شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دور العقلاء في إعادة الآخرين للرشد والصواب
* المرحلة الحالية التي يمرّ بها مجتمعنا يمكن تصنيفها بأنها مرحلة دقيقة، ولربما حملت في طياتها مخاضًا جديدًا يعود على مجتمعنا بالخير والفائدة، ولكن يلاحظ أنّ بعض الكتابات من معظم التيارات الفاعلة في الساحة الفكريّة والثقافيّة قد خرجت عن معايير الموضوعيّة، والتي من دونها سوف يكون السجال عقيمًا، والحوار متأزّمًا، والوصول إلى مرحلة وسط يلتقي عندها الجميع أمرًا مستحيلاً، لذا لابد أن يتداعى العقلاء من جميع هذه التيارات حتى لا يحدث انهيار سوف تكون نتائجه أكثر إيلامًا من انهيار سوق الأسهم، لأنّ الفكر هو الذي ينبني على أسسه مستقبل الأمم، فسقوط الفكر هو سقوط للأمّة والمجتمع، ونجاحه هو نجاح للأمة في مستقبلها الموعود، وهذا ما يرجوه كل عاقل. لذا يفترض في الحكماء والعقلاء أن يتنبهوا لمجموعة من العوامل التي تتطلّبها هذه المرحلة التي وصفناها بالدقيقة والصّعبة.
* بداية نحن أمّة مؤمنة؛ فبلادنا شهدت انبثاقة النور من بطاح مكة ووديانها، وحمل الجيل الذي تربّى في مدرسة النّبوة الخاتمة مبادئ وقيم رسالة الإسلام، واستطاع ذلك الجيل وما تبعه من أجيال أن يقدّم للأمم الأخرى مفهومًا جديدًا للحياة وهو الوسطيّة الإسلاميّة بتسامحها ورحمتها وبعدها عمّا يعيق الإنسان من أداء رسالته في هذه الحياة جامعًا بين متطلبات العقل والروح، وكما جاء الدين الخاتم بعبادة الله وحده، وأنّه لا سلطان على النّفس البشريّة إلا سلطان وحدانية الله وإخلاص العبادة له، فتحرّرت النّفوس من كلّ عوامل الخوف والذّعر التي كانت تمسك بتلابيب الإنسان، وتحول بينه وبين الانطلاق في آفاق الكون منقّبًا وباحثًا بكلّ ما يفيد البشريّة في وجودها على الأرض التي اختارتها القدرة الإلهيّة لتكون ميدانًا لنشاط الإنسان واستمراريته.
* فلقد جاء أيضًا الدين الإسلامي في وسطيته واعتداله وتسامحه نابذًا كلّ ما يؤدّي إلى ما عرف بالرهبانيّة التي ابتدعها الآخرون، والتي تؤدّي إلى عزلة الإنسان عن الحياة وفقدانه للدور الذي أنيط به، ولقد كانت مثل هذه الرهبانيّة سببًا في تسلّط الكنيسة المسيحيّة على نفوس أتباعها، فحالت بينهم وبين الأخذ بأسباب العلم والرقي الفكري والحضاري، فكان الانفصام النكد بين الدّين والعقل، وفي المقابل فلقد نشأت العلوم بكافة أشكالها من فلك وكيمياء وهندسة حساب وجبر ومنطق وفلسفة في ظلّ الدّين الإسلامي، ولقد جمع عدد كبير من رموز العلم في الحضارة الإسلاميّة، كابن الهيثم، وجابر بن حيّان، والرّازي، والفارابي، وأبي حامد الغزالي، وابن رشد، وابن تيمية وغيرهم بين علوم الشّرع والعقل، ولم يجدوا في تعاليم الإسلام ما يمنعهم من الانطلاق في آفاق العلم، فكنّا بفضل هذه الرّموز العظيمة للأمة التي من حملة الإرث الحضاري والإنساني، وهو الإرث الذي أفادت منه الحضارة الغربية المعاصرة في انطلاقتها، ويعترف المنصفون من أبناء وعلماء الحضارة الغربية بذلك، ونستشهد هنا بمقولة للبارون كارا دي فو Carra Dvaux، في مقالة له عن ابن رشد بدائرة المعارف الإسلامية أن الإعجاب بشروح ابن رشد كان عظيمًا حتى بين رجال الدين المسيحي، والذين كانوا يرون في مذهبه خطرًا يهدد العقيدة.
* إنّ الدور الذي أدّته تلك العقول المتفتّحة والنّفوس المؤمنة للحضارة الإنسانيّة هو ما يجب أن يكون ملهمًا وحافزًا لأبناء هذه الأمّة وخصوصًا أبناء هذه البلاد التي انطلقت منها حضارة العقل والرّوح، ولقد ضرب العلماء من مختلف التوجّهات في العصر الذّهبي للحضارة العربيّة والإسلاميّة أمثلة حيّة من اتّساع الرؤية ورحابة الصّدر، فلقد روى مثلاً علماء الحديث عن عالم المعتزلة عمرو بن عبيد لوثوقهم بروايته وعدالته في علم الحديث، وعاش عالم أهل السنّة أحمد بن حنبل في العصر الذي عاش فيه الرّمز الصّوفي المشهور الإمام الحارث المحاسبي صاحب كتاب "الرعاية في حقوق الله"، وكان كلٌّ منهما يحترم صاحبه، ويثني ابن تيمية على بعض كتابات أبي طالب المكّي صاحب "قوت القلوب"، وهذا يكشف عن بُعد كثير من علماء هذه الأمّة ورموزها عن كلّ ما يمكن أن يؤدّي للتشكيك في عقائد مجايليهم، وكانوا من الورع بحيث ينؤون بأنفسهم عن مصطلحات التكفير والتفسيق والتبديع؛ وهو القاموس الذي بليت به الأمّة بآخرة. فعلى العقلاء أن يعيدوا الآخرين لرشدهم.
 
طباعة
 القراءات :176  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 66 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج