مخلص بدور الشعر الرائد في الكشف عن الحقيقة التي كثيراً ما تهرب من عقول الفلاسفة وتجارب العلماء مهما جدوا وتنافسوا في البحث عنها، وحبه للشعر عشق ووجد وذوبان، يفنى فيه المحب في ذات المحبوب فإذا هما شيء واحد.
تتوالى دواوين حسين كما سمعتم حضراتكم - بدءاً من (السقوط في الليل) إلى (غناء الأشياء) تسعة دواوين من شعر الفصحى وله أكثر من ديوان في شعر العامية المصرية، وهنا أتفق مع صديقنا وأخينا الدكتور محمد بن حسين في الشعر العامي فقط وليس في شعر التفعيلة، فالدكتور حسين بعدما أصدر بعض الدواوين للشعر العامية أعلن توبته، وندم على ما فات وعزم على ألاّ يعود إلى الشعر العامي البتة وهو محق في ذلك، ونأمل أن تكون التوبة نصوحاً ولا تكون من قبيل توبة الشعراء، وحين نرصد معالم التجربة الشعرية لسعادة الدكتور حسين علي محمد نشهد هذه المرائي تتحرك أمامنا - طبعاً في عجالة والوقت يلاحقنا.
أولاً: من ملامح شاعريته البوح الذاتي وهذا المعلم يمثل تياراً رئيساً لنتاج الدكتور حسين كله حتى القصائد ذات الحس الإنساني والوطني والدائرة في الفلك الاجتماعي والتي تعتمد على توظيف المواقف والشخصيات التاريخية والأسطورية، وقصيدته (أغنية حزينة) التي كتبها منذ عام 1968م (في الظل الدامي لانكسار يونيو1967 م) نموذج لذلك يقول مطلعها:
الصمت تمدد في أقبية الخوف
فرأيت جناحي أغنيتي المكسورة في القاع... يقتتلان...
ورأيت الظل المشطور بحد السيف...
يتقهقر منهزماً نحو الصيف المقهور الجرف والكلمات...
ووجدت ربيعي طللا يبكي حباً مات...
وعناوين دواوينه تفصح عن هذا الملح الذي يؤكد أن شعر حسين صورة لحياته التي تذوب في الروح الكلي، روح المجتمع وروح الإنسانية ولكنها تظل متمسكة بخصائصها ومقوماتها ورغباتها...
ثانياً: التأمل والتمرد: التأمل في شعر حسين ليس تأملاً تجريدياً وليس فلسفة مباشرة، وليس تأملاً في ماهية النفس ولا تأملاً في الطبيعة الكونية... ولا تأملاً في الصراع بين قوى النفس المختلفة... ونأخذ نموذجاً من التأمل يقول الدكتور حسين علي محمد في قصيدة تأملية وهي من الشعر المقفى:
 
هل كنتَ أطيافَ نـورٍ غـدا بـدربِ خطايا
أم كنتَ ناراً بخلـدي لم تبـقِ منـي بقايا
أم كنتَ عاري وحزني وصـوت صمـتي بكايا
أم كـنتَ ميـلاد قهـرٍ في صحوتـي وسمايا
فصرتَ روحـاً غريبـاً وصـارَ دربـي شظَايا
 
وفي نموذج آخر يقول:
رايات حزنِك في عيني ترفعها
أصابُع الملحِ بالأنواء والنّوبِ
هذا دمي في يد كسـرى يَقَرُّ بـه
وبيننا في الوغـى حُسْنٌ من الخطبِ
إلى متى تتخلـى عنـكَ في شَغَـفٍ
بيارقٍ خـادعٍ من أنجـمِ الكذبِ
وأنت راية أجداد وسـربُ مـنى
وذوب قلب شدا بالنـار والغضبِ
القادسيةُ نورُ الفتح في دمِنا
ووردةٌ طفلـةٌ في القلـبِ لم تشبِ
والكلام كثير وكنت أطمع أن أكمل ولكن... وأوجه شكري للأخ الدكتور حسين والأخ الدكتور حمد الدخيل وإلى حضراتكم جميعاً... وإلى الأستاذ عبد المقصود... وأعتذر إن كنت قد أطلت وإن أكن أوجزت فلم أقل كل ما عندي...
لكم التحية والشكر...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
 
الشيخ عبد المقصود خوجه: سعادة الدكتور صابر بن عبد الدائم إخواني الكرام: أحس بإحراج كبير عند الثناء عليّ، لقد أصبحنا أبناء بيت واحد، جمعتنا عشرون عاماً تقريباً في هذه الأمسيات، ودائماً أرجو وأصر... والله إنني في ذلك صادق وأمين معكم كأمانتي مع نفسي، أرجو أن يكون هذه العمل خالصاً لوجه الله ولأجل هذا الوطن وأبناء هذا الوطن... وأن تعفوني من الثناء فما أنا إلا منكم ومعكم وما هذه الاثنينية إلا بكم، ولولاكم لما كانت الاثنينية، ولولا الأساتذة الأفاضل الذين تكرموا علينا بقبولهم تشريفنا وإعطائنا الفرصة لتكريمهم لما كان لنا هذا العطاء، لما كانت لنا هذه الأمسيات، لما كانت لنا هذه المساحة من الحوار والنقاش... أرجو من كل قلبي أن أركز على الضيف بقولةِ الحق وعلينا أن نتصادم في الحق، وعلينا أن نلتقي في الحق، بعيداً عن شخصي الضعيف فأنا لست إلا كمقتعد مقعده مثلكم... لا أزيد ولا بمقدار قيراط... أرجو أن تعتبروا أن هذا حديث القلب...
شاكراً ومقدراً وممتناً جميع ما سمعته من ثناء ولكن أرجو أن يكون ديدننا ذلك... رجاءاً حاراً وشكراً لكم جميعاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :469  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 68 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.