شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يوميات الندوة (1)
بيني وبين العريف
لست أعرف كيف أبدأ بعد أن عطلت يدي عن القلم مدة مديدة تزيد أضعافاً مضاعفة عن مدة أخي العريف التي أشار إليها في أول همسة له بجريدة الندوة.
وكل ما بينه وبيني من فرق هو أن له قرّاء يفتقدونه ويزجون إليه الخطابات مشكورة موقورة، وفيها اللهفة، وفيها التساؤل، اللهفة المشوبة بالإعجاب، والتساؤل المضاف بالتحبب، كما يقال مثلاً: أرز ممزوج بالصنوبر، أو لحم مطعم بالأفاويه!
أما أنا، فلا والله الغني الحميد لم يكتب إليّ أحدهم متفقداً ولا تساءل بعضهم عن وجومي المستنكر، أو غير المستنكر، ولم تصلني -ولله الحمد- أي رسالة تبحث عن القوقعة التي أنجحر فيها، أو تفتش عن الفلك الذي أدور فيه.
وأنا مؤمن بعد إيماني بالله وملائكته وكتبه ورسله بأني أعيش في فلك شخصي خاص.. عذري في ترادف الصادين هذين أني ما أزال متأثراً "بهمسة اليوم" الأولى التي أجاد حبكتها أخي العريف في الندوة، وكأنه يهمس بها إلى شياطين "قريش" في ندوتهم الجاهلية المشهورة.
وأغرب ما في الأمر أني أجد نفسي في هذا المقال بالذات مولعاً بالتحدث عن أخي العريف -للمرة الثانية- وفي همسته وحتى عن عدم همسته، وهي مسألة سلبية استحالية واضحة السلب والاستحالة، وأنا مع ذلك مغرم بالتحدث عنها، فليت شعري -إن كان لي شعر- ما هي الأسباب والموحيات، وما هي البواعث والمغريات؟
صحيح أني أحب العريف، وصحيح أيضاً بل أكثر من صحيح أنه يحبني، ولكن هذا كله لا يكفي لتبرير هذا الهراء الذي أقوله، والذي لا ينتفع به القرّاء ولا قلامة ظفر، فما الذي أنشب هذا العراك الذي هو من جانبي وحدي مع العريف، في وقت قد أكون أنا أبعد ما أكون عن خياله وذاكرته، وحتى عن تصوره؟
ما الذي أنشب هذا العراك؟ هناك سببان:
مختوم البامية
وأنا إن أمنت من الأخطاء المطبعية التي تشكى منها أخي العريف (وأنا مُصِرّ على هذه التسمية)، أنا مستعد أن أوضح هذين السببين:
أولاً: أنه ذكر مرة في مجلة الإذاعة السعودية قبل شهور أن السخرية لا تكون في الكاتب إلاّ بعد أن يكون موصوماً بمركب نقص، وهذا الكلام يوحي إلى القارئ العادي أو العامي أن هناك أناساً لا يتمتعون بمركب النقص، وأنا هنا أقصد معنى التمتع بالذات.
إن كثيرين من الناس من أنصاف وأرباع كاتبين وعاميين أيضاً أصبحوا يتحدثون بسهولة عن الشعور بالنقص ومركبه، والعقد النفسية وما إليها، وكأنهم يتكلمون عندنا عن مختوم بامية أو أرز بخاري، أو على الأقل عن "برَّاد شاهي مضبوط"!
ودوران أمثال هذه الكلمات على الألسن غلطاً أو تقليداً لا ينفي عدم فهمها العلمي على الوجه التام، ولكنه مع ذلك لا يثبته إلاّ في أفراد معدودين درسوا علم النفس واستوعبوه في سنوات طوال.
ولا يكفي أن أسمع كلمة مركب نقص من إنسان في مناسبة فأعيدها في مناسبة أخرى مع عدم ملاحظة الفرق بين المناسبتين!
مركب النقص
مركب النقص قد يكون في الهجائين أمثال: ابن الرومي، وبشار، والحطيئة، وأمثالهم، ولكني في أصح أحوالي العقلية لا أعتقد أن الساخرين لا يبعثهم على السخرية إلاّ مركب نقص موجود فيهم دون غيرهم، وإلاّ فما بال المسخور بهم، وما فرقهم عن الساخرين إذا كان -وهذا هو رأيي- مركب النقص عاماً منتشراً في كل أبناء آدم!
إن كل إنسان في الدنيا لا يخلو من عدة مركبات نقص، لا مركب نقص واحد، وكذلك فإن العقد النفسية موجودة منذ أن وجدت نفوس بني آدم.
وهذه كلها موجودة ومعروفة في الناس قبل أن يوجد فرويد وآدلر ويونج وغيرهم، والفرق الوحيد أنها كانت في الأقدمين حالات نفس متعددة غير واضحة السمات، ولكنَّ فرويد وزملاءه قعَّدوا لهم القواعد، ومهدوا لها بدراسات خاصة أفضوا منها إلى نتائج شبه عامة بعد أن أوسعوا القضية بحثاً وأمعنوا فيها استقصاءً، واُستطيع بعدئذ أن يوجد هناك علم يسمونه "علم النفس".
هذه مؤاخذتي الأولى على أخي العريف، أما المؤاخذة الثانية فإلى مقال تال (2) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :448  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 40 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.