شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إدوارد سعيد وآخرون في سياق قضية المثقف والسلوك ..
اتصل بي بعض الإخوة والزملاء ومن بينهم الزميل الكريم الأستاذ أحمد عائل فقيهي يعترضون على ما كتبته على صفحات هذا الملحق تحت عنوان: (معضلة التناقض والازدواجية في سلوكيات بعض الكتّاب العرب) الأربعاء 7 ربيع الأول 1427هـ، وأعلم أن مجرد ذكر اسمي أدونيس ومحمود درويش يثير حساسية عند البعض، مع أنني لم أتعرض لهما كمبدعين، ويقر لهما الجميع بالمنزلة الأدبية والفكرية، ولكن التناقض سمة مرفوضة، ويعلم الزميل الفقهي أنني من دعاة تطبيق ما يدعو إليه الكاتب والمفكر والمبدع من أفكار، وبهذا تكون الثقافة سلوكًا وواقعًا معاشًا.
وفي مقابلة أجرتها ثقافة اليوم مع الناقد المعروف الدكتور عبدالله الغذامي، أبدى الغذامي استغراب البعض من نقده لأدونيس ومحمود درويش (الرياض، الخميس 15 ربيع الأول 1427هـ)، رابطًا هذا الاستغراب بالتلقي النفسي والذهني، بمعنى أنهم-أي الآخرين- يتوقعون ألا يصدر من أحد نقد لهؤلاء، وكأنهم فوق النقد والمساءلة.. وقد ختمت المقالة السابقة على صفحات هذا الملحق بذكر المفكر والكاتب البريطاني إريك هيفر Eric Heffer، وكيف أنه مقارنة ببعض الاشتراكيين واليساريين العرب مات فقيرًا ومعدمًا، وقارنته ببعض من بني قومنا لأنه اتخذ اليسار في المؤسسة العمالية منهجًا له، ولعل البعض يستغرب إذا ما عرف أن (هيفر) مع هذا التوجه اليساري -والذي يرتبط بمفاهيم اقتصادية محضة- ملتزم بتعاليم الديانة المسيحية، ولما أخبره الأطباء في أخريات حياته بإصابته بمرض السرطان أصدر عدة كتب، منها ما يتصل بالاشتراكية الاقتصادية Socialism وآخر عن حرب الطبقات Class war، وآخر عن المسيحية Christianity، أنظر كتاب توني بين (Free At Last) (2003 arrow - books) ورفض هيفر في الستينيات الميلادية مركزًا مرموقًا في وزارة التقنية والتعليم في بلاده آخذًا على حزبه انحيازه للأمريكيين في قضية فيتنام وجنوب أفريقيا.
ولا يبتعد عن هذا المنحى الذي اتخذه المنظر (هيفر) في حياته، لا يبتعد عنه رفيقه (مايكل فووت) Michael Foot والذي عمل صحافيًا متميزًا في إحدى أشهر الصحف المتخصصة (تريبيون Tribune) كما رأس تحريرها لمدة من الزمن، وألف عدة كتب من بينها دراسة علمية عن ناي بيفان Nye Beven، الرائد العمالي والاجتماعي الذي صمم مشروع الخدمات الصحية المجانية في حكومة أتلي العمالية 1945- 1951، ويعتبر كتابه: Essays Old And New (مقالات قديمة وجديدة) 2003 Politicos London مرجعًا هامًا لدراسة أهم منظري الحركة العمالية والاجتماعية في بريطانيا بدءًا من روبرت أوين Robert Owen ومرورًا بـ(هارولد لاسكي) Harold Laski وإيرنيست بيفين Ernest Bevin وانتهاء بـ(دينيس هييلي Healey)، وجون سميث (انظر: مقالة سمير اليوسف بعنوان: (مايكل فووت ومحاولة الاحتفاء اليائسة بالعائلة الاشتراكية)، (الحياة: الأحد 14 ديسمبر 2003م، الموافق 20 شوال 1424هـ).
لم يغير فووت في نظام حياته عندما أصبح على رأس المؤسسة العمالية في بريطانيا 1980م، فلقد كان يرتدي لباس الطبقة العاملة والكادحة والتي كان يهز المنابر من أجل حقوقها المشروعة، وكان يسير إلى البرلمان على قدميه، وكان مثاله في الحياة البسيطة والخالية من البهرج الزائف هو الفيلسوف (Aneurin Bevan)، وكان (بيفان)، كما يذكر فووت، يستشهد بالشعر في خطبه، يضفي على ما يستشهد به روعة وجمالاً، لأنه كان يعيش ما يدعو إليه من مساواة وعدالة، ويذكر المحلل والصحافي البريطاني Brian Brivat، أن فووت استقال من رئاسة المؤسسة العمالية سنة 1983م ليصبح رجل الأدب السياسي وراويته، ورفض أن يمنح لقب (لورد) ويصبح كبقية الشخصيات الفكرية والصحافية والسياسية عضوًا في مجلس اللوردات، بل فضل أن يكون صوت البسطاء من الناس والمدافع عن حقوقهم.
وعاش بعض المفكرين العرب حياتهم دون أن يفقدوا توازنهم أو أن يتناقضوا مع أنفسهم ومن هؤلاء (إدوارد سعيد) والذي يذكر الكاتب David Barsamian، في مقدمته لكتاب (سعيد) (الثقافة والمقاومة) Culture And Resistance، بأن إدوارد سعيد عمل على تغيير النظرة التقليدية لدى الغرب عن العرب والمسلمين والشرق الأوسط عمومًا، وأنه دفع ثمنًا غاليًا من أجل القضية الفلسطينية، حيث أطلقت عليه المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية (البروفيسور الإرهابي) مع أنه كان يدافع عن وطنه السليب بالقلم وليس بالسيف، وذهبت جمعية الدفاع اليهودية إلى وصفه بالنازي مع أن اليهود يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يشكك أحد في قضايا (الهولوكست) النازية. وعندما وصف عمدة لندن (كين ليفنغستون) Livingston قبل مدة وجيزة صحافيًا كان يتابعه بصورة استفزازية، عندما وصفه (ليفنغستون) بأنه يشبه حارسًا نازيًا، هب مجلس النواب اليهود في بريطانيا للدفاع عن الصحافي لأنه من جذور يهودية، وعملوا على أن يصدر القضاء البريطاني قرارًا بإيقاف (ليفنغستون) من عمله لعدة أسابيع، وذهب الأمر ببعض أعداء إدوارد سعيد بإشعال النار في مكتبه بجامعة كولومبيا Columbia، حيث كان يعمل أستاذًا للأدب المقارن، وأثرى المجلة الأدبية الأمريكية المتخصصة ما يذكر Cauri Viswan than في مقدمته لكتاب سعيد: السلطة والسياسة والثقافة Power, Politics, And Culture، فلقد كتب في النقد الأدبي، والأوبرا، والسينما وفن الرحلات إضافة إلى كتاباته في أدبيات الاستشراق الغربي وهو ما أثار عليه نقمة المستشرق اليهودي الأصل بيرنارد لويس Bernard Lewis، وبلغ الأمر بأعداء القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة بإرسال تهديد بالموت لـ(سعيد) وعائلته، ومع هذا فإن سعيد لم يتوقف حتى أخريات حياته وهو يصارع داء سرطان الدم (Leukemia)، لم يتوقف عن الكتابة مدافعًا عن الحق العربي والإسلامي في أرض فلسطين، وبعد تحرير الجنوب اللبناني من الوجود الصهيوني قام (سعيد) بزيارة لبنان وشارك عامة الناس في الاحتفال بذلك النصر وذلك برمي الحجارة على ما تبقى من رموز الاحتلال على الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني، وقد قوبلت مجابهته تلك بحملة صهيونية وأمريكية شرسة، فلم يعبأ بذلك، وكانت مقالاته العلمية في صحيفة الحياة الدولية تجسيدًا حيًا لروح المقاومة التي كان يحملها بين جنبيه مناضلاً ومفكرًا وكاتبًا عربيًا أصيلاً، وعندما نستدعي ذلك التاريخ النضالي الحافل (لإدوارد سعيد)، مقارنة بممانعة (درويش) و(أدونيس) وزمرة أخرى معهما من انعقاد مؤتمر يكشف مساوئ الحركة الصهيونية وتحريضهما - أي أدونيس ودرويش- المعروف للمؤسسات الرسمية ضد القائمين على انعقاد ذلك المؤتمر العلمي –آنذاك- ثم قيام السفير الإسرائيلي في فرنسا بإرسال خطابات شكر على مواقفهما المتخاذلة والمجسدة لذلك التناقض والازدواجية في سلوكياتهما، نعم عندما تتم تلك المقارنة غير المتكافئة بين (إدوارد سعيد) وأنصار الحق العربي معه من جهة، والمتخاذلين والمتواطئين من جهة أخرى يتضح البَون الشاسع بين قوم يتاجرون بالمقاومة، وآخرين ضحوا بكل ما يملكون مدادًا ودمًا طاهرين.. والعبرة دائمًا بخواتيم الأعمال لا بمعسول الأقوال.
وقد أشار سعيد نفسه إلى هذا التناقض وموقفه منه في الكتاب الذي حرره محمد شاهين بعد وفاة سعيد نفسه، والذي أخذ مسمى (مقالات وحوارات).. يقول شاهين عن هذا المنحى الخطير: (ومن الواضح أن هذا التناقض هو جزء من تناقض أكبر يقوم عليه الوضع الحالي، إذ يتساءل إدوارد سعيد كيف يمكن أن يتم أي توفيق تصالحي بين طرفين: الأول أقام وجوده على أرض الطرف الآخر منكرًا وجوده وحقه في الحياة، والآخر نتيجة لهذا الوضع لا يستطيع أن ينسى ما حصل له من دمار وتدمير.
ويلاحظ إدوارد سعيد أن هذا التناقض هو كُنه المشكلة وعصبها، ويؤكد مجددًا أن معارضته لسلام أوسلو يرجع إلى الجهل بهذا التناقض من طرف، وتجاهله من طرف آخر.
 
 
طباعة
 القراءات :197  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 23 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

التوازن معيار جمالي

[تنظير وتطبيق على الآداب الإجتماعية في البيان النبوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج