شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لماذا يلهث العرب خلف "نوبل" ويحصدها سواهم؟
قراءة في خلفية فوز دوريس ليسنج بجائزة نوبل للآداب
لم يشغل خبر فوز الكاتبة البريطانية دوريس ليسنج Lessing Doris بجائزة نوبل حيّزًا حتى ولو كان محدودًا في الصحافة الأدبية في بلادنا، ولعله مما يلفت النظر هو الإرادة والتصميم الذي طبع شخصية الكاتبة دوريس؛ فلقد دخل اسمها القوائم النهائية لجوائز مشهورة منها البوكر منذ حوالي أربعين عامًا، كما أشارت إلى ذلك مقابلة لها بالعدد الأسبوعي لصحيفة الغارديان البريطانية The Weekly Guardian في عددها الصادر يوم 19 أكتوبر 2007 صفحة 15.
ولعل الزخم الاجتماعي والمتعدد في صوره وأشكاله هو الذي أعطى هذه الكاتبة القدرة على التواجد في عوالم الكتابة، حتى هذه المرحلة التي تعتبر متأخرة في حياة كثير من الأدباء والمبدعين، فهي من مواليد إيران سنة 1919م، لوالدين بريطانيين ثم انتقلت للعيش مع والديها في جنوب أفريقيا سنة 1924م و في زيمبابوي تحديدًا، كما يشير المحرران الأدبيان لصحيفة الغارديان ليزا الأرديس Lisa Allardice وسام جونز Sam Jones ، ولقد عانت" "دوريس" في طفولتها بسبب ظروف والدها الذي خرج من الحرب العالمية الأولى مبتور القدمين، فأضحى مشلولاً ومقيّدًا؛ ولكنه كان يحظى بعطف والدتها التي كانت تعمل في مجال إنساني، وهو التمريض، فلقد عاشت الطفلة مع أسرتها حياة شاقة جعلتها بعد ذلك بسنوات تتصور أن الآلام العاطفية هي الشرط الإنساني للوجود، وأنها مكوّن رئيسي من مكونات طفولة البشر.. [انظر: مقالة طلعت الشايب "الإبداع لا يشيخ"، المنشورة في أخبار الأدب المصرية، العدد 744، الأحد 2 شوال 1428هـ/ الموافق 14 أكتوبر 2007 م ص5].
ولعل السبب وراء اختيار لجنة الترشيح لهذه الكاتبة هو قدرتها على تصوير الواقع من حولها دون مبالغة أو تزييف، ذلك الواقع الذي ينضح بالشفافية والنقاء والبساطة، ويعتبر عملها الروائي "الدفتر الذهبي" (The Golden Note book)، والذي أخرجته عام 1962م عاملاً رئيسًا في اختيار لجنة الجائزة للكاتبة من بين أسماء عالمية عدة، فلقد وصف بأنه قطعة أدبية رائعة، وعمل ريادي نسوي U . K News, The Gurdian Weekly, 19- 10-2007.
وهو كما يذكر الناقد طلعت الشايب بأنه يكشف عن قضايا كثيرة ممتدة من المواقف النسائية إلى الانهيارات العقلية، هناك حيرة ويأس وارتباك ووجهات نظر ظهرت في الستينيات الميلادية وكان يتبناها كثير من المثقفين البريطانيين كما كان هناك بحث عن المُثُل أخبار أدب 10/ 2007 /14 م، وهو الأمر الذي يذهب إليه أيضًا الكاتب المسرحي البريطاني جيم مورتيمير Jem Mortimier ، في تقديمه لأعمال الكاتب البريطاني ذي الجذور الآسيوية طارق علي؛ بل إن فترة الستينيات الميلادية وما تلاها من حقبة السبعينيات وبداية الثمانينيات هي التي شهدت بروز أصوات فكرية وأدبية بريطانية تنادي بأحقية الشعوب في تقرير مصيرها، ولعله مما تعيه الذاكرة خطاب مورتيمير Mortimier عندما كان مسؤولاً عن الحملة الانتخابية لحزب العمال، والذي ذكر فيه أنّه شخصيًّا مع جيل غربي صاعد لا يجد ما يفتخر به في تاريخ بريطانيا الاستعماري، وأنه يفترض تصحيح العلاقة بين بريطانيا والشعوب المقهورة والمستعمرة، وهو الموقف الذي دفع المنظّر والمفكّر إيان ميكلاود Iain Macleod حياته ثمنًا له. ولقد كانت وفاته المبكرة كما يذكر المفكر البريطاني دينيس هييلي Denis Healey خسارة لشعبه؛ مع أن هييلي وميكلاود لا ينتميان لمدرسة فكرية واحدة، ولكنه ضرب من ضروب السلوك الاجتماعي والذي نلمحه عند أصحاب العقول المتفتحة في جميع الحضارات، وعند مختلف الأمم والشعوب.
وإذا كانت ليسنج حملت راية الدفاع عن الشعوب المقهورة بحكم نشأتها في بيئات متعددة، وهذا ما تعكسه روايتها الخماسية "أطفال العنف-1959-1952م"، والتي تكشف شخوصها ومشاهدها عن لغة وجذور العنصرية التي تعصف بكل مجتمع تتسلل إليه أو تتمكن من الاستنبات في أرضه أو التخفي في خطابات تياراته سياسية كانت أو دينية أو فكرية، إذا كانت هذه الخلفية التي انطلقت منها أعمال هذه الكاتبة التي لم يخذلها ضميرها في إدانة كل أشكال العنصرية من خلال أعمالها المتعددة على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن؛ فإن الحكمة التي يجب أن يلتقطها بعض أدباء العربية الذين يتطلعون للفوز بنوبل، وهو أن التنصل من قيم الأمة الأصيلة وتراثها الحضاري الذي عرف في عصوره الذهبية كل أشكال التسامح والمساواة والإنسانية ليس هو الطريق المفضي لجائزة نوبل، وأن أدباء أمريكا اللاتينية لم يصلوا إلى العالمية إلا عن طريق تجسيد تاريخهم الثقافي والاجتماعي في أعمال روائية وجدت فيه المؤسسات الغربية الفكرية معادلاً موضوعيًّا لما تفتقده مجتمعاتها من نسمات الروح وسبحات الوجدان وأشكال الحب والتواصل وضروب الإخاء الإنساني، والتي تعتبر تراثًا إنسانيًّا مشتركًا يُقبل عليه المتلقون من جميع الحضارات ويلتقون عند مائدته الثرية والخصبة.
 
طباعة
 القراءات :196  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج