شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ قينان الغامدي
الأديب والكاتب والصحفي المعروف ورئيس تحرير جريدة الوطن))
- بسم الله الرحمن الرحيم.. في البدء أود أن أتوجه بجزيل الشكر والتقدير للأستاذ عبد المقصود خوجه هذا الرجل المفضال الذي يهيئ لهذا الجمع الكريم أن يلتقي في أمسيات يحفها العلم ونتنفس منها الثقافة والمعرفة وهو بهذا يؤكد فعلياً ما عناه الشاعر "ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا" ولأنني أحب الأستاذ عبد المقصود خوجه، ولأنني أدرك العناء الذي بذله في ملاحقة مشعل فإنني بهذا القدر ألومه على ما بذل وتجشم ولو أنه اتصل بي لأعطيته سيرة مشعل وترجمته الكاملة التي سأفضحها الآن.
الحقيقة أنا لن أضيف جديداً عن مشعل السديري الكاتب فما تفضل به الأساتذة الكرام فيه ما يكفي وما تعرفونه عن مشعل الكاتب أكثر، لكنني سأحدثكم عن اثنين: عن صديقي مشعل السديري وعن مشعل الكسول ولعل هذه تصلح عنواناً كقصة للأطفال.. ربما كان من سوء حظي أو من حسنه معرفتي الشخصية بمشعل السديري في ذروة غليان أزمة الخليج فصدام حسين قاد جنوده واقتحم الكويت ومشعل السديري اقتحم قلبي صديقاً جديداً.. ونحمد الله أن جحافل صدام انكسرت أما جحافل مشعل فهي القوة الاستعمارية الوحيدة التي يبدو أنها تلقى الكثير من التقدير والاحترام والتبجيل والتوسل بألا ترحل. منذ أن عرفت مشعل السديري شخصياً. أما معرفتي به كقارئ فهو منذ أن كان يكتب في بعض المجلات وأنا طالب في المرحلة المتوسطة وبجواري الأستاذ مصطفى عطار يقول أنه قرأ مقالاً قبل خمسين عاماً لمشعل السديري أعجبه أيما إعجاب.. كثيرون يعرفون مشعل السديري الكاتب وكثيرون يستغربون هذا الرجل الذي يكتب عن الفقير والكادح والمريض الذي يعاني الذل والهوان.. كثيرون يتصورون مشعل السديري ولعلني انطلق من مقولة صديقي السريحي الذي قال أن سائلاً يسأل هل هو مشعل بن محمد الأحمد السديري؟ وأنا تعرضت كثيراً لمثل هذا السؤال أم أنه ينتحل الاسم.. ولكنني أعرف صديقي تماماً فمشعل السديري ولد في فمه ملعقة من حزن وأكبر من الملعقة من المرارة.. لقد فتح عينيه على الدنيا يتيماً - يتيم الأم - ولعلكم تدركون وندرك كلنا ونردد أن اليتيم هو يتيم الأم، فتح عينيه على وجه جدته لأمه المتغضن، المكتنز بالحب له والحسرة على أمه، وظل هذا الطفل يترعرع رويداً رويداً في صحراء شاسعة لا يرى إلا السماء والأرض وما بينهما من إبل وغنم وبدو يسرحون ويروحون، وذات يوم فوجئ برجل أشد سحبه من يديه فيما لم يبق لجدته ربما إلا شيئاً من "خلاقين" مشعل التي لا يدري إن كانت إلى اليوم في يد جدته في قبرها أم أنها رمتها على سطح الدنيا.
من هنا لعلكم تجدون تفسيراً لهذه السخرية التي يتعامل بها مشعل مع الأشياء، مرة قلت له أنت تذكرني بالطب العربي في تجبير الكسور، وأحمد الله أنه لم يكن مجبراً عندما انكسرت، فمجبر الكسور في الطب العربي يمسد يد أو رجل المصاب إلى أن يطمئن، نوع من التخدير، ثم لا تسمع إلا صوت العظام وهي تتفرقص تحت يديه، مشعل السديري عندما يكتب يستعمل هذا الأسلوب فلا تشعر إلا وهو يروغ عليك، ولا تدري إلا والنبل في مرماه والسهم في مكانه الذي وجهه.
استغربت حقيقة من الأستاذ عبد المقصود خوجه وأنا أسمع كلمته عن مشعل وأرجو أن يسامحني إذا قلت إنني تأكدت أنه لا يعرف مشعل، هذا الطفل البدوي الذي اغتيلت براءته وجئ به إلى مدرسة نظامية وبعد سنوات لعلها طويلة انتقل فجأة إلى روما.. ويعد أن قضى هنا سنوات لعله أعاد فيها السنة ثلاث مرات، عاد وامتطى "جيباً" مكسراً، ولم يبق طعساً في نجد ولا خرابة في تهامة ولا غاراً في السراة لم يدخله هذا الجيب ومشعل، هذه هي تجربة مشعل أضيفها إلى ما ذكره صديقي السريحي من أنه لم يدع مقهى لم يجلس فيه ولا رصيفاً لم يشهد قامة مشعل وهي تزاوله ذات الصباح وذات المساء.
أي رجاحة عقل التي يتحدث عنها الأستاذ الخوجه بعد هذه التجربة، أتظنونني أظلم مشعل؟ لا والله، لقد قلت لمشعل ذات يوم لماذا لا تدون سيرتك الذاتية؟ قال إنني بالكاد أكتب هذه المقالات.. قلت سجلها وأنا كفيلها بتفريغها وصياغتها واتفقنا وتواعدنا وكان هذا قبل خمس سنوات وما زال الوعد قائماً.
تنقلات مشعل السديري من الدراسة النظامية إلى دراسة الفنون الجميلة إلى الزراعة إلى التسكع إلى الفوضى إلى العزلة إلى الكتابة الأسبوعية ثم الكتابة اليومية ثم هذا الغموض الطاغي على سيرته الذاتية، ثم هذا الإهمال الشديد لكل ما يكتب، فمشعل لا يحتفظ بمقال اليوم الذي نشر في عكاظ، لعل هناك من قرائه من يحتفظ بشيء من مقالاته ولا يحتفظ بشيء مما يكتب كل هذه تفسره شخصية فوضوية لا تريد أن تعترف بقيمتها هي، إذا كان الناس يتحدثون عن مشعل الكاتب ويتحدثون عن مشعل الأديب ويتحدثون عن مشعل الفنان فإن مشعل السديري ذاته لا يعرف هذا الرجل أبداً، إنه لا يعرف إلا هذا الرجل الذي يحمل مرسمة في يده وأي ورقة تطرف في المكتب يكتب عليها فكرته ثم يبعثها بالفاكس ويقطع الورقة أو يبعث الورقة كما هي إلى الجريدة أما بعد ذلك فلا شأن له بشيء ولذلك أرجو أن يكف الأستاذ عبد المقصود خوجه عن حلمه في أن يرى كتاباً لمشعل السديري.
 
سأنتقل لأحدثكم عن مشعل الكسول: وأنا عندما أقول كسول لأن مشعل السديري رجل ذو قامة، ولعل هنا من أقربائه وأنداده من يعرفون أنه بزهم في بدايات كتاباته الأدبية وكان وما زال مشعل السديري مشروع ناقد أدبي عظيم، وكان وما زال مشعل السديري مشروع كاتب قصة أو رواية عظيم، لكن مشعل السديري لا يرتاد هذه المواهب التي تغازله ويلتفت عنها ذات اليمين وذات اليسار، هذا رقم واحد من كسله.. أما رقم اثنين فإنه فنان تشكيلي ورسام بارع ولعلني لو سألت أحدكم الآن فإنه ربما الغالبية العظمى منكم لم ير لوحة لمشعل السديري ولعلكم قرأتم معي وتابعتم في الصحافة المحلية منذ عامين أن مشعل السديري ابن ذلك الشاعر العظيم "محمد الأحمد السديري" ولقد خلف هذا الرجل تراثاً شعرياً وسيرة ذاتية تستحق أن تدون وتروى، وهذا هو المشروع الوحيد الذي أشهد أن الصديق مشعل السديري شرع ووصل فيه إلى مراحل متقدمة ولم تبق إلا اللمسات الأخيرة ولست أدري حتى الآن متى يضعها.. ألا ترون معي أن هذه السيرة، أو هذا الجزء من السيرة يستحق أن نضع عليه عنواناً اسمه مشعل الكسول؟
 
إذا كان مشعل السديري يقرأ بصورة لا تنقطع، فهو لا يكاد يمر يومان أو ثلاثة إلا وقرأ كتاباً أو رواية أو قصة فما الذي يمنعه أن يشارك في هذه الساحة الأدبية ناقداً؟ وما الذي يمنعه أن يدخل إلى غمار التأليف وهو قادر على ذلك قاصاً أو روائياً؟ وما الذي يمنعه أن يكتب لمشعل السديري مما نشر ومما لم ينشر من مقالاته التي تناول فيها السياسة والاقتصاد والفن والأدب وأزعم أنه يكتب أعظم ممن ألفوا ثلاثين وأربعين كتاباً وغثونا بها في المكتبات والأرفف والكراتين.
أرجو أن تعذروني على الإطالة ولكن بقيت فقط لقطات بسيطة أريد أن أقولها من أجل أن "ينكشح" مشعل أكثر، أعجبتني الحقيقة جمع مشعل التي جمعها الأستاذ عبد المقصود، لا أريد أن أعلق ولكن أقول فقط أعجبتني "مشاعل"، وأعجبني من الدكتور محمد عبده يماني "أننا لا نستطيع أن نتعامل مع المنطفئ الآن فما بالك بمشعل"، وأعجبتني جملة قالها أستاذنا أبو مدين قال "إن كلمتي بسيطة لا عوج فيها ولا أمتا" فقلت لصديقي السريحي بجواري أما كلمتي فقد يكون فيها عوج وأمتا.. فكتب لي أما كلمتي فستكون أكثر عوجاً وأمتن أمتا.. شكراً مرة أخرى للأستاذ عبد المقصود خوجه وشكراً لكم على تحمل هذري وقد قيل إنه من اللباقة أن تحدث الشخص عن نفسه بما يحب لكنني بصدق أشعر إنني بحضرة صديقي مشعل السديري لا أحتاج للباقة فهو مني بمنزلة الروح من الجسد وهو مني أعظم من مقولة العرب "رب أخ لك لم تلده أمك"، وشكراً لكم.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :686  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 47 من 81
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج