شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الشيخان أبوسليمان والعودة ومقاصد الشرع في تيسير المناسك
كان الحجّ قبل عقود قليلة من الزّمن لا يتجاوز بضع مئات من الحُجّاج، وبعد أن تيّسرت وسائل المواصلات والنّقل بين البقاع الطّاهرة وبلدان العالم الإسلامي والعربي تزايد عدد القادمين لأداء الرّكن الخامس من أركان الإسلام (الحج)، ولقد بذلت حكومتنا السنيّة الكثير في سبيل تيسير أداء هذه الشّعيرة العظيمة، من توسعة لمساحة الحرمين الشريفين وتعميرهما، وإنشاء الجسور والأنفاق بين مناطق الحج كعرفة ومزدلفة ومنى، كما أنّ وزارة الحج قامت بجهود كبيرة وفعّالة عن طريق مؤسسات الطوافة والإدلاء والوكلاء والزّمازمة، حيث ارتقت الوزارة بالخدمات التي تؤدّيها هذه المؤسّسات، والتي تعتبر امتدادًا لما كان يؤدّيه المطوّف والدّليل والوكيل بصورة فرديّة منذ مئات السّنين، كما قامت الوزارة في الفترة التي كنت فيها على صلة مباشرة ببرامج الوزارة بدءًا من حقبة معالي الدكتور محمود سفر ومرورًا بحقبة معالي الأستاذ إياد بن أمين مدني وانتهاءً بحقبة معالي الدكتور فؤاد الفارسي، قامت هذه الوزارة التي شرّفها الله بخدمة الحاج والمعتمر والزّائر لمثوى سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإنشاء مركز لتدريب منسوبي الوزارة والمؤسسات التابعة لها، إضافة إلى الدور التثقيفي الذي تؤدّيه هذه الوزارة منذ عام 1398هـ بعقد النّدوة الإسلاميّة السّنوية الكبرى، التي يشارك فيها نخبة من العلماء والمؤرّخين والأدباء والكُتّاب والمثقّفين وأصحاب الرّأي من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. ولقد أسندت أمانة هذه النّدوة الفاعلة لواحد من أبناء مكّة المكرّمة البررة الأستاذ الدكتور هشام بن عبدالله العبّاس، ولقد اختارت النّدوة في هذا العام موضوعًا حيويًّا وهو (التيسير في الحج في ضوء نصوص الشّريعة ومقاصدها)، وسرّني أن يكون بين المشاركين شخصيّات علميّة وفكريّة عرفت بسعة الأفق، وغزارة العلم الشّرعي، ومعايشة واقع الأمّة، الذي يتطلب آراء فقهيّة مستنبطة من كتاب الله وسنّة نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، واجتهادات السلف الصّالح لتصبّ هذه الآراء في معالجة المشاكل النّاجمة عن الأعداد المتزايدة للحجّاج، والتي تؤدّي مناسكها في بقعة محدودة مساحة وعمقًا، ولقد استمعت مع بداية شهر ذي القعدة المنصرم لمحاضرة قيمة لفضيلة أستاذنا الدكتور عبد الوهّاب أبو سليمان عن مناسك الحجّ في ضوء مفهوم مقاصد الشّريعة الإسلاميّة، وقام بالتقديم لها معالي المفكّر السيّد أحمد زكي يماني، صاحب فكرة إنشاء مركز دراسات مقاصد الشّريعة الإسلاميّة، وقد دلّل فيها شيخنا (أبو سليمان) –جزاه الله خيرًا- عن جهاده العلمي المتميّز بالهدوء والبعد عن كلّ ضجيج، ولا غرابة في ذلك فهو خرّيج الحرم المكي الشريف، مدرسة جامعة الإسلام الكبرى، وتلقّي العلم على يد علماء ربّانيين من أمثال فضيلة المحدّث والفقيه المالكي حسن المشّاط –رحمه الله- (1317- 1399هـ). لقد دلّل فيها فضيلة الشيخ أبو سليمان على آراء علماء المسلمين المتعدّدة في مناسك الحجّ والمعتمدة على المدرسة الفقهيّة الوسطيّة والمعتدلة، وهي مدرسة لا تغفل النّصوص من كتاب الله ومن صحيح السنّة النّبوية، وتجعل أمر التفقه فيها مرتبطًا بمقاصد الشّريعة الكلّية، فتردّ الفروع إلى الأصول، والجزئيات إلى الكليّات والمتغيّرات إلى الثّوابت، والمتشابهات إلى المحكمات، وهي كذلك مدرسة تعتصم في هذا الفقه بالنّصوص القطعيّة ثبوتًا ودلالة؛ واقفة عندما أجمعت عليه الأمّة إجماعًا يقينيًّا لا شكّ فيه.
ومن الشخصيّات العلميّة المشاركة في النّدوة فضيلة الشّيخ سليمان العودة، الذي أصدر أخيرًا كتابًا هامًا يتلاءم مع منحى فقه الواقع الذي يسعى لوضع الحلول الملائمة التي تواجه المسلمين، واختار الشّيخ العودة لكتابه عنوانًا مستفادًا من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند سؤال المسلمين الذين أدّوا حجّة الوداع معه، وأشكلت عليهم بعض الأحكام فكان يرد عليهم افعل ولا حرج.. وحبذا لو قامت الجهات المسؤولة بتوزيع محاضرتي الشيخين أبو سليمان والعودة وسواهما على الحجّاج، وكذلك على الوعّاظ والدّعاة الذين يعتمدون على رؤاهم الفردية، ويأخذ الحاج بها ظنًّا منه أنّها الرّؤية الوحيدة أو المعتمدة، وهو ما شاهده البعض من اقتحام هذا النّفر لميدان الفتوى في تعجّل وعدم تثبّت فيما يترتّب عليه وقوع مشاكل ما أغنى الأمّة عنها، وخصوصًا في قضيّة رمي الجمرات وحصرها في وقت واحد. ومعلوم أنّ من الضّرورات التي دعا الإسلام للحفاظ عليها وصونها هي النّفس البشريّة التي عليها مدار التّكليف.
 
 
طباعة
 القراءات :173  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 67 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.