شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
معضلة التّناقض والازدواجية في سلوكيات بعض الكُتّاب العرب ..!
يواجه بعض المثقّفين والأدباء العرب معضلة كبرى في حياتهم؛ وهي سمة التّناقض والازدواجيّة، ولابدّ من البحث في أسباب هذه الظّاهرة التي جعلت الفرد العربي لا يثق في مثقّفيه وينأى في مطالعاته عنهم لأنّه يحسّ بذلك التّناقض الصّارخ، وتلك الازدواجيّة المقيتة في سلوكياتهم.
محمود درويش شاعر ومبدع لا يختلف أحد على إبداعه الشعري الذي استمدّ قوّته من عدالة القضية الفلسطينية وزخمها، ولكنّه كان أحد الرّافضين لعقد مؤتمر عالمي في إحدى العواصم العربيّة قبل سنوات يناقش المشاركون فيه، ومن بينهم شخصيّات غربية، أيدلوجيّة الحركة الصهيونيّة ودمويّتها، وما ترتّب على هذه الأيدلوجية من "هولوكوست" كان ضحيّته الشّعب الفلسطيني، ولم يتوقّف درويش مع زمرة من أنصاره عند حدّ الرّفض لعقد مثل هذا المؤتمر؛ بل سعى معهم على تحريض متعمّد عند حكومة ومسؤولي ذلك البلد ضدّ الذين أرادوا إبراز الوجه الحقيقي للحركة الصهيونية العنصرية. فكيف يمكن لنا أن نثق بعد ذلك بولع وهيام درويش بوطنه وحديثه عن عدالة القضيّة التي زعم أنّه اقترن بها طوال حياته؟ وهذا أدونيس، وهو كاتب ومبدع له من الأنصار والحواريين في عالمنا العربي الذين يثقون في أقواله، ويرقصون في حلقة شطحاته؛ إلا أنّه ينأى في حديثه للصّحافة الغربيّة عن القضيّة الفلسطينيّة، كما حدث في المقابلة التي أجراها معه الملحق الثقافي لصحيفة "سيفنسكا داغ بلادت" الصّادرة في استوكهولم 9 أكتوبر 2005م، ورمى بني قومه من العرب والمسلمين بأقبح النعوت، ويشكّل ذكر كلمة العروبة والإسلام عنده حساسيّة بالغة، في الوقت الذي يخاطب العرب بلغة أخرى قوامها رغبته في التضحية بكلّ ما يملك في سبيل القضيّة الفلسطينيّة.
إذًا هناك لسانان عند هؤلاء وسواهم؛ أحدهما موجّه للقارئ العربي، والآخر موجّه للقارئ الغربي، وهذا الانشطار لن يساعد هؤلاء، لو فكّروا قليلاً في قلوبهم، غربيًّا وعالميًّا، فالغرب يحتقر الذين يتنصّلون من هويّاتهم ويبيعون قضاياهم في سوق المزايدات الرّخيصة للحصول على جوائز الغرب ونفحاته، ومن بين هؤلاء وسواهم من هو أمريكي أكثر من الأمريكيين، وينعتون كلّ وطنيٍّ ينافح عن قضايا أمّته ويحاول الاقتراب من هموم بني قومه بأنّه ثوري ومزايد.
في الغرب الذي لم نقرأه أحيانًا قراءة صحيحة؛ نجد الفيلسوف والكاتب والمبدع والسّياسي يضحّي في سبيل إيمانه ببعض القضايا الإنسانيّة. فهذا الفيلسوف الفرنسي (سارتر) رفض جائزة (نوبل) احتجاجًا على الموقف السّياسي الغربي من قضيّة فيتنام، وذلك في حقبة الستينيات الميلاديّة، والفيلسوف البريطاني برتراند رسل Bertrand Russell استقال من عضوية حزب العمال البريطاني لأنّه رأى أنّ هذه المؤسسة التي تدّعي نصرة قضايا الشّعوب المقهورة والمظلومة قد خذلت الشعب (الفيتنامي)، حيث كانت حكومة هارولد ويلسون Wilson، تمالئ الموقف الأمريكي، ومن المعروف عن (رسل) كذلك مناصرته للدعوة الرامية ـآنذاك- لجعل بريطانيا دولة غير نوويّة، ولقد كثر الجدل كذلك داخل المؤسسة العمالية فكرًا وتنظيرًا حول هذه القضيّة، ولقد دفع الزعيم العمالي جيتسكيل Gaitskell حياته ثمنًا لهذا الجدل، وآثر (رسل) الانسحاب إيمانًا بما يدعو إليه علنًا.
ونجد الكاتب البريطاني مايكل آدمز Michael Adams يترك كذلك المؤسسة العمالية احتجاجًا على خذلانها للشعب الفلسطيني وانحيازها للحركة الصهيونية، ولقد رأيت بعيني كيف أن المنظِّر اليساري إريك هيفر Eric Heffer يترك مؤتمرًا للحزب؛ لأن زعيم الحزب نيل كينيك لم ينتصر لقضايا المعدمين والفقراء في مدينة (ليفربول) وذلك في حقبة الثمانينيات الميلادية، ومات (هيفر) فقيرًا هو الآخر ومعدمًا؛ وهذا هو الفرق بين بعض اليساريين في الغرب وبين من يزعمون أنهم كذلك في عالمنا العربي، بينما يعيشون في أرقى فنادق الشرق والغرب، ويدخنون سيجارة الهافاناة، وهم قبل ذلك وبعده يتنصلون من قضايا أمّتهم، ويرمون تراثهم ولغتهم بأقبح النّعوت والصّفات وهمًا منهم بأنّ هذا هو طريق النجوميّة والعالميّة!
 
طباعة
 القراءات :201  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 82 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.