شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جائزة بوكر البريطانية وأربعون عامًا من صراع الفكر والسياسة
فقدت بريطانيا سيطرتها السياسية على كثير من دول العالم العربي والإسلامي وكثير من دول القارة الأفريقية، ويمكن في هذا السياق اعتبار حرب السويس عام 1956م وسقوط حكومة أنتوني إيدن حدًّا فاصلاً بين مرحلة كانت فيها بريطانيا تلك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس أسوة بإمبراطوريات كثيرة عرفها التاريخ وبين مرحلة لاحقة أفاقت فيها شعوب دول ما يسمى بالعالم الثالث من سباتها وحاولت التحرر من القبضة الاستعمارية بوسائل شتى، ولكن المؤسسة البريطانية الرسمية حاولت الحفاظ على وجوده الدول التي كانت تحت قبضتها بإنشاء رابطة (الكومنولث)، وبعيدًا عن عالم السياسة المباشر سعت بريطانيا لحضورها ثقافيًّا وفكريًّا عن طريق لغتها الإنجليزية ذات الانتشار الواسع، وقرنت بين الإنجليزية وبين الإبداع الذي ينتجه كتاب مواطنون من أصول غير إنجليزية؛ ولكنهم يحملون الجنسية البريطانية أو كُتّاب من دول الكومنولث أو من جمهورية أيرلندا القطاع الذي يبرز فيه المواطنون الكاثوليك- عداءً للوجود البريطاني البروتستانتي الأنجليكاني Anglican، وسعت بريطانيا ممثلة بجميع مؤسساتها لاحتضان هذا الإبداع المختلف عن الإبداع الإنجليزي الذي يكتبه مواطنون ذوو جذور أصلية، وكان هذا الاحتضان من خلال جائزة حملت اسم (بوكر) Booker ، والتي تأسست عام 1968م. وهذه الحقبة بالذات شهدت تناقضًا بريطانيًّا إزاء حكم الأقلية البيضاء في ردوسيا (زيمبابوي) لاحقًا وجنوب أفريقيا، وخصوصًا أن الحكم العنصري في هاتين الدولتين يعتمد كثيرًا على التمويل البريطاني وكذلك الدعم المعنوي. وبلغ الأمر ذروته في خطاب اينوخ باول Powell Enoch وهو منظّر سياسي وفكري محافظ ومعروف بفصاحته عند حديثه في المنتديات، وكثير من هؤلاء المنظّرين القادرين بفصاحتهم على جذب أكبر عدد من المستمعين إليه يطلق عليه Orator (أي الخطيب المفوّه)، لقد ألقى المفكّر المحافظ والمصنّف بأنه أقصى اليمين خطابًا نارياً في مدينة برمنغهام البريطانية عام 1968 السنة التي أنشئت فيها جائزة "بوكر"، وهاجم فيه الملوّنين الذين يسكنون بريطانيا، وكانوا في السابق من رعاياها عندما كانت بلادهم تحت قبضتها السياسية وأطلق عبارته المشهورة في ذلك الخطاب، والتي حملت مسمى "أنهر الدم" Rivers of Blood، في إشارة منه إلى النتائج التي سوف تترتب على تدفق المهاجرين إلى بريطانيا، واعتبرها مفكرون معروفون بانفتاحهم مثل بي كارنغتونCarrington ، وايان مكيلاود Iain Macleod بأنها -أي ورقة- تحمل روحًا عنصرية، بينما اعتنقها اليمين المتشدد والذي احتفل أخيرًا بمرور أربعين عامًا على بروز تلك الأفكار المحمّلة بنفس عنصري بغيض.
إذا كان عام 1968م يمثّل مرحلة خطرة في تاريخ الفكر البريطاني المتشدد؛ فإن البعض يرى أن إنشاء جائزة "بوكر" في العام نفسه جاء ردًّا على أفكار "باول" ومناصريه، ومحاولة ذكية لاستمالة مبدعي العالم الثالث، وتفرعت عن " بوكر" الأصلية، بوكر روسية وأخرى تتوجه للأدب الأفريقي تحمل اسم "كاين"، وأخيرًا بوكر عربية .
في عام 1981م برز من عباءة هذه الجائزة اسم الكاتب الروائي ذي الجذور الهندية سلمان رشدي، حيث فازت روايته "أطفال منتصف الليل" Midnigt's children لذلك العام، كما فازت الرواية نفسها بأنها الأفضل بين الأعمال التي تلتها حتى عام1993م.
وهذا العام أي في الذكرى الأربعين لإنشاء الجائزة، فاز رشدي بجائزة بوكر التي تمنحها المؤسسة لأفضل كتاب فاز بالجائزة من قبل، أو ما تطلق عليه هيئة الجائزة Booker of Bookers، ووصف الناقد ويليام هيل William, Hill الرواية ذاتها بأنها "ارتقت إلى مكانة أدبية وإبداعية تقارب ما حققته فرقة البيتلز Beatles, في مجموعتها الغنائية المشهورة Peepper Sgt . [انظر: الويكلي تلغراف The weekly Telegraph عدد يوم 22 يوليو 2008م]. وذهبت إحدى أعضاء هيئة التحكيم للجائزة نفسها Victoria Glendinning إلى حدّ المغالاة في مدح الرواية، بأنه لم يكن هناك عمل روائي في مستوى (أطفال منتصف الليل) قبل ظهورها وبعد نشرها وفوزها بالجائزة؛ إلا أن رشدي "أخذته رعونة الشرقيين وكتب رواية أخرى تحمل تجديفًا واضحًا ضد الأنبياء والرسل، وخاصة ضد خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأطلق عليها اسمًا مزعجًا ومنفّرًا وهو (آيات شيطانية)، وحصل بعد صدور هذه الروايات على لقب (سير) من المؤسسة السياسية.
وأقدمت كاتبة ذات جذور هندية على تتبع خطى رشدي رغبة في الشهرة، فنشرت كتابها (عار) والذي تهاجم فيه المسلمين لمجرد دفاعهم عن مسجد (أيوديا) التاريخي في الهند وتدميره على يد بعض أتباع الطائفة البوذية وذلك في ديسمبر سنة 1992م، [انظر تسليمة نسرين وحقيقة حرية الكلمة، بقلم كاتب هذه السطور، ملحق الأربعاء، صحيفة المدينة، الأربعاء 3 ربيع الأول 1415هـ]، وتعرضت (نسرين) مثل رشدي للقرآن الكريم، ومحاولة الإساءة إليه، واحتفت بعض المؤسسات الغربية بنسرين، وقد وصفها الناقد جمال الغيطاني في تغطيته لأحداث المؤتمر الأدبي العالمي الذي انعقد في السويد في الفترة من 29 يونيو-يوليو 2008م بأنها (كاتبة متواضعة جدًّا من ناحية القيمة؛ ولكن الدعاية الحزبية أضفت عليها هالة من الشهرة.) [انظر: أخبار الأدب، العدد، 783، الأحد 9 رجب 1429هـ ـ الموافق 13يوليو 2008م، ص 13- 12].
هناك كُتّاب من أصول عربية قدموا روايات ذات قيمة أدبية رفيعة وفي مقدمتهم؛ الروائية (أهداف سويف) التي رُفضت روايتها (خارطة الحب) The Map of Love المكتوبة باللغة الإنجليزية من قبل هيئة التحكيم، وخصوصًا من الناقد السينمائي ذي الجذور اليهودية جيرالد كوفمان Kaufman بذريعة أن الرواية تتعرض إيجابًا في أحداثها لبعض الأفكار القومية والوطنية، وهذا يعطي دليلاً قويًّا أن أحد أهم منطلقات الجائزة هو البعد السياسي، وقد تعرّضت صحف بريطانية رصينة لجائزة بوكر للجانب الخفي من الجائزة، وخصوصًا لجهة محكمي الأعمال الروائية التي تقدم للجائزة/ ومحاولتهم الزج بالعامل السياسي عند تقييم هذه الأعمال.
 
 
طباعة
 القراءات :183  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.