شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شهريار الحديث (1)
كان الملك شهريار القديم في ألف ليلة وليلة ذا بدوات عجيبة لا تتلاءم مع أي تعليل، وكان أغلب تلك البدوات أنه كان يبني كل ليلة بفتاة عذراء ثم يقتلها في الصباح بعد أن يطمث بكارتها، وظل على ذلك أمداً طويلاً، إلى أن تولت تربيته شهرزاد فأقلعت به عن تلك العادة الذميمة. على أن شهرزاد هي الأخرى كانت ثرثارة، ولولا أن الصباح ظل يطلع كل يوم على شهرزاد لما سكتت -إلى اليوم- عن الكلام المباح؟!
وفي عصرنا هذا عصر المدنية الفرنسية أو الحضارة الإنكليزية التي تتمثل في أعمال هاتين الأمتين بين سمع العالم وبصره، وفي مشرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها من المستعمرات التي أوقعها سوء الطالع في أيديهما، وفي هذا العصر الذي أنعم الله عليه بوجود هاتين الأمتين لتُمدِّنه الأولى بالنار، ولتُحضِّره الثانية بالحديد، وعلى الشعوب الأخرى المتخلفة التي لا تقبل التمدن والحضارة بهذه الوسائل أو بما هو أرقى منها من أساليب الإبادة المدنية والسطو الحضاري.. على هذه الشعوب أن تنقرض غير مرحومة ولا مأسوف عليها، وتخلي وجه الأرض الفسيح ليونان العصر الحديث ورومانه كما فعل أسلافهم في العصر القديم.
في عصر "العالم الحر؟" وعصر "المبادئ الديمقراطية؟" يوجد شهريار جديد في الناحية الغربية من أقصى الأرض، لا يبني بالعذارى كما فعل سلفه الغابر، ولكنه بكل بساطة نفس وطيبة قلب وسلامة نية "يبني!" بالأمم الصغيرة، والشعوب الفقيرة، ليحررها من أنيار الاستعباد ويدفن فقرها بالذهب الذي ما له من نفاد.
وقبل شهور عديدة، كان يهدر بالخطب البليغة متوعداً بها طواغيت الاستعمار وشياطين العدوان، وكان يقول فيها ويردد إنه دائماً في صف الدول المعتدى عليها بكل ما يملك من قوة، وهي قوة العمران شديدة عتيدة، وكان الشيطان سريعاً، والحوادث أسرع فرأت "الأرض" لا "المريخ" وشهدت "الإنس" لا "الجن" أمة يعتدى عليها تحت أنف شهريار المحفوظ، وتضرب أرضها ونفوسها بأمثال الصواعق.
ويشهد الناس قبل هذا وبعد ذاك شعوباً صغيرة في أرجاء مختلفة تُنتهك، وتدعس كرامتها الإنسانية -وما تزال- وتقتل نساؤها وشيوخها وأطفالها وتدمر مدنها وقراها، بل لا يكفي هذا، وإنما يثبت للعالم أن شهريار كان على علم بكل ما سيجري قبل أن يجري بأكثر من ثلاثة أيام.
وتتدخل هنا عوامل السلب في انفعالات الإيجاب ويختار.. شهريار، فيطلق خطبة من خطبه "الكلاسيكية" يذكر فيها "بودابست" الشهيدة ولا يذكر الجزائر ولا بورسعيد، ويتألم لبولندا والمجر ولا يحفل بالعرب والمسلمين.. ثم يختم خطبته الغراء بدعاء روحي يقطر تديناً، وينهمر تورعاً، ويتمنى فيه للصغار أن يكبروا، وللمستعبدين أن يتحرروا، وللضعفاء أن يقووا ويظهروا.
خطبة شهريارية تذكرنا بقول أحد أئمة السلف، وقد سمع خطب الحجاج بن يوسف على المنبر ورأى أفعاله، فقال: إنه يتكلم على المنبر بكلام النبيين، وإذا نزل عمل أعمال الجبارين!
هذا هو شهريار "الكبار" أما شهرزاد الفاتنة، فلها حديث آخر قبل أن يدركها الصباح من الليلة الآتية!؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :229  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.