شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ الأديب والصحفي محمد عبد الواحد ))
قبل نصف ساعة حادثني الأستاذ أسامة السباعي وطلب مني أن أحضر ولكني اشترطت ألا يقمعني عبد المقصود خوجه وأنا في منزله، فإما أن يترك لي حريتي أتحدث عن صاحبي (عبد المقصود خوجه مقاطعاً: أنت في حد في الدنيا يقدر يقمعك يا أخي؟) -ثم يواصل المتحدث- هذا هو شرطي، كنت أزعم أن هناك أربعة هم أعرف بمشعل السديري وكان ينبغي أن يكونوا هنا ليتحدثوا عنه، أحد هؤلاء الأربعة مات، وهو سباعي عثمان، وهو أول من نشر لمشعل السديري، واثنين واحد في الرياض في بيته والثاني كنت أتوقع أن يكون حاضراً وهو الأستاذ عبد الله جفري ولكنه لم يأت.. ورابعهم حاضر.. أنا عثرت على قصاصة تاريخها في 18 ربيع الأول عام 1390 هـ وهي تكاد تكون عن بدايات مشعل السديري، أنتم لا تعرفون إلا الجانب الذي ترونه في عكاظ من قبل سبع سنوات أو تسع سنوات ولكنكم لا تعرفون أو أكثركم لا تعرفون مشعل السديري الذي عاصرنا بداياته الأولى بل أزعم إنني أحد محرري الصفحة السابعة الذي ساهم في بدايات مشعل ولا أعتقد إنه احنا نفرق كثير عن بعض في السن يجوز فرق عشرة سنين فقط بيني وبينه، ولكني قبل أن أتحدث وأقرأ لكم مقال مشعل أرجو أن يقرأه الأخ المذيع ابن صديقنا يحيى كتوعه الأستاذ الكريم فيما بعد بأسلوب يمكن لا فيه لحن في اللغة ولا شيء ويمكن يستمتع الناس بهذا المقال.. لكن قبلها أود أن أروي لكم قصة عن الأمير محمد بن أحمد السديري.. والد مشعل.. والد مشعل كان أميراً لجيزان، وكنت أنا من رعيته، وكان رجلاً مهولاً مخيفاً ترتعص فرائص الرجال عندما تراه، شنبه يقف عليه الصقر.. رجل مهول.. وكنا في تلك الأيام نقرأ قصص أبو زيد الهلالي وكانوا يلقبونه بكنيته أبا زيد.. فكنت أتخيل أن هذا هو أبو زيد إلى أن كبرت، وعندما كبرت أرسلني عبد المجيد شبكشي هنا -رحمة الله عليه- قال لي اذهب إلى فندق جدة بالاس ستجد الأمير محمد السديري أجر حديثاً معه، هذا الكلام في عام 1385هـ وأجريت معه الحديث، وانبسط الأمير فاستدعاني في اليوم الثاني يريد أن يكافئني.. فدخلت وإذا بشاعر عربي لا أريد أن اسمي اسمه، وإذا رغبتم قلت اسمه، وكان يلقي قصيدة رائعة جداً فدخلت وأدباً وقفت عند الباب إلى أن انتهى هذا الشاعر من قصيدته فسلمت على الأمير وكان حواليه مجموعة من الناس وإذا بالشاعر قال هل تعرفون هذه القصيدة لمن؟ قالوا لمن؟ قال هذه القصيدة للأمير محمد السديري.. قال الأمير لا تخسأ أنا ما أقول شعر فصيح، أنا أقول شعر نبطي.. وهذه القصيدة للمتنبي وليست لي.. وإياك أن تنافقني - هذا مدخل لأريكم جزء من تربية هذا الرجل الذي أمامنا إنه يكره النفاق والكذب والتزلف وقد ربي على ذلك - المهم أكمل لكم القصة، سلمت على الأمير قال لي كتبت كلام جيد وممتاز والحديث كان طيب، وأريد أن أكافئك، ولكن ايش رأيك في هذا الشاعر المنافق؟ قلت سامحه يا طويل العمر، أراد يجاملك.. قال طيب سامحناه.. المهم امتدت يده إلى رشاش خلف ظهره، وما أن أخذه في يده إلا وأني انطلقت مثل الصاروخ جرياً إلى الباب.. فلحقني اخياه، وقالوا لي وراك ارجع ترا ما يريد بك شر ويريد أن يهديك هذه البندقية، ترا تسوى عشرة آلاف، قلت والله لو تسوى مليون ما أريدها.. وراك دخلت يا ابن عبد الواحد؟ قلت الله يحييك بندقية وفي يد أبو زيد وتريدني أوقف؟ ما إني بواقف.
المهم بعدها تعرفت بالأخ مشعل السديري وكان هو في معركة مع عبد الله نور حول اللا منتمي والحقيقة أنا كتبت عنه في كتابي كلمات أود أن تستمعوا إليها يمكن فيها شيء من الاجتهاد وهذا الكلام كتب عندما كان مشعل متوقفاً عن الكتابة وكان يزرع الأرض في القصيم، كتبت أقول:
واحترق وتوهج حتى ملأ احتراقه وتوهجه السمع والبصر، كان كالصاعقة، كالبرق الذي يخطف الأبصار، كالرعد المباغت الذي زلزل كياننا لنصحو على حقيقة واحدة وهي أن الفنان المبدع قد يترك أثراً عميقاً ومدوياً وصارخاً في أعماق الناس وحياتهم، إذا ما كان عمله الفني صادقاً وملتصقاً بتلك الينابيع الأصيلة في مجتمعنا، لقد كتب القليل والقليل جداً - أما الآن فهو يكتب الكثير - وترك أثراً كبيراً جداً لم يتركه سواه، لم يؤلف مشعل السديري العديد من الكتب، ولم يرسم العديد من اللوحات، ولم يقم العديد من المعارض ولكنه في عطائه وفي رفضه وفيما أخفاه وما أعلنه كان أروع المبدعين وأكثرهم تأثيراً وأسرعهم تعبيراً وأقلهم كلاماً.. كان نايا في كل الحقول وطارقاً وموالاً على كل التلال، ولحناً جبلياً عذباً على قمم كل جبال السراة، لقد تفاعل مع كل ما يراه ويلمسه كان الفنان في داخله هو الذي يتدخل ويتطفل ويسأل ويتساءل ويحقق ويجيب ويكتب ويبدع ولهذا اكتسبت الأشياء من حوله لغة أخرى وصموداً وخلوداً بفضل تعامله وإحساسه بها، ما كان يرى الحجر حجراً، ولا في الصحراء موتاً وعذاباً ولهيباً وتراباً، إنه يتطلع إلى حياة أكثر خصوبة واكثر استمراراً وأكثر عطاء، فمنح كل الوديان الجافة من نبعه أنهاراً، وأحب عيون الجوى أكثر من عيون روما، وصادق الأعشى، ورافق عروة الصعاليك في كل غاراته وغزواته، وقبل جبين عنترة العبسي، وشرب حليب الناقة من يدي عبلة، وأوقد غليونه بجمرات لا تنطفي أبداً من ديار بني عبس واتكأ على تلة من تلال القصيم وغنى غناءً من هوله كاد الوليد أن يشيب، عاشق الأرض والطواف هذا ما سرقته ريشة ليونارد دافنشي ولا أشعاره ولا غربه دور كورا ولا بودلير ولا روبنز ولا فان جوخ ولا شوه جمال صوته وأصالته ولغته ابتداعات موسيى موزارت ولا بتوفهن ولا احتال على شكسبير ولا على البرتومورافيا ولا سارتر، لقد بقي منه صوت الصحراء وأهازيج الرعاة، ووشاح بدوية عذراء لم يلوثه الكذب، لقد عاد من روما يحمل على أجفانه حفنة من رمال نجد، وعلى الجبين والساعد زهرتان، ومن حائل والقصيم عاد وفي عينيه أرض عطشى تحلم بالرواء وبالخضرة والنماء، وصار مشعل يكسر قلمه ويحطم ريشته والناس لم ترتوِ بعد من كل إبداعاته - أنا أتكلم عن القديم، لا أتكلم عن مشعل الحالي - ليستبدلها بمحراث وفأس وإصرار عظيم لا يقاوم، وانطلق مع كل شموخ البدوي يزرع الأرض ويبذرها ويحيل الصحراء مع كل السواعد القوية إلى حقول على امتداد البصر، كانت الأرض صديقة وفية، وحبيبة خالدة، ما أنكرت وجه صاحبها ولا تنكرت له، فأعطته كما أعطاها وشعر للمرة الأولى بنشوة انتصار الفأس والعرق والدموع واصطفت رؤوس سنابل القمح كخوذات الجنود تحييه كل صباح، لقد أصبح لمواليده على وجه كل حقل اسم ومعنى وهدف، وترك مشعل الأشعار وبدأ يمارس طقوساً من الوله والحب لهذه الأرض، وسألته عندما شاهدته لآخر مرة، كانت في عينيه نخلتان، وعلى جبينه وردتان، وفي إحدى يديه حفنة من تراب أرض الجنوب، وفي اليد الأخرى حفنة من طين أرض القصيم وحائل، أين يا مشعل القلم؟ وتوهج الإشعاع في عينيه وكأنه على موعد.. وقال: يا صديقي ليس قبل أن أزرع بهاتين الأرض (وأشار إلى كفيه) - لكن أفسده قينان الغامدي ورجعه إلى الكتابة - وتركته تحت أشعة الشمس والعرق يتصبب من جبينه وألف وردة وسنبلة قمح تحييه، عندما يعود مشعل للكتابة - وقد عاد والحمد لله - لا تقولوا إنه اختفى، ولكن قولوا لقد كان مشعل يكتب بحروف من نور على وجه كل حقل.. لقد كتب مشعل بوعيه سطوراً خالدة على وجه الصحراء فأحالها مع كل مواطني بلاده الشرفاء إلى خضرة وحياة يفخر بها الأحياء.
بقي الكلام الذي يدلكم على صورة مشعل قبل ثلاثين عاماً، في 13 ربيع الأول عام 1390هـ (عبد المقصود خوجه مقاطعاً - أنت تعطيني صورة المقال إذا تفضلت، إستثناءً تركنا لك الكلمة لتقول شيئاً قديماً ولكن العادة لا نقرأ من القديم، وسيتم تصوير المقال وتوزيعه على الأخوان، لأن سياسة الاثنينية ألا نقرأ ما نشر ولكن نتيح الفرصة لأي جديد وأي إضافة تثري الموضوع)..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :626  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 48 من 81
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج